محتوى مترجم
المصدر
Louis Pasteur
التاريخ
2016/08/16
الكاتب
ترومان

ولد لويس باستير عام 1822 بمدينة دول الفرنسية. ولقد خلد اسم لويس باستير إلى الأبد في تاريخ الطب. هو وآخرون أمثال ألكسندر فليمينج، إدوارد جينير، روبرت كوخ، وجوزيف ليستر يحظون بأهمية عظيمة عند دراسة التاريخ الطبي.

(مدينة دول مسقط رأس باستير)
(مدينة دول مسقط رأس باستير)

ما حققه باستير (ألا وهو إكتشاف الجراثيم) قد يبدو بديهيا في معاييرنا الآن؛ لكن اكتشافه كان من شأنه تغيير وجه الطب وتخليد اسمه إلى الأبد بصفة يومية في صورة اللبن «المبستر» وهو ما سمي كذلك تخليدا لذكراه.


يعد باستير مهما لثلاثة أسباب:

– أولا لأنه أثبت بالتجربة أن الميكروبات المحمولة في الهواء هي سبب المرض.

– وثانيا لأنه بنى نتائجه على عمل إدوارد جينير وساعد على تطوير المزيد من اللقاحات.

– وثالثا لأن عمله أثبت كم كانت المؤسسة الطبية متزمتة و متحفظة ضد العلم في زمنه.

في شبابه، درس باتسير في جامعة إيكول نورمال في باريس. في عام 1834، أصبح باحثا كيميائيا. ولقد ذاع صيته بشدة لدرجة أنه في عام 1854 أصبح عميدا لكلية العلوم بجامعة ليل وعمره 32 عاما فقط. في هذا الوقت، كانت مدينة ليل مركزا لصناعة الخمور بفرنسا.

وفي عام 1856، زاره رجل يدعى بيجو كان يعمل في مصنع لإنتاج الخمور من بنجر السكر. كانت مشكلة بيجو أن الكثير من الأحواض خاصته من البيرة المتخمرة تحولت إلى حامض و عليه فقد فسدت البيرة واضطروا إلى التخلص منها. من وجهة النظر الصناعية، كان هذا يعد كارثة، لذا فقد طلب بيجو من باستير أن يعرف سبب حدوث هذا.
(تمثال باستير التذكارى بجامعة ليل)
(تمثال باستير التذكارى بجامعة ليل)

وبعد استخدامه لمجهر لتحليل عينات من الأحواض، اكتشف باستير الآلاف من الكائنات الحية الدقيقة. وأصبح مقتنعا أنها هي المسئولة عن تحول البيرة إلى حامض. واعتقد أنها سببت تعفن البيرة وليست ناتجة عنه.

استمر باستير في عمله على هذا الموضوع عن طريق دراسة سوائل أخرى كاللبن والخمر والخل. وفي عام ،1857 عين مديرا للدراسات العلمية في جامعة الإيكول نورمال بباريس. وفي الفترة بين عامي 1857 و 1859، اقتنع بأن السوائل التي درسها كان يتم تلويثها بميكروبات تطفو في الهواء. وردا على هذا، فقد سخرت منه المؤسسة الطبية قائلة: «نخشى أن التجارب التي تنشرها يا سيد باستير سوف تنقلب عليك. فالعالم الذي تنتوي أن تأخذنا إليه هو حقا خيالي للغاية»كما نشر فى صحيفة لا بريس عام 1860.

ولقد حول الرأي العام باستير إلى مخرف ولكنه عوضا عن أن يستسلم، فقد صمم على القتال من أجل ما يؤمن به، وبدأ في القيام باختبارات لإثبات صحة اكتشافه، وتوصل إلى أن الهواء يحتوى على كائنات حية، وأن هذه الميكروبات قادرة على إحداث التعفن، وأن هذه الميكروبات يمكن قتلها عن طريق تسخين السائل الذي يحتويها وأن هذه الميكروبات ليست موزعة بصورة متساوية في الهواء.

في إبريل من عام1864، شرح باستير اكتشافه أمام جمع من مشاهير العلماء بجامعة باريس. واستطاع إثبات صحة نظريته بما لا يدع مجالا للشك، بالرغم من رفض بعض الحضور لتصديقه ومن بينهم د. شارلتون باستيان والذي أصر على أن التعفن سببه من داخل السائل نفسه وليس بسبب الكائنات الحية الدقيقة الملوثة.

