محتوى مترجم
المصدر
Open Democracy
التاريخ
2017/11/17
الكاتب
أليسون بارجيتر

ألهمني إحباطي من تجاهل الوسائل الإعلامية تغطية ردود أفعال المواطنين الليبيين للإجراءات الدولية، بإجراء مقابلات مع نطاق واسع من المحليين (كنشطاء المجتمع المدني، رجال أعمال، موظفي دولة، قياديين إسلاميين، وزراء دولة سابقين ومقاتلين سابقين) لاستنباط رؤية المجتمع المحلي للتدخل الدولي العسكري، غير المعروف لكنه مستمر، في الصراع الليبي منذ انتهاء حملة حلف الناتو لإسقاط القذافي في عام 2011.

سلّطت الردود الضوء على معضلة «ملعون إذا ما تدخلت، ملعون إذا لم تتدخل»، والتي تواجه الحكومات الساعية، حاليًا، إلى احتواء عنف الجماعات الإرهابية بالبلاد وحماية أمنها الخاص. فمن ناحية، أثارت التدخلات الأجنبية ردود فعل سلبية بليبيا بوجه عام، حيث يجري الفخر بالسيادة الوطنية والشك بالنوايا الدولية عميقًا. لكن على الناحية الأخرى، هناك إحساس بالخذلان بعد إسقاط القذافي، حينما ترك المجتمع الدولي البلاد فريسة لتدخلات العديد من اللاعبين المحليين والإقليميين.

يظل التساؤل عن كيفية حل الصراع الليبي أحد أكثر الأسئلة صعوبة وأهمية في المشهد السياسي الحالي. حيث ابتليت البلاد بأزمة تلو الأخرى منذ سقوط القائد الليبي السابق العقيد معمر القذافي عام 2011. وبعيدًا عن التكلفة الإنسانية للاضطراب المستمر، أشعلت الزيادة الضخمة في الأسلحة الصراعات عبر القارة.

كما أثار قرب ليبيا الجغرافي من قارة أوروبا المخاوف من زيادة تيارات الهجرة، حيث سلطت علاقة مُفجِر مانشستر بليبيا الضوء على خطورة السماح للتطرف بالازدهار داخل البلاد. فكما صرح توماس والدهاوزر، قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا AFRICOM، مؤخرًا: «عدم الاستقرار بليبيا وشمال إفريقيا هو الخطر قريب المدى الأكثر مساسا بمصالح الولايات المتحدة وحلفائها في القارة».

لذا، ربما، ليست بالمفاجأة استمرار العديد من الدول الغربية في إجراء عمليات عسكرية سرية بليبيا بعد النهاية الرسمية لمهمة حلف الناتو في أكتوبر/تشرين الأول عام 2011. لكن مصالحهم ودوافعهم – بالأخص تركيزهم الملموس على مواجهة الإرهاب حتى على حساب استقرار البلاد – محل خلاف.

فبجانب الجهود الدبلوماسية لحشد الدعم لحكومة الوفاق الوطني (نتيجة محاولات غير جادة لخلق هيئة حاكمة توافقية بليبيا)، هناك تقارير عن نشر الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة قواتهم الخاصة في وقت ما على أرض ليبيا. وصلت هذه التحركات إلى ذروتها بعد عام 2015، حينما أعلن تنظيم داعش مدينة سرت الساحلية مقرها الرئيسي بليبيا، فقط على بعد 369 ميلا من ساحل إيطاليا.

بينما تستمر الفوضى والانقسامات الداخلية بالانتشار في البلاد، يبدو أن التدخل الأجنبي يفاقم دون قصد الانقسامات على الأرض، مُضيفًا طبقات من الجدل والشك إلى وضع معقد.


