بدأ عام 2016 في حزم أمتعته استعدادًا لتسليم الراية إلى خلَفه 2017. وككل عام يمضي بأحداثه خيرِها وشرها، يبقى لنا الأثر والعِبر. ومن هنا كانت أهمية حصاد العام في آخر أيامه، لنعرف كيف كُنا، وأين أصبحنا.

ورغم الإحباطات الكثيرة التي أذاقها عام 2016 للبشرية في مجالاتٍ عِدَّة، فإن مجاليْ الطب والتقنية ظلَّا على عهدنا بهما في صعود المنحنى، وفي محاولة إضفاء البهجة وإحداث الفارق في حياة الإنسان.

ولذا، فإليكم جولة سريعة تشمل ثمانية من ابتكارات التقنية الطبية والتي أهداها إلينا العام 2016، وبالتأكيد هناك الكثير من الابتكارات الرائعة خارج هذه الاختيارات.


3-1. عامٌ جيد لطب الأوعية الدموية

هل نقول وداعًا للنزيف المميت؟!

ثلاثة ابتكارات مميزة انضمت في عام 2016 إلى ترسانة طب الأوعية الدموية، خاصة ما يتعلق بالطوارئ الطبية، وأجزم أنها أنقذت وستنقذ الآلاف من الأرواح، وستخفف آلام الملايين، وتوفر للطاقم الطبي الكثير من الوقت والجهد.

اثنان منها في مجال الإيقاف السريع للنزيف لمنح المريض وقتًا ريثما يتم نقله إلى المشفى حيث تجرى الجراحة العاجلة. فالكثير من الحوادث والإصابات يتضرر فيها بعض الأوعية الدموية الهامة. وبعض هذه الإصابات ينتج عنها نزيف دموي شديد قد يقتل المصاب في بضع دقائق. ولا بد من إيقاف النزيف بأي شكل ريثما يتم نقل المريض وتجهيزه لدخول العمليات. ويجد المسعفون صعوبة شديدة في التعامل مع النزيف الحاد خاصة لو كان الجزء المتضرر كبيرًا ومهترئا Lacerated wounds.

الابتكار الأول هو إكسستات X-stat ، والذي كانت بداية الحديث عنه في ٢٠١٤، وهو عبارة عن محقن يشبه المسدس، يحتوي على أكثر من مائتي كرة صغيرة من مادة اسنفجية قابلة للانتفاش عندما تتعرض للرطوبة. وبالتالي عند إطلاق الكرات داخل الجرح المفتوح، فإنها تنتفش بمجرد ملامستها للدم، وبالتالي فإنها خلال 20 ثانية على الأكثر تملأ كل الفراغات التي ينبجس منها النزيف ولو كانت ألف عين! فتمنح دقائق ثمينة للمسعفين للحفاظ على حياة المصاب.

وقد ذكرت الديلي ميل البريطانية أن شهر مارس 2016 شهد على أرض الواقع أول حالة ينقذ فيها الإكس ستات حياة أحد الجنود المصابين بجرح بليغ أدى إلى تضرر الشريان الفخذي (ثاني أكبر شرايين الجسم). لكن لم تذكر الجريدة مكان وقوع الحادثة.

أما الابتكار الثاني فهو يشبه سابقه، ويسمى فيتيجيل Vetigel، وهو عبارة عن معجون مقاوم للنزيف، مستخلص من بعض أنواع الطحالب. وبمجرد حقنه في الجرح النازف، فإن مادته تُكوِّن تشابكات ميكروسكوبية تثبت المعجون وتحوله إلى حاجز حقيقي يوقف النزيف.

وقد بدأ الحديث عنه في 2013، وبدأت النماذج الأولى في الظهور في 2015، أما منتجه النهائي فقد أصبح متاحا هذا العام للاستخدام على نطاقٍ أوسع لكن للأسف للحيوانات. لكن العمل يجري على قدم وساق لتطبيق هذه التقنية على الإنسان. وكانت الشركة تطمح لإتمام هذا في 2016، لكن لم يكلَّل جهدها بالنجاح في هذا الشأن.

أما الثالث فهو فينفيورفلكس Vein Viewer Flex. وهو مُظهر للأوردة باستخدام نوعٌ من الأشعة تحت الحمراء. والفكرة ليست جديدة، لكن الجديد هو كون الجهاز محمولا باليد مما يسهل كثيرًا من استخدامه ويقلل كلفته، ويزيد فرص انتشاره.

الاستخدام يسير، فقط سلِّط الأشعة على ذراع المريض مثلا، ستعكس الأنسجة المحيطة بالأوردة الإشعاع، في حين تمتصه بروتينات الدم داخل الأوردة. يقوم الجهاز بتحليل ما حدث، ويعكس صورة واضحة للوريد مرسوما على الذراع. وبالتالي يمكن بسهولة سحب العينات الوريدية، أو تركيب الكانيولات لإعطاء الأدوية والمحاليل الوريدية الهامة… إلخ.

