محتوى مترجم
المصدر
The Legacy of Malcolm X
التاريخ
2017/02/21
الكاتب
أحمد شوقي

لم يكن التمييز العنصري قانونًا شمال الولايات المتحدة في أعقاب الحرب الأهلية، لكنه كان الحقيقة الواقعة. وفي جميع جوانب الحياة تقريبا، عانى السود الشماليون العنصرية والفصل العنصري.

ووجد السود الذين تركوا الجنوب أنفسهم مرغمين على العيش في جيتوهات ضخمة (أحياء أقليات) وتعليم أطفالهم في مدارس متدنية المستوى. وكانت الوظائف المهنية أو تلك التي تتطلب مهارات محجوزة للبيض أما السود فكانوا خاضعين باستمرار للسلطة البيضاء لاسيما مضايقات من الشرطة.

وقال ربع السود إنهم تعرضوا لسوء المعاملة من قبل الشرطة، بينما قال 40% منهم إنهم شاهدوا سودًا آخرين يتعرضون لاعتداءات الشرطة. ومهما كانت الأوهام التي احتفظ بها السود الجنوبيون عن الشمال الليبرالي فهي أوهام لم يحتفظ بها سوى من عاشوا بالشمال فعليا.

وبينما كان السود الشماليون متأثرين بالنضالات في الجنوب، فإن ظروفهم جعلتهم يتقبلون وجود حركة مستقلة ومختلفة تماما عن «مجلس القيادة المسيحية الجنوبية» التي قادها مارتن لوثر كينج.

في الأعوام الأولى للنضال من أجل الحقوق المدنية، كان التعبير التنظيمي الأكثر تأثيرا للحركة الجديدة التي أنشأها مالكوم إكس هو حركة «أمة الإسلام». وفي أواخر خمسينيات القرن الماضي، وصل عدد الأعضاء المسجلين بالحركة إلى 100 ألف مع وجود مالكوم إكس كأبرز الأعضاء.

من الناحية الرسمية، كانت أفكار أمة الإسلام محافظة بشكل كبير. لقد جمعت الحركة بين عناصر الإسلام المتشدد وأفكار نشأتها، ودعت لعقيدة العمل الشاق وحسن التدبير والطاعة والتواضع.

ورأت الحركة أيضا أن الاستقلال الاقتصادي عن مجتمع البيض له أهمية حاسمة، لذا شجعت الحركة أعضاءها على الشراء من السود. وأسست حركة أمة الإسلام العشرات من المشاريع وامتلكت أراض زراعية وشيدت مساجد في غالبية المدن الشمالية الكبرى.

ولم تستنكر الحركة الرأسمالية، بل أدانت البيض فقط. في الواقع، لقد أراد الكثير من المسلمين السود محاكاة نجاح الرأسماليين البيض.

ودعا قائد حركة «أمة الإسلام» إليجاه محمد لإنشاء دولة مستقلة للسود في الولايات المتحدة أو أي مكان آخر. لكن عدا الضغط طيلة عقود أو الدفاع عن مصالحها، كانت الحركة في حالة عداء ضد المشاركة السياسية.

إن أية طائفة دينية متقوقعة على نفسها تستطيع تحقيق النمو الكبير، فإن ذلك يعد دليلًا على الشعور بالمرارة لعدد كبير من السود في المناطق الحضرية. وبالنسبة لمئات من الشباب المنضمين، فقد مثّلت حركة الإسلام الاحترام والاعتزاز بالذات. وأصبح مالكوم إكس الجريء فصيح اللسان بمثابة قوة جاذبة لمزيد من النشطاء المنضمين لحركة أمة الإسلام، مع وجود نداءات جاءت بغرض تسليط الضوء على نفاق نُخب البيض.

وردا على اتهام الحركة بالعنصرية قال مالكوم إكس: «في حال استجبنا لعنصرية البيض برد فعل عنيف، فبالنسبة لي ليست عنصرية للسود. إذا جئتم لتضعوا حول عنقي لتشنقوني، فبالنسبة لي ليس تلك عنصرية، ردود أفعالكم هي العنصرية، لكن رد فعلي لا علاقة له بالعنصرية».

ورفض مالكوم إكس الرأي القائل بأن الاندماج في المجتمع الأمريكي كان ممكنًا أو مرغوبًا ولم يرّ أن الحكومة الفيدرالية والحزب الديمقراطي حلفاء، لكنهم جزء من المشكلة.

وانتقد مالكوم إكس بشدة الليبراليين الذين تحدثوا عن وجود عنصرية في الجنوب ولم يتحدثوا عن الأحوال المعيشية في الشمال قائلا: «سأنزع الهالة الموضوعة حول الليبرالي، والتي بذل جهدًا لتهذيبها».

وانتقد مالكوم إكس بشدة قادة حركة الحقوق المدنية، حيث رأى أنهم بعيدون عن قيادة النضال، حيث إنهم قاموا باحتوائه.

