كثيرة الشجر، كسماط ممدود لجيش الإسلام في أبواب الرمل، ولكل صادر ووارد إلى الديار المصرية.
الجغرافي شيخ الربوة الدمشقي عن غَزَّة في زمانه (654-727هـ/ 1256-1327م).

ربما اكتسبت غزة مكانة كبيرة في التاريخ الإسلامي لأسباب كثيرة، منها موقعها الجغرافي الرابط بين مصر والشام، وهما الإقليمان اللذان شكلا في فترات طويلة من التاريخ مركز الثقل الأساسي والمحوري للعالم الإسلامي.

وربما تجلى ذلك في عصور الأخطار الخارجية التي هددت العالم الإسلامي، من الصليبيين والتتار، بدءًا من نهاية القرن الحادي عشر الميلادي، وحتى نهاية العصر المملوكي عام 1517م.

فقد كانت غزة نقطة تعبوية مهمة وأساسية للجيوش الإسلامية المنطلقة من مصر لمواجهة التتار أو الصليبيين، وفي نفس الوقت كانت نقطة دفاعية، وحائط صد أمامي لمصر في مواجهة الصليبيين أو التتار.

وبسبب ذلك قرر السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون (684 هـ/ 1285 – حتى 741 هـ / 1341) جعلها نيابة مستقلة، يُعَيَّن حاكمها من السلطان المملوكي رأسًا، ولها جيش خاص يتبع جيش السلطنة ويُعيَّن قائده من السلطان، وكانت قبل ذلك العهد مجرد قرية تتبع لنائب السلطان القائم على دمشق.

ومنذ ذلك الحين دب فيها العمران والتمدن وصارت من الحواضر المهمة في الدولة، وربما أغلب الآثار الإسلامية الباقية هناك هي آثار مملوكية.

كيف كانت غزة عنصرًا فاعلًا ومحطة مهمة في القتال ضد الصليبيين والتتار؟ وكيف كانت أيضًا مكانًا للصراع الداخلي على الحكم في العهود الأيوبية والمملوكية؟ وما مظاهر المدنية والحضارة الإسلامية بها وقتها؟ هذا ما نوضحه في ما يلي.

غزة مركز التعبئة لقتال الصليبيين والتتار

بعد نقل عاصمة الدولة الفاطمية (909م حتى 1171م) من المهدية إلى القاهرة، ثم ضم الشام إليها، ظلت مصر والشام تتبعان دائمًا دولة أو كيانًا سياسيًا واحدًا مركزه في مصر حتى عام 1517م بعد أن ضمت الدولة العثمانية مصر والشام لممتلكاتها، وقضت على السلطنة المملوكية.

كانت العاصمة دائمًا في «مصر» طيلة العهود الفاطمية والأيوبية والمملوكية، وبحكم الجغرافيا صارت غزة هي مفتاح الشام بالنسبة لمصر، ومفتاح مصر بالنسبة للشام.

وأثَّر ذلك على كل الصراعات العسكرية التي قامت خلال هذه القرون، بدءًا من الحملة الصليبية الأولى، فبعد أن سقطت القدس في أيدي الصليبيين (492هـ – 1099م) صارت غزة ومصر هدفًا لهم، بخاصة بعد أن كانت الدولة الفاطمية تشن الهجمات على الصليبيين من خلال غزة.

أول هجوم صليبي على غزة كان بعد 4 أشهر من دخول أنطاكية (المدينة الشامية وقتها، وتتبع الآن تركيا)، ثم معرة النعمان انطلق الصليبيون عبر ساحل البحر المتوسط حتى وصلوا غزة، ولكنها صمدت أمامهم ولم يتمكنوا من احتلالها، للتحصينات الفاطمية بها.

ثم عادوا وهاجموها عام 502هـ – 1108م، كمفتاح لدخول مصر، حيث كانت تضم غزة قلعة حصينة وتكتلًا عسكريًا مهمًا، وفي هذه المرة استطاعوا احتلالها، وانطلقوا منها إلى مصر، لكنهم ووجهوا بقوة ضخمة في العريش استطاعت صدهم، فتقهقروا إلى غزة.

وجرت محاولات عسكرية متكررة من الفاطميين في عهود مختلفة لتحرير غزة من الصليبيين، إلا أنها لم تنجح، وظلت محتلة حتى العهد الأيوبي.

بدأ السلطان صلاح الدين الأيوبي تحرير غزة بالجزء الجنوبي منها عام 566هـ – 1170م، ووقعت مذبحة كبيرة خلال قتاله للصليبيين بها، إلا أنه لم يستطع تحرير قلعتها التي كانت شديدة التحصين.

