حالة طلاق كل دقيقتين ونصف الدقيقة، أكثر من 2500 حالة يومياً، 7 ملايين طفل مشرد… كانت هذه بعضاً من أرقام تقرير صادر عن مركز معلومات مجلس الوزراء المصري عن عام 2018، رصد جانباً كبيراً من أسباب تفك الأسرة المصرية وتراجع نسب الزواج مقارنة بحالات الطلاق. فقد بلغت عدد شهادات الطلاق الموثقة 211 ألفاً و554 شهادة عن عام 2018 بزيادة 6.7% عن عام 2017.

 وُجهت أصابع الاتهام لكثيرين في أزمة تهدد بنية المجتمع المصري برمته، منهم الأوضاع الاقتصادية والسياسية والثقافية، إلا أن المتهم الأكبر كان قانون الخلع الذي اُتهم بالتسبب في نحو 83.5% من عدد حالات الطلاق لعام 2018، لتخرج دعوات مجتمعية وسياسية لإعادة النظر في القانون إلا أن الجمعيات النسوية وكثيرات لهن رأي آخر مطالبات بالحفاظ على القانون وقوانين أخرى اتهمت هي الأخرى بهدم الأسرة المصرية.

جدل متجدد: كيف كانت البداية؟

 في الـ29 من يناير/كانون الثاني عام 2000، خرج قانون الخلع إلى النور معلناً حق الزوجة في رفع دعوى ضدّ زوجها إذا بغضت الحياة معه، وخشيت بسبب هذا البغض ألا تقيم حدود الله. أقر القانون في هذه الحالة حق الزوجة أن تفتدي لنفسها بإرجاع المهر للزوج والتنازل عن كافة حقوقها المالية الشرعية.

لم يعن التنازل هنا التخلي عن كل شيء. فما زال من حق الزوجة المطالبة بقائمة منقولاتها الزوجية ونفقة الأطفال ومسكن الحضانة. فالأولى دين في ذمة الرجل، والثانية حق للأطفال لا يسقط سواء بالطلاق أو الخلع.

لقي القانون بهذا الشكل بهذا الشكل ترحيباً كبيراً من جمعيات المرأة والسيدات عموماً. فلأول مرة أصبح للمرأة الحق في أن ترفع دعوى خلع ضد زوجها وتنفصل عنه بإراداتها. ولا يكلفها ذلك سوى شهور قليلة ترفض خلالها محاولات المحكمة بالصلح بينها وبين وزوجها، وتؤكد أنه لا سبيل لاستمرار الحياة الزوجية وأنها تخشى ألا تقيم حدود الله. حينئذ تصدر المحكمة حكماً نهائياً غير قابل للطعن الذي دائماً ما أطال قضايا الطلاق لسنوات ما بين أول درجة واستئنافها، ونقض الحكم.

وعلى عكس الطلاق، لا يحتاج الخلع إلى الاستفاضة في سرد الأسباب أو إثبات الضرر الذي عادة ما يصعب إثباته في ظل الحاجه إلى شهود عيان ويزداد صعوبة إذا كان الضرر نفسياً.

أمام هذه المميزات التي منحها القانون للمرأة، وما يمكن أن يترتب عليه من تداعيات سلبية، خرجت الأصوات المحافظة لتندد بالقانون، كان في مقدمتهم الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر السابق الذي تمت إقالته من منصبه بعد ما رفض التوقيع على القانون على أساس أنه جرد القاضي من السلطة التقديرية وجعله بمثابة مأذون يطلق الزوجة ما دامت مصرة على الخلع.

رأت أصوات أخرى في القانون أنه جاء لغرض سياسي لا اجتماعي. اعتبرته قانونا من قوانين السيدة سوزان مبارك التي تصب في صالح المرأة دون النظر لتبعاتها على المجتمع حتى وإن كانت تفاقم الأزمة لا تحلها. دعم رؤيتهم للأمر ، ما تلى قانون الخلع من قوانين وقرارات تصب في صالح المرأة من قبيل القرار رقم 1087 لعام 2000 الذي حدد مدة رؤية الطرف غير الحاضن لأطفاله بـ3ـ ساعات فقط أسبوعياً. والقانون رقم 4 لسنة  2005 الذي رفع سن الحضانة للأطفال إلى 15 سنة، والقانون رقم 126 لسنة 2008 الذي سلب الولاية التعليمية من الأب (الولي الطبيعي) ومنحه للأم الحاضنة.