ولاشك أن انتشار هذا الابتكار سيسهل كثيرا من عمل أطباء وتمريض الطوارئ، والذين يفقدون أحيانا بعض المرضى المصابين بهبوط الدورة الدموية أو توقف عضلة القلب… إلخ نتيجة صعوبة الوصول إلى الأوردة التي تكون منكمشة للغاية، وبالتالي تضيع فرصة إعطائهم الأدوية القادرة على إنقاذ حياتهم. وأيضا سيوفر على ملايين المرضى حول العالم تجربة تكرر المحاولات الفاشلة المؤلمة للوصول إلى الأوردة باستخدام الإبر والكانيولات.


4. إعادة إنتاج كل أعضاء الجسم ممكنة

الخلايا الجذعية stem cells هي أم الخلايا التي تنقسم لتعطي مختلف أنواع الخلايا والأنسجة. وهي توجد طبيعيا في الأجنة المبكرة وفي نخاع العظام النشط لإنتاج خلايا الدم.

وقد أعلن في مارس 2016 عن تمكُّن باحثين من معهد الخلايا الجذعية التابع ل جامعة كامبردج البريطانية من التوصل إلى إنتاج واستخلاص خلايا جذعية بشرية مبكرة للغاية very early naive human pluripotent stem cells. وقد قاموا باستخلاصها من نطفة بشرية توقفت عند مرحلة البلاستولة Blastocyst في اليوم السادس من عملية تلقيح صناعي.

ورغم أن أبحاث الخلايا الجذعية المبكرة تطورت في السنوات الأخيرة خاصة في التجارب على الفئران والحيوانات، إلا أن هذه المرة الأولى التي ينجح فيها الأمر في خلايا بشرية.

الخلايا الجديدة، تمتاز بأنها بِكر naive لم تكتسب أكوادا لتوجيه النمو تحصرها في اتجاه معين، لكونها مبكرة للغاية، وتم فصلها عن بعضها في مرحلة جنينية أولية. كما أنها متعددة قدرات النمو pluripotent، وبالتالي فهي مرنة للغاية ويمكن توجيهها معمليا لإنتاج أي نسيج بشري نريد سوى مشيمة الرحم. وحتى أنسجة المخ والقلب والتي لا تجدد نفسها عندما تصاب في الإنسان بعد نموه، يمكن – نظريا على الأقل حتى الآن – إنتاجها من الخلايا الجذعية الجديدة.

ولا شك أن هذه التقنية عند تطبيقها على نطاق واسع ستقلب الموازين في الطب تمامًا، خاصة طب الإصابات، والفشل المزمن أو الحاد للأعضاء البشرية الحيوية… إلخ. إذ سيصبح من السهل إنتاج أعضاء جديدة مطابقة للتي تلفت، ويكون من اليسير زرعها دون مضاعفات، لتقوم بنفس الوظائف على أكمل وجه.


5. مصابٌ بالشلل الرباعي يتمكن من القيام بوظائف حركية معقدة

واجه إيان بوكارت ذو الأربعة وعشرين ربيعاً حادثا مأساويا أدى إلى إصابة جسيمة بالعمود الفقري العنقي أتلفت النخاع الشوكي، مما أدى إلى أصابته بالشلل الرباعي Quadriplegia. وهكذا حكم عليه بالعجز عن تحريك أطرافه (سوى حركات بسيطة للكتف والكوع) مدى الحياة، أو كاد يحدث هذا.

إذ أعلن باحثون من جامعة أوهايو في أبريل ٢٠١٦ نجاحهم في منح إيان الفرصة لتحريك أصابعه مرة أخرى. حيث قاموا بزرع شريحة إلكترونية في مخه، تقوم باستقبال الإشارات العصبية التي تنتج داخل عقله عندما يفكر في تحريك أصابعه، وترسلها إلى جهاز لتحليل البيانات، وتحويلها إلى صيغة يمكن إرسالها إلى مستقبل إلكتروني حول ذراعه، وبالفعل عادت أصابعه إلى العمل مجددًا.

وتسمى هذه الشريحة العبقرية نيورولايف، وهي تعتمد على تقنية تسمى “التخطي العصبي” Neural bypass technology، حيث تساهم في نقل إشارة المخ مباشرة إلى العضلات متجاوزة المنطقة المتضررة في النخاع الشوكي والتي تقطع مسار النقل العصبي الطبيعي.


6. جسم مضاد يحمل أملا جديدا لمرضى الألزهايمر

يعاني الملايين من المرضى حول العالم من داء الألزهايمر، والذي زادت معدلاته جداً مع زيادة متوسط الأعمار نتيجة تحسن الرعاية الصحية.

ونظراً لتأثيره العميق على قدرات المرضى العقلية، وشخصياتهم، وحياتهم اليومية والأسرية، فقد حظي بجانب وافر من البحث الطبي.

