أثار مقتل الأنبا أبيفانيوس، رئيس دير الأنبا مقار بوادي النطرون، جدلًا داخل الحالة المسيحية المصرية، حيث وجد داخل الدير في ساعة مُبكرة من صباح يوم الأحد ٢٩ يوليو/تموز الماضي مقتولًا ومُصابًا بجروح وكسور في الجُمجمة.

هيّج هذا الحادث خلافات كانت قد خففت برحيل الأنبا متى المسكين، حيث كان الأنبا أبيفانيوس محسوبًا بصورة ما على هذا الخط الكنسي التصحيحي، وواجه أبيفانيوس انتقادات حادة من قِبَل غالبية المتنفذين داخل الكنسية المصرية بسبب إحيائه لفلسفة الرهبنة التي تبناها متى المسكين [1].


فلسفة الترهبن لدى الأب متى المسكين

وُلد متى المسكين عام 1919م، وتخرج في كلية الصيدلة عام 1943م، اشتغل في المهنة حتى سنة 1948م وكان يمتلك صيدلية في دمنهور، ثم قرر أن يترهبن، فباع كل ما يملك ووزعه على الفقراء وترهبن في دير الأنبا صموئيل في الصعيد يوم 10 أغسطس/آب 1948م، واختار هذا الدير لأنه كان أفقر دير وأبعد دير عن العمران وأكثرها عزلة. سرعان ما هزلت صحته بسبب فقر الدير الشديد وأجبر على الانتقال إلى دير السريان بوادي النطرون سنة 1951. عاش متوحداً في مغارة وسط الصخور بعيداً عن الدير، وبعد سنتين كُلّف أن يصير أباً روحياً لرهبان الدير وعلى الأخص للشباب المتقدم للرهبنة حديثاً.

ومنذ عام 1954 وحتى عام 1960، تنقل بين المناصب الكنسية وبين حالات رهبانية انعزالية مع تلاميذه. في هذه الفترة، ألَّف الأب متى كتباً روحية كثيرة ما زال يقرأها حتى الآن الشباب المسيحي في مصر والشرق الأوسط ويتأثرون بها. وفي سنة 1969 دعاه البابا كيرلس السادس مع جماعته الرهبانية (12 راهباً) للانتقال إلى دير أنبا مقار بوادي النطرون الذي كانت الحياة الرهبانية فيه توشك أن تنطفئ، وعهد إليه بمهمة تعمير الدير وإحياء الحياة الرهبانية في الدير من جديد [2].

يمثل فكر متى المسكين خطًا إصلاحيًا متميزًا ومغايرًا لغالب الخط الكنسي الأرثوذكسي السائد، فهو يرى أن التربية الروحية هي الدور الرئيسي والوحيد للكنيسة، وأن اعتماد الكنيسة على السلطة الزمنية يعتبر هجرانًا أكيدًا للمسيح وإنكارًا للروح القدس كمصدر للقوة، وبناءً على الأصل المسيحي «أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله»، فالأب متى يرى أن مصدر قوة قيصر هو المال وسياسة الدهاء والقدرة على البطش، بينما مصدر القوة عند الله هو الروح القدس والقدرة للشهادة الحق، كما يرى أن القوتين متعارضتان ولا يمكن الجمع بينهما، وإلا فقدت الكنيسة معونة الروح القدس وكانت حالذاك لا تشهد بالحق [3].

كما يرى الأب متى أن أي استخدام لوسائل أخرى غير المناداة الحرة بالتوبة لدعوة الخُطاة إلى الخلاص من خطاياهم هو عمل مستحيل؛ لأنه ليس ثمة خلاص إلا بالتوبة، وكل وسيلة أخرى مثل ترغيب الناس بالمال أو بالهدايا أو بالأكل أو بالملابس أو بالمسليات تُعتبر كلها وسائل غير مشروعة، وكذلك محاولة إغراء وشراء ضمائر الناس لله بأموالنا وحاجات الدنيا. كذلك كل محاولة لاستخدام السلطان سواء كان سلطان الدين أو السلطان الزمني أو استخدام التهديد أو الوعيد أو استخدام العقوبة أو المقاطعة لإجبار الخاطئ على التوبة، فكل هذا السلطان يُعتبر عمل اغتصاب وسلباً لمشيئات الناس واستعبادهم باسم الدين والكنيسة. وهكذا تكون كل محاولة لكسب الإنسان الخاطئ إلى الله بطريق آخر غير الكرازة والمناداة الحرة لتوبة إرادية حرة، يُعتبر خروجاً عن وسيلة الاختصاص في المسيحية.