ملعونون إذا ما تدخلنا

بينما تقبل المجتمع المحلي الليبي على مضض التدخل الدولي بعام 2011 لإسقاط القذافي، فإن التدخلات الأجنبية اللاحقة أثارت ردود فعل حادة داخل ليبيا. ففي يوليو/تموز عام 2016 على سبيل المثال، وبعد أن أذيعت أخبار عن إجراء القوات الخاصة الفرنسية عمليات في شرق البلاد، خرج مئات الليبيين إلى شوارع طرابلس ومدن ليبيا الغربية احتجاجًا على التدخل الأجنبي في الشئون الليبية رافعين لافتات «أبعدوا أيديكم عن ليبيا» و«لا للتدخل الفرنسي».

عبّر العديد من المشاركين بهذا البحث عن قلقهم من التدخل الأجنبي بليبيا، ويؤمن الكثير منهم أن الوسطاء الأجانب يخفون دوافع خفية. فكما لخص أحد المشاركين الأمر: «يعرف الجميع أن المجتمع الدولي لم يتدخل من أجل ليبيا أو أهلها، إنهم يحاولون المد في عمر الصراع حتى يتربّحوا منه.»

لم تحم الطبيعة السرية لهذه العمليات الوسطاء الأجانب من الرقابة المحلية. ففي الواقع وبينما تجنبت المملكة المتحدة – أكثر الوسطاء حفاظًا على سرية تحركانها – المظاهرات الحاشدة كتلك المعادية لفرنسا، إلا أن عملياتها جزء من جدالٍ عام هو الأهدأ. حيث أظهر بعد المشاركين ترحيبًا بمساعدات المملكة المتحدة في الحرب ضد تنظيم داعش، إلا أن آخرين أبدوا تشككهم في دوافع المملكة المتحدة. فعلى سبيل المثال يقول أحد المشاركين: «ما يحرك المملكة المتحدة هو الحفاظ على مصالحها الخاصة، وعادة مثل تلك المواقف لا تترك مساحة للمثل العليا أو الإحسان.»

اتهم العديد من المشاركين المملكة المتحدة بالمشاركة في المعركة بمدينة سرت من أجل مصالحها الخاصة، وأن هدفها الحقيقي هو اختلاس ثروات ليبيا ومواردها. فكما يُفسر أحد الطلاب: «لا ينوي المجتمع الدولي خيرًا لليبيا، فهم ليسوا هنا لحماية الليبيين من تنظيم داعش. هم هنا للسيطرة على موارد سرت.»

لم تساعد تعليقات وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، خلال أحد الاجتماعات على هامش مؤتمر الحزب المحافظ بأكتوبر/تشرين الأول 2017، على تهدئة شكوك الليبيين، حينما علّق أن مدينة سرت يمكن أن تصبح دبي القادمة ما أن «نزيل الجثث من الطرق».

وقد حتّم تدخل بريطانيا في الشأن الليبي تورطها في صراعات محلية معقدة مع القوة التي تمزق أواصر ليبيا. فعندما دعمت المملكة المتحدة حكومة الوفاق الوطني في معركتها لطرد تنظيم داعش من مدينة سرت، أعطت انطباعا قويًا أنها تأخذ صف أحد أطراف ذلك النزاع على حساب الطرف الآخر. فعلى الرغم من ولادة حكومة الوفاق الوطني كحكومة توافقية، فإن رفض القوى السياسية المحورية لها على أرض الواقع يعني أنها لم تكن أبدًا كذلك. فمجلس النواب، البرلمان الليبي المُنتخب، لم يُصدق عليها رسميًا أبدًا، مما يجعل حكومة الوفاق الوطني كيانا غير شرعي في عيون العديد من الليبيين.

لذا بدت بريطانيا لبعض الليبيين، باختيارها العمل من خلال حكومة الوفاق الوطني والقوى المساندة لها، تُمكن عن عمد عناصر معينة في الصراع الليبي الأوسع. فكما يؤكد أحد نشطاء المجتمع المدني: «ليس هناك شك في أن التدخل البريطاني تحيّز لطرف من أطراف الصراع دون الآخر».

