حضرتك عندك سكر أو ضغط أو مشاكل مزمنة في الكلى أو الكبد؟ مش فاكر يا بني والله، أنا كنت بعمل عملية في الغضروف من كام سنة، وكنت عامل تحاليل كتير ساعتها بس ضاعت. طب إيه اللي تاعب حضرتك دلوقت؟ مش انت الدكتور! … المفروض انت اللي تقول. أنا قصدي انت بتشتكي من إيه بالضبط، إوصفلي. وجع كده في صدري وحرقان.
طب انت اشتكيت من القلب قبل كده، أو عملت رسم قلب زمان ؟ -مش فاكر يا دكتور، بس زمان رحت لدكتور عملي رسم قلب، وأشعة إيكو على القلب، بس ضاعت الحاجات ديه.

يتكرر مثل هذا الحوار السابق كثيرًا، في أقسام استقبال الطوارئ، وفي العيادات …. إلخ. وقلما تجد طبيبًا من كافة التخصصات لا يشكو من صعوبة التفاهم مع المرضى، وعدم وعيهم بأهمية التاريخ المرضي وتوثيقه، خاصة في بلادنا التي ما تزال نسب الأمية فيها مرتفعة، ويندر وجود وعيٍ طبيٍّ فعال.

يعتقد الكثيرون أن أهم جانب في الرعاية الصحية أن يحسنوا اختيار طبيب ماهر، ومشفىً جيد النظافة والنظام، وشراء أغلى الأدوية .. إلخ. ما سبق لا شك هام للغاية، لكن – وهذا لا يدركه الكثيرون – فنصف المهمة أو يزيد مرهون بتقديم التاريخ المرضي جيدًا للطبيب، فهذا ما يضعه على أول الطريق المختصر المفيد لعلاج الحالة.

وتزداد أهمية هذا الأمر مع غياب قاعدة بيانات صحية مركزية موحدة، تحتوي على أهم التفاصيل الطبية لكل مريض، لكي يمكن للطبيب من خلالها التعرف على أهم الأحداث الطبية السابقة لمريضه، وكذلك أهم التحاليل والأشعات التي سبق له إجراؤها.


شكواك هي الأساس

قولٌ مأثور لأغلب المرضى في أقسام استقبال الطوارئ.

العمود الفقري للتاريخ المرضي، ولعلاج المريض بشكل سليم، هو أن يعرض المريض شكواه على الطبيب جيدًا. ومن أهم صفات الطبيب الحاذق كذلك، أن يجيد إدارة الحوار مع مريضه، بحيث يساعده على عرض تفاصيل شكواه جيدًا، بدون أن يوجهه، وبدون أن تسقط معلومة جوهرية قد تغير مسار الأمور. مثال مهم ..آلام الصدر.

لآلام الصدر أسباب عديدة، قد يكون مصدرها أي جزء بالصدر، من الجلد والعضلات الخارجية، حتى القلب والرئتيْن، وأغشيتهما. تتدرج هذه الأسباب في خطورتها من التوهم، أو إجهاد العضلات، حتى حالات شديدة الخطورة قد تسبب الوفاة في أية لحظة،كجلطات شرايين القلب التاجية، أو جلطات الشريان الرئوي، أو شرخ جدار الشريان الأورطي، أو الانحصار القلبي نتيجة تجمع دموي أو مائي حاد حول القلب … إلخ.

لا يمكن عقلًا ولا وقتًا أن تقوم بكل الإجراءات التشخيصية لجميع تلك الاحتمالات لكل مريض يشكو من ألم بالصدر، إنما تنحصر دائرة الشك في عدد أقل من الاحتمالات من وصف ألم الصدر (مكانه في الصدر – انعكاساته على أماكن أخرى كالكتف أو الظهر .. إلخ – شدته – نوعه هل هو حرقان أم ثِقَل أم شكة .. إلخ – هل له علاقة بالشهيق والزفير – متى بدأ – متى كانت أشد لحظات الألم – هل له علاقة بالحركة والراحة – هل حدث مثله سابقًا، وهل هو مشابه لنوبة قديمة ، وماذا كان التشخيص آنذاك …. ).

