ما آخر شيء تتوقع أن تراه في حاوية قمامة في مكانٍ عام؟

حسنًا، تحوي حاويات القمامة في الأماكن العامة كافة النفايات التي تنتج عن دورة يوم في حياة أحدهم. لذا فالأمر حتى الآن طبيعي، يمكنك تخمين ما تحويه الحاوية من نفايات بلاستيكية وورقية، مخلفات أطعمة، مواد عضوية من المطبخ.

لكن الأمر غير الطبيعي هو أن تجد نفايات المستشفيات من إبر وأكياس ملوثة بالدماء والقيء ملقاة في إحدى حاويات القمامة العامة في الشوارع، أو تجد تلك النفايات في التّرع المائية، وغيرها من الأماكن العامة التي يغدو عليها البشر ويروحون.

ومع ذلك؛ تمتلئ الصحف بأخبار المعامل الطبية والمستشفيات والمراكز الصحية التي تلقي بمخلفاتها الطبية في حاويات القمامة في الشارع، وفي بعض الأحيان تلقي بأكياسها الحمراء تلك بجوار الحاويات إذا كانت ممتلئة غير آبهة بما سيحدث للناس -رغم معرفتها بمدى خطورتها- حال تعرضهم لتلك المواد. اليوم نعطيك جرعة معلوماتية عن النفايات الطبية، وما مدى خطورتها حال وجودها في الأماكن العامة.


بداية تاريخية

بدأ القلق يتزايد بشأن المخاطر الصحية المحتملة للنفايات الطبية في الثمانينات حين كانت النفايات الطبية تغسل أو تلقى على العديد من شواطئ الساحل الشرقي في الولايات المتحدة. دفع هذا الكونجرس إلى سن برنامج أو «قانون تتبع النفايات الطبية – Medical Waste Tracking Act» أو اختصارًا «MWTA» في العام 1988.

هذا البرنامج هو برنامج اتحادي طالب «وكالة حماية البيئة – EPA» بإصدار لوائح بشأن إدارة النفايات الطبية. كانت الوكالة قد فعلت ذلك في الـ24 من مارس/ أذار عام 1989، وبدأ تطبيق لوائح هذا البرنامج لمدة عامين في الـ24 من يونيو/ حزيران عام 1989 في خمس ولايات أمريكية (نيويورك، نيوجيرسي، كونيتيكت، رود آيلاند، بورتوريكو)، وانتهى تطبيقها في الـ21 من يونيو/ حزيران عام 1991.

خلال هذا الوقت، جمعت وكالة حماية البيئة المعلومات، وأجرت العديد من الدراسات المتعلقة بإدارة النفايات الطبية. خلُصت الوكالة من المعلومات التي تم جمعها خلال هذه الفترة؛ إلى أن الإمكانات المسببة للأمراض من النفايات الطبية هي الأكبر في مرحلة توليدها (إنتاجها)، وتتراجع مخاطرها بشكلٍ طبيعي بعد مرحلة الإنتاج.

وبالتالي، من المرجح أن تكون المخاطر التي يتعرض لها عامة الناس من الأمراض نتيجة وجود النفايات الطبية في أماكنهم العامة أقل بكثير من المخاطر التي يتعرض لها العاملون في مجال الرعاية الصحية أنفسهم!


عن النفايات الطبية

عينة من النفايات الطبية الناتجة عن إجراء إحدى العمليات الجراحية.

تعرف «النفايات الطبية – medical waste» بأنها النفايات الناتجة عن مرافق الرعاية الصحية؛ مثل المستشفيات والعيادات الطبية المختلفة، وبنوك الدم، والمستشفيات أو العيادات البيطرية، فضلًا عن مرافق مختبرات البحوث الطبية.

النفايات الطبية لها شأن خاص، فهي تنتج بشكلٍ يومي أو كل ساعة تقريبًا، وعادةً ما تكون ملوثة بالدم، أو سوائل الجسم، أو غيرها من المواد التي تتضمن عدوى محتملة. ولحسم أنواعها بشكلٍ نهائي، تنظم الدول النفايات الطبية إلى 6 أنواع رئيسية كالآتي:-

1. نفايات الأنسجة، والأعضاء وأجزاء الجسم، والسوائل الجسدية التي يتم إزالتها أثناء الجراحة، أو التشريح.

