محتوى مترجم
المصدر
La Riposte Socialiste
التاريخ
2019/3/8
الكاتب
هيلين بيسونيت


شهدت السنوات القليلة الماضية انتعاشًا في النضال ضد اضطهاد المرأة على الصعيد الدولي. بدايةً بحركات من أجل الحق في الإجهاض في أيرلندا والأرجنتين وبولندا، والمسيرة العالمية للمرأة ضد ترامب، إلى الإضراب النسوي في إسبانيا، فنحن نرى جيلاً جديدًا يدخل المشهد السياسي ويرغب في محاربة عدم المساواة، التي يعاني منها الكثير من النساء، يريد هؤلاء الشباب تغيير المجتمع بعمق، ويبحثون عن أفكار لتحقيق ذلك. ونحن نؤكد أنّه لا تزال الكتابات الماركسية لكلٍ من إليانور ماركس، روزا لوكسمبورج، كلارا زيتكين وألكسندرا كولونتاي، ضمن نسويات (ماركسيات) أخريات، ذات أهمية حتى اليوم.

فهؤلاء القياديات الاشتراكيات العظيمات كافحن دائمًا لربط قضية المرأة بالنضال من أجل الاشتراكية. فبالنسبة لهن، لا يمكن أن يكون هناك تحرر للنساء دون تحرر للطبقة العاملة، والعكس صحيح. هنا نسلط الضوء على أفكارهن.

Suffragettes: الماركسيون والمناضلات من أجل حق تصويت المرأة

لا بد أن نؤكد أولاً أن النضال من أجل تحرير المرأة جزء لا يتجزأ من الحركة الاشتراكية. فحتى قبل ماركس، قال الاشتراكي الطوباوي تشارلز فورييه:

التقدم الاجتماعي يحدث بسبب تقدم المرأة نحو الحرية. والتدهور الاجتماعي يحدث بسبب تقلص حرية المرأة.

ونشر فريدريش إنجلز، أقرب صديق لماركس، «أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة» في عام 1884، وهو كتاب تفسير مادي رائع لأصول اضطهاد المرأة.

وداخل الأممية الأولى، كان للبرودونيين (أنصار برودون) رؤية أبوية للغاية للنساء. فكان رأيهم أن «المرأة ليست مكوَّنة للعمل». حارب ماركس وإنجلز هذه الأفكار الرجعية.

والماركسيون لم يكونوا الوحيدين الذين قادوا هذه المعركة. ففي الوقت نفسه، في منتصف القرن التاسع عشر، تكونت مجموعات برجوازية وبرجوازية صغيرة للنضال من أجل حقوق المرأة، وخاصة من أجل حق النساء في التصويت. وعلى الرغم من أن الماركسيين ناضلوا من أجل الحقوق الديمقراطية وضد الاضطهاد بشكل عام، إلا أن هناك فرقًا شاسعًا بين نهجهم ونهج هذه الجماعات، كما سنرى.

فماركسيات مهمات جدا مثل كولونتاي وزيتكين انتقدن بشدة حركة الـ «Suffragettes»، أي المطالبات بحق المرأة في التصويت في الانتخابات، ووصفن تلك الحركة بأنها «حركة نساء البرجوازية».

أوضحت إليانور ماركس، وهي ابنة كارل ماركس، التي كانت تناضل في الحركة العمالية في ذلك الوقت، الموقف الماركسي بهذه الطريقة:

يمكن للعاملات أن يفهمن جيدًا مطالب البرجوازيات. بل ينبغي أن يكون لديهم موقف إيجابي تجاه هذه المطالب؛ ولكن، أهداف العاملات والبرجوازيات مختلفة للغاية.

أما كلارا زيتكين فكانت تشرح الآتي:

نحن نطالب بحقوق سياسية مساوية لحقوق الرجال حتى نتمكن، معهم، من تحرير أنفسنا جميعًا من القيود الحديدية التي تُحجمنا، وأن نتمكن من الإطاحة بهذا المجتمع وتدميره.

فنرى هنا أن هذه رؤية مختلفة تمامًا عن رؤية البرجوازيات والبرجوازيات الصغيرات اللاتي كن يرين في النضال من أجل حقوق المرأة غاية في حد ذاتها، منفصلة عن الصراع الطبقي.