ولم يتحرر باقي غزة وبخاصة قلعتها إلا بعد معركة حطين عام 583هـ – 1187م، حيث انهارت الجيوش الصليبية، وبدأت المدن الشامية تسقط المدينة تلو الأخرى في يد قوات صلاح الدين.

وبعد تحريرها سقطت غزة مرة أخرى في يد الصليبيين بقيادة ريتشارد قلب الأسد عام 587هـ – 1191م، ولكن بعد معارك طاحنة مع صلاح الدين أفضت إلى توقيع هدنة بين الطرفين تحررت غزة مرة أخرى.

ثم عاود الصليبيون احتلال غزة مرة أخرى عام 636هـ – 1239م، ونجح القائد داوود بن الملك المعظم الأيوبي في تحريرها بعد مدة بسيطة.

زمن المماليك

وفي العصر المملوكي الذي أعقب العصر الأيوبي، حيث ورث المماليك الدولة الأيوبية، ظهر خطر جديد وهو التتار، مع استمرار الخطر الصليبي قائمًا، وكانت غزة أيضًا حاضرة.

فبعد اجتياح بغداد ثم حلب فدمشق من قبل التتار، صارت كل أراضي الشام مستباحة أمامهم، بما فيها غزة التي هاجمها التتار ونهبوا ما فيها، ووضعوا حامية عسكرية تترية عليها.

كان سيف الدين قطز وقتها سلطانًا على مصر، فأرسل الأمير ركن الدين بيبرس «الظاهر بيبرس» إلى غزة ومعه قوة عسكرية ليتجسس على أخبار التتار من هناك، لكن مواجهة وقعت بينهم وبين الحامية التترية الصغيرة عليها، فانتصر بيبرس وقواته وسيطر على غزة.

بعدها وصل قطز بجيشه الجرار من مصر إلى غزة، وأقام بها يومًا، ثم انطلق ومعه بيبرس بجيشه الكبير ليلتقوا بجيش التتار الذي كان قد زحف من دمشق، فالتقوا في عين جالوت وانتهت المعركة بانتصار كاسح للمسلمين.

انسحب التتار إلى دمشق وحلب، وفي عام 659هـ – 1261م جهز السلطان الظاهر بيبرس جيشًا لقتال التتار في حلب، فانطلق به من مصر، وقبل مهاجمة حلب عسكر بالجيش للتعبئة والتجهيز في غزة، ووقتها علم التتار بتحركاته، فانسحبوا من حلب.

وفي عام 663هـ – 1265م، وصلت أخبار إلى بيبرس بأن التتار هاجموا البيرة، فأرسل إليهم جيشًا من مصر بقيادة الأمير عز الدين يوغان، واستعدادًا للمعركة عسكَرَ الجيش في غزة، وحين علم التتار بذلك انسحبوا.

وتكرر نفس الأمر عام 674هـ / 1275م، وكانت غزة أيضًا هي مستقر الجيش المملوكي، وانسحب التتار مرة أخرى.

وفي عهد الناصر محمد بن قلاوون عام 698هـ – 1299م حاول التتار بقيادة غازان غزو الشام مرة أخرى، فخرج لهم السلطان بجيشه وأيضًا عسكر في غزة لمدة شهرين، ثم انطلق إلى دمشق، والتقى مع التتار في مرج المروج.

ولكن هذه المرة انهزم المماليك وفر ابن قلاوون واستولى التتار على دمشق، بل انطلقوا حتى استولوا على القدس، ودخلوا غزة وقتلوا عددًا من الناس داخل جامعها الكبير، ثم عادوا إلى دمشق.

وكانت غزة دائمًا محطة استعداد لمواجهة التتار في حملات لاحقة، وربما أشهرها حملة تيمور لنك 796هـ – 1394م، حين انطلق نائب غزة الأمير الطنبغا العثماني بجيشه لينضم إلى الجيش المملوكي القادم من مصر لملاقاة التتار، الذين انسحبوا ولم يدخلوا دمشق.

نفس الأمر فعله نائب غزة عام 803هـ – 1400م الأمير بهاء الدين عمر بن الطحان الحلبي، حيث انطلق بجيشه من غزة للانضمام إلى باقي الجيش المملوكي لمواجهة التتار الذين اجتاحوا حلب بقيادة تيمورلنك، ولكنهم انهزموا هذه المرة، وفر كل أمراء الشام وأهلهم من المماليك إلى مصر للاحتماء من الجيش التتري.

