بدأت محاولات تقوية فرق الهاجاناه والبلماح للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بالقوة العسكرية، فقامت الحركة الصهيونية بتجنيد عناصر غير يهودية ذي خلفية عسكرية قادرة على العمل العسكري المنظم؛ لتقاتل معهم وتعود مرة أخرى لبلدها الأصلي، فكانت فرقة «محال – מחל» مكانًا مناسبًا لعناصر المرتزقة التي تقاتل من أجل المال فقط.

استهلت دراسة نشرتها وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية عام 2007م[1]، تحت عنوان «Machal Overseas Volunteers in Israel’s War of Independence» بأسماء البلاد التي أتى منها الجنود فكانت 43 دولة حول العالم ومنها: كندا، وإنجلترا، والولايات المتحدة، وأسبانيا، وبيرو، وجنوب أفريقيا، والدنمارك، وهولندا، والهند، وبلغاريا، والجزائر، وفرنسا، إلخ… وبحلول نهاية عام 1948 وصل أعداد الجنود الأجانب إلى 10 آلاف مجند غير يهودي وغير إسرائيلي، وبالطبع شاركوا في حرب النكبة، وعرفهم الكاتب على أنهم أولئك الذين أتوا إلى إسرائيل للعمل العسكري ثم عادوا إلى أرضهم الأصلية مرة أخرى.

بدايات القوة العسكرية

خلال الحرب العالمية الأولى حصلت الحركة الصهيونية على رعاية بريطانية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وبموجب قرار أقرّته الأمم المتحدة أصبحت فلسطين تحت الانتداب البريطاني مما سهل تحقيق طموح الحركة، ومع نمو الاستيطان الصهيوني السابق لإنشاء دولة «اليشيوف – יישוב» خلال فترة الانتداب (1922 – 1948)، وهو مصطلح يشير إلى اليهود الذين عاشوا في فلسطين خلال القرن الـ19، انتقل مركز صنع القرار من لندن إلى فلسطين ثم انتقل من قيادة حاييم وايزمان إلى بن غوريون.

أما قوة الييشوف العسكرية فظلت تعتمد على الدعم المالي الدولي، فكانت الأموال التي ترسلها المنظمات الغربية التابعة للمنظمة الصهيونية العالمية، ترسل من أمريكا الشمالية إلى فلسطين عن طريق «קרן היסוד» الصندوق التأسيسي، تُخصص بحسب الأولويات التي وضعها المجلس التنفيذي الصهيوني، ومن ضمنها بناء القدرات العسكرية للأفراد المقاتلين، كما وضح الصحفي وباحث دراسات شرق أوسطية «إيرنست ستوك» في كتابه «PARTNERS AND PURSESTRINGS: A History of the United Israel Appeal»، في حين وضح كُل من «دانيال جودا» و«إليسا دورتوت» في كتابهما «Understanding the Jewish Agency»، أن الوجهة الدبلوماسية التي اتخذتها الحركة الصهيونية للعمل في فلسطين هي «الوكالة اليهودية» التي كانت تتمتع بوضع قانوني رسمي في ظل الانتداب البريطاني.

أما الذراع العسكري للمنظمة الصهيونية العالمية «الهاجاناه» فلم تكن شرعية ولكنها حصلت على دعم بريطاني، وتلقت أول دعم كبير خلال الثورة الفلسطينية العربية في الفترة بين (1936 – 1939) في ذلك جهز البريطانيون أقسام الهاجاناه ودربوها للمساعدة في إخماد الانتفاضة وذلك في إطار «الوحدات الليلية الخاصة» والشرطة الإضافية، غير أن الخبرات البريطانية عززت إمكانات الهاجاناه وساهمت في صياغة عقيدتها العسكرية لاسيما تفضيلها شّنَّ الهجمات على القرى العربية ليلًا، كما شرح بالتفصيل الباحث «دان فريمان» في بحثه بعنوان «Mahal and the Dispossession of the Palestinians».