أما بالنسبة لروزا لوكسمبورج، فهي انتقدت بشدة البرجوازيات:

لو كانت المسألة مسألة تصويت المرأة البرجوازية فقط، لما ضايق ذلك الدولة الرأسمالية. فالعديد من هؤلاء النساء البرجوازيات اللواتي يعملن كمحاربات شرسات في مكافحة «الامتيازات الذكورية» سوف يمشين مثل الخراف الصغيرة في معسكر الرجعية المحافظ والديني، وذلك إذا كان لديهن الحق في التصويت.

وهذا يذكرنا بالدعم الكبير من سياسيات مثل هيلاري كلينتون ومادلين أولبرايت للحروب الإمبريالية والسياسات الرجعية الأخرى.

لذا نرى أن هناك فرقًا كبيرًا بين التحليل الطبقي للنساء الماركسيات وفكرة أن كل النساء لهن مصالح مشتركة. في الواقع، كان لديهن الموقف نفسه والنهج نفسه تمامًا مثل الرجال الماركسيين. فكانوا جميعًا مع صراع طبقي موحد ضد النظام الرأسمالي وجميع أشكال الاضطهاد الذي يولده.

لذلك، ربما تكون حركة الـ Suffragette الإنجليزية هي أفضل مثال على هذا الاختلاف في النهج والرؤية: في عام 1903، قامت إيميلين باركورست (Emmeline Pankhurst) بتأسيس «الاتحاد الاجتماعي والسياسي للمرأة» (WSPU)، وهي منظمة تناضل من أجل حقوق المرأة. كانت بناتها كريستابيل وسيلفيا وأديلا، يناضلن أيضًا في هذه المنظمة التي قامت بأعمال جذرية للغاية، أدت أحيانًا إلى الاعتقالات والسجن. ولكن منذ البداية، ظهرت توترات في المنظمة، ناتجة عن وجهات نظر طبقية مختلفة اختلافًا جوهريًا.

حاولت سيلفيا، على وجه الخصوص، ربط الحركة بالنضال العام للطبقة العاملة وأصبحت اشتراكية. جمعت بين أعمال العصيان المدني والتعبئة من أجل WSPU في نضال العمال. لقد أدركت الحاجة إلى التعبئة الجماعية ورؤية طبقية في هذا الصراع. وقالت إنها لا تريد «نضالاً أنشط من قِبل عدد قليل من النساء، ولكن نداء أكبر للجماهير للانضمام إلى النضال». ومع ذلك، لم تشاركها في رأيها والدتها وأختها كريستبال، اللتان عارضتا التحالف بين WSPU والمنظمات العمالية. فبالنسبة لهن، كان هذا مجرد صراع من أجل المرأة، وأردن الحفاظ على استقلال الـWSPU عن الحركة العمالية.

أما سيلفيا، فهي أرادت أن تكون الـ WSPU منظمة اشتراكية وسافرت عبر بريطانيا لنشر أفكار تلك الأيديولوجيا. وفي النهاية، تم طردها من WSPU في عام 1914 من قبل أختها ووالدتها، لأنها تحدثت في اجتماع مع الاشتراكيين والنقابيين لدعم الثوري الأيرلندي جيم لاركين.  هنا، نرى بوضوح الفرق في النهج والرؤية. أرادت البرجوازيات الصغيرات تنظيم الحركة فقط حول «قضايا المرأة»، ولكن سعت سيلفيا إلى النضال الموحد ضد الرأسمالية كطريق لتحرير المرأة.

وبعد ذلك، ثبت فشل حركة Suffragettes مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، وأصبحت الحركة مؤيدة قوية للحكومة البريطانية وداعمة لجهود الحرب. وقد طلب رئيس الوزراء البريطاني شخصيًا المساعدة من WSPU وموّل احتجاجات الحركة المؤيدة للحرب تحت شعار «نطالب بالحق في الخدمة». وهذا الاتحاد دعم الحرب لدرجة أن إيملين استخدمت حجة نسوية للدفاع عن الحرب ضد ألمانيا، فقالت إنها (ألمانيا) «أمة ذكورية».

