مضى حتى اليوم 27 يوما على الحكم بسجن وزير الداخلية السابق حبيب العادلي سجنا مشددا لمدة 7 سنوات، ورغم مرور كل تلك الأيام لم تقم قوات الشرطة بالقبض عليه لتنفيذ الحكم، في الوقت الذي يُعاني فيه الآلاف من البشر من الاعتقال داخل السجون منذ سنوات تحت اسم الحبس الاحتياطي الذي أضفى صيغة قانونية على قرارات الاعتقال والتنكيل بالمعارضين، فيتم تنفيذ العقوبات عليهم دون أحكام، بل إننا صرنا نشاهد بعض القضايا التي يتم الإفراج عن بعض المتهمين من المرضي عنهم واحتجاز المغضوب عليهم في نفس القضية، وهو ما يبرهن على ما وصل إليه حال القضاء المصري، ويدحض كل الشعارات الزائفة التي تتغنى كذبا بعدالة منظومة القضاء في مصر.

لقد جاء حكم إدانة حبيب العادلي وشركائه في واقعة الاستيلاء والإضرار بمال عام بلغمليارين و389 مليون جنيه تقريبا، وهو مبلغ خرافي قام باختلاسها وتبديدها في وقت كانت تُعاني فيه ملايين الناس من فقر مُهين دفع الكثير إلى البحث داخل صناديق القمامة عما يُقيم صُلبهم، ودفع آلافا آخرين للقفز داخل مراكب الموت علّهم يصلون إلى شواطئ تؤمن بحقهم في الحياة ككل البشر بعدما يئسوا من وطنهم الذي طحنهم فسادا وظلما وإجراما على يد العادلي وشركائه وزبانيته، وبعد كل التضحيات التي دفعها هذا الشعب لا يزال قانون السادة والعبيد هو القائم والحاكم في هذه الدولة.

لقد أصدرت المحكمة حكمها السابق على العادلي وهو حر طليق يخرج من الجلسة متوجها إلى منزله الفاخر آمنا مطمئنا لرجاله الذين تركهم داخل الجهاز، والذين تقاعسوا عن تنفيذ الحكم خلال كل تلك الأيام، بمبرر أنهم لم يعثروا عليه، مرددين بعض التصريحات الفكاهية للاستهلاك الإعلامي من قبيل ما صرحت به مصادر أمنية بأنه تم تشكيل فريق من قطاعات الأمن العام، ومباحث تنفيذ الأحكام، والسجون، وأمن الجيزة، للقبض عليه دون نتيجة، ظنا منهم أنهم يُخاطبون شعبا من البلهاء.

فقد تناست تلك المصادر الأمنية أنه قد صدر قرار من المحكمة خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بإخضاع هذا اللص للإقامة الجبرية تستوجب تعيين خدمات أمنية عليه من قوات الشرطة والمباحث لمراقبته على مدى 24 ساعة، حيث لا يُسمح له بالخروج من منزله إلا لحضور جلسات مُحاكمته أو لنقله إلى المستشفى إذا ما تطلب الأمر.

وهو ما تم بالفعل حينما حضر جلسة من جلسات مُحاكمته في نفس القضية يوم الثلاثاء 14 مارس/أذار الماضي، تحت حماية قوات الشرطة التي تقاعست عن إحضاره لجلسة النطق بالحكم، ولا تزال تتقاعس عن تنفيذ الحكم مدعية عدم معرفتها مكانه، وهو نفس الأمر الذي تكرر مع أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق الذي تم الحكم عليه بالسجن 5 سنوات واجبة النفاذ، ولم يتم تنفيذ الحكم بالرغم من ظهوره في الأماكن العامة أمام الناس لسنوات.

وعلى النقيض تماما من ذلك يقبع الصحفي والباحث «إسماعيل الإسكندراني» داخل السجن منذ أن تم القبض عليه يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015 من مطار الغردقة حين وصوله لمصر لرؤية أمه المريضة، حيث تم توجيه عدة تهم ملفقة إليه للتغطية على تهمته الحقيقية، وهي أنه باحث مجتهد كرس سنوات طويلة من حياته في دراسة سيناء والعمل بكل اجتهاد لحل أزمات أهلها، والتي نال عنها جوائز دولية عديدة.

