قد يتعجب البعض من تخصيص تقريرٍ كامل عن نوعٍ من الفاكهة، وأنا أتعجب من هذا التعجب! ماذا لو كنا سنتحدث عما يفيد فعلاً الإنسان المعاصِر، المحاصَر بمئات الأخطار الصحية، الناجمة عن أنماط الحياة المعاصرة شديدة الضغط، وعنيفة الاستهلاك، والتي قصفت الإنسانية بآلاف الأطعمة مما ثقل وزنُه وقلت قيمتاه الغذائية والصحية؟

عمومًا، لو لم يكن للمانجو إلا تأنّق اللون، وطيب المذاق، لاستحقت منا ذلك المقال. ولكنها حصلت على وساميْ الاستحقاق في الشكل والمضمون. ولولا ضيق الوقت والمساحة، لأفردتُ لها ما هو أكثر من تلك النقاط العشرة التي سأحاول فيها تلخيص ما تُهدي المانجو به صحتنا.

لو المانجة بتلهط بشر.

Gepostet von Karim Assaad am Freitag, 30. August 2019

المانجو والصحة: تلك عشرةٌ كاملة

مقطع مبسط يبرز الفوائد الصحية للمانجو

قبل سرد فوائد المانجو الصحية، لابد لنا أولًا من توضيح الواضحات. امتداح صنف ما من الطعام صحيًا لا يعني أنه من ثمار الجنة، وأن بالإمكان تناوله بكميات ديناصورية دونما ضرر. كانت وما زالت وستظل المعدة أخطر بيوت الداء، وبالتالي فالاعتدال في الطعام – أيًا كان نوعه – حتمي، ولا مفر منه.

كذلك لا يمكن تحديد مقدار محدد من المانجو – أو أي طعام يستحق الوصف بالصحي والطبيعي – على أنه القدر الصحي المطلوب لكل إنسان، فاختلافات الوزن، والعمر، والظروف الصحية .. إلخ تعدّل تلك المقادير بشكلٍ لافت.

لكن عمومًا، فتناول ثمرة أو اثنتيْن – على الأكثر –  متوسطتيْن من المانجو، بشكلٍ شبه يومي – بغض النظر عن الاعتبارات المادية – في خلال موسم المانجو، للإنسان الصحيح غير المصاب بأمراضٍ مزمنة كالسكري وقصور وظائف الكلى .. إلخ، سيحقق قدرًا عظيمًا من الفائدة، بضريبة ضئيلة من السعرات الحرارية والأضرار الصحية.،مع الإكثار من شرب الماء خاصة في الصيف.

أولًا: ترسانة من المغذيات!

قائمة عريضة من المغذيات الحيوية تكتظ بها أعماق نسيج فاكهتنا الأرجوانية، تتنوع بين مصادر الطاقة، والأملاح المعدنية، والألياف، والفيتامينات ومضادات الأكسدة .. إلخ. في ثمرة مانجو متوسطة يتراوح وزنها بين 150-200جم، يوجد حوالي 25 جرامًا من السكريات، تكفل حوالي 100 كيلو سعر حراري من الطاقة، ومعها مشاركة رمزية لا تخلو من الفائدة لجرامٍ أو اثنيْن من الدهون والبروتين، بالإضافة إلى جرامين من الألياف الطبيعية.

ستمنحك تلك الثمرة ثلثي احتياجك اليومي من فيتامين سي، وحوالي 10% مما يتطلبُه جسمُك من فيتامينات أ، هـ، ب2، ب3، ب5، ب6. كذلك تمدك بما يقارب ربع كمية عنصر النحاس المطلوبة، وحوالي نصف عُشر إلى عُشر كمية البوتاسيوم والمنجنيز والماغنسيوم.

ثانيًا: المانجو يقوي النظر

تحفظ أمهاتنا المثل الشهير (الجزر يقوي النظر)، وهو حقيقي، حتى على صعيد البلاغة اللفظية، وموسيقى الكلام، لكن لا يختص الجزر بمفرده بهذا الدور، فالمانجو أيضًا تساهم في هذا، بغناها بفيتامين أ، والذي يؤدي نقصه إلى مشكلاتٍ عديدة للعين تبدأ بجفافها، ولا تنتهي بالعمى الليلي، فهذا الفيتامين مسئول عن تكوين ناقل العين الكيميائي المسمى (الرودوبسين) والذي لا تعمل بدونه مستقبلات الشبكية المسؤولة عن الرؤية في الضوء الخافت، والمسماة بالعصيّ rods.

