في جميع العصور والأزمنة، لم يخلُ زمنٌ كفّت فيه النساء عن السعي للتأنق والزينة مهما قدمت هذه الأوقات. السعي وراء جمال الأزياء وامتلاك أحدث أدوات المكياج هو أمر لم تخترعه نساء هذا العصر، وإنما توراثنه جيلاً بعد جيل حتى نصل إلى الحضارات الموغلة في القدم كالحضارات الفرعونية واليونانية، التي استفاض تاريخها في تبيان تكالب نساء هذا الزمن على الأناقة.

فما هي تفاصيل هذه الرحلة؟ ما مظاهر اهتمام نساء العصور الغابرة بأزيائهن وزينتهن؟

العصر الفرعوني: «النقبة» وأحذية ذهبية

اعتمدت دراسة الأزياء في الحضارة المصرية القديمة على الآثار والنقوش التي رسمت على جدران القبور وصور التماثيل الموجودة في المعابد والمتاحف، والتي أثبتت مدى اختلاف أزياء النساء في العصر الفرعوني حسب كل حقبة زمنية.

في الدولة القديمة، تميزت أزياء النساء بالبساطة؛ حيث تعد «النقبة» من أقدم أنواع الملابس التي استخدمتها المرأة المصرية، وكانت تسمى بالقميص أو التيونيك وأحيانًا الصدار. وكانت النقبة عبارة عن ثوب بسيط ترتديه المرأة وينسدل من تحت الصدر حتى القدمين وبه شريطان من الأعلى يغطيان الصدر في شكل رأسي، وقد يتقاطعان مع بعضهما أو يميلان قليلاً وقد يكون رفيعًا يكشف الثديين.

كان ارتداء النقبة من أسفل إلى أعلى وتثبت في الحمالات وإذا كان الرداء ضيقًا فلا حاجة للحمالات، وكانت تُظهر تفاصيل جسم المرأة أحيانًا نظرا لكونها شفافة، وتصنع من الكتان السميك ويتنوع لونها بين الأبيض والأصفر والأحمر.

إلى جانب النقبة كانت العباءة أو الكاب وتأخذ الشكل المستطيل، وتصنع من الكتان السميك وتأخذ اللون الأبيض وتظهر واضحة في تمثال الأميرة نفرت زوجة كبير الكهان «رع حتب» من الأسرة الرابعة.

ظلت هذه الأزياء سائدة حتى عصر الدولة المتوسطة، مع حدوث تطور في أشكال النقوش والزينة التي كانت توضع على النقبة مثل الخرز الملون والرسومات.

وفي هذا العصر أيضًا، بدأت النساء في ارتداء القميص أو الجلباب الذي يستخدمه الرجال، وارتدين كذلك «الجونلات» الشفافة الملفوفة حول الجسم مع حزام يثبت على الصدر، وظهر ذلك في أواخر الدولة المتوسطة لكنها لم تنتشر بالشكل الكافي إلا في الدولة الحديثة.

تطورت الأزياء النسائية كثيرًا في الدولة الحديثة؛ ولعل أهم ما كان يميزها هو ظهور الفنون التجميلية في صناعة القماش نفسه مثل الكشكشة والكسرات والثنايا، التي بدأت تظهر في أزياء الملوك والملكات كوسيلة لتجعلهم غاية الأناقة والجمال.

كما اتجهت الموضة، حينها، إلى ارتداء رداءين فوق بعضهما؛ فكان الزي الأول عبارة عن النقبة بينما الزي الخارجي هو العباءة أو حرملة تثبت فوق الصدر بأشكال مختلفة، وظهر ذلك في تمثال الملكة نفرتاري مع الإلهة إيزيس داخل مقبرتها.

كما ظهر في هذه الفترة زِي شبيه بـالساري الهندي بأشكال مختلفة، وهو عبارة عن قطعة من النسيج يبلغ طولها ضعف طول الشخص نفسه، وتُلفُّ على الجسم ويُـعقد طرفاها على الصدر، ويمكن أن يعقد طرف واحد من جانب الكتف الأيسر ليبقى الطرف الآخر متدليًا.

