في السعودية، تجد العديد من أصحاب العمل يعاملون «الخادمات» لديهم بالمنزل معاملة طيبة، ويدفعون لهن أجورهن بانتظام، كما يضمنون لهن العمل في ظروف ملائمة. وعادة ما تُشكل خبرات هذه العاملات الأساس لانتشار الإدراك في بلدانهن الأصلية بوجود فرص عمل مُربحة وجيدة بالمملكة وبقية دول الخليج.

بالرغم من ذلك، فالاستمتاع بأوضاع يتوفر بها الحد الأدنى للعمل اللائق يمكن اعتبارها مسألة حظ لا توجد أي ضمانات بها. ومن لا يتمتعن بذات الحظ الحسن ربما يستقر بهن المقام حبيسات أوضاع استغلالية، أو يُصبحن عرضة للاتجار بهن.

لعل تلك الحالة من الاتجار بخادمات المنازل هي الأكثر زخمًا بالمملكة اليوم. حيث يستطيع كل من لديه خادمة أن يعرضها للبيع، ويتنازل عنها مقابل آلاف من الريالات السعودية. ولن يكلفه الأمر سوى إعلان على مواقع التواصل الاجتماعي يعرض فيه مواصفات الخادمة كالسن والجنسية والصورة الشخصية. وكما الإعلانات الترويجية لأي سلعة أو بضاعة، تتضمن إعلانات بيع الخادمات عبارات ترويجية للخادمة، كالإشارة إلى أنها تجيد الطبخ والعناية بالمسنين والصغار.

مؤخرًا، طالت هذه الانتهاكات عددًا من عاملات المنازل المغربيات. إذ نشر سعوديون تغريدات احتوت على إعلانات لبيع خادمات مغربيات مقابل مبالغ مادية.أثارت تلك الإعلانات موجة من الغضب على مواقع التواصل الاجتماعي والمنظمات الحقوقية بالمغرب دفعت بالخارجية المغربية إلى التدخل.

وبالرغم من هذا الغضب، لم تكن هذه المرة الأولى التي تتعرض فيها العاملات لمثل تلك الانتهاكات. فسبق أن قامت شركة استقدام عمالة منزلية بالمملكة بعرض خادمات للبيع في أحد المولات التجارية الشهيرة، في إعادة حديثة للعبودية وأسواق النخاسة. ولم يقتصر الأمر على العاملات المغربيات، بل امتد إلى التونسيات والفلبينيات أيضًا، حيث تستمر مزادات بيع الفلبينيات في المملكة منذ سنوات دون رادع حقيقي يوقفها.

مع ذلك لم تجد الضحايا من العاملات وسائل قانونية للخروج من تلك المأساة. فالمجال الخاص (المنزل) ما زال بعيدًا عن الرقابة. ونظام «الكفيل» المعمول به في المملكة وبقية دول الخليج يجعلهن تحت رحمة أرباب العمل، والذين بدورهم يقومون بمصادرة وثائق الهوية والسفر الخاصة بهن. فلا يمكنهن تغيير العمل أو الخروج من المملكة دون تصريح. وبالتالي لا يكون أمامهن سوى أحد خيارين: إما الهرب والتعرض للاعتقال، أو الاستمرار في العمل والتعرض لمختلف أنواع الاستغلال والاتجار بهن.


عالم «الخادمات» السري

لا يقتصر الأمر على قضايا بيع الخادمات والأبعاد القانونية والإنسانية المتعلقة بها، بل يمتد إلى ما هو أكبر من ذلك. فالأمر يتعلق بالخادمات أنفسهن في المنازل ومختلف الانتهاكات التي يتعرضن لها. ففي تقريرها الأخير عن المملكة،أكدت هيومن رايتس ووتش أن عاملات المنازل تواجهن جملة من الانتهاكات بينها الإفراط في العمل، وتقييد الإقامة، وعدم سداد الأجور، فضلًا عن الأذى البدني والجنسي دون محاسبة السلطات لأصحاب عملهن.

فمعظم الخادمات يعملن لساعات طويلة تزيد عن 15 ساعة دون الحصول على راحة، كما تتعرض كثيرات منهن للاعتداء الجسدي واللفظي من قبل أصحاب العمل، ومن تحاول الإبلاغ عن مثل هذه الاعتداءات، تصبح عرضة للملاحقة القضائية بموجب اتهامات مضادة بالسرقة.