2. الدم البشري، والأمصال، والبلازما، ومنتجات الدم.

3. النفايات الميكروبيولوجية وتشمل العينات من المختبرات الطبية، و«أطباق بتري – petri dish»، الأجهزة الطبية المستخدمة في نقل الدم أو التطعيم. كما تشمل أيضًا اللقاحات الحية، والمخففة.

4. الأدوات الحادة الملوثة، والسرنجات (الإبر) الطبية الملوثة، المحاقن، شفرات المشارط، «ماصات النقل (بسترة) – Pasteur pipettes»، والزجاج المكسور.

5. النفايات التي تنتج من قِبل المرضى المعزولين في المستشفيات، حيث يجب أن تبقى هذه النفايات معزولة عن الآخرين كونها ناتجة من مرضى مصابين بأمراض خطرة ومعدية، بالتالي فهي نفايات معبأة بالأمراض المعدية الخطرة.

6. مخلفات الفراش، أجزاء وجثث الحيوانات الملوثة، وهي الحيوانات التي تتعرض عمدًا لمسببات الأمراض في مجالات الأبحاث الطبية والإنتاج البيولوجي، أو أجزاء الجسم من الحيوان الحي التي تعمل كحقل اختبار للأدوية.

من يتعرض للنفايات الطبية؟

حسنًا، هناك مجموعتان من الأشخاص الذين يتعرضون للنفايات الطبية[1].

المجموعة الأولى، في المقام الأول داخل مراكز ومرافق ومؤسسات الرعاية الصحية التي تُنتج هذه النفايات؛ وهم (موظفو الرعاية) مثل الأطباء، وموظفو التمريض، والمساعدون. ثم العاملون اللوجستيون داخل المراكز نفسها، مثل موظفي الصيانة، والصيادلة، والفنيين في المختبرات، والمرضى، والزوار. بالإضافة إلى الذين يتعاملون مع النفايات مثل؛ عمال النظافة، وموظفي الغسيل، ومديري التخلص من النفايات ونقلها للخارج.

المجموعة الثانية؛ الأشخاص خارج المراكز والمرافق الصحية والمستشفيات، وهم (موظفو وعمال) نقل النفايات في الخارج، والعاملون في أماكن بالقرب من المراكز الصحية، وعموم السكان بما في ذلك البالغين أو الأطفال في الأماكن العامة الذين قد يكونون على اتصال مع النفايات الطبية الخطرة إذا لم تكن هناك إدارة نفايات طبية جيدة، أو كانت عملية الإدارة غير كافية!

تشكل نسبة حوالي 85% من الكمية الإجمالية للنفايات التي تنتجها مرافق الرعاية الصحية نفايات غير خطرة. والنسبة المتبقية البالغة 15% تصنف كمواد خطرة، مِثل أن تكون مشعة أو سامة، أو معدية.


خطورة النفايات الطبية

ليس من المستغرب أن تكون الرعاية التي تتلقاها في المستشفيات أو المراكز الصحية؛ هي ذاتها قد تكون المتسببة في أخطر الأمراض التي يمكن أن تصاب بها على حين غفلة! وحتى نكن منصفين، فالرعاية ذاتها ليست الجاني المباشر، فنتائجها المباشرة من المخلفات والنفايات الطبية هي الجاني الأول والمباشر. فإلى أي مدى تصل خطورة تلك النفايات؟

أولًا؛ خطورة الإصابة بالعدوى. حيث إن النفايات الطبية تشكل خطر احتوائها على الكائنات المجهرية الدقيقة، التي يمكن أن تصيب المرضى في المستشفيات، والأفراد وعامة الناس. ثانيًا؛ خطورة التعرض لحوادث مختلفة قد تصيبك بالعدوى؛ مثل التعرض للقطع،أو الوخز المباشر في الجلد، أو الاستنشاق الذي قد يصيب الأغشية المخاطية والجهاز التنفسي.

ووفقًا لتقرير منظمة الصليب الأحمر الدولية (ICRC) الصادر في العام 2011[2]؛ تم تقسيم خطورة وأنواع العدوى كالآتي:

1. عدوى الجهاز الهضمي. أشهرها الإصابة بالبكتيريا المعوية؛ مثل «السلامونيلا – Salmonella»، «الشيغيلا – Shigella»، عند التعرض للقيء أو البراز البشري.

