محتوى مترجم
المصدر
فورين أفيرز
التاريخ
2016/02/07
الكاتب
فريدريك هري، ولفرام لاشر

خلال الأسابيع الأخيرة، حذر عدد من المسئولين الأمريكيين والأوروبيين من أن تنفيذ العمليات العسكرية الهادفة إلى وقف التقدم الزاحف لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الدولة الممزقة بشمال أفريقيا، ليبيا، أصبح وشيكًا. فمنذ صيف 2014، استغل التنظيم فراغ السلطة والحرب الأهلية الفصائلية في ليبيا لتوسيع ما كان مسبقًا مجرد موطئ إصبع ليصبح موطئ قدم. حيث اشتبك التنظيم مع التنظيمات الجهادية الأقدم المرتبطة بتنظيم القاعدة، وحل محلها بالفعل في بعض المناطق. كما استغل الفوضى التي اجتاحت ليبيا لاجتذاب المجندين الأجانب، وإجراء التدريبات، والتخطيط لعمليات خارج ليبيا.ويسيطر داعش حاليًا على مدينة سرت المركزية الساحلية، ويتخذها قاعدة لمهاجمة المنشآت النفطية المجاورة ولمنع عائداتها التي تحتاجها البلاد بشدة من الوصول إلى البنك المركزي الليبي. ولكن ربما يتمثل المصدر الأكبر للقلق في تصريح مسئولين أمريكيين مؤخرًا بأن داعش قد أرسل مئات المقاتلين من العراق وسوريا إلى ليبيا ضمن إطار خطة مدروسة للتراجع؛ ويقدر العدد الإجمالي لمقاتلي داعش في ليبيا بما يتراوح بين 3000 و6500 مقاتل.بالتأكيد يستلزم وجود داعش استجابةً قوية، من الليبيين أنفسهم بشكل أساسي، وبدعم غربي. يرجح أن يتضمن ذلك الدعم قواتٍ للعمليات الخاصة –الموجودين بالفعل على الأرض وفق بعض التقارير– والتنسيق مع الوحدات الليبية وتدريبها وتقديم الاستشارات لها، مع دعمٍ من القوات الجوية باستخدام ذخائر موجهة بدقة. ولكن ذلك النهج يحمل في طياته مخاطر كبيرة. ما يفرض على الغرب المضي قدمًا بحذر شديد، وإلا قد يفاقم الانقسامات السياسية الليبية، ويشجع استقواء أمراء الحرب، أو قد يعيق محاولات إعادة تأسيس حكومة منفردة ووضع الأساسات لجيش متماسك خاضع للسيطرة المدنية. وبناء على ذلك، يتعين على أي إستراتيجية لعرقلة داعش أن تسعى أولًا إلى رأب التصدعات السياسية الليبية، وتقديم المساعدات بطريقة تعزز التعاون بين القوى المتنافسة.


الدولة الليبية المنهارة

بالنسبة لليبيين والحكومات الغربية على حد سواء، تتمثل العقبة الأكبر في سبيل مواجهة داعش في انهيار الدولة الليبية. فخلال العام ونصف الماضيين، انقسمت البلاد إلى معسكرين متسعين من الفصائل السياسية والقوى المسلحة. أولهما هو تحالف «فجر ليبيا»، ومقره بطرابلس، ويتشكل من مقاتلين ومسلحين إسلاميين من الجزء الغربي من البلاد. والثاني هو «الكرامة»، الذي يمثل مظلة تجمع عشائر الشرق الليبي، مناصري فكرة تكوين اتحاد فيدرالي يحكم البلاد، بعض الميليشيات من غربي ليبيا، وبعض ضباط عهد القذافي الذين تم تجنيدهم ضمن ما أطلق عليه «الجيش الوطني الليبي» تحت قيادة الجنرال خليفة حفتر. وخلال العام الماضي، مزقت الصراعات الداخلية على السلطة هذين المعسكرين إلى درجة جعلت وجودهما بالاسم فقط. والأسوأ أن كليهما قد ركز على منع خصومه من اكتساب أرضية جديدة، لدرجة سماحهم لداعش بالتوسع، عادة عبر استغلال وجود التنظيم الإرهابي لاتهام الخصوم بالتواطؤ معه.