كذلك تحتوي المانجو على بعض مضادات الأكسدة المفيدة للعين، مثل الليوتين، والتي تساهم في حماية الشبكية من التلف بفعل الضوء الزائد.

ثالثًا: محاربة الشيخوخة

ليس المقصود بالطبع أن تناول المانجو سيمنحك الخلود، لكن المراد هو إبطاء وتخفيف مظاهر الشيخوخة، خاصة التجاعيد، وفقدان الجلد لنضارته.. إلخ. تحتوي المانجو على العديد من مضادات الأكسدة التي تبطئ عمليات تلف الخلايا وشيخوختها، وتحتوي على قدرٍ جيد من فيتامينيْ أ و سي المهميْن لسلامة تكوين الجلد وتجدده، وتقليل التجاعيد.

رابعًا: تقليل فرص الإصابة بالسرطان

تحتوي المانجو على وفرة من مضادات الأكسدة كما ذكرنا سابقًا. من بين تلك المواد ما يٌعرف بالبولي-فينولز، والتي أظهرت دراسات عديدة على الحيوانات أنها تقلل من ظهور ونشاط الخلايا السرطانية. إحدى تلك المواد والمسماة بالمانجيفيرين، أظهرت نتائج واعدة في الدراسات الأولية في مجال مقاومة السرطان وعلاجه ومنع انتشاره بالجسم، بشكل مباشر، وبشكل غير مباشر من خلال زيادة فعالية بعض العلاجات الكيماوية للسرطان، بالإضافة إلى دورها في تقليل تفاعلات الأكسدة التي تتلف خلايا الجسم.

وأظهرت دراسة أخرى نتائج أولية جيدة لبعض المواد المستخلصة من المانجو في محاربة بعض سرطانات قنوات الثدي.

خامسًا: المانجو كصديقٍ للريجيم

توصم المانجو في العموم بسمعةٍ غير حسنة فيما يتعلق بأنظمة إنقاص الوزن. فالاعتقاد السائد أنها كثيفة السكريات، ولا تقل خطورة عن المخبوزات والحلويات في التسبب بزيادة الوزن. وهذا الكلام على ما فيه من بعض جوانب الصحة، فهو موغلٌ في المبالغة، ويوقع بالمانجو ظلمًا لا تستحقه.

بادئ القول، يحتوي كل 100 جم من المانجو على حوالي 60 كيلو سعر، وهو من المعدلات المعتدلة كميًا، وإن كان غير متناسب من الناحية النوعية لأن مصدره هو السكريات، خاصة الفركتوز المعروف بسكر الفركتوز. بعقد مقارنة بسيطة مع وحوش الوزن الكاسرة، يثبت الفرق الشاسع. فمثلاً جلُّ المخبوزات والحلويات، يحتوي كل 100 جم منها على ما يتراوح في المتوسط بين 350-450 من السعرات الحرارية، ويزيد في بعضها عن ذلك. أضف إلى ذلك أن هناك قاعدة هامة في الريجيم، تنص على أن السكريات الطبيعية أقل ضررًا، وأكثر فائدة من المحليات الصناعية. 

إذن، فيمكن لتناول المانجو باعتدال، خاصة في النصف الباكر من اليوم، أن يكون إضافة جيدة لنظامك الغذائي الهادف لإنقاص الوزن. لو كان المكسب الوحيد من المانجو هنا هو مجرد تقليل الشعور بالجوع والحرمان، فهو هدفُ كافٍ، لكن وُجِد أيضًا أن بعض المغذيات التي تحتويها المانجو، تقلل من نشاط الخلايا الدهنية بالجسم، وعملية تراكم الدهون بها. كذلك وجد أن قشر المانجو يحتوي بعض مضادات الأكسدة القادرة على تثبيط نمو الأنسجة الدهنية بالجسم.

الخلاصة، أكبر جوانب خطورة المانجو في قضية الوزن، هو ضعف إرادة معظمنا أمام مذاقها، بالأخص إن كانت باردة في أتون الصيف اللاهب، مما يدفعنا للغوص فيها حتى النخاع. لكن إن كنت من أصحاب الإرادة، فستكون أحد رفقائك المخلصين في دروب «الريجيم» الوعرة. 

