محتوى مترجم
المصدر
Hollywood Reporter
التاريخ
2016/10/19
الكاتب
ستيفن جالواي

«روث نيجا» و«جويل إدجرتون» يقومان ببطولة فيلم يحكي القصة الحقيقية لـ«ريتشارد وميلدريد لافينج»، زوجان من فيرجينيا تم إلقاء القبض عليهما عام 1958 بسبب زواجهما.

في الساعات الأولى من يوم 11 يوليو/تموز 1958، اقتحم مدير مركز الشرطة واثنان من معاونيه منزلًا ريفيًا في ولاية فرجينيا يسكنه الزوجان الشابان ريتشارد وميلدريد لافينج، حيث دخلوا غرفة نومهما مباشرة. وضوء الكشافات مسلط عليهما، أصرّ الضابط على معرفة سبب تواجدهما سويًا. فيما بعد قالت ميلدريد عن تلك الليلة: «سألوا ريتشارد من تلك المرأة النائمة معه، فقلت لهم: أنا زوجته، وقال الضابط: ليس هنا، لستِ زوجته»

اتُهم الزوجان بتحدي قانون السلامة العِرقية لعام 1924 وأُلقي بهما في السجن، حيث بقي ريتشارد حتى الصباح، بينما استمر التحفظ على ميلدريد لعدة أيام قبل تسليمها لوالدها. ما كانت جريمتهما؟ هي سوداء وهو أبيض، وقت أن كان الزواج بين الأعراق مُحرّمًا في 24 ولاية أمريكية.

أُلقي بالزوجين في السجن، ما كانت جريمتهما؟ هي سوداء وهو أبيض، وقت أن كان الزواج بين الأعراق مُحرّمًا في 24 ولاية أمريكية

بعد إطلاق سراحهما، حكم قاضٍ محليٌّ على ريتشارد بالسجن لمدة عام. وأعلن السبب وراء حكمه: «خلق الرب القدير أجناس البشر بيضاء وسوداء وصفراء وملاويّة وحمراء، ووضعهم في قارات منفصلة، ولولا التدخل في ترتيبه لما كان هناك زواج مثل هذا».

ثم حلّت رحمة غريبة في قلبه أو فساد قضائي من نوع ما، فلم يُصر على سجن ريتشارد، وعرض على الزوجين حلًا بديلًا: بإمكانهما مغادرة الولاية بشرط ألّا يعودا إليها – على الأقل وهما متزوجان – طوال ربع القرن القادم. وهكذا انتقل الزوجان إلى العاصمة واشنطن، حيث تمكنا من الحصول على وثيقة زواج، وظلا هناك لبضع سنوات، يظللهما الحب لكن لا يبارحهما حنين العودة إلى المكان الذي يعدّانه وطنهما الحقيقي.

تشكل قصتهما – وقصة المعركة التي خاضاها للحصول على اعتراف بزواجهما في فيرجينيا، وقرار المحكمة العليا التاريخي المؤيد لهما وللحقوق المدنية – أساس فيلم «جيف نيكولز» الجديد «Loving»، والذي من المقرر عرضه في صالات السينما يوم 4 نوفمبر القادم.

بدأت فكرة الفيلم عام 2009 بلقاء «كولين فيرث» ونانسي بويرسكي، التي كانت تصور فيلمًا تسجيليًا عن الزوجين (صدر عام 2011 باسم The Loving Story)، ففكرا في إنتاجه كفيلم سينمائي. بعد الحصول على الدعم المالي، وتم الاستقرار على قيام المخرج والسيناريست جيف نيكولز بصناعة الفيلم.

يرى ستيفان جالووي في مقالته أن صناع الفيلم، مع كونهم جميعًا أصحاب بشرة بيضاء، إلا أن فيلمهم يتعامى عن كل الألوان، مركزًا فقط على العناصر الكونية المشتركة كالحب. يقول كولين فيرث: «ما يقوم به هذا الفيلم هو تحويل ما يمكن أن يبدو كحوار سياسي إلى حوار شخصيّ للغاية. من بين الأمور التي صدمتني، دخول مطبقي القانون إلى غرفة نومهما. دخلوا إلى غرفة النوم! غرفة النوم بالنسبة إليّ، هي رمز الحميمية والخصوصية وهي المنطقة التي لا يُسمح بالدخول إليها».

تغيرت الولايات المتحدة كثيرًا بعد فترة الخمسينيات، حين ألُقي القبض على الزوجين. وصار الزواج بين الأعراق أمرًا عاديًا. ومع ذلك، لا تزال القضية العرقية قائمة في أمريكا؛ تهيمن على دورة الانتخابات الرئاسية الحالية، بينما تتواصل مسيرات حركة Black Lives Matter (BLM) في الشوارع. هوليوود أيضًا، ما زالت تعاني من حملة OscarsSoWhite#، التي اتهمت الأكاديمية بالتعامي المقصود عن عدم ترشيح أحد من غير البيض لجوائز الأوسكار للعام الحالي 2016. كل هذا يجعل توقيت الفيلم مناسبًا تمامًا.

