لا صوتَ يعلو فوقَ صوت فيروس الكورونا الجديد Covid-19 الذي أربك كوكب الأرض بأسره، لاسيّما مع تناثر عدواه حول العالم خارج البؤرة الصينية. ورغم أن عدد الحالات حول العالم حتى لحظة كتابة هذه السطور لم يتجاوز ٩٠ ألفًا، وحصيلة الوفيات ثلاثة آلاف، معظمهم في الصين وإيران، ولاسيّما من كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، فإن حالة الهلع من الكورونا تجتاح العالم بأسرع وأفدح من انتشار المرض نفسه، مسببةً اضطراباتٍ كبيرة في قطاعات السفر والإنتاج والاقتصاد .. إلخ. 

لحظة كتابة تلك السطور، يتسابق آلاف البشر بشكلٍ محموم في كافة بلاد العالم، سواءً تلك التي أعلنت عن حالاتٍ مصابة، أو التي لم تُعلنْ بعد، لشراء وتخزين كمياتٍ من الأقنعة الطبية التي تغطي الوجه، باعتبارها في منظورهم درع الحماية الأبرز ضد هذا الفيروس، مما أدى إلى تناقص كبير في إمداداتها، وكذلك تضاعف أسعارها عدة مرات بضغط الطلب، وبطمع المُنتجين ومنتهزي الفرص لتحقيق أرباح استثنائية. فهل تستحق تلك الأقنعة كل تلك الأهمية؟

تبدو فكرة ارتداء قناع الوجه الطبي – الماسك وفق التعريب الحرفي الشائع- مغرية، وقد يظُنُّها البعضُ الحلَّ الكامل للوقاية من خطر الإصابة بالعدوى التنفسية. للأسف هذه الرؤية قاصرة بشكلٍ كبير.

الأقنعة الطبية ووهم الحماية وأولوياتها

في تقرير سابق (ماذا أفعل إن أصبحَ وباءٌ مُعدٍ على أعتاب منزلي؟!) ذكرنا العديد من التعليمات العامة والصحية الواجب على الجميع تبنّيها في حالة وجود خطر انتشار وباءٍ مُعدٍ وشيك في المجتمع. تلك التعليمات والخطوات اللازمة، يُكمل بعضُها بعضًا، لذا فالأخذ ببعض الكتاب وترك بعضه، يهدد جدوى عملية الوقاية برُمّتِها. إذن، فافتراض أن القناع الطبي وحَده كافٍ كحدٍ أدنى للوقاية من الكورونا وسواه، هو خطأ.

تقريبًا جميع سكان العالم الذين تجاوز عددهم ٧ مليارات ونصف، هم مصابون مُحتمَلون لوباء الكورونا، ولا شكّ أن جميعهم يستحقون فرصةً عادلة في الوقاية من هذا الخطر، مع الوضع في الاعتبار التفاوت الشديد في مدى خطورة الإصابة بينهم، فكبار السن، والمصابون بالأمراض المزمنة، وأصحاب المناعة الضعيفة بمختلف أسبابهِا، هم الأولوية القصوى. 

اقرأ: لهذه الأسباب عليكَ الحصول على لقاح الإنفلوانزا الموسمية.

شئنا أم أبيْنا، فإن شحّ الموارد -وسوء توزيعها- في مناطق عديدةٍ من العالم سيجعل من الضروري قبل تعميم وسيلة ما للوقاية، أن تكون الفائدة المرجوة منها، على قدر تكلفة تطبيقها على النطاق الواسع. وفق هذا المبدأ، تفشل أقنعة الوجه كثيرًا، لا سيّما وأن الفرد الواحد قد يحتاج لعدد منها يوميًا، ولو افترضنا جدلًا أن جهةً ما قادرة على توزيع تلك الأقنعة على جميع المُعرَّضين للإصابة، فإنها ستُنفق مليارات الدولارات يوميُا.

في المُقابل، فإن غسل اليدين -على سبيل المثال- جيدًا بالماء والصابون بشكل متكرر، مع تجنب لمس الوجه باليدين لغير حاجة، أكثر فائدة بمراحل في الوقاية من الكورونا وأمثاله، وأرخص ثمنًا بمراحل، وأكثر وفرة. وكذلك فإن الحفاظ على مسافة آمنة، حوالي متر واحد، بعيدًا عن أنفاس وسعال وعطس الآخرين، يحقق نتائج جيدة في تجنب العدوى.

مقطع قصير من إنتاج منظمة الصحة العالمية يظهر أبسط التعليمات الحيوية لتجنب الإصابة بالكورونا أو نشرها

من إذن يجب أن يرتدي القناع الطبي؟

الفئة الأكثر استفادة من الأقنعة الطبية هم الكوادر الصحية، والعاملون بالمطارات، ومن على شاكلتهم، وذلك لاحتكاكهم بعشرات أو مئات المرضى والحالات المشتبه بها.