غزة كساحة للصراع الداخلي على الحكم

بعد وفاة صلاح الدين تنازع أولاده وعائلته على المُلك وتقسمت الدولة فيما بينهم، وبخاصة أن رقعتها الجغرافية كانت كبيرة فقد امتدت من النوبة واليمن جنوبًا إلى جنوب تركيا الحالية شمالًا، ومن شمال العراق شرقًا إلى ليبيا وربما تونس الحالية غربًا.

وأدى ذلك إلى نزاعات عسكرية كانت غزة حاضرة فيها؛ ففي عام 641هـ – 1243م زمن الملك الصالح نجم الدين أيوب سلطان مصر، وعمه الملك الصالح إسماعيل ملك دمشق، وقع خلاف بينهما، أدى إلى استدعاء الصالح نجم الدين للخوارزميين أصحاب الدولة الكبيرة الواقعة بين فارس والهند.

وفي المقابل استدعى الصالح إسماعيل الصليبيين الذين كانوا يحتفظون ببعض الإمارات في الشام لمواجهة الخوارزميين، وانتهت الحرب بينهما في غزة بهزيمة الصليبيين وانتصار الخوارزميين والصالح نجم الدين.

ثم حدث خلاف بين الخوارزميين والصالح نجم الدين أدى إلى اشتباك عسكري في غزة انتهى بانتصار نجم الدين وفرار الخوارزميين من غزة عام 644هـ / 1246م.

وخلال انتقال الحكم من الأيوبيين إلى المماليك وقعت اضطرابات كبيرة ومواجهات عسكرية، كانت غزة مسرحها.

فالمماليك وهم صنيعة الأيوبيين كانوا قد تغولوا في الدولة وصاروا أصحاب الكلمة بها، وحين توفي السلطان الأيوبي الصالح نجم الدين أيوب تولت زوجته شجرة الدر السلطنة في مصر، وهو ما ووجه باعتراض كثير من رجال الدولة والبيت الأيوبي، ولاسيما في الشام، وانتهى الأمر بزواج شجرة الدر من الأمير المملوكي عز الدين أيبك، الذي تنازلت له بعد زواجها عن السلطنة.

وفي هذه الأثناء ثار الأمراء الأيوبيون في غزة لزوال الملك من عائلتهم في مصر، وقرروا تنصيب الملك المغيث عمر بن الملك العادل السلطنة، وخطبوا له في الكرك.

ولم تكن هذه أول الثورات، فقد كانت هناك قائمة من الأمراء الأيوبيين الرافضين لسلطنة أيبك والمماليك، ومنهم الملك الناصر بن يوسف القائم على دمشق، ومعه الملك الصالح عماد الدين، والملك الأشرف موسى، والملك المعظم تورانشاه، وأخوه نصرة الدين، والملك الظاهر شادي، وأخوه الملك الأمجد تقي الدين.

توجه هؤلاء من دمشق إلى غزة للسيطرة عليها، تمهيدًا لغزو مصر، والاستيلاء على السلطنة في القاهرة.

وفي غزة واجههم الأمير المملوكي فارس الدين أقطاي بجيش مملوكي، وانتهى الأمر بانتصار مماليك مصر.

ثم أخذ الأيوبيون في الاستعداد لمعركة جديدة، وتحركوا إلى غزة مرة أخرى واستولوا عليها، ومنها إلى مصر، فتحرك لهم جيش المماليك، وبعد كر وفر وقتال شديد، انتهى الأمر أيضًا لصالح المماليك، وفر الملك الناصر إلى غزة، التي آلت إليه.

ثم وقعت خلافات بين عز الدين أيبك، وبعض المماليك البحرية ومنهم أقطاي والظاهر بيبرس، فهربوا من مصر إلى غزة التي كانت خاضعة للملك الناصر، وكاتبوه أن ينضموا إليه، وأن يغزو مصر ويستولي على كرسي السلطنة من أيبك.

وبعد مراسلات ومفاوضات تدخل بها وسطاء من رجال الدين تراجع الطرفان عن القتال، ولكن ظل المماليك الفارون من القاهرة بجوار الملك الناصر.

وبعد تحسن العلاقات بين الملك الناصر في دمشق وأيبك في القاهرة بدأت العلاقة تسوء بين الناصر والمماليك اللاجئين لديه هربًا من سلطان مصر المملوكي، وعلى رأسهم الظاهر بيبرس، فكانت النتيجة أن ترك بيبرس دمشق واتجه مع مماليكه وذويه إلى غزة واستقر بها، فأرسل إليهم أيبك جيشًا لمحاربتهم فهزمهم، فانسحبوا إلى الكرك لدى الملك المغيث.