ولعل من أبرز الأمثلة على تلك الانتهاكات بحق العاملات ما حدث في فبراير/شباط 2017، حينما قام صاحب عمل سعودي بإلقاء خادمته من نافذة منزله. وحادثة الخادمة السريلانكية «أل تي أرياواتي» التي تعرضت للتعذيب على يد مخدومها، بعد أن غرس الأخير في جسدها 24 مسمارًا. وتلك الهندية التي قطعت ربة عملها يدها اليمنى عندما حاولت الهرب من مأساتها بالمنزل.

وإن كانت هذه أمثلة لحالات نجت فيها العاملات. فثمة حالات كثيرة عذّب فيها أرباب العمل العاملات حتى الموت، وحالات عدة لعاملات توفين خلال محاولتهن الفرار من الظروف التعسفية، وأخريات انتحرن نتيجة سوء المعاملة.


كيف تعاملت المملكة؟

حاولت المملكة التعامل مع هذه الانتهاكات عبر سن عدد من القوانين والتشريعات للقضاء عليها، إلا أن الأمر في غالب الأحيان شابه العديد من أوجه القصور. فعلى سبيل المثال، حاولت المملكة التغلب على المعضلة المتعلقة بالإفراط في ساعات العمل عبر اعتماد نظام في 2013 يمنح العاملات 9 ساعات راحة كل 24 ساعة، مع يوم عطلة أسبوعية. إلا أن هذا النظام لم يحل المعضلة، إذ سمح لأصحاب العمل بمطالبة العاملات بالعمل حتى 15 ساعة يوميًا.

وفي محاولتها للتغلب على قضايا الاتجار بالخادمات، سنت المملكة في 2012 قانونًا يمنع المتاجرة بالعمالة المنزلية ويدرجها ضمن جرائم الاتّجار بالبشر، التي قد تصل عقوبتها إلى السجن 15 سنة. ومع ذلك ما زالت هذه الجرائم تتصاعد بشكل مستمر. إذ انتقلت الإعلانات من الجرائد إلى مواقع التواصل الاجتماعي؛ الأمر الذي يتطلب بذل جهود حقيقية فعالة لمنع تلك الإعلانات والمزادات المستمرة منذ سنوات دون رادع حقيقي.

وعلى الرغم من إنشاء المملكة مركزًا في الرياض لعاملات المنازل ممن نشبت بينهن وبين أصحاب العمل نزاعات حول الأجور أو يطلبن تأشيرات خروج، إلا أن ثمة عناصر عديدة ضمن إجراءات العمل الخاصة تحول دون تحقيق هدفه الإيجابي. ولعل أبرزها اضطرار العاملات لقبول تسويات مالية غير عادلة والانتظار لشهور في ذلك المأوى المكتظ بالنزيلات دون عمل.

وبصفة عامة، فرد فعل المملكة على استغلال العاملات يختلف من حالة لأخرى، حيث يمكن لسلطات المملكة أحيانًا مساعدة بعض عاملات المنازل في الحصول على أجورهن والعودة لبلدانهن، ولكن في حالات أخرى تعيد العاملات إلى أوضاع يواجهن فيها الإساءات، أو تقاضيهن بناء على اتهامات عكسية يتقدم بها أصحاب العمل، أو تتفاوض على تسويات غير عادلة بينهن وبين أصحاب العمل.

ونظرًا لاختلال القوة التفاوضية في غير صالح العاملات، عادة ما يعُدن إثر التفاوض على التسوية إلى بلدانهن دون الحصول على رواتبهن بالكامل أو الانتصاف لما تعرضن له من إساءات.


السعودية ليست وحدها

لم تكن السعودية الحالة الوحيدة بين دول الخليج التي تعاني فيها العاملات من الانتهاكات أو يتعرضن للاتجار بهن. فثمة دول أخرى تكررت بها المأساة، لعل أبرزها:

عمان

لا تتوقف معاناة عاملات المنازل بالسلطنة عند حد سوء المعاملة أو ساعات العمل الطويلة والحرمان من الراتب، لكنها تمتد إلى الاتجار بهن عبر حدود السلطنة مع الإمارات. ففي تقريرها عن السلطنة أشارت هيومن رايتس ووتش إلى أن عمليات الاتجار هذه تتم عبر الحدود مع الإمارات، حيث يدفع أرباب العمل رسومًا لوكالات التوظيف للحصول على عاملات المنازل.