بعد ذلك خطط بن غوريون الانفصال عن بريطانيا من خلال استقطاب يهود أمريكا الأثرياء، ففي عام 1942م خرج الصهاينة الأمريكان من مؤتمرهم المفصل في فندق «بالتيمور» في نيويورك مطالبين بإقامة «كومنولث يهودي في فلسطين مندمج في هيكلية العالم الديموقراطي الجديد»، ومن ضمن تصريحات «بن غوريون»: يجب أن نطرد العرب ونحل مكانهم، كما فصل ذلك المؤرخ والكاتب الإسرائيلي «شبتاي تيفيث» في كتابه » Ben-Gurion and the Palestinian Arabs: From Peace to War».

هيكلة الهاجاناه ودور الماحال

عقب نجاح حملة «بن غوريون» الأمريكية في بالتيمور أصبح الهدف الصهيوني هو السيطرة على فلسطين بالقوة عبر الدعم الأمريكي، ففي أكتوبر 1946م أيد الرئيس «هاري ترومان» مطلب إنشاء دولة يهودية على الرغم من الاعتراضات البريطانية، موفرًا بذلك نفوذًا أساسيًا لقيادة الييشوف في ضغطها المتعاظم لطرد البريطانيين من فلسطين، كما وضح ذلك بالتفصيل البروفسور «ريكي كالهون» أستاذ التاريخ في جامعة كانسس، في بحثه «Arming David: The Haganah’s Illegal Arms Procurement Network in the United States, 1945–49».

بحلول فبراير 1947 أعلنت بريطانيا نيتها في التخلي عن الانتداب، وأحالت مسألة فلسطين إلى الأمم المتحدة، وبينما مهدت التطورات الدبلوماسية للانسحاب البريطاني، استعدت الهاجاناه لترسيخ وجودها في موقع القوة العسكرية المسيطرة في فلسطين، في ديسمبر 1946م تولى بن غوريون الذي كان يقود الييشوف منذ ما يزيد على عقد من الزمن السيطرة المباشرة على ملف الدفاع، بحلول 1947م كانت قد تبلورت هيكلية قيادة عسكرية موحدة على رأسها «بن غوريون»، وهو ما شُرح تفصيلًا في كتاب «Great Power Discord in Palestine: The Anglo-American Committee of Inquiry into the Problems of European Jewry and Palestine 1945-46»، بقلم بروفسور «أميكام نحماني» أستاذ في قسم العلوم السياسية في جامعة بَر إيلان في فلسطين.

من أجل زيادة أعداد الجنود أنشأت الهاجاناه لجنة خاصة للتعبئة، وأصدرت إلى الييشوف في مطلع ديسمبر 1947م، أمرًا بالتعبئة وبهدف توفير الخبرات بالقيادة والأمور التقنية سعى بن غوريون لتجنيد محاربين شاركوا في الحرب العالمية الثانية من داخل الييشوف وخارجه.

بدأ التجنيد من الخارج في وقت سابق إلا إنه أصبح أكثر تنظيمًا في يناير 1948م عندما قررت اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية إنشاء «لجنة التعبئة من الخارج»، كما وضح البروفسور «ديفيد بريكسون» أستاذ التاريخ في جامعة «ألبرتا» بكندا، في كتابه «Secret Army»، ففي أمريكا الشمالية أنشأت منظمة الدعم التي كان يشرف عليها معهد «سونبورن» والفرع الأمريكي للوكالة اليهودية والعمل من أجل فلسطين، أما في جنوب أفريقيا نشأت «رابطة من أجل الهاجاناه» وعملت على حشد الدعم علنًا، فاستقطبت أعدادًا من المرتزقة من الكونغو البليجيكي وكينيا، وروديسيا وجنوب أفريقيا أكبر.