وقد أُعلن في أغسطس ٢٠١٦ عن نتائج أولية مبشرة لعقار جديد هو الأدوناسوماب adunacumab وهو عبارة عن نوع من الأجسام المضادة أحادية النسيلة Monoclonal antibodies. وتقنية إنتاج هذه الأجسام المضادة ظهرت منذ سنوات، وهي مساحة خصبة للأبحاث الطبية خاصة في مجال أمراض المناعة والأمراض المزمنة والسرطان… إلخ. وتمتاز هذه الأجسام بدقة أهدافها (نوع معين من الخلايا – نوع معين من الأنزيمات – جزء معين في الخلية… إلخ).

والأدوناسوماب يستهدف خصيصا البروتين المسمى بالبيتا أميلويد B amyloid والذي يتراكم في مخ مرضى الألزهايمر، ويؤدي إلى الضمور التدريجي لخلايا المخ ووظائفه. وقد أدى استخدام هذا العقار الجديد في التجارب الأولية إلى تناقص شديد في كمية هذا البروتين الضار. والآمال معقودة على استمرار النتائج الجيدة في التجارب النهائية لكي يمكن تطبيق هذه التقنية على نطاق واسع لعلاج الملايين من هذا الداء العُضال، أو أضعف الإيمان إيقاف زحفه.


٧. باستخدام كريسبر: باحثون صينيون ينقلون البشر إلى عصر التعديل الجيني

كانت تقنية كرسبر CRISPR-Cas 9 للتعديل الجيني نقلة حقيقية في هذا المجال منذ إبداعها. وسبق أن ناقشها بالتفصيل في التقرير «كريسبر .. آفاق جديدة لتقنيات التعديل الجيني». تمتاز تقنية كريسبر لتحرير وتعديل الجينات، بالبساطة، والتكلفة المنخفضة والفعالية في آن. لكن حتى الشهر الماضي لم يتم استخدام أي من منتجاتها على البشر.

أعلن في نوفمبر ٢٠١٦ عن قيام فريق من أطباء الأورام الصينيين بحقن أحد مرضى سرطان الرئة المتقدم بخلايا مناعية معدلة جينياً بهذه التقنية لتكون أكثر كفاءة على قهر الخلايا السرطانية. ورغم أن التفاصيل الكاملة للتجربة ما تزال طي الكتمان للحفاظ على خصوصية المريضة والتجربة، إلا أن رئيس فريق الباحثين طبيب الأورام الصيني لو يو يؤكد أن النتائج الأولية واعدة للغاية.

والشيء بالشيء يُذكَر، فقد أعلن باحثون أمريكيون في يونيو 2016 عن تجربة مشابهة بتمويل يبلغ 250 مليون دولار، يموِّلها معهد سين باركر لبحوث السرطان. ومن المتوقع إجراؤها في جامعة بنسيلفانيا لكن بعد الحصول على الموافقات اللازمة من هيئة الغذاء والدواء الأمريكية.

وعموماً، فإن العلاج المناعي للسرطان سواءً باستنفار مناعة الجسم الداخلية، أو إمداد الجسم بمنتجات مناعية خارجية، من المجالات الواعدة للغاية والتي يُعوًّل عليها في إحداث نقلة في مجال علاج السرطان ككفاءة، وكتجنب لمخاطر العلاجات التقليدية.


٨. هندسة الجينات على مرمى حجر من إحداث الفارق في مجال المضادات الحيوية

لا شك أن البشرية تحبس أنفاسها مع كل خبر جديد عن ظهور أنواع من البكتيريا الشرسة super-bugs المقاومة للمضادات الحيوية المعروفة. ف سوء استخدام المضادات الحيوية أدى إلى جعل قضية مقاومة المضادات الحيوية مسألة أمن وجودي للبشرية كلها.

ولذا كان خبرا سارا ما أعلن منذ ٣ أسابيع في نوفمبر ٢٠١٦ عن توصل باحثون من جامعة روكفلر إلى التعرف على واستخلاص الجينات المسئولة عن إنتاج بعض سلالات البكتيريا للمضادات الحيوية. وستمكن هذه التقنية من إنتاج كميات كبيرة من المضادات الحيوية مباشرة من هذه الجينات دون الحاجة إلى مزارع البكتيريا وتكلفتها المادية والزمنية. كما ستفتح المجال أمام الهندسة الجينية لتعديل هذه الجينات وإنتاج أجيال أقوى من المضادات الحيوية.

وقد أظهر اثنان من المضادات الحيوية المستحدثة بهذه التقنية نتائج أولية جيدة في مجابهة سيئة الذكر البكتيريا العنقودية المقاومة للميثيسيللين MRSA. وقد أطلق الباحثون عليهما اسما أوليا هو هومومايسين أ و ب Homomycin A and B.

المراجع