وقع ممثلون عن الجانبين مؤخرًا اتفاقًا بوساطة الأمم المتحدة ينطوي على تشكيل حكومة وحدةٍ وطنيةٍ، والتي ستُصدر قريبًا طلبًا رسميًا للحصول على المساعدات العسكرية الخارجية، حسبما يأمل المسئولون الغربيون. ولكن حكومة الوحدة الوطنية هشة وغير مكتملة، في ضوء أن تشكيلها قد تم تحت ضغوط غربية رغم المعارضة من جانب اللاعبين المحليين الرئيسيين.بدأ المجلس الرئاسي، وهو الجهة التنفيذية المكونة من 9 أعضاء حسبما يقتضي الاتفاق، في التداعي قبل حتى أن ينجح في تشكيل الحكومة. وما لم يتمكن المجلس من الحصول على الدعم الرسمي من جانب المجلسين التشريعيين المتنافسين، وأن يتولى تنفيذ مهامه في العاصمة، طرابلس، ستُعتبر حكومة الوحدة على نطاق واسع دمية غربية.علاوة على ذلك، حتى إن تخطى المجلس الرئاسي العوائق الأولية، سيواجه سريعًا المهمة المضنية المتعلقة بإعادة تأسيس قيادة مركزية للجيش، وبناء وحدات متكاملة وموالية من مجموعة من القوى المسلحة المختلفة. يتمثل حجر عثرة رئيسي في الوجود المستمر لحفتر كقائد عام للجيش الوطني الليبي. حيث يصر معسكر «فجر ليبيا» على ضرورة رحيله؛ بينما يغذي فشل «الكرامة» في الإطاحة به حجج المعارضين في معسكر الخصم، ويعيق تدشين سلسلة منفردة من القادة تحت سلطة الحكومة الجديدة. وعلى الجانب الآخر، يعج التحالف واسع النطاق الذي يقوده حفتر بالعداوات الشخصية والفصائلية؛ فأغلبية قواته في بنغازي ليست متحدة ضمن قوات عسكرية نظامية، بل مشكّلة من مسلحين محليين وعشائريين غير نظاميين. وفي ذات الوقت، يعد القادة العسكريين الأبرز على الجبهات الأمامية خصومًا لحفتر.تبدو خطط العواصم الغربية جاهلة بتلك التحديات. بينما يتوافر حاليًا خياران؛ بدء برنامج تدريب لتشكيل وحدات عسكرية جديدة موالية للحكومة، أو تنفيذ جهودٍ لمكافحة الإرهاب مركزة على دعم القوات الأكثر قدرة واستعدادًا لمواجهة داعش على الأرض. ولكن الخيارين لا يقدمان حلًا لمشكلة الانقسامات داخل القطاع الأمني الليبي – وكلاهما سيجعل الأمور أسوأ.