2. عدوى الجهاز التنفسي. الإصابة بالسل الفطري، العقدية الرئوية، فيروس «سارس» (الحاد متلازمة الجهاز التنفسي)، فيروس الحصبة؛ عند التعرض لأي من إفرازات الجهاز التنفسي مثل اللعاب، أو من خلال الاستنشاق.

3. عدوى العين. الإصابة بـ«فيروس هيربس – Herpes virus»، عند التعرض لإفرازات العين بأنواعها.

4. عدوى الجلد. الإصابة بـ«المكور العقدية – Streptococcus» عند التعرض لإفرازات الجلد من الصديد والقيح.

5. عدوى الجمرة الخبيثة. الإصابة بعصيات الجمرة الخبيثة، عند التعرض لإفرازات الجلد.

6. التهاب السحايا. الإصابة بالنيسرية السحائي عند التعرض لمخلفات السائل النخاعي.

7. متلازمة نقص المناعة المكتسب (الإيدز). الإصابة بفيروس (HIV)، عند التعرض لمخلفات الدم البشري، وإفرازات الجهاز التناسلي، وغيرها من سوائل الجسم.

8. عدوى الحمى النزفية. الإصابة بقيروسات الدم لاسا، إيبولا، ماربورغ، وجونين عند التعرض لمخلفات الدم البشري التي تحتويها، والإفرازات المختلفة.

9. التهاب الكبد الفيروسي (A). الإصابة بفيروس التهاب الكبد A عند التعرض لمخلفات البراز البشري.

10. التهاب الكبد الفيروسي (B , C). الإصابة بفيروسات التهاب الكبد (B , C) عند التعرض لفيروسات الدم، وغيرها من السوائل البيولوجية المختلفة.

11. عدوى إنفلونزا الطيور (H5N1). الإصابة بالفيروس عند التعرض لفيروس الدم والبراز البشري.


عمليات التخلص الآمن للنفايات

نفايات,طبية,بيولوجي,عمليات
نفايات,طبية,بيولوجي,عمليات

تعتبر الطرق التقليدية للتخلص من النفايات الطبية؛ مثل الحرق ليست آمنة بيئيًا برغم أنها مستخدمة. ينتج عن عمليات الحرق هذه أنواع من الغازات السامة التي تنطلق في الهواء، مثل الفورانات والديوكسينات وغيرها من ملوثات الهواء في شكل انبعاثات غازية.

وحديثًا؛ هناك مجموعة واسعة من التقنيات للتخلص من النفايات الطبية، قبل أن تؤخذ المواد الناتجة عن عمليات التخلص هذه لمدافن القمامة الخاصة بهذا النوع من النفايات. وفي ما يلي بعض طرق التخلص الأكثر شيوعًا كالآتي:

1. «التعقيم – Autoclaves». والمعروف أيضًا باسم التعقيم بالبخار، حيث يعتبر الطريقة الأكثر موثوقية لتدمير أي شكل من أشكال الحياة الميكروبية. نسبة كبيرة من النفايات التي يعالجها التقطيع والتعقيم بالبخار آمنة للمكب الصحي.

2. عمليات التخلص من النفايات بواسطة التطهير الكيميائي/ الميكانيكي، والتعرض للإشعاع المؤين لإتلاف أي حياة ميكروبية.

أخيرًا؛ جريمة إلقاء النفايات الطبية الخطرة في الشوارع أمام العامة؛ ليست حكرًا أو حصرًا على أحد أو بلد بعينها. وأسميها جريمة كونها تتسبب بالضرر الحاد لأناس متعددين لمجرد أنهم مروا بجوارها، أو تعرضوا لها دون قصد أو معرفة.

وفي كل بلد في العالم؛ ستجد هذه الأكياس الحمراء في أماكن غير معهودة. وتفاديًا لإصابتك بأي من العدوى والالتهابات الخطرة التي تتسبب بها، كل ما عليك هو الحذر والتحذير من الاقتراب من هذه الأكياس، وتوعية الأشخاص في الدائرة حولك بمدى خطورتها، وذلك أضعف الإيمان!

المراجع
  1. medical waste management, ICRC, Nov. 2011, page 16
  2. medical waste management, ICRC, Nov. 2011, Table page 18