عايز أنام ربع ساعة يا حاجة، والنبي ربع ساعة بس وأعمل لكم اللي أنتم عايزينه

قالها باكيًا يتوسل معلمته بينما يقف زميله الصغير للغاية خلفه ليضع الشنطة على رأسه تارة وأمام وجهه تارة، في الخلفية تسمع صوتًا حادًا يصرخ «ولا» فيلتفت الطفل ويصمت للحظة ثم يستأنف بكاءه،وتظهر صاحبة الصوت بمشية متحفزة ومعها عصا لا تستخدمها داخل الفصل الدراسي لأطفال في يومهم الأول لعامهم الأول بالتأكيد لتهش على غنم أو لتبعد عن وجهها الذباب، ولكن لها فيها مآرب أخرى!

يستمر الطفل في العويل والتوسل لها ويكرر عليها عرضه الطفولي: «سيبوني أنام وأعمل لكم اللي أنتم عايزينه» فتسأله متحدية: «هتعمل لنا إيه يعني؟» وتضع العصا بشدة أمامه بعد ملاحظتها بأن هناك من يصور المشهد وتبادرها زميلة لها قبل أن تصل هي إليه قائلة «إيه يا حبيبي إيه يا حبيبي شوية وهتروح»، فهذا ما يعلمه كل معلم جيدًا! استخدام العصي ممنوع أمام الكاميرات.


إنسانية مفقودة

فكر قليلًا فيما يسبق هذا المشهد المؤلم لطفل لا يتجاوز عمره السبعة أعوام يتوسل لنيل أحد احتياجاته الأولية كإنسان، النوم! ما الذي أوصله لتلك الحالة من البكاء والاستجداء؟ هل قاوم لفترة، ولكن راوده شعور أنه قد يفيد الاستجداء لعلهم يرأفون بحاله وبشكله المرهق؟ أم إنه كان يبكي بصمت داخله حتى فقد سيطرته على نفسه رغمًا عنه؟ كم كان اللوم صعبًا وضاغطًا ومرهقًا لجسده الصغير؟ فكر فيمن سمح لنفسه بأن يقف ليصور طفلًا في تلك الحالة بدلًا من أن يحتضنه ويساعده بل إنه لم يكتف بهذا وحسب، ولكنه أيضًا سارع لنشر لحظة مؤلمة كتلك على الملأ منتهكًا حقه لتكون مادة للسخرية والضحك.

فكر في هذا الطفل بعد يومين أو ثلاثة هل سيلاحقه زملاؤه الصغار قائلين «العيوطة جه؟» بل فكر فيه كمراهق ثم كشخص بالغ هل ستكون هذه حادثة عابرة في حياته تمر مرور الكرام، أم أنها ستترك ندوبًا وعلامات حفرت في تكوينه السلوكي باقي عمره، ويعيد الدائرة الأبدية من جديد، دائرة الإساءة ليأخذ موقعه كجان بعد أن أتم دوره كضحية في الطفولة؟ إذا كنت ترى أن الموقف أبسط من هذا فأنت تحتاج لتعرف الآتي:


المدارس والأطفال

في التعليم المدرسي كل شيء سريع، مع كل صباح على الأطفال أن يستيقظوا فورا للوصول في موعدهم، المعلم لا يملك الوقت ليتواصل مع طلابه تواصل فعال فإن هناك مناهج طويلة يجب أن تنتهي قبل الإمتحانات، الاستذكار في المنزل يجب أن يكون سريعا حتى يتمكن الطفل من خطف بضع ساعات ينامها قبل أن يعيد الكرة في اليوم التالي، ساقية يدور فيها الطالب وليس لديه الوقت حتى في فهم ما جدوى كل هذا، وإن توقف قليلا ليلتقط أنفاسه وجد الأسلحة مشهرة في وجهه، هنا عصا مستعدة لزجره، وهنام وجه عابس يصرخ فيه، لما كل هذا؟ إنها فقط معلومات جوفاء يتلقاها ويحاول الإمساك بها حتى يصل للإمتحانات فيصبها صبا في ورقته، ثم تتبخر ولا يبقى منها إلا أقل القليل إن بقي شيئا، ماذا الذي كان سيفوت هذا الصغير إن نام تلك الربع ساعة التي تمناها بشدة؟