يقوم برنامج التدريب على الفرضية الخاطئة التي تقول إن ليبيا تفتقد المقاتلين البارعين. ولكن في الواقع، افتقدت ليبيا الحكومات القادرة على اجتذاب المقاتلين البارعين تحت سيطرة الدولة. فقد فشلت جهود تقديم التدريبات الغربية خلال عامي 2013 و2014 لبناء جيش وطني –أو ما يطلق عليه “قوة الأغراض العامة”– بسبب عدم وجود هياكل وطنية لينضم إليها المتطوعون؛ حيث أحالت المصالح السياسية المتنافسة في مؤسسات الدولة الليبية القطاع الأمني إلى مزيج من الميليشيات المسلحة. ويواجه برنامج التدريب الجديد ببساطة خطر تكرار ذات الخطأ ما لم يتمكن المجلس الرئاسي من الموافقة على خارطة طريق واقعية لبناء جيش متحد ومحترف. ووفق أفضل التصورات، سينتج عن مثل تلك الجهود جيش يمكن الاعتماد عليه لتستخدمه الحكومات المستقبلية. ولكنه لن يقدم استجابة مباشرة لتهديد داعش المباشر.وفي تلك الأثناء، ستسعى الحكومات الغربية إلى دعم القوى القائمة بالفعل ضد داعش. وهنا تكمن المشكلة، فعبر التنسيق مع التنظيمات المسلحة ضد داعش ومساعدتها، يمكن أن تؤدي العمليات الخاصة الغربية إلى تعزيز العداوات الفصائلية وخفض محفزات التصالح السياسي. وهو ما توضحه التجربة السابقة لتقديم برنامج مساعداتٍ لمكافحة الإرهاب. حيث ركز التدريب الأمريكي على مكافحة الإرهاب بين عامي 2012 و2013 على كتيبة العمليات الخاصة الليبية (22)، وهي وحدة، وفق إقرار قائدها، مشكّلة من عناصر من مدنٍ جبلية محددة بغرب ليبيا، والتي تحول تعريفها للإرهابيين في النهاية ليشمل منافسيها.علاوة على ذلك، سيمثل التنقل بين المزاعم المختلفة للميليشيات المتنافسة تحديًا مرهقًا. ففي سبيل تدشين وجود حقيقي داخل منطقة فصيل محدد، يمكن لقوات العمليات الخاصة الغربية أن تخلق انطباع الشراكة، ما قد يتسبب في تعزيز رغبة الخصوم في تشكيل تحالفات أخرى لتحقيق التوازن. ويعتبر ذلك الخطر قويًا بشكل خاص في سرت. فالميليشيات الأقوى، المجهزة لتحرير سرت من سيطرة داعش تنحدر من مدينة مصراتة الساحلية القريبة. ولكن الشراكة الصريحة بين الولايات المتحدة وأوروبا ومصراتة سيؤدي إلى استعداء شعب سرت، الذي عانى من انتهاكات عام 2011 عندما اجتاحت مليشيات مصراتية أراضيه.وعلى غرار ذلك، قد يؤدي الدعم الغربي المتزامن للميليشيات المتمركزة في شرق سرت، مثل حرس المنشآت النفطية تحت قيادة إبراهيم جادران، إلى تحويل تلك الميليشيات لفوهات أسلحتها إلى خصومها المصراتيين، سعيًا وراء السيطرة على الموارد النفطية بالمنطقة.قد يؤدي التدخل الغربي، خصوصًا عبر الضربات الجوية، إلى عواقب أخرى غير مقصودة. حيث قد ينتج عن الحملة المستمرة من الضربات الجوية الغربية والوجود الملحوظ للقوات الغربية إلى تهديد الأساسات الهشة التي تعتمد عليها الحكومة الجديدة. فمثل تلك التدخلات ستسلم ذخائر جديدة إلى المفسدين والرافضين، الذي سيتهمون الحكومة الجديدة بالتنازل عن السيادة الليبية. وعلى غرار ذلك، سيجد تنظيم القاعدة وقودًا جديدًا لمحركات البروبجاندا خاصته. بل في الواقع، يرجح أن التوقعات الغربية بأن حكومة الوحدة الجديدة ستطلب مساعدات خارجية مبالغا فيها – تحديدًا لأنه يتعين على الحكومة أن تدرك المخاطر المحتملة لتلك الخطوة.