امتد التجنيد عن طريق عدة وسائل من أوروبا الغربية إلى أمريكا اللاتينية وغيرها من المناطق، وغالبًا ما كان هناك ترابط بين حملات الترويج العامة والدعم العسكري السري للسعي لإقامة دولة صهيونية (بما في ذلك تجنيد الأجانب)، فمثالًا على ذلك كان الجندي الكندي «بن دونكلمان» الذي شارك في الحرب العالمية الثانية مسؤولًا عن العلاقات العامة في أونتاريو في المنظمة الصهيونية الكندية، ثم رئيس لجنة التوجيه والإدارة الكندية في الهاجاناه، وذلك قبل أن يتوجه إلى فلسطين حيث أصبح قائد كتيبة مارس عناصرها تطهيرًا اثنيًا بحق عناصر سكان الجليل في صيف وخريف 1948، وهذا ما ذكره دونكلمان بنفسه في مذكراته «Dual Allegiance: An Autobiography».

أطلق عليهم جنود «ماحال – מח”ל» وهو اختصار لثلاث كلمات عبرية «מתנדבי חוץ לארץ» متطوعون من خارج الأرض (يقصد بها أرض إسرائيل)، انضموا في البداية لفرق الهاجاناه[2]، ولكنهم تميزوا بأنهم غير يهود ومن جنسيات مختلفة بلغ عددهم نحو 2400 مجند غير يهودي كما ذكر المؤرخ الألماني «نيتال لورش» في كتابه «Israel’s War of Independence»، بينما يذكر لنا المؤرخ البريطاني «أفي شاليم» في كتابه «The War of Palestine» أن هذا الرقم هو أقل من العدد الفعلي، فربما زاد عن 5000 جندي أجنبي خدموا في البداية مع فرق الهاجاناه والبلماح ثم أسسوا بعد ذلك أساس جيش الاحتلال المنظم.

كما توضح لنا المؤرخة الإسرائيلية «حنة توروك يبلوكنا» في بحث لها بعنوان «Survivors of the Holocaust: Israel after War»، سعت الهاجاناه لإحضار مهاجرين من اليهود الموجودين في معسكرات خاصة بالمشردين في أوروبا، اعترض كثير منهم فتم اعتقالهم في سجون بريطانية في قبرص خلال سنة 1948م، ويميزهم المؤرخون عن «المحال» تمامًا كما ميزتهم السلطات الإسرائيلية؛ لأن دورهم القتالي لا يندرج تحت عمل المرتزقة، وحدثت بينهم خلافات عديدة بخاصة من الناحية المادية، وبخصوص ذلك وضح كُل من «براين كول» و«شولومو ألوني» و«دافيد نيكولي»[3]، في كتاب لهم بعنوان «Spitfires Over Israel» فبحلول صيف 1948م تم وضع الترتيبات الرسمية لدفع الرواتب، فالطيارون على سبيل المثال يتقاضون 2000 دولار أمريكي، (500) جنيه إسترليني في الشهر، ووعدوا بعلاوة قدرها 500 دولار أمريكي عن كل طائرة يسقطونها في الحرب.

أكد كُل من المؤرخ «بريكسون» والكاتب الفلسطيني «نفيز نازّال» في كتابه «The Palestinian Exodus from Galilee»، أن حتى مع محاولات السلطات البريطانية في منع جنود المحال من القدوم إلى فلسطين، فقد وصلوا سابقًا وانضموا إلى الهاجاناه والبلماح، ونجم عن وجودهم في بعض الوحدات أن صارت تُعرف بهم، مثل: السرية الإنجليزية في كتيبة الدبابات الثانية والثمانين وكتيبة «الإنجلو – سكسونية» المدرعة 72 التابعة للواء السابع، وأشار «نازَّال» في كتابه إلى اللواء السابع بأكمله على أنها الكتيبة الإنجلو – سكسونية، وأدت خبراتهم بالتنظيم العسكري الحديث وسلاح المدفعية والحرب المدرعة والقتال البحري والجوي، دورًا أساسيًا في تسهيل تطور القوة العسكرية الإسرائيلية، كما وضح الباحث الألماني «دايفيد إشيل» في كتابه «The Story of the Israeli Armored Corps».