وكذلك كبار السن في حالة الخروج والتواجد في الأماكن المزدحمة، وبالأخص المصابون بأمراضٍ مزمنة في الصدر أو القلب، أو حالات مرضية تضعف المناعة مثل السكر والإيدز، والسرطانات الخبيثة، ومن يُعالَجون بأدوية من آثارها الجانبية إضعاف المناعة، مثل الكورتيزون، لا سيّما بجرعات كبيرة، وأدوية تثبيط المناعة التي تستخدم للسيطرة على أمراض المناعة الذاتية .. إلخ.

أما الأصحاء، غير المُعرّضين لخطر العدوى، فلا حاجة لهم مطلقًا لتبديد أموالهم في شراء تلك الأقنعة، والمساهمة بشكلٍ غير مباشر في حرمان الأكثر حاجة من خلال زيادة العجز، ومفاقمة الطلب الذي يؤجج أسعارَها.

لكن يُستثنى من هؤلاء الأصحاء من يخالطون مريضًا شُخّصَ بالمرض، وكذلك من ظهرت عليهم أعراض تنفسية لا سيّما السعال والعطس، لحين تأكيد أو نفي التشخيص.

لكي لا يصبح القناع مصدرًا للعدوى

مقطع مبسط من منظمة الصحة العالمية لكيفية ارتداء وخلع القناع الطبي

ما قد لا يعرفُه الكثيرون، أن استخدام القناع الطبي بطريقة غير سليمة قد يسبب مشكلاتٍ حقيقة للشخص وللمخالِطين له، أقلها عدم فعاليته في تقليل فرص الإصابة بالعدوى، وأخطرها مساهمة القناع الطبي في إصابة حامله بالعدوى.

لكي يكون القناع فعّالًا في الوقاية من العدوى، لابد من ارتدائه بإحكام بحيث يغطي الوجه والفم والفك السفلي، دون وجود فراغٍ بين الأنف والقناع.

 يجب أولًا غسل اليديْن جيدًا بالماء والصابون أو على الأقل تغقيمَهُما بالكحول قبل الشروع في ارتداء القناع. ابحث عن الشريحة المعدنية في القناع، لتعرف منها اتجاه الأعلى، وضعها على الجزء العظمى من أرنبة الأنف، بحيث يكون تجويفَها للداخل، ثم اربط القناع بإحكام خلف الرأس، أو خلف الأذن (وفق نوع القناع).

بمجرد ارتداء القناع، يُحظر تمامًا لمس الجزء الخارجي منه باليد، لأنه المتعرض لتراكم الرذاذ المُحتمَل وجودُ العدوى فيه. وفي حالة لمسه بشكلٍ غير مقصود، يجب غسل اليدين بشكلٍ جيد. وفي حالة وضع القناع لفترة، وزيادة رطوبته، أو حدث أيُّ تشققٍ فيه، يجب استبدالُه فورًا بآخر جديد.

وطريقة خلع القناع لا تقل أهمية عن كيفية للارتداء. يجب خلعه بحذر من خلف الرأس/الأذن، مع الحرص التام على عدم ملامسةِ الجزء الخارجي، ثم التخلص منه بأمان في سلة مهملات مغلقة غير مُعرَّضةٍ للهواء الجوي.

في حالة عدم الالتزام جيدًا بالتعليمات السابقة، فإن القناع لن يمنعَ العدوى فحسب، بل قد يكون هو مصدرها، لاسيّما عند التهاون في لمس سطحه الخارجي، ثم وضع اليد على الوجه. سيكون القناع هنا قد تحول من وسيلةٍ لحجب العدوى إلى جمعها. 

الخلاصة 

  • المطلوب هو الحذر وليس الهلع، فالأخير أضراره غالبًا ما تفوق الكارثة الحاصلة نفسها، وقد يسبب خسائر صحية واقتصادية ونفسية يصعب تعويضها.
  • ممارسات صحية بسيطة، كغسلِ اليديْن جيدًا، وعدم لمس العين والأنف والفم دون داعٍ، وتجنب الأماكن المزدحمة دون ضرورة، كفيلة بحمايتك والمحيطين بك من عدوى الكورونا وأشباهها.
  • في حالة الإصابة بالكورونا الجديد أو أشباهه، دون أعراضٍ خطيرة تتطلب الحجز بالمشفى مثل ضيق التنفس .. إلخ، فالراحة المنزلية، والطعام الصحي المرتكز على الخضروات والفواكه مع شرب السوائل بوفرة، وتجنب الاختلاط باالأهل والناس أو النزول، كفيلة بشفاء معظم الحالات، وألا يتحول كلٌّ منا إلى منصةٍ لنشر العدوى.
  • القناع الطبي مفيد جدًا بالتكامل مع ما سبق، ولكن عند من يحتاجونه فعلا كما أوضحْنا، بشرط استخدامه بالطريقة المُثلى ارتداءً وخلعًا، وكذلك حسن التخلص منه بعيدًا عن الهواء الجوي.