خالد الصفتي: أبطال «فلاش» سيظهرون على التليفزيون قريبًا

من صميم المجتمع المصري، خرجت سلسلة فلاش وسماش، بقطعها الصغير وأبطالها ميدو وسوزي والمواطن مطحون والكلب هرقل وعشرات الشخصيات الذين اعتدنا قضاء وقت ممتع ونحن نضحك على مواقفهم الساخرة ومغامراتهم في المدينة، ثم نجد حالنا هو الذي منه نسخر، فكانت سخرية لاذعة على صفحات أول مجلة عربية مصوّرة من نوعها، والأهم أن كل نسخة كانت شخصية جدًا؛ تجد فيها قلمك ورسمك الذي حللت فيه الألغاز و ربما دائرة رسمتها حول معلومة أو واحدة من عجائب الدنيا.. ولهذا يندر أن يخلو بيت من تلك المجلات المحببة المفيدة.

ذهبنا إلى بيت المؤلف نحمل ذكريات عن أبطال خمس نجوم، يخوضون مهمة خاصة جدا، يسافرون عبر العالم وأحيانا عبر آلة الزمان، تدور مغامراتهم في الترام وأحيانا بحثأ عن كنز الفرعون.. ذكريات لأبطال لم يكونوا فقط من ورق، وكان لنا معه هذا الحوار:

من رسّام وكاتب أطفال هاوٍ إلى واحد من مؤلفي أشهر سلاسل الجيب.. كيف بدأت رحلتك مع المؤسسة العربية؟

لو عدنا قليلا للوراء فقد كنتُ في تلك المرحلة – وأعني بها الثمانينات- رسامًا حرًا وكاتبًا للأطفال وتُنشر أعمالي في العديد من المجلات المصرية ومنها «صندوق الدنيا» و«سمير».

أعترف بأنني كنت محظوظًا بتعرفي إلى ناشر مثل الأستاذ حمدي مصطفى صاحب المؤسسة العربية؛ وهو رجل مثقف وله ذائقة ورؤية فيما ينشره. أنا كنت ثالث كتّاب المؤسسة بعد د.نبيل فاروق والكاتب شريف شوقي، وكانت سلسلة «فلاش» فكرة الناشر لما عرفه عني من ميل للرسوم الكاريكاتورية والكتابة الساخرة.

هل كانت «فلاش» استنساخًا مصريًا من مجلات الكوميكس الشائعة عالميًا؟

لا أحب تشبيهها بالاستنساخ؛ لأنها حملت شخصيتها الفريدة المبنية على ظروف المواطن المصري وأحواله، لكن بالفعل فكرة المجلة واتت الأستاذ حمدي في إحدى زياراته لباريس، وقد أُعجب ببعض المجلات الفرنسية وأبطالها الكاريكاتوريين، وهنا فاتحني بأن أكتب مجلة مصرية على غرارها ولكن بالطبع كانت تجربتنا مختلفة ولها بصمتنا الخاصة.

أحدثت روايات الجيب نقلة كبرى لدى القراء مصريًا وعربيًا.. في رأيك ما الذي تميّز به مؤسس تلك السلاسل؟

كان هناك «مايسترو» يضبط إيقاع السلاسل بموهبة واطّلاع وحس إبداعي، وهو الأستاذ حمدي الذي لو تتبعنا معه رحلة المؤسسة العربية الحديثة وكيف واكبت مستحدثات النشر في مجال المناهج التعليمية أو النشر الخاص في وقت مبكر مثل الأربعينات والخمسينات، لعرفنا أن هذا الرجل كان بالفعل موهوبًا ومحبًا للرسالة التي يؤديها للقراء والطلاب، وكان متذوقًا للفنون والآداب، إلى جانب سماته الشخصية التي جذبت إليه المؤلفين الموهوبين. كانت تلك التوجهات عند الأستاذ حمدي تسبق الربحية المهيمنة اليوم على الناشرين، أو أغلبهم للدقّة، وهنا يتحول الناشر من صاحب رسالة لمجرد تاجر في سلعة وهي «الكتاب»!

