في حلقة 11 أكتوبر/تشرين الأول عام 2015، من برنامج «على مسؤوليتي» قام المذيع أحمد موسى بعرض مقطع لأحد ألعاب الفيديو (أباتشي أسيلوت) باعتبارها جزءًا من الحرب التي تشنها روسيا على تنظيم داعش الإرهابي في سوريا. وقام نفس المذيع في ذات البرنامج في 14 ديسمبر/كانون الأول 2015 بعرض صور تظهر شخصًا قريب الشبه من النائب البرلماني خالد يوسف بملامح مشوشة وبرفقته امرأة لم تظهر ملامحها على شاشة القناة، ووجه له اتهامات التحرش بالسيدة التي تظهر في الفيديو.

ذكرت المذيعة أماني الخياط خلال عام 2014 في برنامجها السابق «صباح أون» أن دولة المغرب يعتمد اقتصادها على «الدعارة».

قالت المذيعة «مها البهنسي»، عبر قناة التحرير من خلال برنامجها «صباح التحرير ويك إند»، تعليقًا على عدد حالات التحرش التي حدثت في ميدان التحرير أثناء احتفالية الجماهير بتولي عبد الفتاح السيسي بمنصب رئاسة الجمهورية: «الناس فرحانة خلي الشعب يهيص».

سقطات إعلامية عديدة كانت كفيلة بإنهاء مشوار صاحبها المهني، في بلدٍ يحترم الإعلام والرأي العام، ولكن في مصر هناك دائمًا سقطات إعلامية ترعاها الدولة. وتتجدّد هذه السقطات مرة أخرى، ولكن هذه المرة برعاية المذيعة «رشا مجدي».


«إنما تقتل مسلمين!»

قرر محمد أبو العينين، مالك قنوات صدى البلد، إيقاف المذيعة رشا مجدي عن العمل حتى انتهاء التحقيق معها بسبب «تعليقها غير الموفق على حادث الروضة الإرهابي»، وذلك بحسب بيان القناة، فيما قالت رئيسة قناة صدى البلد، إلهام أبو الفتح، إن حديث رشا مجدي عن الحادث «فُهم بطريقة خاطئة من البعض، ولكنني أعتقد أنها لم تقصد أي إساءة»، وقد تقرر مناقشة ما فعلته المذيعة من جانب لجنة الرصد والتقييم الإعلامي التابعة للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، خاصة بعد وصفها لهجوم الإرهابيين على الجيش والشرطة بـ «العنف المتبادل».

تعود الواقعة إلى مقطع من حلقة برنامجها «استديو البلد»، بتاريخ 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، ففي أثناء تغطية ردود الأفعال على الحادث الإرهابي الذي استهدف مسجد الروضة بالعريش، اشترك النائب البرلماني علاء عابد، المتحدث باسم ائتلاف «دعم مصر»، بمداخلة هاتفية بالبرنامج ليعلق على دوافع الإرهابيين لحادث مسجد الروضة بالعريش، فقالت رشا مجدي:

أنا عقلي مش قادر يستوعب هذا الحادث، شوفنا هجمات للإرهابيين على الشرطة والجيش، وقلنا إنه عنف متبادل معاهم… ماشي… شوفنا هذه الجماعات المتطرفة بتهاجم العديد من الكنائس، وفقدنا العديد من المواطنين اللي كانوا بيصلوا، قولنا آه معتبرين إنه دين غير الدين الإسلامي وعدو ليهم برضو… ماشي.

ليقاطعها زميلها بالاستديو أحمد مجدي، قائلا: «لا هو مش ماشي، إحنا بنتكلم عن إن ده تفكيرهم المتطرف المريض، لكن مش ماشي».

مما جعلها تتراجع، وتقول: «أيوه ده تفكيرهم المتطرف». ثم تكمل حديثها موجهة سؤالا للضيف على الهاتف: «إيه التغير اللي حصل بدخول مسجد يوم جمعة ساعة صلاة جمعة ويستهدف هذا العدد.. مش قادرة أفهم التفكير.. الحادثة جديدة أو تفكيرهم اختلف؟».

وقد أثار هذا المقطع لغطًا كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث امتلأ (هاشتاج)#رشا_مجد ي بالإهانات والاتهامات الموجهة للمذيعة، إثر تعليقها الذي فسّره البعض بأنه يستبيح دماء الجيش والشرطة.