وحاولوا أكثر من مرة تجهيز جيش والاستيلاء على مصر، والتقوا في معارك بغزة أكثر من مرة، ولم تفضِ المعارك إلى أي واقع جديد، حتى جاء التتار واحتلوا كل إمارات الشام وخلعوا الأيوبيين، وترتب على ذلك خروج مماليك مصر، للقائهم.

 توحد الجميع تحت راية المماليك بزعامة سيف الدين قطز خلال مواجهته للتتار في موقعة عين جالوت التي انتهت بكسر شوكة التتار وفوز المماليك وتدعيم مركزهم كأقوى دولة بالمنطقة، وبخاصة بعد إحيائهم للخلافة العباسية التي سقطت في بغداد، بتحويل مقرها إلى مصر.

غزة كنيابة مستقلة: نهضة عمرانية علمية

الصراعات والحروب التي تناولناها أبرزت غزة وأهميتها، فقرر السلطان الناصر محمد بن قلاوون تحويلها إلى نيابة مستقلة تتبع للسلطان مباشرة، وعن ذلك يقول ابن تغري بردي: «هو الذي مَصَّرها وجعلها على هذه الهيئة، وكانت قبل ذلك كآحاد قرى البلاد الشامية».

منذ هذا العهد صار السلطان يعين لنفسه نائبًا على غزة لقبه «نائب السلطنة» أو «مقدم العسكر» يتصرف في كل شؤونها وعلى رأسها الجيش والاقتصاد والبريد، وكل ما يتعلق بتنظيمها إداريًا.

وأحيانًا كانت صلاحيات المنصب تقسم على رجلين، فإن طال نفوذه البلاد الساحلية مع الجبلية من غزة سمي «نائب السلطنة»، وإن اقتصرت صلاحياته على البلاد الساحلية فقط سمي «مقدم السلطنة».

وكان لغزة جيش، أو حامية عسكرية يرأسها ما يسمى بـ«ناظر الجيش»، وكانت من صلاحياته الحكم في المحاكمات الديوانية، ويعين من قبل السلطان المملوكي رأسًا، لا من نائبه على غزة وإن فاقه الأخير في السلطة.

وكذلك كان السلطان يعين لها ناظرًا للمال، إضافة إلى قاضيين أحدهما شافعي والآخر حنفي المذهب.

وفي بعض الأوقات كان هناك أربعة قضاة، حيث يضاف لما سبق قاضٍ مالكي وقاضٍ حنبلي، ويجري تعيينهم جميعًا من السلطان في مصر، ويعين كل منهم نائبًا لنفسه أو أكثر.

حتى أن غزة كانت يوما هي التي تحكم أغلب المناطق الفلسطينية وأهمها، فقد توسعت صلاحيات نائب غزة القوي سنجر الجاولي، الذي كان فقيهًا وعسكريًا مهمًا، ليحكم القدس والخليل ونابلس وقاقون واللد والرملة.

وصاحب هذه النهضة السياسية والإدارية لغزة نهضة معمارية وعلمية، وبخاصة في عهد سنجر الجاولي أول من تولى غزة كنائب للسلطنة بأمر من الناصر محمد، وهو أهم من عمر فيها وحولها إلى مدينة أو «مَدَّنَها» بحسب وصف ابن أيبك الصفدي.

فأنشأ بها «البيمارستان» وهو مستشفى احتوى على قسم مهم للأمراض النفسية والعصبية، وبنى بها قصرًا للحكم، وقناطر لتوزيع المياه في غابة أرسوف، وخان الكتيبة، وخان السبيل، ومدرسة للشافعية، وحمام عمومي، إضافة إلى مسجد ضخم حمل اسمه «مسجد الجاولي»، وجامع «الشمعة»، الذي بناه ناحية حي النجارين (حارة الزيتون).

كما أجرى سنجر توسيعات للمسجد العمري الكبير بها، وربما هو الذي جعله كبيرًا، بإضافة منارة له، وتوسعة فنائه، وبناء صهريج مياه كبير لجمع مياه الشتاء للشرب والوضوء، وصهريج آخر احتياطي له، وميضأة للوضوء، ومحراب في صدر الإيوانات الشرقية، وكل هذه التوسيعات مكتوبة على نقش موجود في المسجد.