استيفاء معظم المعلومات السابقة لا يؤثر جوهريًا على التشخيص فحسب، إنما على حسن إدارة الحالة كذلك. وأحيانًا ما يكون مسألة حياة أو موت دون مبالغة. ولذا فاصبر على طبيبك عندما يكثر في سؤالك، فهذا ليس إضاعة لوقته ووقتك الثمينيْن، إنما هو عين رعايتك.

وعمومًا، نحن نشغل تركيزنا بتفاصيل كثيرة قليلة الأهمية. فإن كان هناك ما يستحق الأولوية في حشد طاقة التركيز، فهو الشكوى الطبية التي قد تمس كنزنا الأعظم في الصميم؛ صحتنا.


كيف أوثق تاريخي المرَضي؟

بخطواتٍ بسيطة للغاية، سيكون معك أرشيف متنقل، يحتوي كل ما يريده الطبيب من تاريخك المرضي ليتعامل مع حالتك بالشكل الأمثل.

لا تعتمد على ذاكرتك وحدها لحفظ تاريخك المرضي، خاصة إذا لم تكن طبيبًا، فقد تختلط المصطلحات الطبية والأوصاف، وكذلك قد تصبح مضللة، إذ قد يريد طبيبك تبسيط الأوصاف لك عن حالة مرضية سابقة، عندما تنقل كلامه لطبيب لاحق، قد لا يستوعب ما تعني، أو قد يفهم حالتك على وجه خاطئ.

وبالطبع لا تعتمد على ذاكرة طبيبك، حتى إن كنت تتابع معه لسنوات، فهو يشاهد مئات الحالات المتشابهة شهريًا، ومن الطبيعي ألا تتمكن ذاكرته من استيعاب تفاصيل كل حالة. أما إذ كان بعيادته سجل ورقي أو إلكتروني بمتابعاتك معه، فاحرص على أن تحصل منه على آخر تحديث لحالتك مكتوبًا، بحيث إذا قرأه غيره، فهم الأبعاد الرئيسة لوضعك الصحي.

وكذلك لا تعتمد على أن زوجتك أو أختك أو ابنك .. إلخ يعرف كل شيء عن حالتك، فقد لا يسمح ظروف هذا العارف بالتواجد معك دائمًا لشرح حالتك لمن يحتاج ذلك من الأطباء، وكذلك قد لا تسعفه الذاكرة للاحتفاظ بكافة التفاصيل الهامة.

قم بشراء حافظة بلاستيكية بسيطة، بحيث يسهل حملها في كل مكان. احتفظ بداخلها بالآتي:

1. كل تحليل طبي قمت به، حتى إن كنت ستقوم بعمل نفس التحاليل دوريًا، فمقارنة الأرقام ببعضها يفيد أطباءك كثيرًا، لمتابعة مدى تطور حالتك، والتغيرات الطفيفة في وضعك الصحي. وحبذا إن قمت بترتيبها بشكل منسق من الأقدم إلى الأحدث.

2. كل تقارير الأشعات التي قمت بها، وأفلامها إن أمكن.

3. أشرطة رسم القلب، حتى لو مضى عليها سنوات، فأهميتها لطبيب القلب محورية. وأيضًا من الجميل جدًا لو رتبت زمنيًا من الأقدم للأحدث.

4. تقارير العمليات الجراحية التي سبق إجراؤها. فإن لم تتوافر، فسجل في ورقة اسمها، ووقت إجرائها.

5. تقارير متعلقة بتفاصيل الدخول والخروج في حالة وجود سابقة دخول المستشفى حتى لو كان هذا منذ سنوات طويلة.

6. تقرير محدّث أولًا بأول من أكثر الأطباء معرفة بحالتك الصحية، عن أهم المستجدات بها.