ليست المرة الأولى

لم تكن تلك هي الواقعة الأولى لمذيعة «الخروج عن السياق»، بل هناك واقعة أشهر لها أثناء حادثة «مذبحة ماسبيرو» في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2011، والتي وقعت بين أفراد من الجيش وعدد من المتظاهرين الأقباط، ونتج عنها مقتل وإصابة العشرات أغلبهم من الأقباط. فقد اتُهمت رشا مجدي – مذيعة التليفزيون المصري وقتها – بالتحريض ضد الأقباط في أثناء مسيرتهم تجاه ماسبيرو، وذلك لأنه أثناء تعليقها على الأحداث الجارية قالت عدة عبارات، منها:

لمصلحة منْ ما يحدث في مصر، هل هان علينا الوطن إلى هذه الدرجة.
ما حدث هو بأيدي فئة من فئات المجتمع ‏المصري.
حتى الآن أكثر من 3 شهداء و20 مصابًا، وكلهم من جنود الجيش، وبأيدي من؟ ليس بأيدي الإسرائيليين أو بأيدي عدو، ولكن بأيدي فئة من أبناء الوطن.
هذا الجيش الذي يُضرب الآن هو الذي وقف بجوار الثورة وحمى الثورة ورفض أن تطلق رصاصة واحدة على أي من أبناء الشعب المصري، لنجد اليوم من يطلق الرصاص على أبناء الجيش.
أي فئة من فئات المجتمع المصري مهما كانت مطالبها.. هل هذا يستحق أن نحرق وطنًا بأكمله.. اتقوا الله فى مصر.. اتقوا الله في بلدكم.

وقد اعتبر البعض هذه العبارات بمثابة تحريض مباشر على قتل الأقباط المتظاهرين، وأطلقوا عليها لقب «مذيعة الفتنة»، لاسيما بعد استجابة بعض المصريين الذين هاجموا المستشفى القبطي والمتظاهرين عند منطقة ماسبيرو، مما دفع العديد من الحركات الثورية والمنظمات الحقوقية إلى إدانتها.

فيما تقدم البعض ببلاغات رسمية، حيث تلقى قضاة التحقيق المنتدبين من وزارة العدل للتحقيق في أحداث ماسبيرو بلاغات تتهم رشا مجدي رسميًا، ومن ثَمَّ تقرر تحويلها إلى التحقيق بتهمة إثارة الفتنة، ونقل أخبار كاذبة، أثناء وجودها على الهواء مباشرة خلال إحدى نشرات قطاع الأخبار بالتليفزيون المصري،وجاء في البلاغات أن «المذيعة دعت على الهواء مباشرة جموع الشعب المصري للنزول إلى الشارع والوقوف بجانب قوات الجيش المصري ضد الأقباط، ونقلت أخبارًا كاذبة لم تحدث، وتم نفيها فيما بعد»، واتهمت البلاغات المذيعة أيضًا بأنها «تدعو للفتنة الطائفية والعنف بين فئات الشعب المصري».

وأثناء التحقيق معها حمّلت رشا مجدي رؤساءها المسئولية الكاملة عما حدث، بدعوى أنها كانت تقرأ المكتوب أمامها على الشاشة فقط، وكانت تنقل ما يصل إليها من زملائها خلف الكاميرا، وأكدت أنها ضحية و«كبش فداء»؛ لأن «المذيع لا يقول شيئًا من عنده أثناء وجوده على الهواء».

أعادت ترديد هذا الكلام إعلاميًا، أثناء مداخلة هاتفية لها ببرنامج «العاشرة مساء»، قائلة إن هناك «مسئولًا ما داخل الجهاز الإعلامي» هو الذي أعطى الأخبار التليفزيون بهذة الصيغة التي قرأتها، مؤكدة أن الأخطاء لم تكن من المذيعين إنما من الذين أداروا الأمر وقتها، نافية أن يكون لديها أي نية للتحريض ضد الأقباط.

مما دفع إبراهيم الصياد، رئيس قطاع الأخبار حينها، إلى مطالبتها بالإفصاح عن اسم هذا المسئول الذي تسبب في الكارثة؛ حتى تتسنى محاسبته، كما أكد أن رشا مجدي كانت تعلم جيدًا ما يحدث أمام ماسبيرو من واقع شاشة عرض أمامها، وليس كما ادعت انفصالها عن الحدث إلا من واقع ما يصل إليها من أخبار مكتوبة، وبرّر رئيس قطاع الأخبار ما فعلته رشا مجدي بأنها كانت منفعلة بالحدث، وشعرت بالأسى والحزن، فبدرت منها جمل معبرة عن وجهة نظرها الشخصية.