هل حققت «فلاش» أرباحًا حقيقية للمؤسسة العربية؟

أعتقد أنها حققت رواجًا كبيرًا قياسا بالمجلات الشائعة في وقتها؛ لكن مع ذلك أتذكر أن الأستاذ حمدي مصطفى قد أخبرني أنه يضطر في أحيان كثيرة للإنفاق على الروايات المصرية للجيب من مبيعات كتاب المؤسسة التعليمي الأول «سلاح التلميذ» لأنه كان في النهاية يحدد سياسة تسعير لأعداد السلاسل تلائم القاريء العادي، فكان العدد رخيص فعلًا، وربما كان يكافيء فقط ما تنفقه المؤسسة على أجور المؤلفين والمصممين والطباعة وما شابه في معظم الأحوال.

وهل كنت تشعر بالرضا في علاقة المؤلف بالناشر؟

إلى حد كبير كان ذلك الشعور موجودًا، وكنت متفرغًا تقريبًا لأعداد «فلاش» و«سماش»، أكرس خبراتي في الرسم والكتابة لإخراج كل عدد، وكنت أجني لقاء ذلك أجرًا يكفيني شخصيًا للاستمرار، وأجني أمرًا أهم وهو حب الناس الذي صنع لي شهرة محببة، كما كنت أجد مساحة من الحرية في الإبداع والتفكير وهذا ما كنت أبحث عنه. أستدعي الآن كذلك مواقف صداقة وإنسانية طيبة كانت تربطني بالناشر ومؤلفي السلاسل المبدعين وهذه البيئة أيضا دافعة للعطاء كمؤلف أو فنان.

«المواطن مطحون» و«البحار الغبي» و«سامح جوخ» كان هؤلاء بين أبطال سلسلتك الساخرة يُعبّرون عن أحوال المصريين.. حدثنا عن ذلك

لازلت مقتنعًا أن مشكلة مصر والعالم الثالث ككل هي شيوع الفساد وتبعاته من فهلوة ونفاق وتصنيف للآخر بشكل عشوائي؛ فهذا ناصري وهذا ليبرالي وهذا يساري وهذا إسلامي، واليوم أصبح الجميع مثل قطيع يتبع كل صيحة و«تريند» بدون تفكير، وأحيانًا بدون خجل، حتى لو مسيئة لأنفسنا وثقافتنا.

أبطالي يتصرفون بسلوكيات المصريين الذين طحنهم الروتين والتعقيدات والرشوة والشائعات، وكنت أختار في كل عدد من «فلاش» موضوعا وأنظر كيف سيتفاعل الأبطال معه، أصحاب السلوكيات الإيجابية والسلبية، وأظن أن مضمون المجلة كان بالإضافة لكونه ترفيهيا يهدف للمتعة ولكنه أيضًا مفيد ويثير أسئلة حول واقعنا والسلوك الإيجابي حياله.

كيف واجهت أزمة إيجاد مضمون ورسوم مصاحبة لكل عدد منفردًا؟

كنت شغوفًا ومعنيًا بالأمر، وقد ارتبط بكياني واسمي، وكنت أسهر للكتابة ووضع الرسوم، وشيئًا فشيئًا أصبحت يداي معتادة على وجوه الأبطال بشكل يكاد يقترب مما تفعله البرامج الحاسوبية التي لم نكن نعرفها آنذاك ،وكان العمل يتم بشكل يدوي.

كنت مهتمًا بكل فكرة ومعلومة وفزورة وحكاية، وأسعى لأن أطور كل عدد عن سابقه وأرضي كل القراء وأعمارهم، فلم تكن مجلة مراهقين صغار كما يتصور البعض، وكان العدد يستغرق نحو 3 أسابيع على الأقل وقد يصل لشهور، وكنّا نستقبل رسوم وفوازير القراء وننشرها أيضا، فهي مجلة مهتمة بتفاعل القاريء وتحترم عقله ورأيه ولا تستخف به، ولولا ذلك لما عاشت تلك السنوات.

ألا تعتقد أن مصر ما زالت بعيدة عن تقدير الكوميكس والرسوم المتحركة؟

بالطبع؛ وذلك على الرغم من امتلاك مصر عشرات المبدعين، لكن للأسف لا يجدون من يساندهم ماديًا، ومن المعروف أن تكلفة أفلام الرسوم المتحركة كبيرة، وتحتاج لمنتج مؤمن بما يقوم به، وأعتقد أنه جهد لابد أن تقوم به مؤسسات وتسانده الحكومات كما يحدث خارج مصر.