وهاجم مالكوم إكس أيضا فكرة اللاعنف وهي الأساس الذي قامت عليه حركة إنهاء الفصل العنصري في الجنوب. وبدلا من ذلك، دعا السود للدفاع عن النفس قائلا:

«كن مسالما، كن مهذبا، أطِع القانون، احترم الجميع، لكن إن مد أحدهم يده عليك، أرسله إلى المقبرة».

«في الواقع، هذا هو الدين القيم ؛ حافظ على حياتك، فهي أفضل ما لديك، وإذا كان عليك خسارتها، تأكد من أن من سيجعلك تخسرها يخسر حياته».

لم يكن مالكوم إكس سوى موسع لتعاليم إيليجاه محمد، وبالفعل كان دائما يستهل خطاباته بالجملة التالية «يعلمنا إيليجاه محمد ..». لكن مالكوم إكس حوّل تلك الأفكار لاتهام للنظام، وفك نفسه من قيود حركة أمة الإسلام.

وبينما كان إيليجاه محمد ينتقد السياسات، أصبح مالكوم سياسيًا بشكل أكبر. واشتكى منه أحد المسلمين قائلا:

إن مالكوم هو من أدخل مفهوم القومية السوداء في حركة المسلمين السود، والتي كانت دينية في جوهرها.

وكان إيليجاه محمد على دراية بأن التسييس المتنامي للمنظمة كان لديه أثر على أمة الإسلام، بما في ذلك متحدثها الرئيسي مالكوم إكس، لذا اتخذ محمد إجراءات لإعادة بسط سيطرته على الحركة.

لقد اتضح إفلاس سياسات حركة الإسلام من خلال هجوم للشرطة في لوس أنجلوس عام 1962. في أبريل عام 1962، قُتِل مسلم أسود وجرح العشرات من قبل قسم شرطة لوس أنجلوس.

ثم سافر مالكوم إكس مباشرة إلى لوس أنجلوس لتوجيه رد الحركة على الهجوم. دعت أمة الإسلام للدفاع عن النفس حيث إن القتل الذي قامت به الشرطة تطلب عملًا انتقاميًا. لكن إيليجاه محمد منع أتباعه من تنظيم حملة مستديمة للدفاع عن النفس.

كانت الراديكالية اللفظية، والتي كثيرا ما تتصف بالتطرف في إدانتها للبيض، مقبولة في فترة سابقة عندما كان أعضاء حركة الإسلام يؤسسون لسمعتهم كمعارضين للنظام. لكن انفجار الغضب بين السود كان يتطلب أكثر من الكلمات، كان يتطلب فعلا وهو ما لم يؤيده إيليجاه محمد.


خروج مالكوم إكس من أمة الإسلام

جاء انفصال مالكوم إكس عن حركة أمة الإسلام أخيرًا في ديسمبر عام 1963. وردًا على سؤال من الجمهور خلال لقاء في مدينة نيويورك، عزا مالكوم اغتيال الرئيس جون كينيدي إلى الكراهية والعنف الذين خرجا عن مجتمع صنعه البيض بأنفسهم.

على الرغم من أن التصريح كان متسقا مع العداء الذي عبر عنه الوزراء المسلمون السود تجاه الإدارة الأمريكية في الماضي، فإن إليجاه محمد أخبر مالكوم أنه سيتم إيقافه لـ 90 يوما حتى لا يتم ربط المسلمين في كل مكان بهذا الخطأ. وسرعان ما بدا واضحًا أن الإيقاف هو فصل لمالكوم إكس.

في 8 من مارس عام 1964، أعلن مالكوم إكس رسميا انفصاله عن أمة الإسلام، وقال إن حركة المسلمين السود ذهبت لأبعد ما تستطيع لأنها تتسم بالطائفية الشديدة وتقيد نفسها بشكل مفرط.

ودعا مالكوم إكس لمشاركة أكبر في نضالات السود التي تفجرت في جميع أنحاء البلاد، محذرا المسلمين السود من أنهم قد يجدوا أنفسهم «يوما ما فجأة منفصلين عن جبهة نضال الزنوج».

ولكي يكون مشاركًا في حكة الحقوق المدنية، خلص مالكوم إلى ضرورة أن يفصل السياسة عن الدين قائلا: «إننا لا نخلط بين ديننا وسياستنا واقتصادنا وأنشطتنا الاجتماعية والمدنية – ليس بعد الآن – يجب أن نشارك مع أي شخص في أي مكان وأي وقت وأية طريقة مهيأة للقضاء على الشرور ومنها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتي يعاني منها الناس في مجتمعنا».

وفي الخطاب ذاته، وصف مالكوم إكس نفسه بنصير القومية السوداء.


المناهضة الناشئة للإمبريالية

بعد فترة قصيرة، بدأ مالكوم إكس أول رحلتيه إلى قارة إفريقيا. كان لهاتين الرحلتين أثر مهم على أفكاره. والتقى مع عدد من رؤساء الدول الإفريقية ومنهم كوامي نكروما رئيس غانا وجمال عبدالناصر رئيس مصر وتأثر بأفكار «العالم ثالثية».