وبعد الحرب، اتخذت إيميلين وكريستبال مواقف رجعية مناهضة للنقابات، وكانتا من بين أول النساء اللواتي ترشحن للانتخابات، ولكن لا شيء سوى تحت راية حزب المحافظين. بالمقابل، ساعدت سيلفيا في تأسيس الحزب الشيوعي البريطاني.

هنا نرى لماذا يعارض الاشتراكيون محاولات خلق حركة موحدة لجميع النساء. فمن الخطأ الادعاء بأن جميع النساء لهن نفس المصالح. فخلق منظمات لجميع النساء لا يربط العمال إلا بمصالح البرجوازيات والبرجوازيات الصغيرات، اللواتي لا يستطعن ولن يقاتلن من أجل مصالح العمال والعاملات. وأشارت كولونتاي في ذلك الوقت بقولها:

أين هذه «المسألة النسوية» العامة؟ أين وحدة المهام والتطلعات التي تتكلم عنها الكثير من النسويات؟ فإذا ألقينا نظرة دقيقة على الواقع سوف نرى أن هذا الواقع غير موجود ولا يمكن أن يوجد.

ونرى هنا أن تتناقض هذه الكلمات مع صورة كولانتاي حيث يتم تقديمها اليوم في اليسار، لا سيما في الأوساط الأكاديمية التي تحاول تقديمها كنسوية.

أما بالنسبة لكلارا زيتكين، فقد دافعت عن نفس أفكار كولونتاي. وهي كمناضلة اشتراكية ألمانية، نددت بنفاق المنظمات النسائية في ألمانيا التي دعمت جميع أنواع المواقف الرجعية. على وجه الخصوص، انتقدت بشدة اتحاد النساء الراديكاليات، وهي منظمة برجوازية صغيرة. ففي خلال انتخابات هامبورغ عام 1903، دعمت هذه المنظمة مرشحًا كان مع توسيع حق التصويت لبعض النساء المعينات، ضد الاشتراكي أوجوست بيبل. وهذا الأخير كان معروفًا بأنه كتب في عام 1879 أول كتاب ماركسي مخصص بالكامل للنضال من أجل تحرير المرأة، واسمه: «المرأة والاشتراكية».

وأظهر اتحاد النساء الراديكاليات بشكل ملموس أن الرؤية الطبقية أكثر أهمية، من خلال عدم وقوفهم إلى جانب بيبل، «أحد المناضلين الأكثر شراسة من أجل التحرر الكامل للمرأة»، كما تتذكر زيتكين. وبسبب هذا الخط السياسي الطبقي نفسه، ذهبت منظمة برجوازية صغيرة أخرى إلى دعم المرشح الليبرالي في بافاريا عام 1905، على الرغم من أن حزب هذا المرشح كان ضد توسيع الانتخاب للنساء.

لقد ظهر بوضوح نهج كولونتاي وزيتكين الماركسي تجاه هذه القضية من خلال إنشاء يوم المرأة العالمي أو كما كان يطلق عليه في الأصل، يوم العاملات العالمي. وفي مواجهة صعود الحركة النسائية البرجوازية، التي سعت إلى فصل نضال المرأة عن الصراع الطبقي، نظمت 99 امرأة اشتراكية من 17 دولة مؤتمرًا للنساء الاشتراكيات في أغسطس 1910 حيث أعلِن هذا اليوم للتظاهر.

تم تنظيم اليوم تحت شعار «حق تصويت النساء سيمنحنا القوة في النضال من أجل الاشتراكية»، وأوضح القرار الذي قدمته زيتكين:

بالاتفاق مع المنظمات السياسية والنقابية للبروليتاريا التي وصلت للوعي الطبقي في جميع أنحاء العالم، ستنظم النساء الاشتراكيات من جميع البلدان يوم المرأة كل عام. أولاً، سيهدف يوم المرأة إلى تحقيق حق التصويت للنساء. ويجب أن يكون هذا الطلب متسقًا مع الفهم الاشتراكي للقضايا المتعلقة بحقوق المرأة.

