محتوى مترجم
المصدر
Open Democracy
التاريخ
2018/11/25
الكاتب
فرح حلبة

من بين 9.4 مليون مركبة مُرخصة في شوارع مصر، توجد 2.5 مليون سيارة في شوارع القاهرة والجيزة وحدهما، وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. وفي ظل تكدس تلك السيارات في شوارع القاهرة الكبرى الصاخبة، واستحالة العثور على مكان صالح لانتظار السيارات، انتشرت ظاهرة وبائية جديدة في شوارع القاهرة والإسكندرية: السائس أو السايس.

و«السايس» هو فرد مُخول بحراسة أماكن انتظار السيارات، غالباً ما يكون غير مُرخَص، ويتعامل بعنف في أغلب الأحيان مع سائقي السيارات الباحثين عن مكان لانتظار مركباتهم. لقد تحول «السياس» إلى مافيا لأماكن انتظار السيارات، إذ يضعون أيديهم على أي مساحة متاحة ويجبرون أصحاب السيارات المنتظرة فيها على دفع رسوم انتظار.

ولا يمكن لعاقل أن يجادل مع سايس، حيث لا يمكن توقع ردود أفعاله، وفي حال امتنع أحدهم عن دفع ما يطلبه السايس أو لم يلتزم بالوقت الذي حدده السايس له، فسيقع تحت طائلة تهديداته، وعادة ما تكون علامة التحذير هي خدش صغير في السيارة. وتتجنب النساء تحديداً مواجهة السياس لتجنب حدوث أي موقف مزعج في الشارع، ومع ذلك، فإن بعض السائقين المحظوظين يستطيعون الإفلات من موقف السيارات دون دفع مال للسايس.

أحد العوامل المثيرة للدهشة في ظاهرة السياس أنها تحدث تحت نظر الدولة وشرطتها، وتؤكد المقابلات المذكورة في هذا المقال أن السياس في أغلب الأحوال يعملون دون ترخيص، ويدّعون ملكية الأراضي التي يستحوذون عليها.

تقول هبة أحمد، وتعمل مصممة من القاهرة، إنها تدفع لثلاثة سياس مختلفين في اليوم الواحد، أحدهم بالقرب من عملها، والآخر بالقرب من الصالة الرياضية التي ترتادها، والثالث بالقرب من المطعم الذي تتناول فيه طعامها، وبالتالي فهي تدفع في المتوسط 25 جنيهاً لما تطلق عليهم «بلطجية» الشوارع. وتضيف هبة أنها تلقت تهديدات بتخريب سيارتها إذا رفضت دفع رسوم الانتظار.

وتقول مريم عمر، من القاهرة أيضاً، إنها مضطرة لدفع 200 جنيه كل شهر للسايس أحمد، الذي يعمل في موقف انتظار سيارات أمام مقر عملها، والبديل الآخر أن تتجول في الشوارع لساعات بسيارتها لتجد مكاناً آخر للانتظار، ويلقي ذلك الضوء على جانب آخر للقصة، وهو أن هناك من يحتاجون بالفعل لخدمات السياس، إذ يفضلون دفع المال لشخص ما للعناية بسياراتهم بدلاً من الانتظار لساعات حتى يتوافر مكان مجاني.


الشرف بين اللصوص

وقال أحمد، السايس، إنه ورث المهنة عن أبيه، الذي كان يملك ترخيصاً قانونياً بالحراسة في المنطقة التي يعمل بها الآن.

وأضاف أحمد أن هذا الترخيص لم يعد سارياً منذ مدة طويلة، ومع ذلك، فلم يستمر أحمد في العمل في نفس المنطقة وكأنه يملكها فحسب، بل توسع في أرض جديدة، كما أنه لم يلق القبض عليه أبداً، أو حتى التحقيق معه، على الرغم من عدم امتلاكه ترخيصاً قانونياً بالعمل، ولم يدفع مليماً للحكومة مقابل الأرض التي استولى عليها بالقوة.

ومثل المافيا، يتمتع السُيّاس بميثاق شرف أخلاقي فيما بينهم، حيث لا يمكن للسايس الاعتداء على مكان انتظار يخص سايساً آخر، وإذا حدث ذلك، يتجمع السُيّاس لدفع السايس المعتدي، ويقول أحمد إن بعض السُيّاس الذين يعملون في المهنة من معارفه لهم سجلات إجرامية.


الموقع أولاً وأخيراً

على ضفاف النيل، في الأحياء الراقية من القاهرة، يطلب السُيّاس مبالغ مالية أكبر، لكنهم يتعاملون بنفس الطريقة من تهديد زبائنهم ومضايقتهم، إذا تأخروا في الدفع أو لم يكن معهم ما يكفي من العملات النقدية الصغيرة.