اقرأ أيضا:سلبيات التعليم الأكاديمي المبكر


أهمية النوم للأطفال

هل تتذكر المرات التي لم تأخذ فيها قسطًا كافيًا من النوم، وشعورك بأن جسمك أثقل فكل شيء يحتاج مجهودًا أكبر، وذهنك المشوش فكأن الزمن أصبح أبطأ، وأعصابك المحتدة فلا تتحمل أحدًا؟ هذا أيضًا ما يشعر به الطفل إن لم يأخذ كفايته من النوم والتي تقدر بعشر ساعات ونصف لطفل في السابعة من عمره. جسمه وعقله يحتاجان للنوم، تلك الساعات التي ينام فيها نومًا عميقًا يفرز جسم الطفل هرمونات النمو الضرورية له بشدة في هذا العمر، وأيضًا نوم الطفل يحمي قلبه من الأضرار التي قد تلحق بالأوعية الدموية بسبب التوتر.

قلة النوم تؤدي إلى زيادة الجلوكوز في الدم والكورتيزول وكليهما مرتبطان بمرض السكري وبالبدانة وأمراض القلب، هذا بجانب أن النوم الكافي يمد الطفل بما يحتاج إليه ليكون نشيطًا وتركيزه عاليًا ومزاجه معتدلًا ومستعدًا للتعلم، هل ما زلت تظن أن طفلًا يبكي لأنه يعاني من قلة النوم شيء مضحك بعد؟


أهمية الاحترام للأطفال

هذا الطفل كل ما فعله هو مطالبته بحق من حقوقه، ولكن قوبل هذا أولًا بالعنف اللفظي والمعنوي وعدم احترام حقه هذا، ثم بالسخرية والضحك عليه بعد ذلك، ولكن الأطفال يكتسبون الثقة في أنفسهم واحترامهم لها وللآخرين من خلال السلوك المتبع في التعامل معهم، إن احترمت الطفل ووثقت فيه سيحترم ذاته ويثق بنفسه وبك أيضًا، إن حدث العكس فسيرد ذلك أيضًا عليك وعلى المجتمع بأسره، هذا يعني أن العنف المعنوي، والعنف اللفظي، والعنف الجسدي، والقهر، الحكم على الطفل، وإشعاره بالخزي، والإهمال، كل هذا يؤذي الأطفال وبالتالي يؤذي المجتمع بأسره، لا داعي للتعدي على الأطفال أو الإساءة لهم للسيطرة عليهم فهذا من شيم قليلي الحيلة قليلي العلم بالأطفال واحتياجاتهم وحقوقهم.


أهمية البكاء للأطفال

اسكت، لا تبكي، بكاؤك أزعجني، أنت ولد سيئ لأنك تبكي.

يلقى على سماع الأطفال من تلك العبارات الكثير والكثير، ولكن لما علينا التوقف عن قولها؟ الأطفال الذين ينشئون في بيئة تزدري البكاء يتلقون رسالة دائمة بأننا لا نريد أن نكون بجوارهم إن كانوا لا يشعرون بخير، هذا يجعلهم في المرات القادمة لا يجرؤون على التنفيس عن مشاعرهم السلبية حتى لا ينالهم النبذ، ومع الوقت يفقدون حتى قدرتهم على مواجهة أحزانهم بأنفسهم ولكن سينكرونها ويخجلون منها، ولذلك من المهم أن يصل للأطفال ألا بأس من الشعور بمشاعر سلبية أحيانًا، فقد أثبتت الأبحاث أن البكاء مفيد لكل البشر لا سيما الأطفال، فالبكاء يخفف من حدة التوتر الذي نشعر به، ويساعد على مرور المشاعر بسلام وليس مرورها فحسب، ثورة الحزن والغضب والبكاء لا بد أنها ستأخذ وقتها وتمر مهما طالت، فيتعلم الطفل أن الشعور السيئ لن يلازمه للأبد فيكون أقدر على تقبله لاحقًا والتعامل معه بشكل أيسر.

إذًا النوم حق لهذا الطفل، والاحترام حق لهذا الطفل، والبكاء أيضًا حق لهذا الطفل، هو لم يفعل شيئًا إلا أنه مارس حقوقه تلك، من يستحق سؤاله ومحاسبته هو من أسهم في سلب حقوقه وقسى على طفل صغير ثم انتهك خصوصيته بعرض ضعفه على الملأ وسعى ليجعله مادة رخيصة للضحك عليه والاستهزاء بمشاعره عندما بكى بلوعة، فليعط كل ما يستحق.