وهنا نرى أن الغرض من هذا اليوم هو الانفصال عن ما وصفته زيتكين بـ «النسويات البرجوازيات» وتعزيز صراع الطبقة العاملة الموحد ضد القمع وضد الرأسمالية. ولكن للأسف تم تفريغ اليوم العالمي للمرأة إلى حد كبير من محتواه الثوري ويجب علينا إحياء هذا التقليد الثوري!

النضال ضد الاضطهاد

بعد أكثر من مائة عام على إنشاء هذا اليوم العالمي، أصبحت محاربة الاضطهاد قضية رئيسية تحشد قطاعات كبيرة من الطبقة العاملة. بالإضافة إلى الاضطهاد الجنسي (الجندري)، تعاني العديد من المجموعات من الاضطهاد الوحشي بسبب الاختلافات في الجنسية والتوجه الجنسي ولون البشرة وما إلى ذلك. وتستغل الطبقة الحاكمة هذه الاختلافات لتبرير الاستغلال الخاص لمجموعات معينة وزرع الانقسام داخل الطبقة العاملة. ولكن كيف يمكننا محاربة هذا الاضطهاد؟

للأسف، بعض الناس في اليسار اليوم يتصورون أن الظلم هو علاقة بين «المحظوظين/ذوي امتيازات معينة» والمضطهدين. ووفق مصطلحات الفكر التقاطعي (intersectionality)، يعني الامتياز «أن تستفيد مجموعة واحدة على حساب مجموعة أخرى». وعلى سبيل المثال، سيتم منح الرجال امتيازات على حساب النساء. لكن مشكلة مفهوم «الامتياز» أنه مصطلح يفترض أنّ أولئك الذين لا يعانون من اضطهاد معين لديهم مصلحة في الحفاظ عليه.

لكن هذا غير حقيقي، فمثلاً تمارس الأجور المتدنية للجماعات المضطهدة ضغطًا للأسفل على أجور جميع العمال، بما في ذلك ما يسمى بالطبقات «المتميزة». والعمال الذين يكرسون سلوكًا قمعيًا أو مواقف تكرس التمييز يفتتون في الواقع وحدة الحركة العمالية ككل، لأنهم يساعدون في خلق مناخ من الانقسام. على سبيل المثال، العامل ذو المواقف والأفكار الذكورية ينفر بالضرورة زميلاته المستهدفات ويجعل العمل النقابي المشترك معهن صعبًا، وبالتالي فإنه يؤثر على قدرة جميع العمال على محاربة طبقة الرأسماليين. على العكس من ذلك، عندما تتقاتل الطبقات «ذات الامتيازات» والأخرى المضطهدة معًا ضد طبقة الرأسماليين، يستفيد جميع العمال من هذا الاتحاد. وعلينا أن نؤكد هنا أن ما يسميه بعض النسويات بـ «الامتيازات» (عدم التمييز في التوظيف أو رفض الاعتداء الجنسي، على سبيل المثال) يمثل لنا الحقوق الأساسية التي يجب أن يتمتع بها الجميع.

إذن، فإن تحرير المرأة ليس مسألة تهم المرأة فقط، كما هو الحال مع كل أشكال الاضطهاد الأخرى. كل هجوم على جزء من الطبقة العاملة وكل محاولة لتقسيمها بأي شكل من الأشكال تضر بمصالح الطبقة العاملة ككل. لذا فإن الماركسيين يناضلون من أجل اتحاد الحركة العمالية بأكملها لمحاربة كل أشكال القمع والاضطهاد. فشعارنا هو: هجوم على أحد هو هجوم على الجميع!

باتريشيا هيل كولينز، وهي نسوية تقاطعية معروفة، توسّع فكرة الامتياز بالقول أنه، على حسب السياق، «يمكن للفرد أن يكون مضطهِدًا (بكسر الهاء)، أو يكون عضوًا في مجموعة مظلومة، أو يضطهد ويُضطهد في الوقت نفسه». نتيجة هذه الرؤية هو تفتيت أكبر للطبقة العاملة، لأن ذلك يعني أننا جميعًا سنضطهد بعضنا البعض. كيف يمكننا خلق الوحدة إذا كان هذا هو الحال؟ ونلاحظ أن مفهوم «الامتياز»، الذي تستخدمه أنواع كثيرة من النسويات اليوم، يؤدي إلى بعض الاستنتاجات السخيفة حقًا. على سبيل المثال، كتبت باحثة في علم الجريمة عن الامتيازات التي يتمتع بها الرجال المشردون!