وبالرغم من عدم صدور أي أحكام ضده لا يزال نزيل السجن ممنوعا حتى من رؤية أهله، وكذلك هشام جعفر الباحث الحقوقي الدولي الذي كان له إسهامات بارزة ومهمة في عدد كبير من المشروعات لخدمة الناس وتعزيز المواطنة والحوار، حتى شهد له الدكتور حنا جريس البرلماني السابق والمفكر القبطي وعضو المجلس الاستشاري الذي شكله المجلس الأعلى للقوات المسلحة سابقا قائلا: «لو كانت هناك شهادة تعطى المواطن الصالح في مصر لكان الأجدر بها هشام جعفر».

ورغم سيرته الطيبة وعمله واجتهاده في خدمة وطنه قام النظام باعتقاله في 12 أكتوبر/تشرين الأول عام 2015، تحت تهم لا تمت له ولا لتاريخه بصلة، بل إنه بلغ من التلفيق حد اتهامه بتبني أفكار متطرفة بالرغم من عمله لسنوات طويلة مع مؤسسة الأزهر وغيرها من المؤسسات المصرية والدولية في محاربة الفكر المتطرف، مما دفع مجلس الكنائس العالمي لإصدار بيان يُطالب فيه بالإفراج عنه، متعجبا من توجيه التهمة السابقة له «بالرغم مما نعرفه من التزامه بالعمل الإنساني ومشاركته الإيجابية في الحوار والتفاهم بين الأديان، وانشغاله بحل النزاعات».

ورغم أنه لم يُثبت عليه أي من التهم ولم يصدر بحقه أي أحكام لا يزال نزيلا للسجن رغم تدهور حالته الصحية، وغيره آلاف من المعتقلين بهتانا وظلما تحت اسم الحبس الاحتياطي، في الوقت ذاته الذي تقوم فيه مؤسسة العدالة بالإفراج عن جميع المتهمين في واقعة تعذيب وقتل المواطن مجدي مكين داخل قسم شرطة الأميرية.

بل إن الأكثر غرابة من ذلك أن تقوم محكمة بإصدار قرار بالقبض على المستشار محمود الخضيري وحبسه احتياطيا على ذمة اتهامه بإهانة القضاء، بالرغم من سنه البالغة أكثر من 76 عاما، غير عابئة بتدهور حالته الصحية جرّاء سجنه في سجن غير آدمي لمدة 3 سنوات، في الوقت ذاته الذي سمحت فيه نفس المحكمة ونفس القاضي بمُحاكمة آخرين في نفس القضية وبنفس التهمة وهم مُخلى سبيلهم ودون القبض عليهم، مثل توفيق عكاشة وعبد الحليم قنديل.

بالرغم من قبح وغرابة ما يجري من تواطؤ في تنفيذ الحكم على اللص حبيب العادلي، فإن شهادة سابقة للواء حسن الرويني قائد المنطقة المركزية العسكرية السابق وعضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة سابقا -الذي كان رئيس الجمهورية عضوا فيه هو الآخر- والمستشار الحالي لوزارة الدفاع خلال محاكمة مبارك والعادلي وأعوانهما في قضية قتل ثوار 25 يناير، قد تميط اللثام عن بعض الغرابة فيما يحدث، فخلال شهادته تلك وجه الرويني حديثه للمجرمين مبارك والعادلي قائلا: «إحنا اسفين ليكم يا جماعة»، ثم التفت إلى القاضي وقال: «يا سيادة المستشار; أنا عايز أقول إن الناس اللي في القفص دول كلهم أصدقائي»،وخلال حديثه عن اللص حبيب العادلي قال: حبيب العادلي.. واستدرك قائلا:أنا آسف قصدي حبيب بيه العادلي.