يقول الممثل الأسترالي «جويل إدجرتون»، الذي يقوم بدور ريتشاد لافينج: «ثمة تفاوت في السلوك، في الأحكام، في الرعاية الصحية، في الموقف العام. ما صدمني به الفيلم حقًا هو؛ أنك تستطيع وضع القوانين كما تشاء، لكنك لا تستطيع وضع آراء الناس».

أُجريت دراسة أنثروبولوجية لوحظ خلالها أنه عند «تصوير الناس»، يمشي ذووا البشرة البيضاء في ثقة خلال الشارع ويبتعد ذووا البشرة السوداء

تشاركه البطولة الممثلة روث نيجا؛ ولدت في إثيوبيا ونشأت في أيرلندا (والدها إفريقي ووالدتها أيرلندية). قالت معبرة عن مدى وعيها بملائمة الفيلم للعصر الحالي: «أُجريت دراسة أنثروبولوجية لوحظ خلالها أنه عند «تصوير الناس»، يمشي ذووا البشرة البيضاء في ثقة خلال الشارع ويبتعد ذووا البشرة السوداء. ما لم تمشِ في الشوارع مرتديًا عباءة إخفاء، لا يمكن ألّا تدرك وجود العنصرية. لن يتغير الوضع إلا بالتحاور بشأنه وعدم نبذ حركة Black Lives Matter كأنها شيء عدائي أو غير ضروري».

لم يعد ريتشارد وميلدريد لافينج على قيد الحياة. مات ريتشارد في حادث سيارة عام 1975، وميلدريد في 2008 بعد إصابتها بالتهاب رئوي. لكن ابنتهما، بيجي لافينج فورتشن، في أواخر عقدها الخامس حاليًا وأم لثلاثة أبناء، منحت موافقتها لطاقم العمل.

يضيف جويل إدجرتون عن تصوير الفيلم: «كان الأمر أشبه بالدخول في دوامة زمنية. صوّرنا خارج السجن، وكنا في تلك المزارع ذات المعمار القديم، وارتدى الجميع ملابس مناسبة للفترة، وكانت السيارات القديمة موجودة. كأن جيف صنع آلة سفر عبر الزمن. لكن صدمني كمّ أن 50 عامًا ليست زمنًا بعيدًا جدًا عنا، حتى يجري كل هذا السوء».

حينها، عام 1958، كان صعبًا حتى تخيل أن قصتهما ستصبح فيلمًا، دعك من تصور أنها ستغير التاريخ. كانت حقبة سيطرت فيها منظمة الـ«كو كلوكس كلان» والإعدامات بغير محاكمات. حيث تبعًا لمبادرة المساواة في العدالة، حدث أكثر من 4000 حالة إعدام بغير محاكمة في الولايات الجنوبية ما بين عاميّ 1877 و1950. كان ما أتاح للزوجين الالتقاء في ظل تلك الأوضاع، هو نشأتهما سويًا في مقاطعة كارولاين التقدمية إلى حد ما لوقوعها على الحدود بين الشمال والجنوب.

بحلول منتصف الستينيات، وقت وجود الزوجين في واشنطن، كانت حركة الحقوق المدنية في ذروة نشاطها، وبالتأكيد سيتأثر الزوجان بهذه الأجواء. صيف عام 1963 كانت المسيرة الكبيرة إلى واشنطن، وفي الصيف التالي تم تمرير قانون الحقوق المدنية، وفي السنة اللاحقة حدثت «مسيرات سيلما» وتم تمرير قانون حق التصويت.

تمرير قانون حق التصويت هو ما ألهم ميلدريد وجعلها تبحث عن المساعدة، فأرسلت خطابًا إلى المدّعي العام روبرت كينيدي. قالت لجريدة النيويورك تايمز عن هذا: «كنت أشتكى طوال الوقت (لعدم استطاعتهما العودة إلى فيرجينيا)، فقالت (ابنة عم ريتشارد): «لم لا تكتبين رسالة إلى روبرت كينيدي؟» … قالت إن هذه هي وظيفته».

لم تتخيل أبدًا أن خطابها سيضعها في خط المواجهة بمعركة لم ترغب أبدًا في خوضها. قالت عام 1992: «ما حدث، لم نقصد أبدًا حدوثه. لم نُرد سوى العودة إلى وطننا» في خطابها إلى كينيدي، قالت: «المشكلة هي أنه غير مسموح لنا بزيارة عائلتينا. أخبرنا القاضي أنه إذا دخلنا الولاية خلال الثلاثين عامًا القادمة فسنضطر لقضاء عام في السجن. نعرف أننا لا نستطيع العيش هناك، لكن نرجو لو تتاح لنا العودة بين الحين والآخر لزيارة عائلتينا وأصدقائنا».

فوجئت بإرسال كينيدي خطابها إلى الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية. وبعد وقت قصير تواصل معهما محامٍ شاب، «برنارد إس. كوهين»، عمره 29 عامًا، تخرج منذ بضعة سنوات فقط، ولم تكن خلفيته توحي بأيّة مقدرة على تحمل مسؤولية قضية قانونية ضخمة. يقول لكاتب التقرير إنه لم يكن قد سبق له التعامل مع قضايا جنائية عدا قضايا المرور.