وعندما نناقش مسألة الاضطهاد، من المثير للاهتمام دراسة حالة روزا لوكسمبورج، وذلك لأنها كانت امرأة بولندية يهودية ومن ذوي الإعاقة، وبالتالي كانت تعرف الاضطهاد جيدًا. على الرغم من ذلك، فإنها لم تتعامل مع هذه المسألة من وجهة نظر الهوية (identity)، ولم تدين الطبقات «المتميزة» للطبقة العاملة باضطهادها. فكانت الماركسية بالنسبة لها النظرية الشاملة الوحيدة والطريقة الفعالة الوحيدة لمكافحة جميع أنواع الاضطهاد. وعلى الرغم من أن العديد من الناس يعتبرونها اليوم نسوية، إلا أنها لم تكتب الكثير عن مسألة المرأة، لأنها رفضت بالتحديد أن تُعرف بهويتها فقط.

في زمن لوكسمبورج وكولونتاي وزيتكين، كانت النسويات توصف بالفعل الظلم تجاه النساء من حيث «الامتيازات» التي يتمتع بها الرجال على حساب النساء. ولكن هذا يخفي حقيقة أن غالبية الرجال كانوا من العمال والفلاحين الفقراء الذين لم يستفيدوا بأي شكل من الأشكال من اضطهاد النساء. إذا لم يكن عليهم تحمل الضغوط نفسها التي تتعرض لها العاملات، فهذا بالتأكيد لم يجعل هؤلاء العمال ضمن ذوي الامتيازات!

وأوضحت كولونتاي هذا الاختلاف:

ترى النسويات الرجال على أنهم عدوهن الرئيسي، لأن الرجال احتفظوا ظلمًا بجميع الحقوق والامتيازات لأنفسهم، تاركين للنساء فقط السلاسل الحديدية والواجبات. بالنسبة لهن، لا يعتبر انتصارًا حقيقيًا إلا عندما يتم منح امتياز سابق للجنس الذكوري إلى النساء. ولكن لدى العاملات ونساء البروليتاريا موقف مختلف. إنهن لا يرين الرجال على أنهم عدو؛ بل على العكس، يعتقدن أن الرجال رفاقهن، يشاركون في الأعمال اليومية ويناضلون معهم من أجل مستقبل أفضل. فالنساء ورفاقهن من الرجال مستعبدين في ظل الظروف الاجتماعية نفسها؛ ونفس السلاسل الحديدية الرأسمالية المكروهة تضطهد إرادتهم وتحرمهم من أفراح وجمال الحياة. من الصحيح أن الأشكال المحددة للنظام الحالي تضع «ثقلًا مضاعفًا» على أكتاف النساء، تمامًا كما هو صحيح أيضًا أن ظروف العمل المأجور تجعل المرأة منافسة للرجال. لكن في ظل هذه الظروف غير المواتية، تعرف الطبقة العاملة على من يقع عليه اللوم.
الأسس الاجتماعية للمسألة النسائية، 1909

نرى هنا أن كولونتاي حافظت على موقف طبقي واستهدفت ما هو مشترك بين جميع العمال والعاملات: استغلالهم الاقتصادي من قبل الطبقة الرأسمالية، وهو ليس شكلاً محددًا من أشكال الاضطهاد («الامتياز الطبقي» (Classisme) كما يسميه بعض النسويات التقاطعيات)، بل هو استغلال اقتصادي تعاني منه الطبقة العاملة بأكملها. هذا العنصر المشترك بين جميع العمال والعاملات يصبح أكثر وضوحًا اليوم، حيث نرى تركيز رأس المال أكثر وأكثر وحيث نرى أن ثمانية أفراد فقط لديهم ثروة أكثر من النصف الأكثر فقرًا على المستوى العالمي. في هذا الزمن المعروف بأزمة الرأسمالية، لا يوجد عامل محصن ضد البطالة، أو محصن من ركود الأجور، أو من إجراءات التقشف التي تضطر الحكومات لتنفيذها تحت ضغط الرأسماليين. إنّ الأشخاص المميزين فقط هم هؤلاء البرجوازيون وطبقة السياسيين الذين يمثلونهم. فالمال لا ينمو على الأشجار: أرباحهم تأتي من العمل المسروق من العمال.