والطائفية عند متى المسكين مفهوم به انخداع كبير لدى الإنسان، كما يراه، حيث يصور له أنه يستطيع تأمين مصالحه بشرط ألا ينفتح على الآخر، ومن هنا يتحول الخداع إلى اقتناع نفسي يتأصل داخل الإنسان. فالطائفية مرض يعترض النمو النفسي للفرد والجماعة، وبذرتها الأولى هي الفرار إلى الأمان النفسي وتأمين السلام الذاتي الذي يبدأه الإنسان طفلاً مع أمه ثم مع أسرته ثم – وهنا الخطأ الفادح – مع كنيسته، أي عقيدته. ولكن الكنيسة ليست الملاذ؛ ليست مكان تكتل لنتلافى فيه خسارة دنيوية أو نضمن فيه قيام وجود مشترك يضمن مصالح أرضية. بل على النقيض تمامًا. ففي الكنيسة نتعاهد أن نخسر كل شيء من أجل المسيح، ونحسب كل ما في العالم نفاية وخسارة من أجل فضل معرفته وحبه.

هنا يؤوّل متى المسكين رأي الكتاب المقدس في قضية الطائفية منطلقًا من أنه يجب أن نبعد الكنيسة ونبتعد بها عن التكتل الإنساني البشري، فالطائفية كتكتل بشري مكانه الوحيد بعد الأسرة هو خارج الكنيسة حيث يمتصها الوطن، وهو المسؤول عن تفتيت الطائفية والتعصب والعمل على انفتاح الإنسان نحو الآخر مهما كان هذا الآخر [4].


الأب متى المسكين في مواجهة المحافظين

هكذا يظهر جليًا الخط الإصلاحي الروحي الذي سلكه الأب متى المسكين على خلاف باقي جيله من أرباب مدارس الأحد، ومنهم زميله، آنذاك، الأنبا شنودة. ويظهر في فلسفته في التعاطي مع القضايا العامة ومشاكل الاضطهاد والطائفية، أنها حكيمة وتميل للتفسيرات الروحانية = الصوفية، وهو الأمر الذي قد يفسر سبب عدم انتشار هذا الخط داخل الكنيسة.

الصدام الأول

خاض الأب متى المسكين عدة صدامات مع مؤسسة الكنيسة، أولها كان عام 1954، عندما اختاره الأنبا يوساب بطريرك الكنيسة القبطية في ذلك الوقت ليكون وكيلاً له في مدينة الإسكندرية بنفس درجته الكهنوتية، فمكث فيها عامين بسط خلالهما نفوذه الروحي عليها، إلا أنه اصطدم مع الاتجاهات الراديكالية ونفوذ أصحاب المصالح (بحسب تعبيره). يقول الأب متى:

وقد لعب المجلس الملي بالإسكندرية دورًا كبيرًا من أجل تنحية متى.

الصدام الثاني

تمثل الصدام الثاني في إغلاق الباب أمام ترشحه لمنصب البطريرك عام 1959 من قبل الاتجاهات المتشددة بعد وفاة الأنبا يوساب، على الرغم من أن ترشحه تم من مدارس الأحد التي دفعت بعدد من المرشحين ومنهم الأنبا شنودة آنذاك، وتعللوا في ذلك بشرط السن لعدم مرور 15 عامًا على رهبنة هؤلاء الشباب رغم أن القانون يكتفي بعشر سنوات؛ حيث عُدِّل القانون لاستبعاده وغيره من الرهبان الجدد.

الصدام الثالث

أما الصدام الثالث، فقد كان بعد جلوس الأنبا كيرلس السادس على الكرسي البابوي، حيث أصدر الأنبا قرارًا بحرمان الأب متى من الكهنوت، وأمر جميع الرهبان العاملين داخل المؤسسات الكنسية والمدن بالعودة إلى أديرتهم، وأمر الأب متى بالخروج من بيت التكريس في حلوان، ولكن الأب متى رفض تنفيذ القرار وخرج مع 12 راهبًا وذهبوا إلى مكان مهجور في وادي الريان بالقرب من الفيوم، ومكثوا لمدة 10 سنوات داخل إحدى المغارات الموحشة، وكان من بين هؤلاء تلميذه الراهب أنطونيوس السرياني (الأنبا شنودة فيما بعد) الذي قرر مع عدد من الرهبان ترك المكان لقسوته ووعورته.