لا يمر يوم إلا وأفكر في ريتشارد، وكمّ كان يعني أن أمتلك حرية الزواج من الشخص الأغلى لديّ، حتى لو ظن الآخرون أنه شخص من نوع غير مناسب

بعد تقديمه التماسًا نيابة عن الزوجين، قرر البحث عن مساعدة أحد أساتذة القانون في كليته القديمة، كلية جورجتاون للقانون. لكن هناك التقى بمحامٍ شاب آخر، «فيليب جاي. هيرشكوب»، حيث كان جالسًا في صالة أعضاء هيئة التدريس، يدردش مع أستاذ. كان الشابان مختلفان في الطباع تمامًا، لكنهما تمكنا من تحويل هذا الاختلاف إلى تكامل. وأفادتهما خبرة هيرشكوب بقضايا الحقوق المدينة، حيث كان يعمل بمنطقة الميسيسيبي قبل عودته، فكان هو من اقترح أساس الدعوى للقضية.

«تم نفيهما من ولاية فيرجينيا كعقوبة جنائية، وهذا غير قانوني. لا تستطيع نفي الناس من ولاية إلى أخرى.»

يقول كوهين: «كنت أعرف أن القضية ستصل إلى المحكمة العليا. قلت هذا للسيد والسيدة لافينج. لم يستطع السيد ريتشارد التصديق. أرادني أن أذهب فقط لرؤية القاضي وأن أطلب منه أن يتفضل ويسمح لهما بالعودة إلى فيرجينيا، وأنهما لن يتسببا في أيّة مشاكل هناك. كان أسلوبه بسيطًا، وأدركت السيدة ميلدريد أن الأمور لن تتم على هذا النحو. لم تفهم تفاصيل ما سيحدث بالضبط، لكنها أحست بضخامته».

كان التوقيت ممتازًا. المحكمة العليا في أكثر فتراتها تحررًا تحت رئاسة القاضي إيرل وارين، والدولة منتفضة بسبب معارك الحريات المدنية. كان دفاع المحاميين الشابين رائعًا ومتماسكًا، وقد تركز على أنه لا يحق للولاية دستوريًا منع الناس من التزوج بسبب أعراقهم. مع هذا، لم يكن أقوى من كلمات ريتشارد لافينج، المنقولة إلى القضاة: «أخبروا المحكمة أنني أحب زوجتي، وأنه ليس من العدل ألّا أستطيع العيش معها في فيرجينيا».

كتب القاضي وارين رأيه التاريخي: «أنكرنا دومًا دستورية الإجراءات التي تقيد حقوق المواطنين على أساس العِرق. يُلزم الإصلاحُ القانونيُّ الرابع عشر بعدم تقييد حرية الاختيار في الزواج من خلال التمييز العنصري غير العادل. في ظل دستورنا، حرية الزواج، أو عدم الزواج، بشخص من عرق آخر هي حق للفرد وليس للدولة انتهاكها».

يرى البعض أن هذه كانت آخر أشجار غابة التقييد العنصري المتشابكة، ولن تقوم مرة أخرى بعد سقوطها. فماذا بعد إلغاء القيود على الزواج بين الأعراق؟ ستُغلي القيود على الأطفال مختلطي الدم، وبالتالي ستسقط معها فكرة تفوق العرق الأبيض. وتكونَ قد فتحتَ الباب أمام مجتمع لا يعرف أفرادُه من أيّ عرق جاءوا، ولا يهتمون بهذا أصلًا.

يتذكر هيرشكوب اتصاله بالزوجين لينقل لهما الخبر: «كان صوت [ميلدريد] منفعلًا أكثر بقليل من المرات التي سمعتُه فيها. لكن لا أظن أن [ريتشارد] أمسك بسماعة الهاتف حتى. أخبرناهما أن علينا عقد مؤتمر صحفيّ في اليوم التالي. كان الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية مصرًا على هذا، وأتفهم السبب. لم يرغبا في الذهاب، مع أنها قد وافقا على المشاركة. رغبا فقط أن يتركا لحالهما ليتابعا حياتهما»

بعد عودة الزوجين إلى فيرجينيا، وقعت حادثة أو حادثتان عنصريتان –حُرق صليب في فناء منزل والدة ميلدريد– لكن ما لبثت هذه المشاعر السيئة أن اختفت. قبل وفاة ميلدريد بعام، تكلمت عن رابطة المحبة التي أخذتها هي وزوجَها إلى قمة النظام القضائي الأمريكي وغيّرت القانون لأجلهما، ولأجل آخرين، إلى الأبد.

«لا يمر يوم إلا وأفكر في ريتشارد، وكمّ كان يعني أن أمتلك حرية الزواج من الشخص الأغلى لديّ، حتى لو ظن الآخرون أنه شخص من نوع غير مناسب.»