إن طريقة التحليل الماركسية تجعل من الممكن فهم جذور الاضطهاد، على عكس سياسات الهوية التي تفشل في تفسيرها. هذه الأفكار تتشبث برؤية مثالية للاضطهاد. تضع هذه الرؤية المثالية مسؤولية الاضطهاد الممنهج على الأفراد والأفكار بدلاً من البحث عن جذورهم المادية. على الرغم من أن بعض الناس يتحدثون أحيانًا عن الطابع المنهجي للاضطهاد، إلا أنهم يشيرون إلى نظام أفكار منفصل عن القاعدة الاقتصادية. على سبيل المثال، لوصف الأشكال المختلفة من الاضطهاد، تؤكد بيل هوكس النسوية التقاطعية: «بالنسبة لي، إنه مثل المنزل، يشتركون في الأساس، لكن الأساس هو المعتقدات الأيديولوجية التي تتمحور حولها الهيمنة». وهنا نرى أن الرؤية المثالية لبيل هوكس واضحة.

بالنسبة للماركسيين، «المعتقدات الأيديولوجية» هي جزء مما نسميه «البنية الفوقية». البنية الفوقية هي مجموعة من الأفكار (الدينية والفلسفية، على سبيل المثال) والمؤسسات السياسية والقانونية لمجتمع معين. تتجذر هذه البنية الفوقية في «البنية التحتية»، أي التنظيم الاقتصادي للمجتمع، والذي يتضمن العلاقات بين الطبقات. وبشكل عام، كما أوضح ماركس، فإن الأفكار المهيمنة لمجتمع معين، والتي تشكل بنيته الفوقية، هي أفكار الطبقة المهيمنة. لذلك، بالنسبة للماركسيين، فإن «المعتقدات الأيديولوجية» الموجودة في مجتمع معين لا تأتي من العدم. بدلاً من ذلك، نجد جذورهم داخل هذا الأساس الاقتصادي.

لذا يجب أن يهدف النضال ضد الاضطهاد ثورة اجتماعية كاملة من خلال الإطاحة بالقاعدة الاقتصادية الحالية للمجتمع: الرأسمالية. هكذا يمكننا معالجة الندرة والبطالة وعدم المساواة الاقتصادية التي تغذي «المعتقدات الأيديولوجية» والسلوكيات الفردية التي تعزز الاضطهاد.

الحاجة للوحدة الطبقية

بالنسبة للنساء الماركسيات، كما هو الحال لجميع الماركسيين في أي مكان، كان النضال ولا يزال صراعًا طبقيًا. وكما أوضحت زيتكين:

مكان المرأة البروليتارية هو في معسكر البروليتاريا، ومكان المرأة البرجوازية هو في معسكر البرجوازية.

وتضيف كولونتاي:

بغض النظر عن الراديكالية الظاهرة لمطالب النسويات، يجب ألا نغفل حقيقة أنه لا يمكن للنسويات، بالنظر إلى وضعهم الطبقي، أن يناضلن من أجل هذا التغيير الجذري للهيكل الاجتماعي والاقتصادي، الذي دونه لا يمكن أن تكتمل عملية تحرير المرأة.

واستكمالاً لهذه الأفكار، تقول زيتكين:

يجب تنظيم العاملات «ليس كنساء»، بل كبروليتاريات؛ ليس كمنافسات للعمال الذكور، بل كرفاقهم في النضال.

ومن الصعب أن نفهم لماذا يمكن لأي شخص اليوم اعتبار هذه الأفكار التي تناصرها النساء الماركسيات في ذلك الزمن «بالأفكار النسوية». لقد كانت وجهة نظر ماركسية، وهي نفس وجهة نظر الرجال الماركسيين في ذلك الزمن، والتي عارضت الرؤية النسوية لتوحيد النساء في صراع منفصل من أجل حقوق المرأة.