توصل باستير إلى أن الهواء يحتوى على كائنات حية وأن الميكروبات قادرة على إحداث التعفن ويمكن قتلها عن طريق تسخين السائل الذي يحتويها

حتى عام 1856، كانت أبحاث باستير على البيرة والخمر واللبن فقط. وفي عام 1856، طلب منه أن يبحث في مرضه الأول الذي كان يدعى داء البيبرين، و هو مرض أثر سلبا على صناعة الحرير من دود القز. وفي خلال عام، توصل باستير إلى أن الميكروبات قد تصيب البشر أيضا كما تصيب البيرة ودود القز مما يعني أن الميكروبات قد تنشر الأمراض بين الناس.

ثلاثة من بنات باستير توفين بين عامى 1859 و 1865، اثنتان بسبب التيفود، وواحدة بسبب ورم بالمخ.

ففى عام 1865، أصاب وباء الكوليرا مارسيليا، فقام باستير بعدة تجارب فى المستشفى أملا في العثور على الجرثومة المسببة لهذا المرض المخيف، لكنه لم ينجح.

في عام 1868، أصيب باستير بنزيف في المخ أدى إلى شلل نصفي بالناحية اليسرى من جسده، مما أثر على قدرته على العمل؛ لكن الأبحاث التي قام بها حتى عام 1868 كانت قد ألهمت العديد من العلماء الشبان.


طور باستير عمله عن طريق إيجاد ما من شأنه وقاية الناس من الإصابة بالأمراض. كان ما يلهمه هو رغبته في تطوير معرفته وأيضا كونه وطنيا. في هذا الوقت كان روبرت كوخ يجذب الكثير من الانتباه من كل أوروبا إلى اكتشافاته. ولقد ساهمت هذه المنافسة بين الفرنسي والألماني فى دفعة كبيرة للتقدم في الطب.

في عام 1881 قابل باستير كوخ في اجتماع بـ لندن بينما كان الألمانى يلقي محاضرة عما قام باكتشافه إلى هذه اللحظة. وكان كل ما قاله له باستير بعد المحاضرة: «هذا تقدم عظيم».

كان كوخ يعمل وسط فريق من العلماء الباحثين المهرة؛ بينما كان باستير عادة يعمل وحيدا. لذا فقد أدرك أن هذه ليست طريقة العمل المثلى، فكون بدوره فريقه الخاص من العلماء الباحثين. لطالما افتقر باستير إلى المعرفة الطبية المفصلة؛ وعليه فقد ألحق بفريقه طبيبين شابين باهرين هما: إيميل رو و شارل شامبرلان. وكان أول مرض يعمل عليه هذا الفريق هو كوليرا الدجاج وهو مرض كان يصيب أصحاب مزارع الدواجن.


كان باستير قد سمع عن عمل إدوارد جينير فيما يتعلق بـالجدري. واقترح باستير أنه إذا كان يمكن اكتشاف لقاح ضد الجدري، فإنه يمكن إكتشاف لقاحات ضد كل الأمراض. ولم يكن يعلم كيف كان يعمل لقاح جينير؛ لذا فقد لجأ إلى التجربة والخطأ للوصول إلى لقاح ضد كوليرا الدجاج. في صيف عام1880 توصل إلى لقاح بالصدفة، حيث قام شامبرلان بحقن بعض الدجاج بجراثيم كوليرا الدجاج من مزرعة جراثيم قديمة كانت عندهم من مدة بسيطة، فلم تمت الدجاجات، فطلب منه باستير تكرار ما فعله ولكن من مزرعة جراثيم أحدث وكانت حجته أن المزرعة الأحدث ستنتج جراثيم أقوى.

وبالفعل تم حقن مجموعتين من الدجاج؛ واحدة قد تم حقنها بالقديمة و الأخرى لم تحقن من الأساس. و كانت النتيجة أن الدجاجات التى حقنت من المزرعة القديمة نجت و التى حقنت لأول مرة ماتت. أصبحت الدجاجات المحقونة بالمزرعة القديمة حصينة ضد المرض. و إعتقد باستير أن أجسامها إستغلت الجراثيم الضعيفة لنكوين مناعة ضد الجراثيم الحديثة الأقوى.