7. آخر روشتة دوائية تتناولها، وحبذا إن احتفظت بالقديم، بدلًا من إرهاق طبيبك ونفسك بتذكر اسم القرص الوردي بيضاوي الشكل الذي تتناوله صباحًا، أو الكابسول الأبيض الذي تتناوله بعد العشاء منذ خمس سنوات .. إلخ.

احتفظ بنسخة احتياطية من حافظتك الطبية، بحيث إن فُقِدت، لا يضيع معها هذا الكنز الإستراتيجي الطبي الهام. فإذا احتجت إلى طلب أية خدمة طبية في عيادة طبية، أو مشفىً، سواءً كان لكشف عادي، أو لشكوى طارئة، اصطحب معك حافظتك الطبية.

كثيرًا ما نُفاجأ في أقسام الطوارئ بعدم وجود أي من البيانات السابقة الهامة مع المريض، وعند سؤال المريض أو مرافقيه، يردون والاستنكار في عيونهم وألسنتهم (كنا شديدي العجلة للاطمئنان على المريض، وخفنا من إضاعة وقت ثمين في البحث عن أوراقه القديمة).

ما قد لا يعرفونه، أن الدقيقة التي كانوا سينفقونها في جلب الأوراق القديمة للمريض، ستساعد طبيب الطوارئ على فهم الحالة جيدًا، بسرعة أكبر، وبالتالي توفر للمريض، ولأمثاله، أوقاتًا ثمينة في أقسام الطوارئ المزدحمة دائمًا، والتي تديرها أطقم طبية مرهَقة دائمًا.


ما أهمية كل هذا؟

هو انت هتفضل تسألني كتير يا دكتور، بدل ما تديني مسكن يريحني؟

سنضرب هنا بعض الأمثلة على خطورة هذا الأمر للتأكيد على مدى أهميته.

فمثلًا من رسم القلب الكهربي، هذا الشريط الرفيع الذي تشخص الأبصار إليه، وترتجف القلوب، بينما الطبيب ينظر لكل بقعة فيه باهتمام وحرص شديديْن. هناك تغييرات شديدة الخطورة في رسم القلب قد تعني أن المريض مصاب بذبحة صدرية غير مستقرة، أو احتشاء في عضلة القلب، وأنه قد يكون بحاجة لإجراء قسطرة قلبية عاجلة.

لكن في وجود رسم قلب قديم للمريض، تكون الصورة أكثر وضوحًا، والقرار الطبي أكثر رسوخًا. فبوجود هذه التغييرات في رسم القلب القديم، سيعني هذا أن المشكلة غالبًا قديمة وليست طارئة. أما إذا لم تكن المشكلة موجودة في رسم القلب القديم، فهذا يرفع من درجة خطورة الحالة، ويؤكد أنها حالة عاجلة بالفعل. لأهمية مثل هذا الأمر، أحيانًا ما يتم إعطاء الحالة علاجًا أوليًا، ويُطلب من أهلها إحضار رسومات القلب القديمة إن وُجدَت، ويتم التريث في قرار التدخل لحين الاطلاع عليها.

مثال آخر من طب الكلى، عند وجود ارتفاع في تركيز الكرياتينين بالدم، وهو من أهم التحاليل المعبرة عن وظيفة الكلى، يكون من المهم جدًا مقارنة النتيجة الحالية بأي نتائج سابقة، فعلى أساس هذا سنعرف إذا كانت الحالة حادة، أو هناك مشكلة مزمنة تتفاقم، أو أن المشكلة المزمنة على حالها، أو أنها تتقدم تدريجيًا ببطء كما هو متوقع، أو أنها تتقدم بشكل متسارع، أو أنها تتحسن …. إلخ، وكل من هذه السيناريوهات له تعامل خاص.

كذلك التاريخ المرضي المفصل للعمليات الجراحية السابقة، مفيد جدًا للجراحين في حالة الحاجة إلى جراحات لاحقة. وعند متابعة تطور ورم سرطاني بالأشعة، لابد من مقارنة الأفلام والتقارير اللاحقة بالسابقة .. إلخ، والأمثلة من كافة التخصصات عصيَّةٌ على الحصر.