فمثلاً، أشارت كولونتاي إلى الدور القوي للحركة العمالية في النضال من أجل تحرير المرأة:

من الصعب علينا العثور على واقعة واحدة في تاريخ نضال النساء العاملات من أجل تحسين ظروفهن المادية ساهمت فيها بشكل كبير الحركة النسوية. كل ما اكتسبته العاملات في تحسين ظروفهن المعيشية هو نتيجة لجهود الطبقة العاملة بشكل عام وجهودهن بشكل خاص. إن قصة نضال العاملات من أجل ظروف عمل أفضل ومن أجل حياة كريمة هي قصة نضال البروليتاريا من أجل تحرير نفسها.

فمن خلال النضال الموحد للمضطهدين يمكننا أن نحقق توازنًا حقيقيًا لهجمات الطبقة السائدة.
ولكن هل يعني هذا أننا نعطي الأولوية للصراع الطبقي على حساب النضال ضد الاضطهاد؟ على الإطلاق. نحن نؤمن، مثل زيتكين وكولونتاي وآخرين، أنه من خلال وحدة العمال فقط يمكننا مكافحة الاضطهاد بشكل فعال. بالمقابل، فقط من خلال محاربة الظلم وكل محاولات تقسيم العمال نستطيع توحيد الطبقة العاملة.

في المقابل، تبقى أفكار التقاطعية والنسوية متوافقة مع الرأسمالية لأنها تفشل في استهداف الأساس المادي للقمع – وجود المجتمع الطبقي نفسه. هذا هو السبب في أن الطبقة الحاكمة قادرة على تبني هذه الأفكار من أجل أن تظهر بشكل تقدمي. على سبيل المثال، يدّعي رئيس وزراء الكيبيك فرانسوا ليغولت صراحةً أنه نسوي، بل ويستخدم حجة نسوية لتبرير سياساته المعادية للإسلام. فباستخدام الحجاب كرمز ذكوري، تهاجم حكومة الكيبيك حقوق المرأة المسلمة. أما جاستن ترودو، فنراه يصف نفسه بالنسوي، بينما يبيع أيضًا الأسلحة للسعودية.

ومثال آخر هو مثال هيلاري كلينتون التي تصف نفسها نسوية وتستخدم لغة التقاطعية في حين أنها صوت بارز للإمبريالية الأمريكية التي تدمر حياة الملايين من النساء المضطهدات في جميع أنحاء العالم. هناك مثال آخر مثير للسخرية عن مدى سهولة اليمين في استخدام حجج النسوية. ففي العام الماضي، انتقد جيريمي كوربين، زعيم حزب العمل البريطاني، رئيسة الوزراء تيريزا ماي لحضور اجتماع مع الأمير السعودي الذكوري الكاره للنساء عشية اليوم العالمي للمرأة. سعيًا لإسكات النزاع، ردت ماي بعد ذلك بأن كوربين يطبق Mansplaining (أن يقوم رجل بشرح موضوع للمرأة بطريقة أبوية أو متعالية وغالبًا شديدة التبسيط، وكأنه يفترض أنها ضعيفة الفهم).

النضال من أجل الاشتراكية هو نضال من أجل تحرير النساء

ألكسندرا كولونتاي وإليانور ماركس وروزا لوكسمبورج وكلارا زيتكين بعض من النساء اللواتي لعبن دورًا قياديًا في الحركة الماركسية. اليوم، غالبًا ما يتم تقديم هؤلاء الثوريات على أنهن نسويات أو «نسويات اشتراكيات» أو «ماركسيات نسويات».

في الآونة الأخيرة، وصفت تيليسور «إليانور ماركس» بأنها «أم الحركة النسوية الاشتراكية»، بينما قدمت جريدة لو فيجارو الفرنسية «كلارا زيتكين» بأنها «شيوعية ونسوية». أيضًا، غالبًا ما يتم تصوير كولونتاي بأنها «شيوعية وناشطة نسوية سوفياتية». نعتقد، مع ذلك، أن إرفاق هذه التسميات يزيد من الارتباك. وهذا يشير وكأنّ الماركسية في حد ذاتها ليست في صالح النضال من أجل تحرير المرأة.