عندما سمع باستير عن عمل إدوارد جينير فيما يتعلق بـالجدري اقترح أنه إذا كان يمكن اكتشاف لقاح ضد الجدري فإنه يمكن إكتشاف لقاحات ضد كل الأمراض

في عام 1881، أعلن باستير أن فريقه قد توصل إلى طريقة لإضعاف جرثومة الجمرة الخبيثة، وبالتالي تطوير مصل ضدها. وبالرغم من شهرته، ظل هناك من يسخر منه في العالم الطبي: هل لديك بعض الميكروبات؟ يوجد منها في كل مكان. فهذه هي أحدث صيحة، ولا يجوز مناقشتها. خاصة، وأن العالم السيد باستير قد نطق بالكلمات المقدسة: أن الميكروب وحده هو المسبب للمرض. هذا أمر مفهوم ومثبت.. الميكروب وحده هو الحقيقة، وباستير هو نبي هذه الرسالة كما نشر روسينول عام 1881.

كان روسينيول هو محرر مجلة «الصحافة البيطرية»، و تحدى باستير عام 1882 في اختبار علني للقاحه ضد الجمرة الخبيثة.

تم عمل الاختبارات في مايو من عام 1882، ستون خروفا تم استخدامهم في الاختبار. أبقى باستير على عشر خراف كما هي، وقسم الخمسين الباقية إلى مجموعتين كل مجموعة من خمسة و عشرين خروفا. حقن إحداهما بلقاحه و لم يحقن الأخرى، ثم حقنهم جميعا بفيروس الجمرة الخبيثة، فماتت المجموعة التي لم تلقح بعد يومين، بينما أظهرت المجموعة الملقحة بعض الأعراض الطفيفة، ثم تم إعلانها خرافا سليمة بعد مدة قصيرة، مما أثبت أنه لم يكن يبالغ بشأن لقاحه. صحيفة التايمز ببريطانيا العظمى وصفته على أنه: «واحد من أمجاد فرنسا العلمية».


ثم التفت هو وفريقه بعدها إلى داء الكلب. معظم ضحايا هذا المرض ماتوا ميتة مؤلمة، وبات واضحا أن المرض أصبح شائعا فى فرنسا. وبالرغم من أن الفريق لم يستطع تحديد الجرثومة؛ إلا أنهم توصلوا إلى أنه لا يهاجم الجهاز العصبى إلا بعد وصوله إلى المخ أولا. فتعقب الفريق الجرثومة إلى المخ والحبل الشوكى في الحيوانات المصابة، وباستخدام أحبال شوكية مجففة أنتجوا لقاحا ضد المرض، وتم اختباره أولا على الحيوانات.

حقن باستير حيوانات سليمة بالجراثيم المستخلصة من الأحبال الشوكية بعد 14 يوما من الإصابة. بعد هذه الفترة تصبح الجراثيم ضعيفة وغير مؤذية. ثم أخذ يحقن نفس الحيوانات جراثيم أحدث عمرها 13 يوما ثم 12 يوما وهكذا حتى توصل إلى حقن الحيوانات بأكثر الجراثيم حداثة وفتكا ومع ذلك لم تمت أي من الحيوانات الملقحة. لكنه واجه مشكلة خطيرة، ألا وهي أن ما نجح مع الحيوانات قد لا ينجح مع الناس.

في عام 1885، عض كلب مسعور طفلا صغيرا اسمه جوزيف مايستر، فأحضروه إلى باستير. كان الولد سيموت ميتة مؤلمة لا محالة لو لم يفعل شيئا له لذا فقد خاطر باستير باستخدام اللقاح الغير مختبر عليه.

«بما أن هذا الولد ميت لا محالة، فقد قررت بمنتهى التخوف والقلق أن أستخدم اللقاح الذي أثبت نجاحه على الكلاب على جوزيف مايستر. وعليه فبعد مرور ستين ساعة على العضة، وفي حضور الأطباء فلوبيان و جرانشير، فقد حقنت الولد تحت الجلد بمقدار نصف حقنة من الحبل الشوكي لأرنب قد مات بنفس المرض وقد تم حفظه لمدة 15 يوما في قارورة من الهواء الجاف. وفي الأيام التالية تم الحقن من عينات أحدث. قمت بحقنه 13 مرة، وفي اليوم الأخير، قمت بحقن جوزيف مايستر بالفيروس الأكثر فتكا من المرض»

نجا الولد و أدرك باستير أنه وجد لقاحا ضد داء الكلب. وبعد ثلاثة أشهر عندما فحص مايستر مجددا، أعلن باستير أن الولد بصحة جيدة.

ولعله من السخرية أنه بالرغم من أن باستير و فريقه تأكدوا من نجاح اللقاح، إلا انه لا أحد حينها في العالم الطبى توصل إلى معرفة كيفية عمله!