اختفاءٌ وعودة

رغم أن المحكمة برأتها من التهم فإن الكثيرين – وبخاصة الأقباط – لم ينسوا لها موقفها وظلت في ذاكرتهم رشا مجدي «مذيعة الفتنة»، وظهر ذلك من تعليقات عديدة لأقباط، أشهرها تعليق ماري دنيال، شقيقة مينا دانيال الذي قُتل في أحداث ماسبيرو،حيث قالت بعد عودة رشا مجدي للظهور على شاشات التليفزيون: «المذيعة ظهرت على الشاشات، بعد مذبحة ماسبيرو بأيام قليلة، ومحدش منعها من الظهور، وكأن مفيش حاجة حصلت»، وكان ذلك تعليقًا على تقديم رشا مجدي فقرة ببرنامج «صباح الخير يا مصر» على الفضائية المصرية، عن انتخابات بابا الأقباط الأرثوذكس رقم (118)، في أكتوبر/تشرين الأول 2012، مما جعل ماري تقول: «إعلام يلعب على كل الأحبال، سمح للمذيعة التى حرضت ضد الأقباط بتغطية انتخابات البابا».

وبعد كل ما أثارته رشا مجدي ابتعدت فترة قليلة عن الأضواء، ثم عادت مرة أخرى من خلال قناة «صدى البلد»، لتقدم جلسات محاكمة مبارك، ثم تُقدم برنامجين هما «صباح البلد» و«استديو البلد»، لتتحول من مذيعة أخبار إلى مقدمة برامج «توك شو»، حتى تلك الواقعة الأخيرة.


إيقاف مؤقت

استشهد 3 من جنود الجيش وأصيب 30 آخرون جراء إطلاق المتظاهرين الأقباط المحتشدين أمام اتحاد الإذاعة والتليفزيون النار عليهم.. وأكد شهود عيان أن مئات المتظاهرين الأقباط الذين قطعوا طريق الكورنيش يقومون برشق جنود الجيش بالحجارة والزجاجات الحارقة.

يُتوقع أن تمر المسألة بهدوء وسلام بعد فترة توقف، لن تكون سوى «قرصة ودن»؛ بدافع أن الأحداث الجارية تستوجب منا الوقوف خلف القيادة وعدم إثارة الفتن، مما ينبغي معه إبعادها لفترة حتى تهدأ العاصفة.

وما يدعم هذا التوقع أن قناة صدى البلد لها تاريخ طويل في مثل هذه الأمور، ومواقف مشابهة لمثل هذه السقطات، فقد تم إيقاف المذيع الرئيسي بالقناة أحمد موسى عدة مرات، آخرها بعد التسجيل الصوتي الذي قيل إنه مفبرك لضباط ومجندين من مصابي «حادثة الواحات» الشهيرة، التي راح ضحيتها 16 ضابطًا ومجندًا، فقد تم وقتها الإعلان عن التحقيق معه وإيقافه، ثم عاد مرة أخرى للظهور.

أو كما حدث مع رشا مجدي نفسها في سقطاتها التي كانت مرضيًا عنها، ومرت دون حساب أو عقاب،حين تساءلت: «ما المشكلة إذا كان الجيش المصري يمتلك نصف الاقتصاد المصري، فهو جيش المصريين، وجزء لا يتجزأ من الشعب والوطن، وهو الحامي للمصريين، والمساند لهم في جميع محنهم سواء كانت اقتصادية أو غيرها».

وكذلك حين قالت: «أنا مبطبلشي، ولكن جاي لي توجه من الدولة علشان أحمي الأرض دي حتى ولو بكلمة ولو بسطر… إحنا بنعمل علشان تراب الأرض دي»، كما أعلنت على هامش تصريحها السابق أن دعوة الرئيس السيسي لتخصيص أسبوع لتحذير المواطنين، والتأكيد على فوبيا إسقاط الدولة المصرية، ستكون أجندة عمل للإعلاميين، وأن هذه الدعوة تعتبر توجيهًا مباشرًا من الرئيس لكل الإعلاميين بالمنهج الذي سيسيرون عليه.

يضاف إلى ذلك أن رشا مجدي من الوجوه الإعلامية النسائية المهمة التي تعتمد عليها قناة صدى البلد في تأييدها ودعمها للنظام، وهو ما يستوجب من إدارة القناة جمع مُقدمي البرامج كلهم، وعدم التنازل عن أي منهم؛ من أجل الاستعداد للدعاية الإعلامية المؤيدة للسيسي في الانتخابات المقبلة، إذ تعتبر القناة ورئيسها ومذيعوها في مقدمة الداعمين والمؤيدين لاستمرار السيسي على كرسي الحكم مدى الحياة، والوقت المتبقي حتى موعد الانتحابات لن يسمح للقناة باستقدام مذيعة جديدة ذات شهرة ونسبة مشاهدة، لاسيما وأن الدعاية الانتخابية بدأت منذ عدة شهور بالفعل.