وإلى جانب الأزياء فقد اهتمت النساء في العصر الفرعوني بأدوات الزينة والتجميل، فقد تزينت المرأة بالخواتم والعقود والأقراط، وكانت ترصع بالخرز واللؤلؤ وقد بدأ ثقب الأذنين لارتداء الأقراط في الدولة الحديثة، كما تُظهر حفريات المقابر الكثير من المجوهرات التي دفنت مع الملكات بسبب اعتقادهن بأنهن سيستعملنها في الحياة الآخرة.

علبة مستحضرات تجميل منذ عصر الدولة المتوسطة

وكانت القلائد تصنع من العظم أو العاج أو القواقع أو المرجان أو العقيق، كما ارتدت النساء مجوهرات على شكل التمائم التي يعتقد أن معظمها كانت للحماية مثل عين حورس.

طوق ذهبي من كنز المقابر الملكية – متحف القاهرة

كانت الأساور تزين المعصم أو أعلى الذراع عند النساء وتصنع من الذهب أو الفضة، وكانت تأخذ شكل ثعبان أو شكل خنفساء الجعران والتي كانت تستعمل للزينة على هيئة أساور أو خواتم ثم استعملت بعد ذلك كأختام.

وكانت أهم وأثمن أدوات الزينة عند المرأة هي المرآة لاستخدامها في تحسين المظهر وكانت تصنع من المعادن الثمينة والنحاس. كانت المرأة الفرعونية تحتاج إلى هذه المرآة لتتأكد من سلامة زينتها التي لا تختلف كثيرًا عن زينة نساء اليوم، فالسيدة الفرعونية عرفت استخدام الكحل لتحديد العينين منذ عهد الأسرة الثانية عشر، كما استخدمت دهانًا باللون الأحمر لتزيين وجهها ووضع أحمر الشفاه، هذا إلى جانب استخدام الزيوت والروائح العطرية. 

ومن الضروري أيضًا أن نشير إلى أن المرأة كانت تستعمل الشعر المستعار وكان يصنع من الشعر البشري مع حشوات من الألياف النباتية ويُزين بحبات الذهب، وأحيانًا يربط برباط أعلى الجبين ويعقد من الخلف ويتدلى طرفاه، وكان ارتداؤه شائعًا في المناسبات والاحتفالات.

تصفيف شعر الملكة نفرو 2000 قبل الميلاد – الدير البحري – متحف بروكلين

أما عن لباس القدم فقد ارتدت المرأة الصندل المصنوع من جلد الغزال أو البردي، وأحيانًا كان يُصنّع من الذهب الخالص وكان يتميز بارتفاع مقدمته.

العصر اليوناني: قص الشعر ممنوع

اعتمدت الأزياء النسائية في العصر اليوناني بشكل أساسي على الشكل المستطيل، فقد كانت الملابس النسائية عبارة عن قطعة فردية مستطيلة من القماش، وهو ما يظهر واضحًا في رداء الخيتون الدوري أو الرداء الدوري، وهو عبارة عن قطعة من الصوف وطوله يزيد بمقدار قدم عن طول الشخص نفسه وعرضه ضعف المسافة على طول الذراعين الممدودين.

هذه الزوائد كانت تُطوَى على شكل ثنية عريضة تحيط بالجزء العلوي من الرداء، وعادة ما يتم تثبيت الطرف الخلفي على الطرف الأمامي للرداء باستخدام الدبابيس أو المشابك مع تثبيت الرداء نفسه بحزام في الوسط. وظل هذا الرداء هو الزي المميز للنساء حتى القرن السادس قبل الميلاد، وتميز بألوانه الأرجوانية والحمراء والزعفرانية وتطور قليلاً بإضافة الشرائط المزخرفة إليه.

في العام 558 ق.م، أُجبرت المرأة الإغريقية على استبدال هذه الثياب بالخيتون الإيوني إثر حادثة شهيرة قتلت فيها مجموعة من النساء رجلاً بواسطة دبابيس رداء الخيتون، فقرر حكام أثينا تحريم ارتدائه.

ويتميز الخيتون الإيوني عن الدوري بصناعته من الكتان والثنيات والكسرات الرقيقة وكانت له أشكال متعددة منها الطويل والقصير لممارسة الرياضة أو الصيد، وكان يُحاك داخليًا بديلاً عن استخدام المشابك.