ولا يمكن للعاملات الخروج من تلك المأساة دون أن تدفع لصاحب العمل الثمن الذي دفعه نظير الحصول عليها. وحتى العاملات التي يتمكن من الهرب ويطلبن المساعدة من وكلاء التوظيف، يتم احتجازهن من الوكلاء وبيعهن إلى أسر جديدة.

وفي ظل هذه الأوضاع خفّضت الخارجية الأمريكية تصنيف عمان إلى المستوى 2 في تقريرها السنوي للاتجار بالبشر، مؤكدة أن الملاحقات القضائية والإدانات لمثل هذه الجرائم منخفضة بالسلطنة بشكل لافت.

الكويت والإمارات

تشهد كل من البلدين بين الحين والآخر عمليات اتجار بالعاملات عبر إعلانات بيع الخادمات بالصحف وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وكأنهما في هذا المسار يسيران على الدرب الذي سلكه السعوديون.

فطلب خادمة جديدة من المكاتب المختصة يتطلب ما لا يقل عن شهرين. وفي بعض الأحيان تحتاج العديد من الأسر إلى عاملات بشكل سريع. ما يعني التوجه نحو تلك الإعلانات بحثًا عن الخادمة،لتزدهر بذلك تجارة الخادمات، حتى وصل سعر التنازل إلى نحو 1400 دينار في الكويت. وفي بعض الأحيان تصل الأمور إلى مرحلة المزايدة كالمزادات لإغراء المتنازل من خلال تقديم السعر الأعلى، فتتحول الخادمة إلى سلعة تباع وتشترى ويتم تجريدها من إنسانيتها.

في هذا السياق حلت كلا الدولتين في المرتبة الثالثة في تقرير الخارجية الأمريكية حول الاتجار بالبشر في 2017، حيث أكد التقرير إخفاقهما في تطبيق أدنى معايير القضاء على الاتجار بالبشر، بالرغم من جهودهما في إدخال بعض الإصلاحات الخاصة بالعاملات.

قطر

بالرغم من اتجاهها مؤخرًا إلى سن قانون لتحسين أوضاع عاملات المنازل بها،يضع حد أقصى لساعات العمل بواقع 10 ساعات يوميًا، ويوم عطلة أسبوعية، إلا أن الأمر لا يعني أن وضع العاملات بها هو الأفضل، فما زال القانون مفتقدًا لآليات إنفاذه. وما زالت العاملات يتعرضن لمختلف أنواع الاستغلال والاتجار. فضغطة واحدة على متصفح الإنترنت تمكنك من الوصول إلى العديد من المواقع والتطبيقات الخاصة ببيع الخادمات في الدوحة والتنازل عنهن وأبرزها بالطبع «مزاد قطر». حيث يمكنك طلب عاملات المنازل أو بيعهن من خلال تلك التطبيقات وكأن الأمر يتعلق بسلعة لا إنسان. ولا تقتصر معاناة العاملات بها على ذلك الاتجار فقط، فهن يواجهن مختلف حالات العمل القسري في ظروف أشبه بالعبودية، حيث التعرض للاعتداءات الجنسية واللفظية، فضلاً عن تأخر أو عدم دفع الرواتب، وسوء المعاملة.

وفي هذا السياق صنّفت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «سي آي إيه» الدوحة كوجهة للاتجار بالبشر فيما يخص العمال. حيث أكدت في كتاب «حقائق العالم» الذي تصدره سنويًا أن خادمات المنازل يتعرضن بشكل خاص للاتجار بسبب عزلهن في المنازل الخاصة وانعدام الحماية، كما أشارت إلى أن عددًا منهن يُجبرن على ممارسة البغاء، كذلك أوضحت الوكالة أن الحكومة القطرية لا تلتزم تمامًا بالمعايير الدنيا للقضاء على الاتجار بالبشر.