أدت هذه القوانين إلى تحريك دعاوى لإسقاط قانون الخلع، لكنها انتهت جميعا بالرفص وأكدت المحكمة دستوريته. ومع هذا فالتساؤل عن تداعيات القانون، وما إذا تسبب في ارتفاع معدلات الانفصال في مصر؟ ما زال في حاجه إلى إحصائيات تخبرنا بحقيقة الأمر.

ماذا تخبرنا الأرقام؟

واقع الإحصائيات المتعلقة بالخلع في مصر، تشير إلى أن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بدأ منذ عام 2008 في إدراج الخلع كأحد أسباب الطلاق الصادر بها حكم نهائي من المحكمة. ففي هذا العام جاء الخلع في مقدمة أسباب الطلاق بنسبة 48.5%.

ظلت هذه النسبة ترتفع لتصل إلى 66% عام 2010، ثم 67% عام 2012، ثم 75% عام 2014، وبلغت حوالى 70% عام 2016. ورغم انخفاضها كسبب رئيسي من أسباب الطلاق ذلك العام، إلا إنها عادت للارتفاع مجدداً عام 2017 فشكلت نحو 76.9%، ثم بلغت أقصاها عام 2018 حيث وصلت إلى 83.5% من إجمالي حالات الطلاق الصادر بها أحكام نهائية من المحكمة. وطبقاً لإحصائيات محاكم الأحوال الشخصية فحالات الخلع ذلك العام (2018) تخطت 250 ألف حالة.

أمام هذه النسب المتزايدة تعددت المطالبات من داخل البرلمان وخارجه بتعديل قانون الخلع، ووضع ضوابط على استخدام المرأة له. من بين هذه المطالبات مشروع قانون يحصر الخلع في حالات العجز الجنسي، ويطالب بتخفيض سن الحضانة إلى 9 سنوات بدلا من 15 لتنتقل الحضانة إجبارياً بعد هذه السن إلى الطرف الآخر.

كما يطالب بترتيب الحضانة ليصبح الأب الأرمل رقم 2 مباشرة بعد وفاة الأم، والأب الطبيعي رقم 4 بعد الأم وأم الأم وأم الأب، فضلاً عن إلغاء نظام الرؤية الحالي واستبداله بالاستضافة لمدة لا تقل عن 24 ساعة أسبوعياً.

السبب الذي يعلنه أصحاب هذه المطالبات، أن قانون الخلع وإن كان الملاذ الآمن لعدد من الزوجات للهروب من جحيم الحياة الزوجية، إلا إنه في نفس الوقت كان القانون سلاحاً في يد المرأة لتطليق نفسها وتسبب في ارتفاع معدلات الطلاق بالمحاكم بشكل كبير .

هل الخلع العامل الخفي وراء الانفصال؟

في المقابل من هذه المطالبات، وبالنظر إلى إحصائيات الخلع السابقة، يمكن القول إن هذه النسب وإن أشارت إلى تزايد معدلات الانفصال عن طريق الخلع بشكل مستمر، لكن هذا لا يعني أن قانون الخلع هو السبب المباشر والرئيسي وراء الانفصال. فالقانون هنا آلية سهلت الانفصال، لكن لم تخلقه. فحالات الطلاق والانفصال لا تحدث بسبب القانون ولكن نتيجة أسباب أخرى من قبيل العنف أو سوء الاختيار، أو الظروف الاقتصادية وغيرها الكثير من العوامل.  

