منذ تولي الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» مقاليد الحكم في مصر، أصبح الإعلام أكثر ارتباطاً مع أجهزة الدولة، وأكثر تماهياً مع خطابها العام. وبدا واضحاً أن النظام المصري منح اهتماماً استثنائياً لأجهزة الإعلام، وحرص على المساهمة في تشكيل خريطتها بشكل مستمر.

وفي سبيل ذلك فتُح باب الإنفاق على مصراعيه، سواء في عقود مقدمي البرامج أو حقوق البث ورعاية البطولات الرياضية، ناهيك عن تكاليف إنتاج المسلسلات والبرامج الترفيهية، مما أرهق الأجهزة السيادية التي تتحكم بها، وقضى بها إلى إصدار تعليماتها بتقليص حجم النفقات بالإضافة إلى إقرار عدم الصرف إلا بعد الرجوع للإدارات الرقابية التابعة للمخابرات العامة أو زارة الداخلية اللتين اقتسمتا ملكية وإدارة معظم شبكات القنوات الفضائية المصرية.

وهو ما يُفسر الأنباء المتواردة حول اتمام عملية الدمج بين «dmc» و«ON» الشبكتين الأكبر على الساحة الإعلامية المصرية حاليًا ليصبحا قناة واحدة، من أجل تلافي نزيف الخسائر المالية، وإيجاد قناة تُوحد الخطاب الإعلامي المصري على المستوى المحلي والعالمي، كما يُفسر حالات الإطاحة المتتالية بعدد كبير من العاملين بـ ON التي واجهت اضطرابات مالية، وكذلك يُثري احتمالية إنشاء سلسلة قنوات جديدة بأموال عربية.


من بوتقة الأزمة إلى رحابة الاستثمار

يقول قائل إنَّ الخسائر المالية التي واجهت أجهزة السيسي الإعلامية، كانت سببًا مباشرًا لإفساح المجال للاستثمار السعودي في الإعلام المصري عبر «تركي آل الشيخ» ذراع الترفيه لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حيث تسلّل في البداية إلى عالم الرياضة المصري من واقع مسئوليته في المملكة كـ «رئيس هيئة الرياضة السعودية»، فترك بصماته واضحة – خاصةً بعد تعيينه رئيساً شرفياً للنادي الأهلي المصري – بدءًا من تقديم هدايا عديدة للنادي، ومرورًا برعاية مباراة ودّية مع نادي أتلتيكو مدريد الإسباني، ووصولًا إلى المساهمة في بناء استاد جديد للنادي ومنحه العديد من المكافآت المالية بعد الفوز بكأس السوبر، إضافًة إلى التدخل في تنقلات اللاعبين من وإلى النادي الأهلي.

هذه التدخلات والاستجابة لها بالترحيب من قبل الإعلام المصري، لم تكن بمنأى عن الحكومة فهي التي وجدت ضالتها فيه للتخلص من حجم الأعباء المالية المتراكمة على أجهزة الدولة.

وتُشير الإجراءات السابقة إلى أن الهدف الأساسي من السماح للأموال العربية وبخاصة السعودية بالاستثمار في الإعلام، هو إيجاد خطاب إعلامي موحد من جهة، وزيادة حجم الإنفاق على ما يُعرض على الشبكات من جهة أخرى.

فمن الهام أن يتم جذب المزيد من المشاهدين حول القنوات التي تبث بشكل دائم الخطاب الإعلامي الرسمي الموحد للدولة، إضافة إلى تدعيم القنوات الترفيهية والرياضية، والتي تُمثل أحياناً نوعاً جيداً من الإلهاء.


شبكة تلفزيونية بأموال سعودية وإدارة مشتركة

ثمّة مؤشرات تشي بأنه يجري العمل على قدمٍ وساق لتدشين الشبكة التلفزيونية الجديدة بأموال السعودية، وأن الأجهزة السيادية ستعمل على إدارة الشبكة الجديدة بالتوافق والتعاون الكلي مع المملكة، والتي بدأ يُمثلها فعليًا «تركي آل الشيخ»، وتُشير التقديرات إلى أن إنشاء الشبكة التلفزيونية الجديدة كان برغبة مباشرة من السعودية وولي العهد محمد بن سلمان، الذي رأى في الإعلام المصري فرصة رابحة للاستثمار.

