بعد عدة أيام من حادث تعذيب وقتل المواطن المصري «طلعت شبيب» داخل قسم شرطة الأقصر، وجه السيسي خطابًا لقادة وضباط الشرطة داخل أكاديميتهم قائلاً: «أنا جاي أشكركم»، ولعل شكره لهم لم يكن على تلك الواقعة فحسب وإنما على مجمل أعمالهم في كل أقسام ومراكز مصر، التي شهدت مئات الحالات من التعذيب والقتل، بجانب مئات الحالات الأخرى من الإخفاء القسري والتصفية الجسدية، والبطش والتنكيل الذي يقترفه هو وجنوده بحق المواطنين والمعارضين على حد سواء بصورة شبه يومية، وهو ما أسس به شرعية ودستورًا للبلاد منذ توليه السلطة، تلك الشرعية التي قامت على قمع ومنع أي صوت يُطالب بحق أو يُعارض ظلمًا.

في جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة.
المادة 151 من الدستور المصري.

خلال لقائه ببعض الشخصيات الإعلامية والبرلمانية المقربة من نظامه، خرج السيسي يوم 13 أبريل/نيسان الماضي مُعلقًا على الغضب الذي عم الشعب المصري من جراء إقدامه على التنازل عن جزء من أرض مصر -خلال اتفاقية ترسيم الحدود مع المملكة العربية السعودية- قائلاً بأن أجهزة الدولة لا تمتلك أي وثيقة تُثبت أحقية مصر في جزيرتي تيران وصنافير، وأنه قد استشار الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة والوزارات وبالبحث في الأرشيف السري للمخابرات أيضًا أثبتت كل الأوراق ملكية المملكة في الجزيرتين، مُطالبًا بعدم الحديث في هذا الأمر مرة أخرى.

إلا أن بعض أحرار هذا الوطن رفضوا أن يكونوا كالأنعام يتم إخراسهم بكلمة من شخص هو في الأصل مُكلف بخدمتهم، فصاحوا بأعلى أصواتهم في الشوارع والمحاكم، وقاموا بالبحث والتنقيب عن الوثائق التي تُثبت أحقية بلدهم في قطعة منه، ليخرج في نهاية الأمر مشهد عجيب نادر الحدوث في تاريخ البشرية، إذ خرج النظام الحاكم ليُحارب أمام ممثلي الشعب في أروقة المحاكم وفوق أرصفة الشوارع لإجباره على التنازل عن أرضه، وليسطر هؤلاء الأبطال فصلاً منيرًا في تاريخ وطنهم، بعد أن قدموا مئات الوثائق والمستندات التي تُثبت حقهم، والتي جمعوها من بقاع الأرض، بعضها من مكتبات برلين وأخرى من إنجلترا، وثالثة ورابعة من أماكن شتى، في مقابل استماتة النظام على إكمال جرمه فحجب الوثائق ومنع المحامين من البحث في السجلات الرسمية، حتى وصل الأمر لإصدار خطابات لبعض الجهات بإعدام الوثائق التي تُثبت حق مصر، وعقد ندوات تزييف وعي لنشر الوهم بين أبناء الوطن.

وفي يوم مشهود، أنتصر الأحرار الوطنيون بحق وليس مُدعوًا الشعارات والملابس الرسمية على نظام باع وطنه، ليشهد على ذلك حكم بليغ أصبح وثيقة رسمية وجزءًا من تاريخ هذا البلد، يشهد على ما وصل إليه هذا النظام من خسة، ويرُد على من ادعى بعدم وجود أي دليل على حق مصر في جزيرتيها قائلاً ما نصه:

إن سيادة مصر على جزيرتي تيران وصنافير مقطوع به بأدلة دامغة استقتها المحكمة من مصادر عدة وممارسات داخلية ودولية شتى قطعت الشك باليقين بأنهما خاضعتان لسيادتها وحدها دون غيرها على مدار حقب من التاريخ طالت، وأن دخول الجزيرتين ضمن الإقليم المصري ما انفك راجحًا يسمو لليقين من وجهين: أولهما: أن سيادة مصر عليهما مقطوع به على ما سلف بيانه، وثانيهما: ما وقع تحت بصر المحكمة من مستندات وبراهين وأدلة وخرائط تنطق بإفصاح جهير بوقوعهما ضمن الإقليم المصري.

ولتقطع على هذا النظام كافة السُبل الأخرى للمماطلة في جرمه قائلة: «الأمر الذي يحظر معه على كافة سلطات الدولة بل الشعب ذاته بأمر الدستور إبرام ثمة معاهدة أو اتخاذ إجراء يؤدي ويكون سبيلاً للتنازل عنهما، ويكون من ثم الحكم المطعون فيه فيما قضى به قد صدر مرتكزاً على صحيح حكم القانون والواقع».

وبناءً على هذا الحكم التاريخي فإن هذا النظام الحاكم، الذي لم يدخر جهدًا في دهس الدستور وخرق القانون، ولم يكف يومًا واحدًا عن إذلال الشعب وقمعه وتجويعه، لا سبيل له في إكمال جرمه إلا أن يدهس هذا الحكم بدباباته كما دهس الناس فقرًا وظلمًا وقمعًا، وإن كان يركن إلى قوة مزعومة لبرلمان شكله داخل أقبية أجهزته الأمنية، والذي لم ينطق يومًا مُطالبًا بأي حق من حقوق الشعب الذي يدعي تمثيله، ولا مدافعًا عن أي مادة من مواد الدستور الذي أقسم على احترامه.

فإن الإقدام على بيع جزء من الوطن لا معنى له سوى انتهاء شرعيتهما الدستورية معًا، ومهما طال الزمن أو قصُر، فإن شرعية الرصاص التي تغتصب الحكم اليوم مصيرها الزوال وإحلال سيادة القانون والدستور قادمة لا محالة، والذي لن ينجو يومها أيٌ ممن اشترك أو سيشترك لاحقًا في تلك الجريمة من المصير الذي حدده قانون العقوبات في مادته رقم 77 والتي نصت صراحة على أنه «يعاقب بالإعدام كل من ارتكب عمدًا فعلاً يؤدى إلى المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها»، والذي لا مُسمى له سوى الخيانة العُظمى.