وفي هذه المناطق، على السُيّاس الاتفاق مع رئاسة الحي في المنطقة لدفع حوالي ثلاثة آلاف جنيه مقابل منطقة الانتظار التي يريدها، وفي المقابل تقوم رئاسة الحي بتسليمه تذاكر يقدمها للسائقين عند دفعهم المال، ويهدف ذلك إلى تنظيم عمل السُيّاس، الأمر الذي لا يحدث في الواقع، إذ يتجاهل السُيّاس نظام التذاكر ويستمرون في العمل بالطرق القديمة.


من المسئول؟

في محاولة للتعامل مع المشكلة، أقرّ مجلس النواب المصري قانوناً لتنظيم نشاط حراس أماكن الانتظار، وحدد القانون عدداً من الشروط يجب أن تتوافر في الأشخاص المؤهلين لحمل رخصة السايس، من بين تلك الشروط أن يتجاوز عمره 21 عاماً، وأن يكون متعلماً، ويحمل رخصة قيادة، وأن يتجاوز اختبار تعاطي المخدرات، وعلى الرغم من بساطة تلك الشروط، إلا أنها ستؤدي إلى خروج أغلب السُيّاس الموجودين حالياً من العمل.

كما يُلزِم القانون الحكومة بتشكيل لجنة لمتابعة أماكن الانتظار وإصدار اللوائح المنظمة لعمل السُيّاس، كما تُحدد اللجنة الأماكن التي تحتاج لوجود سايس، وعدد ساعات العمل، والحد الأقصى من الرسوم المفروضة على السيارات، ومعاقبة السياس العاملين دون متابعة اللجنة بالحبس لمدة ستة أشهر وغرامة تبلغ 500 جنيه مصري.

وفي عام 2017، خصّصت شرطة المرور أيضاً خطاً هاتفياً ساخناً لأي سائق يتعرض لمضايقات السياس، ويستجيب الخط لشكاوى المواطنين، ويطمئن المتصلين بإرسال أقرب شرطي مرور إلى مكان النزاع بين السائق والسايس؛ سواء كان السايس يحمل ترخيصاً أم لا، الأمر يُبرز إدراك الشرطة بوجود العديد من السُيّاس غير المرخصين في الشوارع.

ويؤدي افتقار مصر الشديد للفاعلية السياسية إلى تثبيط همة المواطنين مهما عظمت شكايتهم عن الإبلاغ عن السُيّاس المخالفين، فهم يعلمون أن الاستجابة ستكون بطيئة إذا كانوا محظوظين، أما إذا كانوا غير ذلك، فلن تكون هناك استجابة من الأساس. وبالتالي، فإن أثر القوانين والخطوط الساخنة على أرض الواقع محدود للغاية.


الحلول طويلة الأمد بدلاً من الحل القانوني

أكدت د. سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، في مقابلة لها مع صحيفة الأهرام الإنجليزية أن السبب وراء ظاهرة السُيّاس هو الفوضى الضاربة في الشوارع المصرية، وترى خضر أن القانون وحده لن يكون قادراً على حل المشكلة من جذورها.

وأوضحت أن تطوير التخطيط العمراني يمثل عنصراً رئيسياً في أي حل مقترح، بما في ذلك وضع سياسة للعدالة المكانية تمنع الأفراد، سواء من السُيّاس أو غيرهم، من احتكار المساحات العامة.

وتقترح خضر امتناع الإدارات المحلية عن منح تراخيص للأبراج السكنية والمحلات والبنوك والمقاهي في الأحياء السكنية التي تفتقر لمساحات انتظار كافية للسيارات.

ووفقاً لموقع «إيجيبت توداي» بدأت محافظة القاهرة في بناء جراجات ذكية متعددة الطوابق تستوعب عدداً كبيراً من السيارات، في محاولة منها لحل الفوضى المرورية الخانقة في القاهرة، وكذلك ظاهرة السُيّاس.

وعلاوة على ذلك، ينبغي بذل الجهود لتخفيض معدلات البطالة في المحافظات المنسية في مصر، وتنفيذ مشروعات تنموية لتقليل الفقر ومعدلات الهجرة الداخلية.

تعاني مصر من قيام الكثير من النشاطات غير المُصرح بها، ووجود فجوة دائمة بين ما يحدث بحكم الأمر الواقع وما يحدث بحكم القانون، كما انتشر مبدأ اكتساب المال من أملاك الغير انتشاراً مطرداً، خاصة في الشوارع، التي يسيطر عليها فكرة البقاء للأقوى، ومع ذلك، يجب ألا نتقبل استمرار ظاهرة السُيّاس.