وعلى الجانب الآخر وجدت هذه الرغبة صداها لدى الأجهزة السيادية المصرية التي تملك زمام القنوات الإعلامية سواء قنوات ON التي تملكها شركة إعلام المصريين التابعة لشركة إيجل كابيتال والمدارة بأموال المخابرات المصرية، أو إذاعة DRN التي تملكها شركة هوم ميديا التابعة لشركة فالكون المدارة من قبل رجال أعمال تُشرف عليهم وزارة الداخلية.

ولتحقيق ذلك، بدأت فعلًا في حشد طاقمها الإعلامي الموكل إليه توجه رسائلها المباشرة بثوب البرامج الترفيهية والفنية ولا سيما السياسية، وما حالات الاستقالة المفاجئة لكبار الإعلاميين وحالات الإطاحة بالبعض الآخر إلا دليل أن الوجهة ستكون إلى الشبكة التلفزيونية الجديدة، لتقديم رؤية الدولة وتحقيق أرباح لم تستطع أن تحصل عليها من مشاريعها السابقة، خاصة في ظل التوافق بين الإدارتين المصرية والسعودية على الحقوق المالية والفكرية، وعبر نجوم البرامج الذين سينتقلون إليها، وكان من المرجح أن يكون من بينهم «عمرو أديب» الذي قدم استقالته علنًا قبل أسابيع من خلال برنامجه على قناة ON دون أن يكشف عن وجهته التالية، ولكنه تراجع بالأمس عنها، على أن يرجع للشاشة في سبتمبر/أيلول 2018.


الإعلام الرياضي الخطوة الأولى

شكّل سوق الإعلان الرياضي حالة الجذب الأولى للاستثمار السعودي، قبل أن تتطور الفكرة للاستثمار في الإعلام الترفيهي الفني والسياسي، إذ ترى السعودية أن النمط التشاركي في أي مشروع استثماري فرصة جيدة لتحقيق المستوى المطلوب من الأرباح، التي تُحقق لها الاستمرار؛ ليس على مستوى السوق الإعلامي بل على مستوى الوجود السياسي، ولذلك فمن المتوقع أن تنتهج ذات الأسلوب في مشروعاتها المرتقبة.

ومنذ وصول آل الشيخ إلى رئاسة الهيئة العامة للرياضة السعودية في سبتمبر/أيلول 2017 عمل الرجل على إثبات ذاته على المستوى المحلي والخارجي. حيث هيمن على العديد من المناصب الهامة في المجال الرياضي سواء في بلده السعودية، أو في العالم العربي باعتباره رئيس الاتحاد العربي لكرة القدم، ورئيس الاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي، ولعل ذلك يمنحه الفرصة لفرض ما يراه على الواقع الرياضي العربي، ويُعطيه الحق بتوزيع نسب الأعضاء في الاتحادات الرياضية وفقًا لرؤيته الخاصة ورؤية المملكة، لتنفيذ أجندتها، وذلك عبر التلويح بالنفوذ المالي؛ بمنحه أو حجبه.

وتُشير بعض التقارير الصحفية إلى أن المشروع الجديد يهدف إلى إعادة تدوير الأذرع الإعلامية المصرية بعد فشلها في تحقيق هدفها، في جذب المشاهد الذي هرب إلى شاشة المعارضة، وتذكر أن إدارة الشبكة الجديدة لم تجد حرجًا في استعادة وجوه كـ «إبراهيم عيسى» والتعاقد معه بما يُقارب 33 مليون جنيه، وذلك من أجل استعادة الهاربين إلى قنوات المعارضة عبر قناة جديدة تدفع الملايين لإعلامي واحد بميزانية ضخمة توازي ميزانية دولة، وتقوم بعملية التأثير الموجه في السياسة المصرية تمامًا كما كان الراعي الإماراتي سابقًا.

وتُعد السعودية أكبر مستثمر في مصر في الآونة الأخيرة، إذ بلغ حجم الاستثمارات السعودية حوالي 22% من إجمالي الاستثمارات العربية في البلاد، فيما بلغ حجم الاستثمار المصري في السوق السعودية حوالي مليار دولار موزعة على 1043 مشروعًا.

وبحسب «طارق قابيل»، وزير التجارة والصناعة المصري، فإن العلاقات التجارية والاستثمارية بين البلدين تتجه إلى الاتساع، خاصةً في ظل توافق الحكومتين المصرية والسعودية على تذليل كافة العقبات والعراقيل لخلق المناخ المناسب لتنمية وتطوير العلاقات الاقتصادية المشتركة في كافة المجالات وعلى مختلف الأصعدة، مما يسهم في زيادة معدلات التبادل التجاري وتعزيز الاستثمارات المشتركة بين البلدين خلال المرحلة المقبلة.