بصراحة.. لماذا توقفت عن إبداع أعداد جديدة من فلاش منذ 2015؟

فلاش بطابعها المعتاد كانت ابنة مرحلة معينة، وكانت المؤسسة العربية الحديثة متجهة بقوة لإنتاج روايات مصرية للجيب، ربما اليوم تراجع هذا الحماس قليلا لأنها صناعة مُكلّفة، ولأن الاتجاه للطباعة نفسه تراجع وأصبحت الأعمال الرقمية هي الاتجاه العصري، لكن على أية حال عدنا اليوم بحُلّة جديدة أكثر عصرية تلائم جيل يحب المشاهدة والرسوم المتحركة.

على ذِكر تطور الأجيال.. هل لو عادت مجلة فلاش ستكتبها بشكل مختلف؟!

أعتقد أنني سأميل لتحويلها لتطبيق تفاعلي للأطفال أكثر منه مجرد مجلة ورقية بقطع الجيب.. ربما إن وجدت التجربة من يدعمها أتحمس للقيام بذلك.

ما أجمل المواقف التي جمعتك بقراء فلاش؟

لازالت تصلني حتى اليوم رسائل كثيرة من القراء، وصور لاعداد قديمة لفلاش يستعيدونها من المكتبة، وكثيرًا ما التقيهم في معرض القاهرة للكتاب وأجد حرصًا على اقتناء أعداد السلسلة من قبل الكثير من الأسر، خاصة حين يكون الأبوان والأبناء من قراء السلسلة القدامى.

هل يؤلمك انتقاد سلاسل الجيب وبينها «فلاش» من الناحية الإبداعية؟

يحدث هذا كثيرًا ولكني فعلت ما اقتنعت به وأحببته فلا يعنيني كثيرًا الانتقاد، لأن القراءة اتجاهات وأذواق، وقد كنّا نتعمد الكتابة بشكل مفهوم للقارئ، ولا مجال لمقارنة كتاب الجيب بأدب محفوظ مثلا فهذه مقارنة خاطئة من الأساس لاتجاهين مختلفين.

ما مميزات الكتّاب الشباب اليوم وما عيوبهم مقارنة بجيلك؟

كما ذكرت هناك صعود غير مبرر لعدد من الأسماء من الكتّاب الشباب، لا يمتلكون الموهبة التي تؤهلهم ليصبحوا نجوم المبيعات، ومع ذلك تجد إصرارا من القراء الشباب الصغار على اقتناء أعمالهم لأنه يحكمنا حاليا فكرة التريند أكثر من الإبداع نفسه، ولهذا عانى كثير من المبدعين الحقيقيين من الانغمار بعيدًا عن الأضواء لأنهم لا يجيدون تسويق أنفسهم للقراء على مواقعهم.

ومن جهة أخرى ألاحظ أن الشباب اليوم أكثر ميلا للثقافة البصرية والهواتف المحمولة بشكل أصبح يلغي عقولهم ويجعهم مجرد تابعين وجزء من ترويج التريند والتفاعل معه وهذا خطر كبير وينتج شخصيات مشوهة وهو خطر متفشٍ في بلدان العالم ومن أكبر عيوب العولمة.أعتقد أن الموبيل والوسائل التي تسمي نفسها بـ«التواصل الاجتماعي» ورغم فوائدها ولكنها تدمّر علاقاتنا وتحولها لجمل باردة نكتبها في المناسبات بدون زيارات ولا مجالس دافئة عائلية!

نحن على موعد مع أبطال «فلاش» على الشاشة قريبًا.. أليس كذلك؟

بالفعل؛ وهي تعد التجربة الإنتاجية الأولى لسلاسل المؤسسة العربية الحديثة، وتم حشد العديد من المبدعين كي تخرج بشكلٍ احترافي مبهر وممتع. وللحق عليّ أن أعترف أنه يندر أن تجد منتجًا يتحمس لتكبُّد أجور المصممين والمخرجين وفريق متكامل، دون معرفة أرباحه مسبقًا. أما متى تظهر فهو أمر يتعلق بتوقيع تعاقد مع محطة ملائمة لعرض الحلقات. وعمومًا أجد لدي الحماس حاليًا للتواصل مع جمهور فلاش عبر لغة عصرية مبدعة ويسعدني كثيرا أن يدخلوا مملكة «فلاش» كما اعتادوا بعد أن يرتدوا نظارة الأمل.