الصدام الرابع

تم استبعاد المسكين للمرة الثانية من توسد الكرسي البابوي بسبب اقتطاع حياة العزلة الاختيارية عن حياة الرهبنة، وبالتالي لم يستوفِ شرط الرهبنة، وشاعت أقوال أنه تم استبعاده لأسباب تخص ميوله الاشتراكية الناصرية التي انقلب عليها السادات؛ حيث فضل السادات اختيار رجل دين بالمعنى المهني والحرفي، ورأى في البابا شنودة – في بداية الأمر – أنه يحقق ذلك الشرط [5].

وحينما اتسعت هوة الخلاف بين شنودة والسادات حول بعض القضايا والسياسات، خاصة تمدد الظل الدعوي والخدمي للكنيسة، وازدياد وتيرة الاضطرابات الطائفية، بالإضافة إلى الموقف من تقنين الشريعة واتفاقية السلام مع إسرائيل، كتب الأب متّى عدة مقالات وأجرى مجموعة لقاءات صحفية حول هذه القضايا، برؤية تختلف عما طرحه البابا شنودة، وهنا لعبت السياسة دورها وتم استدعاء أفكاره وكتاباته عن ضوابط الدور الديني والخدمي للكنيسة لتصدر من قبل الأجهزة الرسمية للإيحاء أن بجانب الخلاف السياسي مع الأنبا شنودة ظلالاً دينية وانحرافًا عن المسار يجب أن يُقوم، وتم التلويح بالأب متى لخلافة البابا بحسبانه الزعيم المعارض والمصحح الديني لعثرات الكنيسة.

لكنّ الأب متى رفض، وكانت إجابته للسادات بأن الشخص الذي سيتم تنصيبه بطريركًا بهذه الطريقة هو شخص محروم من قبل أن يجلس على الكرسي؛ وذلك لأسباب تخص القانون الكنسي الذي يحدد أن خلو المنصب مرتبط إما بالجنون أو الفساد المالي أو الأخلاقي أو الهرطقة.

وقد حاول الأب متى عبر جولات مكوكية أن يقرّب بين الأنبا شنودة والسادات إلا أن كل محاولاته باءت بالفشل، وتسربت شائعات وأقوال تتهمه بالخيانة، وأنه كان وراء نفي البابا شنودة، وتزعّم هذه المواقف المتشددة عدد من رموز الكنيسة لاسيما الأساقفة الذين اعتقلهم السادات عام 1981 وهم من أعضاء المجمع المقدس. وساعدت العلاقة الخاصة بين الأب متى والسادات على رواج تلك الأقوال والاتهامات، لا سيما أن النظام منح الدير الذي يقيم فيه الأب متى 200 فدان من أجل استزراعها.

ونظرًا للشعبية التي يتمتع بها الأب متى، لم يستجب البابا شنودة للدعوات المطالبة بعقابه أو حرمانه، وهي التي انطلقت من المجمع المقدس الذي ظل بعض أعضائه يتحينون الفرصة لتصفية الحسابات بادعاء تجديفه في العقيدة، وإن لم يجرؤوا على مصادرة أي كتاب من كتبه.

وبمرور الزمن، خفتت حدة الاحتقان بين البابا شنودة والأب متى المسكين، حيث قام الأول بزيارته في أثناء مرضه، ونُشر خبر الزيارة في مجلة الكرازة التي يحرّرها البابا بنفسه، وقد وصفت الأب متى المسكين بـ«القُمص المكرّم». وتكريمًا له، حفظ له البابا شنودة كافة سلطاته الرهبانية والروحية داخل دير أبو مقار، ولم يتدخل في الشئون المالية الخاصة بالدير حرصًا منه على عدم استفزاز شعبيته التي يعرف أنها موجودة، وإن كانت كامنة، حيث تحولت صورة متى المسكين لما يشبه الأسطورة لدى العوام [6].


الكنيسة المصرية في عهد البابا شنودة الثالث

رفضت أن يتقاضى القساوسة العطايا من الناس، وقررت لكل منهم راتبًا شهريًا من الكنيسة كان 80 جنيهًا، وهو مبلغ كبير، وسعيت للقضاء على الإسراف، فانقلب أصحاب المصالح على إصلاحاتي التي أخذت بها الكنيسة فيما بعد، وكان أن أجبرت على ترك موقعي.