سادسًا: هضمٌ أكثر سلاسة

أثبت تناول المانجو بشكل يومي أو شبه يومي، فعالية جيدة في انتظام عمل الجهاز الهضمي لدى المصابين بالإمساك المزمن، إذ تحتوي المانجو على قدر جيد من السوائل، ومقدارٍ معقول من الألياف الطبيعية. كذلك يحافظ التناول المعتدل للمانجو على جودة حامضية المعدة، والتي تسهم بشكل فعال في كفاءة عملية الهضم، أيضًا تحتوي المانجو على قدرٍ من إنزيم الأميليز الذي يساهم في هضم النشويات.

سابعًا: شعرٌ أكثر صحة ونعومة

كلمة السر في مساهمة المانجو في صحة الشعر ونعومته – بجانب فيتامين أ – تلك الوفرة من فيتامين سي التي تحتويها المانجو، والذي يقوم بدورٍ حيوي في تصنيع بروتين الكولاجين الذي يعتبر من أهم مكونات الشعر. كذلك يحسن فيتامين أ من كفاءة الغدد الجلدية في إفراز مواد دهنية ترطب الشعر، وتحافظ على حيويته. أضِف إلى ذلك دور مضادات الأكسدة في الحفاظ على بويصلات الشعر من التلف.

ثامنًا: تقوية جهاز المناعة

تساعد المغذيات التي تحتويها المانجو في تكاثر ونضج خلايا المناعة الرئيسة المتمثلة في كريات الدم البيضاء. أضف إلى ذلك، أن دور مكوناتها مثل فيتامين أ و سي في الحفاظ على صحة وسلامة الجلد، له دور محوري في تقليل فرص الإصابة بأنواعٍ عديدة من العدوى، فالجلد هو العضو الأكبر في جهاز المناعة، وهو الغلاف الرئيس الذي يحمي أجسامنا ودمنا من الغزوات الضارة.

تاسعًا: تنظيم سكر الدم

أظهرت إحدى الدراسات، أن تناول مقدار معتدل من المانجو بانتظام، يساعد في عملية تنظيم السكر بالدم، وتقليل فرص ارتفاعه. ويبدو هذا جيدًا بالنظر إلى كونها فاكهة حلوة المذاق، وغنية بالسكر. بالطبع يحتاج الأمر إلى مزيد من الدراسة والتمحيص للتيقن منه، لكنه على الأقل أضاف إلى ما نعرفه من أن الاعتدال في تناول المانجو إن لم يكن مفيدًا، فهو على الأقل غير ضار.

عاشرًا: السعادة النفسية

رغم الأثر السلبي على السلامة النفسية الذي قد تسببه أسعار المانجو الجنونية هذا الموسم، فإن مذاقها الحلو، قليل الكلفة من ناحية السعرات الحرارية والأضرار الصحية، وبالتالي تأنيب الضمير، يعوّض من هذا كثيرًا. الأطعمة كالمانجو والتي تحقق معادلة المذاق مع الفائدة – وهي معادلة ليست كثيرة التحقق – تمثل إضافة حقيقية، جسمانية ونفسية.

الوجه الآخر للمانجو

كما أوضحنا في مطلع المقال، فالإسراف في تناول المانجو بغيرِ حساب، لن يمر دون دفعَ حساب من الأضرار الصحية، والتي تبدأ بزيادة الوزن، مرورًا بالحموضة المعدية، وتهيج القولون العصبي، وانتهاءً بزيادة فرص تفاعلات الحساسية، وحدوث حصوات الكلى، خاصة إذا استُخدمت مادة كاربيد الكالسيوم في تسريع نُضج ثمار المانجو، وهي مادة غير آمنة على الصحة، كذلك يجب تناولها بحسابٍ شديد لدى مرضى السكري.

كذلك وجب التنويه أن تناول ثمار المانجو، أكثر فائدة من العصير، إذ قد تُفقَد بعض المغذيات المفيدة أثناء عملية العصير، خاصة الألياف الطبيعية. كذلك يضطر الكثيرون لإضافة السكر إلى العصير لتحسين طعمه، وهذا سيرفع فاتورة السعرات الحرارية بشكلٍ جنوني.