يتميز شهر رمضان عن بقية شهور السنة بحرص المسلمين على إقامة الولائم لغيرهم؛ موائد طعام ممتدة في الشارع، «عزومات» فاخرة في البيوت للأقارب عامرة بما لذ وطاب من الطعام، وغيرها من الأحداث التي تتطلب إعداد كميات كبيرة من الطعام لتناولها على الإفطار.

عقب انتهاء الإفطار، فإن تلك الكميات عادةً ما تكون أكبر من أن تُؤكل في مرة واحدة مهما كان المُفطرون جائعين، وهو ما دفعنا للتساؤل عن مصير هذا الطعام المتبقي.

حاولنا التوصل للإجابة في التقرير التالي.

ربة منزل: «الغلابة مش هيتبطروا على حاجة»

تسرد سيدة أربعينية، تدعى سوسن عنتر، حكايتها مع إعداد مائدة الرحمن في شهر رمضان منذ قرابة 10 سنوات بحي البساتين، قائلة: «بنوي كل سنة أعمل الفطار علشان أأكل الحبايب»، مضيفة أنها تعد تلك المائدة لجيرانها وأصدقائها في العمل.

وأضافت «عنتر» أنه عقب انتهاء مائدة الإفطار تعكف على جمع المتبقي من الصائمين، موضحة: «الباقي زي العيش وفضلات الأطباق بجمعه وأرميه للطيور اللي عندي، أو أديه لحد من جيراني عنده طيور».

وأشارت إلى أنه يتم تجميع الأكل الذي ما زال بشكل جيد، ووضعه في أطباق «فويل»، وتقديمه للمارة مثل عمال النظافة.

وبسؤالها عن مدى تقبل المارة لأخذ المتبقي من فضلات موائد الإفطار، قالت: «في ناس غلابة كتير محدش هيتبطر على حاجة، أهو يتسحر بيها، بدل ما يروح يشتري فول وبيض، والحاجة بقت غالية».

هدى: نرسل الفائض للجيران من باب المودة

ومن جانبها قالت سيدة في العقد الخامس من عمرها، بحي المقطم، إنها تعودت طوال عمرها على النظام، والفضل في ذلك يرجع لوالدتها، التي علمتها ذلك، فتحكي السيدة هدى عبد العليم، كيفية إعدادها لموائد الإفطار التي تقيمها لأولادها الثلاثة، أو أقاربها من الدرجة الأولى في رمضان، مشيرة إلى أنها تكتفي بالنواشف والأكل الذي يمكن تسخينه في اليوم الثاني أو الثالث  للعزومات، مثل البانيه أو الكفتة أو اللحوام والدواجن، وتبتعد عن «الطبيخ»، لأنه لن يكون له ميزة مرة أخرى، ولن يتناوله أحد، على حد قولها.

وأشارت إلى أنها من الممكن أن تعد مشروبات رمضانية أو حلويات لبعد الإفطار، وإذا فاض منها أي شي سواء حلويات أو طعام، ترسله لجيرانها من باب المودة.

سعاد: تقديم البقايا للآخرين إهانة

ومن جانبها قالت فتاة تبلغ من العمر 27 عامًا، تدعى «سعاد»، تُقيم مع أسرتها في محافظة الجيزة، إن مائدة الإفطار التي تعدها بمساعدة والدتها السبعينية، لا بد أن يكون بها جزء مخصص بصفة يومية للجيران، في طبق رايح جاي ما بينا، موضحة «ده اللي النبي قال عليه، وصانا على سابع جار».

وأكدت «سعاد» أنه لا يمكن أن تعطي بواقي أو فضلات المائدة لأي شخص لأنها تعتبر إهانة وتعتبر تقليلًا من الشخص المقدم له تلك البواقي، موضحة: «الناس تقول علينا إيه؟ مش مقدرينهم».

وأضافت أنها بحكم أنهم يقطنون في  بلد ريفي، الجميع يربي فيه الطيور، فإنهم يطعمونها بقايا الموائد، بدلًا من شراء «الذرة أو الدشيش»، فذلك يوفر عليهم بعض النفقات.

سيدة المعادي: قطط وكلاب الشارع أولى

ومن جانبها قالت السيدة منى الستينية، التي تقطن بمنطقة المعادي، هي وزوجها السبعيني، إنها تحرص على إقامة ولائم كل ليلة في بيتها، للأقارب والجيران والأصدقاء.

وأشارت إلى أنها تشعر بالسعادة عند إقامة تلك الموائد، لأن الجميع يكون مشغولًا في حياته الدنيوية خلال العام، وشهر رمضان هو الذي يقرب الجميع ببركته وخيره.

وأضافت أنها تتعامل مع بواقي مائدة الإفطار بشكل خاص، موضحة: «زي ما ربنا سبحانه وتعالى كرمنا نكرم القطط والكلاب اللي في الشارع ما لهمش حد».