في نفس الوقت، استثمر سماسرة السلطة التدخل الأجنبي لتقويض خصومهم وتشويه سمعتهم، متبادلين اتهامات بالعمالة وبيع السيادة الوطنية من أجل مصالحهم الشخصية. فكما يوضح أحد المشاركين رأيه: «المشكلة هي أن صناع القرار السياسي يتصارعون بضراوة على السلطة. متسلحين بالأطراف الأجنبية ضد بعضهم البعض.»


ملعونون إذا لم نتدخل

لكن، من منظور آخر ستُلعن المملكة المتحدة إذا لم تتدخل في الأزمة. فعلى الرغم من السردية المُهيمنة الرافضة للتدخل الأجنبي، فإن هناك الكثير من المرارة حول الطريقة التي تُركت بها ليبيا لمواجهة مصيرها بعد سقوط القذافي. ترنو ليبيا إلى الدعم الدولي، طالما تُركز على مساعدة ليبيا ككل، وليس فقط استئصال جماعات مثل تنظيم داعش، أو معالجة أزمة المهاجرين غير الشرعيين.

يُعلق أحد المشاركين، الصحفي جلال عثمان، بأسف:

ترك المجتمع الدولي البلد للفوضى والحرب الأهلية. فبعد التخلص من القذافي، تخلى المجتمع الدولي عن ليبيا، تاركًا إياها تواجه مصيرها وحدها. فكثيرًا ما شهدنا المدرعات ما أن تنتهي من قصف بلدة حتى تتحرك لتقصف الأخرى. سمع المجتمع الدولي ذلك ورآه، لكنه لم يتحرك ليضع حدًا له.

ظهرت مشكلة أخرى بقوة من إجابات المشاركين، الشعور العام أن المجتمع الدولي ترك ليبيا تحت رحمة اللاعبين الإقليميين عندما أدار ظهره لها. فذكر العديد منهم مصر والإمارات العربية المتحدة والأردن وقطر وتركيا، وكيف لعبت جميعًا دورًا في تعقيد الصراع الليبي، بمساندة فصائل مختلفة على حساب السلام والاستقرار. فبينما تساند كل من قطر وتركيا طرابلس ومصراتة، تقف مصر والإمارات وراء خليفة حفتر، مُزودينه بالمساندة السياسية، بالإضافة إلى التدريب والمساعدات العسكرية.


إذا، ماذا نفعل؟

بينما تعكس العديد من تعليقات المشاركين موقفًا متناقضًا يدين المجتمع الدولي إذا ما تدخل ويدينه إذا وقف على الخطوط الجانبية، إلا أن هناك شعورا قويا بالسخط في ليبيا، حيث تعرضت البلاد لوابل من التدخلات السياسية غير المدروسة، والتي لم تضع الأفضل لليبيا في حسبانها.

تُفاقم سرية وغموض نوايا الدول المتدخلة من ذلك الشعور. ويخلق الغموض وانعدام الشفافية ضبابًا من الإشاعات ويؤجج من الاتهامات، دافعًا بالأطراف المتدخلة إلى خضم الصراع المحلي، جاعلًا رؤيتهم كوسطاء غير سياسيين وغير منحازين مستحيلًا.

يؤدي هذا إلى تقويض الحراك الدبلوماسي. ففي حالة حكومة الوفاق الوطني، أجّج التدخل الدولي الاتهامات الموجه لها بأنها «دُمية»، صُنعت بأيدي قوى خارجية وتخدم أجندة أجنبية. أضعفتها مثل تلك الاتهامات وساهمت في تآكل شرعيتها.

يؤكد بحثي الحاجة إلى شفافية أكبر، حتى يمكن للنوايا والإجراءات الدولية مواجهة المنازعات بين الجماعات المحلية، التي لابد من توحيدها في صف واحد إذا ما كان لليبيا أن تشهد السلام.