ونظرًا لشفافية الرداء فقد دعت الحاجة إلى ارتداء رداء آخر فوقه، ولذلك كان اللجوء إلى الهيماتيون، وهو مستطيل الشكل ويصنع من الصوف الأبيض الملون أو المطرز وأما الأغنياء فكانوا يلبسونه من القماش الرقيق.

ارتدت النساء الهيماتيون بأشكال متعددة منها وجود الثنيات على الكتف أو التطريز الكامل للقماش، وقد تكون هذه الثنايا على هيئة زجزاج، ويلف بإحكام حول الجسم وظهرت منه أشكال أخرى منها ما ينسدل بغطاء على رأس المرأة.

أما عن أدوات الزينة في العصر اليوناني، فلقد كان الحفاظ على البشرة والجمال لدى المرأة اليونانية أولوية قصوى، فقد استخدمت الزيوت الطبيعية مثل زيت الزيتون والعسل للعناية بالبشرة، علاوة على استخدام مُحدِّد العيون المصنوع من زيت الزيتون والفحم والكحل للحصول على إطلالة داكنة للعينين، وكان مرطب الشفاه يصنع من أكسيد الحديد الأحمر، هذا إلى جانب المرآة البرونزية التي جرى استخدامها على نطاقٍ واسع، وكانت تُزيّن بأشكال من الحيوانات أو البشر مع قبضة يد على شكل امرأة.

تميزت المرأة في العصر اليوناني بارتداء العقود والأساور سواء تلك التي يتم ارتداؤها على المعصم أو الذراع أو الفخذ، ولكن لم يتم ارتداؤها كثيرًا في الحياة اليومية إلا في المناسبات والاحتفالات لكنها كانت متداولة أكثر بين نساء الأثرياء.

كانت تسريحات الشعر إحدى أشكال الزينة التي تميزت بها النساء في العصر اليوناني، حيث كانت في بادئ الأمر تقتصر التصفيفة على الضفائر الرفيعة، ولكن سرعان ما تطور الأمر في القرن الخامس وكانت السمة الغالبة هي طول الشعر المموج والمجعد مع تزيينه بالزخارف والأكاليل، وكانت الشفرة من أدوات الزينة لدى النساء لكن لم يكن قص الشعر أو تقصيره بشدة شائعًا في صفوف هذه الفترة، إلا إذا كانت المرأة من العبيد أو في حالة حداد.

وكانت النساء يفضلن لون الشعر الفاتح لذلك استخدمن مكونات مثل الخل وعصير الليمون لتفتيح الشعر.

العصر الروماني: شرائط الذهب علامة الشرف

كان الزي النسائي المعروف في ذلك الوقت هو «التيونيك»، وهو قميص ترتديه النساء الرومانيات داخل المنزل على الجسم مباشرة، ويُفصل بأكمام أو بدون ويأخذ شكلين؛ إما حرف T أو شكل مستطيل.

تميّز بلونه الأحمر أو البنفسجي، وكان يُصنَّع من الصوف ومع مرور الوقت أصبح يصنع من القطن أو الكتان، وكان يرتديه الأغنياء من الحرير.

التيونيك الطويل الذي ينسدل للقدمين فكان مناسبًا لحفلات الزواج ويُسمَّى «تيونيك تالاريس»، وتزين بشريط باللون الأرجواني، وكانت جميع الحاضرات يرتدينه بما فيهن العروس، التي كانت تضيف شريطًا في الجزء الأوسط من الأمام، كنوعٍ من التمييز لها.

إضافة إلى التيونك فقد كانت «الأستولا» من الأردية الأساسية التي ارتدتها المرأة اليونانية داخل المنزل فوق التيونيك الداخلي وهي عبارة عن رداء طويل يصل إلى الكاحل وكانت تُلبس في بعض الأحيان مزينة بشريط ذهبي كعلامة على الشرف.

في عام 190م أخذ الرومان زي الدلماسيه عن آسيا الصغرى وكانت أكمامه واسعة ويصنع من التيل أو القطن أو الحرير بلونه الأبيض الطبيعي. ومع بداية القرن الرابع الميلادي أصبحت الدلماسيه أكثر أناقة مع إضافة الذيل وحزام يحيط بخط الوسط.

