آخر الزمان احنا والله.

عبارة جازمة قاطعة، تقال في التّعليق على غرائب تحدث في سياقها السّياسي أو الاجتماعي أو التكنولوجي، ولكن لا ينعدم أيضاً من يؤمن بأننا نعيش فعلاً أحداث آخر الزمان، ويستدل على ذلك بكل المتغيرات الحادثة في عصرنا، دون أن يخطر بباله أن في كل زمان تقريباً كان هناك من يعتقد ذلك ويؤكده بإصرار.


نبوءات بلاد الشام

هذه الجملة تلخص النبوءات الدينية التي، وللمفارقة، تتفق عليها الأطراف التي تقف ضد بعضها في الصراعات، مع اختلافات ضئيلة تدور حول من هي الطائفة أو الجماعة التي ستسود، إذ تحاول كل طائفة أن تستشهد بالأحداث الحالية الدائرة في الشرق الأوسط بما يتوافق مع رواية نصوصها الدينية لأحداث آخر الزمان، وبما يصب في مصلحتها بالطبع، وتستخدمه في حشد الدعم لمواقفها.

وبعد الثّورة السّورية تحديداً تمّ بشكل واضح تداول الأحاديث النبويّة المتعلّقة بأحداث آخر الزمان التي ستدور رحاها في بلاد الشّام، فمثلاً ما يجري الآن من قصف وهجوم من النّظام السّوريّ وحلفائه على الغوطة الشّرقية انتشر على مواقع التّواصل الاجتماعيّ حديث عن أبي الدَّرداء أن رسولَ الله (صلَّى الله عليه وسلم) قال: «إن فُسْطَاطَ المسلمينَ يومَ المَلحَمَةِ بالغوطة، إلى جانب مدينةٍ، يقال لها: دمشقُ مِن خيرِ مدائن الشام» وفي أحداث سابقة يستدلّ المحذّرون من الانجراف وراء الأحداث بحديث ورد فيه: «تكون فتنة بالشام أولها لهو الصبيان ثم لا يستقيم أمر الناس على شيء».

فأهل السنة إجمالاً يؤمنون بما ورد في الأحاديث النبوية عن حرب فاصلة تدور في بلاد الشام «الملحمة الكبرى»، أحداثها جسيمة ويكثر فيها القتل، ولكنها تؤدي لانتصار المسلمين وظهور المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً، وينزل المسيح عليه السّلام ويعود بيت المقدس للمسلمين.

وسابقاً، استخدمت داعش هذه الفكرة باقتدار في دعايتها الأيديولوجية، يظهر هذا في الأسماء التي يعطونها لإصداراتهم الإعلامية مثل «دابق» و«أعماق»، ويتّضح هنا الاقتباس من الحديث الشّريف: «لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ».

وفي الجانب الشيعي، الفكرة متشابهة، مع الاختلاف أن الفئة المنتصرة ستكون شيعة أهل البيت، فنجد أحاديث منسوبة لآل البيت يكثر الاستشهاد بها في سياق التّعليق على الأحداث الدّائرةـ مثل الحديث المنقول عن أبي جعفر عليه السلام: «يا جابر، لا يظهر القائم حتى يشمل الناس بالشام فتنة يطلبون المخرج منها فلا يجدونه، ويكون قتل بين الكوفة والحيرة، قتلاهم على سواء، وينادي مناد من السماء…»، وحديث آخر يقول:

«…قتل فظيع، وموت سريع، وطاعون شنيع، ولا يبقى من الناس في ذلك الوقت إلا ثلثهم، وينادي مناد من السماء باسم رجل من ولدي، وتكثر الآيات حتى يتمنى الأحياء الموت مما يرون من الأهوال، فمن هلك استراح، ومن يكون له عند الله خير نجا، ثمّ يظهر رجل من ولدي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً…».

واللافت للنّظر أن نصوصهم اشتملت على ذكر للأكراد وثورتهم وارتباطها بظهور المهدي، الأمر الذي لم يرد مثله في نصوص أهل السّنّة.


استغلال النبوءة لمصالح سياسيّة

الاستشهاد بنبوءات مستقبلية وتسخيرها لمصالح سياسية ليس جديداً، و ليس خاصاً بالمؤمنين أتباع الديانات، استخدمتها الصهيونية العالمية للترويج لفكرة إنشاء دولة يهودية، واستخدمها المحافظون الجدد في الترويج لغزو العراق وحتى النازيون استخدموها.

لذا ربّما من المفيد للمحللين السياسيين وللباحثين في سياسة الدول الكبرى والمؤثرة على منطقتنا الإطلاع على نسختهم من التوقعات لأحداث المستقبل، والاستفادة منها لفهم جانب من دوافعهم وكيفية قراءتهم لمستقبل المنطقة المرتبط بمستقبلهم هم وتصوراتهم لإدارة الصراع. ولاهتمام المتابعين بهذه النبوءات، تورد المواقع الإخبارية من حين لآخر أنباء عن توقّعات العرّافين وتربطها بالأحداث الجارية أشهرها نبوءات «نوستراداموس» التي تطل نصوصها الشعرية بين الفينة والأخرى. وكذلك قبل ثلاث سنوات، ما نشرته مواقع مثل سي إن إن العربية وروسيا اليوم وتداولته مواقع عربية أخرى حول الراهبة البلغارية فانغا حين وفاتها، وذكرت سلسلة التنبوءات التي أطلقتها وحصلت فعلاً رغم أنها قروية أمية عمياء.