هذا ما تبنته وأكدته العديد من الحقوقيات وأنصار المرأة، واللاتي رفضن اتهام قانون الخلع بالوقوف وراء تزايد معدلات الطلاق. ففي حديثها إلى «إضاءات» أكدت الدكتورة عزة كامل الكاتبة والناشطة في مجال حقوق المرأة أن قانون الخلع ليس السبب الرئيسي وراء انفصال الأسر المصرية، وأن عدد حالات الطلاق أكبر كثيراً من عدد حالات الخلع، مشيرة إلى أن السبب وراء ارتفاع معدلات الطلاق بالخلع يرجع في كثير من الأحيان تعنت الرجل.

 فهذا التعنت هو ما يدفع الكثير من النساء إلى اللجوء إلى الخلع. فالقانون هنا سهل على المرأة عملية الانفصال، لكنه ليس السبب الرئيسي. بل إنها الخاسر الأكبر  بهذا الإطار، إذ تتخلى من خلاله عن حقوقها الشرعية وترد ما اكتسبته من حقوق مالية مقابل أن تنال حريتها.  

أما من حيث المطالبات بتعديل القانون أو وضع ضوابط تحد من قدرة المرأة على تطليق نفسها، فرأت كامل أنها مطالبات غير مشروعة ولا يجب المساس بالقانون خاصة أنه حق مشروع للمرأة، ولا يتعارض مع الشريعة الإسلامية. موضحة أن الخلع حدث بالفعل بعهد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) حينما جاءته امرأة ترغب في الانفصال عن زوجها فسألها أتردين عليه حديقته؟ قالت نعم، فأمر بتطليقها.

الأمر ذاته أكدته عدد من الناشطات الأخريات إذ أوضحن أن ارتفاع نسبة الطلاق بالخلع إلى 83.5% من إجمالي حالات الطلاق بالمحاكم، يشير إلى مدى الظلم الذي تتعرض له المرأة، وعدم انصاف القانون لها. فإذا كانت هناك آلية تردع الزوج حال الإساءة لزوجته، لما لجأت الزوجة للخلع، ولكن في ظل الافتقاد إلى الآليات المنصفة وطول أمد التقاضي في حالة رفع دعوى الطلاق وتجاوزها سنوات دون الفصل، تضطر الزوجة للتنازل عن حقوقها واللجوء إلى الخلع لأنه يستغرق وقتًا أقل داخل المحاكم.

هكذا فقانون الخلع بالنسبة لهن لم يثر مشاكل كثيرة ولم يتسبب في انفصال الأسر، ولكنه فقط أعطى حرية للمرأة في استمرار حياتها الزوجية بلا ضغط أو إكراه.

لكن في المقابل من هذا الرأي، يرى العديد من علماء الأزهر أن الخلع وإن كان حق مشروع للمرأة وثابت بالقرآن والسنة والإجماع، وذلك بقول الله تعالي: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ). إلا أن هذا لا يعني التأييد المطلق للقانون الحالي ولا ينفي دوره في زيادة معدلات الطلاق. وهو ما أوضحه صراحة مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام، حينما أكد أن ارتفاع نسب الطلاق خلال السنوات الماضية يرجع في أحد جوانبه إلى قانون الخلع، داعياً إلى إعادة النظر في مواده، حتى لا يتم ترك الباب مفتوحاً أمام المرأة واللجوء إليه دون ضوابط.

بهذا السياق، تعددت التحركات التي دعمتها دار الإفتاء لتعديل القانون للحد من معدلات الطلاق، وأعلن الأزهر عن انتهائه من إعداد مشروع قانون الأحوال الشخصية، سيتم إرساله للحكومة ومن ثم إلى البرلمان. لكن هذا أثار حالة من السخط والتذمر في الأوساط النسائية، حيث تعددت المطالبات بعدم المساس بقانون الخلع، وناشدت عدد من الجمعيات النسوية المجلس القومي لحقوق المرأة، للتضامن معهن، وتنظيم وقفة تضامنية للتأكيد على ضرورة الحفاظ على مكتسباتهن وفي مقدمتها قانون الخلع.

وبالفعل حصلت جمعية نهوض وتنمية مصر على تصريح من وزارة الداخلية لتنظيم الوقفة في 27 من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، بميدان سرايا الجزيرة، للمطالبة بعدم المساس بحق المرأة في طلب الخلع أو طرح القانون للنقاش عقب سنوات من تطبيقه.