يمثّل البابا شنودة منحنى مختلفًا تمامًا في تاريخ الكنيسة المصرية، حيث ماجت فترته بكثير من الأحداث والصدامات السياسية الحادة. لم تكن علاقة البابا شنودة بالرئيسين السادات ومبارك مجرد علاقة عادية تربط رئيسًا دينيًا لطائفة بحاكم دولة، وإنما كان لها طابع سياسي، يقول البابا شنودة عن علاقته بالسادات: «كنا نتبادل الدعابة والمزاح خلال لقاءاتنا، وفى النهاية قلبها جد».

ففي بداية العلاقة مع السادات، بارك شنودة «ثورة التصحيح»، الوصف الذي أطلقه السادات على حسمه الصراع مع المناوئين له في السلطة عام 1971. ثم بدأت شعلة الاحتقان الطائفي في أحداث الخانكة عام 1972، وكان رد فعل البابا شنودة حينها مختلفًا، حيث قال: «قررت ألا تراني الشمس آكلًا أو شاربًا حتى تحل المشكلة». وكانت المرة الأولى التي يتخذ فيها رأس الكنيسة موقفًا احتجاجيًا بطقس ديني.

وتوترت الأجواء بصورة أكبر بين البابا شنودة والسادات بعد 17 يناير/كانون الثاني 1977، حيث عُقِد مؤتمر بقيادة البابا شنودة صدر على إثره البيان الرسمي الأول الذي يعبر عن وصول العلاقة بين الكنيسة والدولة إلى طريق مسدود، وقال فيه إن الأقباط يمثّلون أقدم وأعرق سلالة في الشعب المصري، ثم عرّج إلى حرية العقيدة الدينية وممارسة الشعائر الدينية، وحماية الأسرة والزواج المسيحي والمساواة وتكافؤ الفرص وتمثيل المسيحيين في الهيئات النيابية والتحذير من الاتجاهات المتطرفة، وطالب البيان بإلغاء مشروع الردة واستبعاد التفكير في تطبيق الشريعة الإسلامية على غير المسلمين.[7]

كانت التوصيات التنفيذية لمؤتمر المجمع المقدس برئاسة البابا هي الأخطر، حيث طالبت الأقباط بالصوم الانقطاعي لثلاثة أيام من 31 يناير/كانون الثاني إلى 2 فبراير/شباط 1977. وفي ظل اتهامات متزايدة من الأقباط بأن الدولة تغذّي العنف تجاههم من قبل الجماعات الإسلامية، وعندما قام السادات بزيارة إلى أمريكا، كان الصدام، إذ نظّم الأقباط في أمريكا مظاهرة مناهضة لـلسادات رفعوا فيها لافتات تصف ما يحدث للأقباط في مصر بأنه اضطهاد، فطلب السادات من معاونيه أن يتصلوا بالبابا ليوقف هذه المظاهرات.

وعندما حدث هذا متأخرًا بعض الشيء، ظنّ السادات بأن شنودة يتحداه، فكانت أن أصدرت أجهزة الأمن قرارًا للبابا بأن يتوقف عن إلقاء درسه الأسبوعي، الأمر الذي رفضه البابا، ثم قرّر تصعيد الأمر بأن أصدر قرارًا بدوره بعدم الاحتفال بالعيد في الكنيسة وعدم استقبال المسئولين الرسميين الذين يوفدون من قبل الدولة عادة للتهنئة، بل وصل الأمر إلى ذروته عندما كتب في رسالته التي طافت بكل الكنائس قبيل الاحتفال بالعيد أن هذه القرارات جاءت احتجاجًا على اضطهاد الأقباط في مصر، وكانت هذه المرة الوحيدة التي يقر فيه البابا علانية بوجود اضطهاد للأقباط في مصر، ولم يفعلها بعد ذلك مطلقًا.

أصبحت القطيعة بين السادات وشنودة هي عنوان المشهد، ولذا كان من المنطقي أن يطال العقاب البابا في أيام السادات الأخيرة عندما أصدر في سبتمبر/أيلول عام 1981 قراره بالتحفظ على 1531 من الشخصيات العامة المعارضة. لم يكن مصير البابا الاعتقال وإنما كان تحديد الإقامة في الدير بوادي النطرون، وتشكيل لجنة خماسية للقيام بالمهام البابوية [8].