لكن في الوقت نفسه، يستخدم مصطلح «النسوية» من ملايين من النساء (والرجال) الذين ينفتحون على السياسة ويريدون محاربة الاضطهاد. هذا ما رأيناه في إسبانيا مع «الإضراب النسوي» وأثناء الحركات الجماهيرية في أمريكا اللاتينية من أجل حق الإجهاض. وهي أيضًا راية جمعت العديد من الأشخاص في النضال من أجل المساواة في الأجور وضد التحيز الجنسي والذكورية والتحرش الجنسي في العديد من البلدان.

كل هذه النضالات تقدمية للغاية ويشارك فيها الماركسيون بنشاط. ولكن، لكسب المعركة ضد اضطهاد النساء وجميع أشكال الاضطهاد الأخرى، نحن بحاجة إلى أفكار واضحة وفهم واضح لما نناضل من أجله وكيف نناضل من أجله. كما رأينا، كانت إليانور ماركس ولوكسمبورج وزيتكين وكولونتاي واضحات للغاية بشأن ما كن يقترحنه: صراع طبقي تشنه الطبقة العاملة بأكملها من أجل حقوق المرأة كجزء لا يتجزأ من النضال من أجل الاشتراكية. لا يمكن بأي حال من الأحوال فصل مفهومهن عن النضال ضد الاضطهاد عن مفهوم كارل ماركس وإنجلز ولينين وتروتسكي. لا يوجد فائدة محددة في وصفهن بـ النسويات، إلا إذا كنا نحاول تصنيفهن بأفكار مختلفة عما كان هؤلاء النساء يعتقدنه حقًا.

تقدم الماركسية طريقًا واضحًا لتحقيق التحرر الحقيقي للمرأة. وكما قالت ناديجدا كروبسكايا، المناضلة البلشفية (من أولى مناضلات الحركة البلشفية) وزوجة لينين:

إن النصر الكامل للعمال الذين يكافحون من أجل استبدال النظام الحالي بالاشتراكية هو الذي يمكن أن يحرر النساء بالكامل.

تلخص هذه الكلمات بشكل مثالي النهج الماركسي.

بالطبع، هذا لا يعني أنه في اليوم التالي للثورة الاشتراكية ستزول كل آثار التحيز الجنسي والذكورية والقمع. ولكن، من خلال النضال المشترك ضد الرأسماليين ومن أجل الاشتراكية، تميل الطبقات المختلفة للطبقة العاملة إلى التوحد وترى بعضها البعض كزملاء.

أوضحت كروبسكايا في وقتها:

أصبحت جملة «واحد من أجل الجميع، والجميع من أجل واحد» أكثر وضوحًا للمرأة العاملة. عندما تكون هناك مواجهات مع الإدارة، ترى أن رفاقها مستعدون دائمًا للدفاع عنها وهي مستعدة دائمًا للدفاع عنهم. نفس الصراعات تؤكد لها أنها عندما تكون بمفردها تكون ضعيفة، لكنها تصبح قوية عندما تتحد مع رفاقها. سوف تعترف في النهاية بأن «الوحدة قوة».

نضيف أن الشيء نفسه ينطبق على الرجال الذين سيرون عمليًا أن أي شكل من أشكال التحيز الجنسي أو كراهية النساء أو السلوك القمعي يضر بنضال جميع العمال.

ستوفر الاشتراكية إمكانيات ملموسة لتحرير المرأة. إنّ الاقتصاد المخطط والمتحكم فيه ديمقراطيًا من قبل جميع العمال سينهي الندرة والبطالة والفقر. يمكننا استخدام الموارد الهائلة للمجتمع لتلبية احتياجات الجميع، بما في ذلك المقاصف العامة بأسعار معقولة، رعاية الأطفال والرعاية الصحية المجانية تمامًا، خدمات من أجل ضحايا الاعتداء الجنسي، إلخ. بعد أن تحررنا من النظام الاقتصادي البربري الذي يستعبدنا، سوف نستطيع أخيرًا أن نحرر أنفسنا من البربرية التي تسود العلاقات الاجتماعية.