أما عن العباءات الخارجية فقد ارتدت المرأة الرومانية نوعين من العباءات: البالا وهو شال يلبس فوق الأستولا والبينولا وتستخدم للوقاية من البرد في حالات السفر.

فيما تمثلت أدوات الزينة عند المرأة الرومانية في ارتداء الخواتم والأقراط والقلائد، وكانت الفتيات يلبسن التمائم التي بها تعويذات معتقدات أنها ستحميهن من قوى الطبيعة، فضلاً عن التزين بأغطية الرأس مثل التيجان وأكاليل الياقوت والجواهر.

أيضًا، اهتمت المرأة الرومانية بجمال بشرتها وزينتها من خلال وضع المكياج باستخدام الكحل للعينين أو كريمات تبييض البشرة المصنوعة من مادة الرصاص السام، إضافة إلى استخدام العسل وزهرة السوسن لإخفاء عيوب البشرة.

استخدمت المرأة الرومانية المرآة البرونزية والأمشاط المصنوعة من عظام الحيوانات بغرض الزينة، كما أخذت تصفيفات الشعر حيزًا كبيرًا خاصة في أوساط الطبقة الثرية وكانت تتسم بالتعقيد، ولعل أشهر تسريحات النساء في ذلك الوقت هو تثبيت ضفائر الشعر بالأعلى في شكل مخروطي وأحيانا تكون الخصلات مموجة أو مجعدة.

العصر البيزنطي: عباءات مرصّعة بالجواهر

يُعدُّ التطور في الأزياء النسائية بهذا الزمن امتدادًا للعصر الروماني فقد ظهرت الألوان المبهجة وتميزت الأزياء بالفخامة والأناقة خاصة في القرن السادس الميلادي، واتجهت معظم النساء إلى الملابس المزينة بالزخارف الكثيرة والمجوهرات المتنوعة.

إيرين زوجة الإمبراطور قسطنطين تظهر جواره في جدارية ترتدي ملابس مزخرفة

وتمثلت الأزياء الخارجية في ارتداء «التيونيكا تالاريس»، وهو يُشبه التيونك مع أكمام ضيقة أضيفت إلى الأستولا إلى أن اختفت وظهر محلها الرداء الواسع المُسمَّى «كلوبيوم»، وظل كذلك ارتداء الدلماسيه والبالا الرومانية مع اختلاف شكلها قليلاً، كما ارتدت النساء البيزنطيات «البالودامنتم»، وهي عباءة نصف دائرية مزينة بالمجوهرات وكانت قاصرة على البلاط الملكي في تلك الفترة.

كذلك تميزت الأزياء النسائية في العصر البيزنطي بالألوان الذهبية الزاهية إضافة إلى اللون الأرجواني والذي كان مخصصًا للأزياء الإمبراطورية إضافة إلى اللون البنفسجي؛ هذا إلى جانب الزخارف التي تزين الملابس.

وتميزت أدوات الحلي المستخدمة في العصر البيزنطي بكونها غير مكلفة، ولذلك ارتدتها جميع النساء من جميع الفئات، وتمثلت في المجوهرات والأساور والخواتم والأقراط والأكوال وكذلك التيجان المرصعة بالأحجار الكريمة وهو ما يظهر في صور الإمبراطورة ثيودورا زوجة الإمبراطور جوستنيان.

الإمبراطورة ثيودورا

استخدمت النساء المكياج أيضًا بأنواع مختلفة منها بودرة الوجه وأحمر الشفاه ومحدد العيون، بالإضافة إلى كريمات تفتيح البشرة وإخفاء العيوب واستخدمن كذلك العطور والروائح العشبية.

كانت تسريحات الشعر مشابهة لطرق تصفيف الشعر لدى المرأة الرومانية، وظهرت بعض التصفيفات المدعمة باللؤلؤ، وتكون على شكل كعكة مع الضفائر المثبتة بمشابك رفيعة، وفي بعض الأحيان كان يتم الاستعانة بالشعر المستعار.