وتابعت: «الجميع في العمارة في مستوى مالي جيد، لا يحتاجون تقديم مأكولات لهم، مشيرة إلى أن زوجها ينزل قبل اتجاهه لأداء صلاة الفجر، ليطعم الكلاب والقطط المتواجدين في الشارع»، قائلة: «لعله باب لدخول الجنة».

وأكدت السيدة «منى» أن إطعام الكلاب والقطط الذي تداوم عليه لا يقتصر فقط على شهر رمضان، وإنما هي عادة تداوم عليها طوال العام.

منسق مائدة المطرية: «مينفعش نرمي حاجة»

وعلى جانب آخر، شهد هذا الشهر تنظيم أطول مائدة إفطار بالمطرية، بعزبة حمادة التي خطفت أنظار رواد مواقع التواصل الاجتماعي، التي شارك فيها سفير كوريا الجنوبية جين ووك، لاحقًا كتب عن هذه التجربة قائلًا: «رمضان في مصر حاجة تانية».

من جانبه قال محمد مفتاح، أحد منسقي أطول مائدة إفطار بالمطرية، التي يتم إقامتها على مدى 9 سنوات في شهر رمضان، وشهدت تعاون الرجال والنساء، والأطفال والشيوخ، إنه في الغالب لا يبقى شىء من الوجبات المقدمة لضيوف مائدة الإفطار.

وأضاف «مفتاح»، في تصريح خاص لـ «إضاءات»، أنه إذا تبقى أي شىء من الوجبات المعدة  للإفطار يتم تنظيمها من قبل المنسقين بشكل جيد وآدمي، ويعاد توزيعها للأشخاص الأكثر احتياجًا بالمنطقة، موضحًا: «مينفعش نرمي حاجة، حرام، بنوضبها ونطلعها لله».

وبسؤاله عن هل يتم إعداد الوجبات بكميات محدودة بحيث لا يمكن أن يتبقى منها شىء، فرد قائلًا: «لأ، مبنعملش الأكل بالظبط، كل سنة العدد بيزيد»، مشيرًا إلى أن العام الماضي تم تجهيز 3000 وجبة ولم تكفِ عدد المتواجدين، وهذا العام تم تقديم 5000 وجبة، لكن الأشخاص المتواجدين تعدوا الـ 10000 فرد.

وأشار إلى أن أغلب الحضور هدفهم المشاركة في الاحتفال وليس الأكل، ونحن كقائمين على المائدة كان هدفنا تقديم أفضل ما لدينا للضيوف القادمين من جميع أنحاء القاهرة.

مدير الأغذية بفندق المركز الأوليمبي: الطعام المتبقي يذهب للعاملين

ومن جانبه قال ميشيل وهيب، مدير الأغذية والمشتريات بفندق المركز الأوليمبي بالمعادي، إنه يشرف على تنظيم الوجبات منذ سبع سنوات، مشيرًا إلى أنه يتم إعداد مائدة الإفطار بنظام «الأوبن بوفيه»، وكل فرد من اللاعبين يتوجه لأخذ ما يناسبه بكمية محدودة قدر استطاعته.

وأضاف «وهيب»، في تصريح خاص لـ«إضاءات»، أن اللاعبين إذا أرادوا زيادة في الطعام مرة أخرى يعودن لأخذ ما يحتاجون، وإذا انتهى ما تم إعداده من طعام، نطهو بشكل سريع ما يلزمهم، موضحًا: «ممكن أعمل حتتين فراخ أو حتتين لحمة بحيث منهدرش حاجة، واللاعيبة فاهمة النظام».

وأشار مدير الأغذية والمشتريات بفندق المركز الأوليمبي بالمعادي، إلى أن هناك «اصطف»، يشارك في إعداد الوجبات بالفندق للاعبين، موضحًا: «لو في أكل فضل من الأوبن بوفيه فالعمال دي أولى بيه من غيرهم، بيقعدوا في الكافيتريا ياكلوا زيهم زي النزلاء، لكن مش من بواقي أطباق اللاعيبة علشان دي بتترمي».

بنك الطعام: تقديم الطعام المتبقي للآخرين «جريمة»

ومن جانبه قال محسن سرحان، الرئيس التنفيذي لبنك الطعام المصري، إن أي طعام متبقٍ من موائد الرحمن، ليس له أي استخدام آخر، ولا يمكن تقديمه لأي شخص، لأنها تعتبر جريمة، موضحًا: «ممكن يكون الشخص مريض، أقدمه لحد تاني أزاي؟»

وأضاف «سرحان»، في تصريح خاص لـ «إضاءات»، أن الأكل المتبقي في الأطباق من الممكن أن يكون تعرض لتلوث، ولكن الطعام الفائض في الصواني يتم إعداده وتغليفه بصورة جيدة وتقديمه في نفس اليوم للأسر الأكثر احتياجًا.