وبعد صدور قرار الرئيس مبارك سنة 1985 بإعادة تعيين الأنبا شنودة بطريركًا للأقباط، بدا البابا أكثر حرصاً على كسب الإعلام الذي وقف ضده في السبعينيات، وبدأ في الاهتمام بالبعد الدولي الذي لم يعطه الاهتمام اللائق في السابق، ومن ثمّ تواصل مع أقباط المهجر وفتح كنائس جديدة من أجل استيعابهم وتنظيمهم.

وعبر حقبة شنودة وما تلاها من أحداث أثّرت في توجهات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية سياسيًا واجتماعيًا، يتبين لنا جملة من الملامح والمعالم الراسمة والمحددة لطبيعة فكر الرجل وآثاره:

– بدا البابا شنودة ذا توجه حادٍ وراديكالي خلال فترته الأولى، وظهر ذلك إبان رئاسة السادات، حيث جعل من الكنيسة ندًا سياسيًا واجتماعيًا للدولة، بل وتشير بعض المصادر المسيحية إلى أن قرار ترجيح كفة الأنبا شنودة في القرعة الهيكيلية كان من خلال توجيهات الرئيس السادات ووزير داخليته ممدوح سالم [9]، الأمر الذي يشي بتفاهمات وترتيبات سياسية آلت لتسيير العملية بهذا الاتجاه، ولا يتعارض وصول الأنبا شنودة بهذه الصورة مع ما ترتب بعد ذلك من مشكلات، فالتفاهمات السياسية تتبدل وتتغير من حين لآخر، وقد تكون خريطة المصالح والأهداف تغيرت بعد ذلك لأي من الطرفين.

– من خلال تتبع كتابات ومواقف البابا شنودة، يظهر بوضوح اختلافه الجذري مع مدرسة متى المسكين، فالرجل منخرط في المجال العام سياسيًا واجتماعيًا بشكل مبالغ فيه، بل وتتمثل مظاهر المزج التوظيفي للدين في مواقفه وردود أفعاله بشكل كبير، فمن أزمة الصدام مع السادات إلى حضوره السياسي والاجتماعي القوي في حقبة مبارك [10]، الأمر الذي آل لتكون الجماعة القبطية بمرجعية فكرية وسياسية محتكرة من الكنيسة.

– سرعان من اهتزت المرجعية الكنسية التي بلورها شنودة، وذلك عقب انكشاف موقف الكنيسة الموالي لنظام مبارك تجاه ثورة الخامس والعشرين من يناير، ولكن هذا الاهتزاز لم يكن بقوة وصلابة هذا البنيان المرجعي الصلب المتجذر في بنية الجماعة القبطية.

– تطورات مدرسة البابا شنودة تمثلت في عهد البابا تواضروس، حيث باتت الكنيسة رقمًا رئيسيًا في المشهد السياسي والاجتماعي والإقليمي المصري، وأضحت صورة رأس الكنيسة المصرية لا تغادر غالب المشاهد السياسية في الحالة المصرية [11].


[1] انظر كلمته في هذا المؤتمر هنا.[2] موقع دير القديس أنبا مقار الكبير. وانظر كتاب الأب متى المسكين الصادر عن ذات الدير.[3] «الكنيسة والدولة .. الطائفية والتعصب»، متى المسكين، ص 29 – 31، طباعة دير الأنبا مقار. و«الكنيسة والدولة .. قراءة لفكر الأب متى المسكين»، د. عايدة نصيف، ص 11، مكتبة الأنجلو. وقد استخدمت هنا نص كلامه وفقًا لمعتقده المسيحي.[4] السابق، ص 82.[5] فتنة طائفية أم شرارة الصراع على الهوية، عبد الطحاوي، ص36 -37، مكتبة الشروق الدولية.[6] السابق، ص 38 -39.[7] السابق، ص 30 -31. و: «مبارك والأقباط»، روبير فارس، ص 105، دار ماجد للطباعة.[8] مبارك والأقباط، ص 103 – 105.[9] ذكر ذلك عدد من المشاركين في الفيلم الوثائقي الخاص بالأب متى المسكين بعنوان: «متى المسكين: الراهب والبابا».[10] انظر على سبيل المثال كم الحمولة السياسية الموجودة في حواراته مع سناء السعيد في البابا شنودة بين السياسة والدين، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2010.[11] طالع على سبيل المثال الموقع الرسمي لتواضروس الثاني، حيث يمتلئ بصور لقاءاته مع الرموز السياسية في الدولة بشكل مكثف.