لماذا تشيع النبوءات في أوقات الصّراع؟

وهناك تعليلات مختلفة لتمسك عامة الناس بفكرة اقتراب «آخر الزمن» التي تتكرر كلما أحاطت الظروف السوداء بالمنطقة، يذكر بعضها الاختصاصي في الطب النفسي علاء فروخ ومنها أنّ هذه النبوءات تحمل طبيعة الخوارق والناس بطبيعتهم يكرهون الروتين والمألوف، فيكون الإيمان بحدوث هذه الوقائع في المستقبل نوعاً من كسر العادي في حياتهم.

والأمر الثاني هو الواقع الصعب الذي يدفع للهروب نحو المستقبل، وتمنح هذه النبوءات دفعة أمل حين لا يكون هناك مخرج واضح، كما يظهر الأمر في الأحداث السورية ونتائج الربيع العربي. وهناك تفسير آخر يذكره الباحث في الشؤون السياسية حسن أبو هنية إذ يعتبر أن ظاهرة استخدام باب الملاحم والفتن تنشط في الأزمات وخصوصاً المتعلقة بأزمات الهوية نظراً لطبيعة حروبها الوجودية.


ماذا يقول علماء الحديث عن كيفية التّعامل مع أحاديث آخر الزّمان؟

نعم، سيكثر القتل وسيعمّ الدّمار، ولكن هذا ممّا لا بدّ منه، ففي النهاية سينشأ عالم جديد كليّاً، تسود فيه القيم الفاضلة، وسيعمّ الرخاء والسلام وستسعد البشريّة أخيراً.

جمع علماء الحديث الأحاديث الواردة عن النّبيّ – صلّى الله عليه وسلّم – التي تتضمّن في سياقها ذكراً لأحداث ستجري في المستقبل تحت أبواب مثل «الفتن»، «المسيح الدجال»، «ما ذكر حول يأجوج ومأجوج»، «أشراط الساعة»، وجواباً على سؤال حول إمكانيّة إسقاطها على ما يدور في زماننا الحالي حدّد الدكتور شرف القضاة أستاذ الحديث النبوي وعلومه في الجامعة الأردنية منهج التعامل مع أحاديث الفتن وأشراط الساعة (الأحداث المستقبلية) بأنه يقوم على ركنين، الأول: ثبوت الأحاديث النبوية، أي أن تكون صحيحة، والثاني: دلالة الأحاديث أي فهمها فهماً صحيحاً، فلا بد من الاعتماد على الأحاديث الصحيحة الثابتة، حين الحديث عن الفتن وأشراط الساعة، وفهمها بطريقة صحيحة قويمة.

ومن بين الضوابط المهمة في فهم دلالة أحاديث الفتن وأشراط الساعة، وفق شرح الدكتور القضاة «عدم الجزم بإنزال الحديث على واقعة معينة إلا إذا كان الأمر في غاية الوضوح ولم يختلف فيه العلماء، فإن اختلفت فيه أنظار العلماء فلا ينبغي الجزم به، بل ينبغي القول: ربما يكون المقصود بالحديث هو كذا…».

ونبه الدكتور القضاة إلى أن إسقاط الحديث على الواقع «لا بد أن يكون من شخص: عالم بالأحاديث والفهم التكاملي لها، والتوفيق بينها عند الحاجة، وعالم بالواقع، فالأمر ربما يختلف من مكان إلى آخر، فبعض الناس لم يغادر بلده أبداً، فيظن أن كل العالم كبلده، من حيث العادات والتقاليد، أو يظن أن كل البلاد العربية والإسلامية كبلده، فينبغي التنبه لذلك وعدم التعميم».

وأضاف الدكتور محمد مختار المفتي أستاذ علم الحديث بجامعة آل البيت شرطاً آخر، وهو أن يتّصف بالاعتدال الفطريّ في النّظر، وفسّره بمعنى ألا يكون حادّاً متطرّفاً لا ينظر إلّا إلى الجانب المظلم من الأمور أو مثاليّاً ينظر إلى الجانب المشرق فقط.

ما سبق ذكره يوضّّح مدى حساسيّة الأمر دينيّاً وصعوبة القفز إلى الاستنتاج بأنّ الأحداث الجارية في منطقتنا الملتهبة ما هي إلّا تحقّقات لأمارات آخر الزمان لا يد ولا حيلة للشّعوب فيها، وإغفال الواقع السّياسي الحقوقيّ الذي يحمّل الفرد والمجتمع مسؤولية المطالبة بالحرّيّة ورفع الظّلم والاستبداد، على الرّغم من مآلات الأحداث التي سارت بطرق أخرى جلبت واقعاً أشدّ قتامة، حملت النّاس على الشّعور بقلّة الحيلة وانعدام الجدوى فهم مجرّد شهود حائرين خائفين أمام عاصفة «آخر الزّمان».