في خريف العام 2013 نشرت صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية خريطة جديدة للشرق الأوسط أعدها المحلل روبرت رايت تحت عنوان «كيف تتحول 5 دول إلى 14»، وهي تمثل تطويرا لخريطة حدود الدم التي نشرتها مجلة القوات المسلحة الأميركية عام 2006 للكاتب رالف بيترز.

ولوضع الخريطة موضع التنفيذ تعتمد الإدارات الأمريكية المتعاقبة على استراتيجية «تحريك السكين في الجرح»، وبعد الشعور بالألم تبدأ في إهداء حكام المنطقة وشعوبها الحبل الذي يشنقون به أنفسهم.

وطبقا لخريطة النيويورك تايمز فإن ليبيا وسوريا والعراق واليمن ستنقسم على أسس عرقية ومذهبية إلى 14 دولة، من خلال «صراعات محكومة» تشرف عليها الولايات المتحدة، بهدف إنتاج بلدان أصغر، تتراجع قدرتها على الاستقلال بالقرار والخروج من دائرة السيطرة الأمريكية، كما يتم استنزافها عبر مجموعة صراعات بينية طويلة المدى.

ومع أن مصر بحكم تاريخها وديمغرافيتها تظل – حتى الآن على الأقل – عصية على الانقسام، إلا أنه من المتوقع أن تُدفع دفعا للعب دور «عامل الحفز» في تفاعل التقسيم المريع والدموي.

طبقا لخريطة النيويورك تايمز فإن ليبيا وسوريا والعراق واليمن ستنقسم على أسس عرقية ومذهبية إلى 14 دولة

ورغم أن شخصيات مقربة من النظام الحالي تؤكد أن المجلس الأعلى للقوات المسحلة ليس لديه نية لإرسال قوات مصرية للخارج، وأنه بالكاد أرسل بعض التشكيلات العسكرية لسيناء، إلا أن دلائل تشير إلى عكس ذلك.

فبعد شهور من قبض القوات المسلحة على مقاليد السلطة بشكل كامل في الثالث من يوليو 2013، شكل وزير الدفاع وقتها عبد الفتاح السيسي «قوات التدخل السريع»، واعتبر الكثيرون أنها تهدف فقط لمواجهة أية عمليات معارضة أو تمرد مسلح قد تهدد نظام الحكم الجديد، لكن مصادر مطلعة في المخابرات العسكرية أكدت أن الهدف الأساسي الذي أنشئت من أجله هذه القوات هو التدخل في مناطق الصراع المشتعلة حولنا، لتحقيق مكاسب سياسة من جهة، وللحصول على عاوئد اقتصادية ومساعدات – خليجية غالبا – من جهة أخرى.

أماكن التدخل المحتملة

بالعودة إلى خريطة النيويورك تايمز، نجد أن احتمالات التدخل العسكري المصري في دول الجوار لمواجهة مخطط التقسيم أو للمشاركة فيه «بقصد أو بدون قصد» تتركز في ثلاث مناطق :

أولا: ليبيا

إن الدعم غير المخفي الذي قدمه نظام السيسي لقوات اللواء خليفة حفتر في ليبيا خلال الشهور الماضية – والذي كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن جانب منه عندما أشارت إلى قصف مقاتلات مصرية وإماراتية لقوات فجر ليبيا – تحول بالفعل إلى تدخل معلن بعد المذبحة التي أعلن فيها تنظيم الدولة (داعش) عن مقتل 21 مصريا.

التدخل المصري في الشرق الليبي الغني بالنفط، وتشجيعه للنزعة الانفصالية لدى قطاع من السكان (لإنشاء ما يعرف بإقليم برقة) سيؤدي في الغالب إلى تقسيم ليبيا لتحقيق مكاسب آنية تتمثل في منع نظام “غير موال” من الاستقرار على الحدود الغربية لمصر، والحصول على مكاسب من عائدات نفط الشرق الليبي، لدعم الاقتصاد المصري الذي يعيش على جهاز تنفس صناعي خليجي.

ولأن هذا التدخل يحقق بشكل مباشر مساعي التقسيم التي أشرنا إليها مسبقا، فإن احتمالات نجاحه ستكون كبيرة، مع الأخذ في الاعتبار أن الخسائر في الأرواح على الجانبين المتقاتلين (بما فيها القوات المصرية) ربما تكون كبيرة جدا.

هذه الأخبار المتواترة عن تدخل «أو النية في التدخل» للقوات المصرية في مناطق صراع مجاورة دفعت البعض للتحذير من الدخول في مغامرات عسكرية قد تؤثر على تماسك آخر الجيوش العربية القوية

ثانيا: اليمن

وبعد نشر وكالة الأسوشيتد برس تصريحات لمسؤولين مصريين عن التجهيز لتدخل قوات سعودية ومصرية في اليمن، يمكننا القول أن القوات المصرية لن تحظى بفرص نجاح كنظيرتها في ليبيا، لأن الولايات المتحدة تدعم الحوثيين في مسعاها لتقسيم اليمن، كما أن الطبيعة الجبلية والقبلية المعقدة ووجود تنظيمات ومليشات لا يمكن التنبؤ بمواقفها على الدوام، هذا بالإضافة إلى أن الحرب هناك لن تكون نزهة مع الدعم الإيراني المكشوف للحوثيين.

ثالثا: السعودية

يعتبر النظام السعودي أبرز الخاسرين من محاولات التقسيم، فدولته التي تعد أحد أهم أقطاب المنطقة، من المقرر أن تفقد أجزاء واسعة لصالح الشيعة في الشرق ودولة الحجاز في الغرب والإسماعيلية في الجنوب الغربي بالإضافة إلى دولة صغيرة على حدود الأردن، كما يهددها بقوة ظهور دولة الحوثيين في شمال اليمن.

لكن مع الهجوم الخاطف الذي شنه مسلحوا تنظيم الدولة على مخفر سعودي على الحدود مع العراق في الخامس من يناير الماضي، والذي أسفر عن مقتل قائد حرس الحدود بالمنطقة الشمالية العميد عودة عوض البلوي وآخرين، تُولي الرياض أولوية لتهديد التنظيم الذي يحظى بدعم مكتوم بين قطاع لا بأس به من مواطني المملكة.

وبالتزامن مع هذا التهديد نشرت صحيفة التايمز البريطانية في أغسطس 2014 أنباء عن استعانة الرياض بقوات مصرية وباكستانية لمساعدة القوات السعودية (نحو 30 ألف جندي سعودي) في تأمين الحدود الممتدة لنحو 800 كم مع العراق، وذلك بعد أن سحب الأخير في منتصف العام الماضي قواته من على الحدود مع سوريا والسعودية بحسب تصريحات قناة العربية الممولة سعوديا.

هذه الأخبار المتواترة عن تدخل «أو النية في التدخل» للقوات المصرية في مناطق صراع مجاورة دفعت البعض للتحذير من الدخول في مغامرات عسكرية قد تؤثر على تماسك آخر الجيوش العربية القوية، لاسيما وأن الجبهة الداخلية غير متماسكة بالقدر الذي يسمح بتقبلها لخسائر قد تكون ضخمة ومؤلمة.