وبعيدًا عن سنجر هناك قائمة طويلة من المنشآت المعمارية المملوكية في غزة، لعل أهمها الجوامع والزوايا ومنها: الجامع الكبير الذي بناه السلطان حسام لاجين وجدده النائب سنجر الجاولي بأمر الناصر محمد، وجامع الشيخ علي بن مروان، وجامع عثمان الذي يضم ضريح الشيخ عثمان الحنبلي، جامع الشيخ عبد الله الأيبكي، جامع المحكمة البردبكية، و«الزاوية الأحمدية» بالقرب من حي الدرج، التي أنشأها المنتمون للطريقة الأحمدية البدوية نسبة للسيد أحمد البدوي عام 736هـ – 1335م.

كما جدد المماليك مجموعة مشاهد وآثار سابقة عليهم، أهمها: «مزار السيد هاشم»، جد النبي الذي تنسب إليه غزة، وبني بجوار الضريح جامع سمي باسمه، و«مشهد أبي هريرة» الذي يعود للصحابي أبي هريرة ولكنه مجرد مشهد ولا يضم قبره، وكثيرًا ما يقيم الصوفية مشاهد لمحبيهم لا تضم قبورهم وشاع ذلك في العهد المملوكي.

ومن المشاهد التي اعتنى بها المماليك أيضًا، «مشهد الصحابي سلمان الفارسي»، وهو مدفون في المدائن وليس في غزة، ولكنهم أقاموا له مشهدًا في زمن الظاهر بيبرس.

ومن المباني المهمة التي بناها المماليك في غزة «خان يونس»، الذي بناه يونس النوروزي، أحد أهم أمراء السلطان الظاهر برقوق (784 – 791هـ / 1382 – 1388م)، الذي أقيم مكان السلقة الخاصة بالبريد بين غزة ومصر، وكان في القرن العاشر الهجري من المراكز التي تجبى فيها الضرائب على الحجاج والمسافرين.

كما توسع المماليك في بناء المدارس في غزة، ومنها: المدرسة الشافعية، مدرسة الكجكي، المدرسة البردبكية، مدرسة الأشرق قايتباي.

وهذه المدارس بجانب الجوامع والزوايا صنعت نهضة علمية في غزة المملوكية، وربما تجلى ذلك في أسماء العلماء الذين احتفظ التاريخ بأسمائهم خلال هذه الفترة، حيث جمع منهم محمود علي خليل عطا الله في كتابه «نيابة غزة في العهد المملوكي» 30 اسمًا.

وتنوعت هذه الأسماء في تخصصاتها بين علوم التصوف والفقه وباقي العلوم الدينية، إلى جانب الأدب واللغة، وكذلك الفلك والحساب والكيمياء.

وربما من أشهر هذه الأسماء التي لمعت في تلك الفترة: القاضي علاء الدين علي بن خلف بن عطاء الله الغزي، صاحب «مختصر تاريخ الإسلام للذهبي»، وأبو الفرج زين الدين الغزي، أحد أهم حفاظ الحديث، وشرف الدين عيسى بن عثمان الغزي، صاحب «شرح المنهاج الكبير والمتوسط والصغير للنووي»، و«الجواهر والدرر في الفقه»، و«اختصار المهمات للإسنوي»، و«اختصار الروضة»، و«آداب الحكام في سلوك طرق الأحكام»، وغيرها.

 واللافت أن من علمائها المشاهير الأسقف المسيحي سليمان بن حسن الغزي الأرثوذوكسي، صاحب المقالات الشهيرة في وحدانية الخلق والتجسد والصلب.

وهكذا رصدنا أن الأهمية الجغرافية لغزة، جعلتها محلًا للصراعات السياسية والعسكرية، الأمر الذي لفت الانتباه إلى ضرورة تنميتها، وهذه التنمية أدت إلى نهضة عمرانية وعلمية بها خلال العصر المملوكي.

المراجع
  1. «نخبة الدهر في عجائب البر والبحر»، الدمشقي الأنصاري
  2. «صبح الأعشى»، للقلقشندي
  3. «الخطط»، للمقريزي
  4. «السلوك لمعرفة دول الملوك»، المقريزي
  5. «المنهل الصافي»، ابن تغري بردي
  6. «النجوم الزاهرة»، ابن تغري بردي
  7. «الوافي بالوفيات»، الخليل بن أيبك الصفدي
  8. «الضوء اللامع لأهل القرن التاسع»، السخاوي
  9. «تحفة النظار»، ابن بطوطة
  10. «نيابة غزة في العهد المملوكي»، محمود علي خليل عطا الله
  11. «العمارة المملوكية في فلسطين: دراسة تاريخية معمارية»، آلاء حسام الدين فرح المناصرة