بشكل عام، كانت تلك هي الرؤية التي تشير إلى أن العالم تهيمن عليه قوتان عظمتان – الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي – وأن الدول النامية في العالم تمثل بديلًا مستقلًا.

وعندما عاد مالكوم إكس إلى نيويورك، أعلن إنشاء منظمة الوحدة الأفرو – أمريكية، والتي صممت على غرار منظمة الوحدة الإفريقية، والتي تجمع رؤساء دول إفريقية. وكانت منظمة الوحدة الأفرو – أمريكية منظمة قومية سوداء تصبو لتأسيس منظمات مجتمعية ومدارس ومشاريع للسود وحملات تسجيل انتخابية لضمان السيطرة على المجتمع للساسة السود.

وبعد زيارته لإفريقيا، بدأ مالكوم أن يجادل بأن نضال السود في الولايات المتحدة هو جزء من نضال دولي، والذي ربطه بالنضال ضد الرأسمالية والإمبريالية.

وبدأ أيضا يجادل في صالح الاشتراكية. ومشيرًا إلى الدول الإفريقية، قال «إن جميع الدول التي تخرج اليوم من أغلال الاستعمارية تتوجه صوب الاشتراكية».

ولم يعد مالكوم إكس يضع تعريفا للنضال لتحرر السود كصراع عرقي. وقال: «نحن نعيش في عصر ثورة، وثورة الزنوج الأمريكيين هي جزء من التمرد ضد الظلم والاستعمار الذي ميّز هذا العصر».

وتابع

لم يعد مالكوم يؤمن بأن البيض هم الأعداء، لكنه ظل على يقين بالحاجة إلى تنظيم يجمع السود وقال: «البيض يمكنهم مساعدتنا، لكن لا يمكنهم الانضمام إلينا. لا يمكن أن تكون هناك وحدة بين السود والبيض حتى تكون هناك أولا وحدة بين السود. لا يمكن أن يكون هناك تضامن بين العمال حتى يكون هناك أولا تضامن عرقي. لا يمكن أن نفكر في الوحدة مع الآخرين، حتى نوحد أنفسنا أولا».

لكن المفهوم الجديد لمالكوم إكس حول النضال آل به أيضا إلى للتشكيك في فهمه السابق حول قومية السود. في يناير عام 1965، اعترف مالكوم إكس بأن فهمه السابق لقومية السود عمل على إبعاد أناس كانوا ثوريين حقيقيين مخلصين لإسقاط نظام الاستغلال الذي يوجد على الأرض بأية وسيلة ضرورية.


الوعد الضائع

ليس صحيحًا أن نصنف ثورة الزنوج كصراع عرقي للسود ضد البيض أو أنه مشكلة أمريكية بحتة. إن ما نراه اليوم هو تمرد عالمي من المظلومين ضد الظالمين ومن المستغَلين ضد المستغِلين.

خلال هذه الفترة، كانت أفكار مالكوم السياسية تتطور بسرعة، وهو التطور الذي توقف بوفاته. وبحلول ذلك الوقت، كان مالكوم إكس قد أصبح فعليًا واحدًا من أهم شخصيات السود الراديكالية في الولايات المتحدة، وكان تأثيره يتنامى لاسيما بين النشطاء الشباب.

لقد اغتيل مالكوم إكس فقط لأنه بدأ يفكر بنفسه كما كان يقول، ولأنه أيضا عبر عن برنامج راديكالي لتحرر السود. إن وفاته السابقة لأوانها وما تبعها من قمع وانهيار حركة السود جميعها عوامل سهلت أن يزعم الإصلاحيون من الدرجة الثانية أن إرث مالكوم إكس ملكهم.

لكن أي شخص يستمع إلى خطابات أو يقرأ كتابات مالكوم إكس ألا يشك حيال توجهاته التي يمكن تلخصيها في خطاب «صناديق الاقتراع أو الرصاص» والذي ألقاه في 3 من أبريل عام 1964 في كليفلاند وقال فيه:

لا، لست أمريكيا. أنا واحد من 22 مليون أسود ضحايا للأمريكانية، واحد من 22 مليون أسود ضحايا للديمقراطية، والتي ليست إلا نفاق مقنع. حسنا، أنا لا أقف هنا لأتحدث لكم كأمريكي أو وطني أو محيي للعلم أو ملوح للعلم، لا أنا لست كذلك. أحدثكم كضحية للنظام الأمريكي، وأنا أنظر لأمريكا من عيون الضحية، لا أرى أي حلم أمريكي، إنني أرى كابوسًا أمريكًا.

يستحيل توقع الكيفية التي تطورت بها سياسات مالكوم لو كان حيًا. لقد اعتنق أفكارًا وضعته بشكل صريح على يسار الحركة القومية السوداء. إن عداءه للنظام والحزبين الرأسماليين والتزامه بإنهاء العنصرية وهويته المناهضة للإمبريالية، جميعها أشياء عبرت عن مساهمة ضخمة للسياسات الراديكالية.