السبيل الصحيح للتدخل

يتعين أن تمضي مساعدات مكافحة الإرهاب يدًا بيد مع عملية بناء مؤسسات سياسية وأمنية شاملة. ويجب تعزيز العمليتين بشكل متزامن. فبدلًا من إرسال بعثة تدريب أو تدخل مباشر عبر الضربات الجوية، يجب أن تتركز الأولوية الغربية في دعم تأسيس هياكل ووحدات متكاملة في قطاع الأمن. وعلى المستوى السياسي، سيتطلب ذلك مشاركة مكثفة لتجاوز الخلاف حول قيادة الجيش وتعزيز التعاون بين ممثلي الفصائل المتنافسة في المجلس الرئاسي، حكومته، وقيادة الجيش.أما على الأرض، فيتعين على الغرب أن يجعل تقديم المساعدات لقتال داعش مشروطًا بعملية تحقيق التكامل بين التنظيمات المسلحة. على سبيل المثال، حتى تحصل التنظيمات المسلحة على دعم مكافحة الإرهاب، عليها أن تقبل بحكومة الوحدة الوطنية، وأن تخضع ذاتها لهيكل القيادة الوطنية التابع لتلك الحكومة. ولكن ذلك لن يكون كافيًا.فمن أجل تجنب تعزيز فصائل منفردة وتغذية النزاع الفصائلي، يتعين أن تشمل المساعدات العسكرية الغربية أيضًا تدشين آليات للتنسيق بين القوات العسكرية الليبية على الأرض. قد يشمل ذلك إنشاء مراكز للقيادة المشتركة بين الميليشيات على أسس إقليمية، بهدف الإنشاء التدريجي لهياكل قيادة متكاملة، ومن ثم في النهاية، إذابة الفصائل المحلية داخل وحدات عسكرية متكاملة. يتوجب على المستشارين الغربيين تشجيع الميليشيات المنحدرة من مصراتة، أجدابيا، والجنوب الليبي، على سبيل المثال، على التعاون مع الضباط القادمين من سرت لقيادة الهجوم على داعش بالمدينة.ستضم مراكز القيادة الإقليمية ضباط الجيش المحليين، قادة الميليشيات، ومستشاري العمليات الخاصة الأجانب الذين سيسهلون نقل المعلومات الاستخباراتية، فصل التحركات على الأرض عبر الضربات الجوية، وربما ما هو أكثر أهمية، العمل كوسيط سياسي محايد. وحتى ينجح ذلك النوع من المساعدات، ستحتاج الدول الغربية –فرنسا، المملكة المتحدة، والولايات المتحدة– إلى تنسيق جهودها بشكل وثيق. كما ستحتاج إلى ضمان أن القوى العسكرية الإقليمية القادمة من مصر، قطر، والإمارات تدعم تلك الإستراتيجية ولا تحاول أن تدشن قنوات موازية للاستشارات والمساعدات – فالتدخلات السابقة لتلك الدول أثبتت كونها متحيزة بشدة وغير مفيدة في محاربة داعش أو حل النزاع الأهلي الليبي.بشكل أساسي، يجب أن يكون التدخل الغربي في ليبيا موجهًا نحو دعم حكومة الوحدة الوطنية، التي ستحتاج إلى دعم أي جهودٍ لتعزيز التنسيق على أرض المعركة بين الميليشيات المحلية. ولا يجب أن يحصل أي فصيل على مساعدات ما لم يعتبَر محايدًا في إطار الصراعات المحلية على السلطة، ومواليًا للحكومة. علاوة على ذلك، إن أحرزت الحكومة تقدمًا بصدد إعادة توحيد هياكل القيادة، سيتعين إرسال المساعدات الغربية من خلال سلسلة وطنية للقيادة، وليس بشكل مباشر إلى مراكز التنسيق الإقليمي.بالتأكيد إن ظل المجلس عاجزًا بفعل الانقسامات الداخلية أو إن انهار الاتفاق، لن تتاح أبدًا الفرصة لمراكز التنسيق الإقليمية لتتطور إلى أساسات للجيش المتكامل. ومع ذلك، ستؤدي الإستراتيجية، على أقل تقدير، إلى خفض مخاطر توسيع المساعدات العسكرية للتصدعات السياسية وأن تساهم في إفشال حكومة الوحدة الوطنية.يجب ألا تؤدي التقييمات المثيرة للذعر لوضع داعش في ليبيا إلى تنفيذ تدخل متسرع وأخرق. فبالفعل، يوسع داعش وجوده في ليبيا، ولكنه لم يتمكن –بعد– من الاستفادة بشكل حقيقي من السخط الشعبي داخل قطاعات واسعة من الشعب الليبي. فعلى خلاف الوضع في العراق وسوريا، لا يستطيع داعش أن يلعب على أوتار المخاوف الطائفية. كذلك لم يظهر قدرة على تدشين هياكل حكم محلي مستمرة في المناطق التي يسيطر عليها.يظل العديد من اللاعبين المجتمعيين والسياسيين في ليبيا قادرين على، ومستعدين لـصد التنظيم. ويجب أن يمضي النهج الغربي بخطى حذرة ليضمن اتحادهم، لا انقسامهم.