 مجندو المحال

سنة 1948م توجه آلاف الجنود من البلاد التي يقيمون فيها إلى فلسطين للمشاركة في العمليات العسكرية الصهيونية، وورد على لسان «بن غوريون» أن المساهمة الخاصة التي قدمَّها مقاتلو «محال» كانت نوعية، فأغلبهم يتحدث اللغة الإنجليزية وشاركوا في الحرب العالمية الثانية، ووضعوا مهارتهم التخصصية في تصرف المجهود العسكري الصهيوني.

ويصفهم المؤرخ «ديفيد بريكسون» في كتابه «Secret Army» بأنهم أبطال منسيون، كما أن «نتنياهو» كتب توطئة لدراسة نُشرت احتفالًا باليوبيل الذهبي في إسرائيل عام 1998م يثني النضال من أجل الحرية التي قدمها مجندو المحال، كما ذكر كُل من «كريج وايس» و«جيفري ويس» في كتابهما «I Am My Brother’s Keeper: American Volunteers in Israels War for Independence 1947-1949»، بينما يصرح إسحاق رابين بنفسه في توطئة كتبها لأحد المجلدات، أن المساهمة التي قدمتها هذه المجموعة من الرجال والنساء تسطر سطرًا جديدًا في قصة نضال إسرائيل من أجل الحرية، كما أشار «بن دولكمان» ضابط بالجيش الكندي في يومياته «Dual Allegiance: An Autobiography».

شارك المحال في عمليات القتل والسرقة والاغتصاب والتطهير العرقي والتهجير القسري للفلسطينيين، فهُجر على أيديهم نحو 750 ألف فلسطيني من منزلهم في عام 1948 فقط، وتفاقم الأمر أكثر فأكثر بعد حرب 48.

ففي كتاب بعنوان «A History of the First Arab-Israeli War 1948»، بقلم المؤرخ الإسرائيلي وأستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة بن غوريون «بيني موريس»، إن أحد المجندين المرتزقة الأعلى رتبة الذي انضم باكرًا إلى الهاجاناه هو الكولونيل الأمريكي «ديفيد ميكس ماركوس» وانخرط بعمق في عملية الإصلاح الهيكلي للمنظمة المحال، فتخرج ماركوس من كلية وست بوينت العسكرية وعمل في طاقم الجنرال دويت دي أيزنهاور في مقر قوة التدخل السريع التابعة للحلفاء في أوروبا، ولدى وصوله إلى فلسطين في مطلع 1948م عمل مساعدًا تنظيميًا واستراتيجيًا مقربًا لبن غوريون، في الوقت الذي كانت فيه الهاجاناه توسع عملياتها أصبح قائد جبهة القدس في أواخر مايو قبل أن يسقط قتيلًا في يونيو، وكان أول ضابط يبلغ رتبة جنرال في المحال.

أدى مجندو «المحال» دورًا مهمًا في تطور سلاح الجو الإسرائيلي وانتشاره، فعلى سبيل المثال اختير المقاتل «بوريس سينيور» في سلاح الجو الجنوب الأفريقي، لقيادة السرب الجوي الأول في الهاجاناه، والذي أنشئ في أواخر 1947م على مقربة من تل أبيب، قُدر في نهاية 1948م عدد مجندو المحال بـ6000 عنصر فشكلوا نحو 70% من طاقم الطائرات الحربية الذي خدم خلال حرب 48 وكان أغلبهم في السلاح الجوي قيادة الطيارات، كما وضح «وليم نوترون» في كتابه «Air War on the Edge: A History of the Israel Air Force and It’s Aircraft Since 1947»، ثم أصبح بعد ذلك وجود المحاربين المرتزقة المتخصصين أمرًا منتشرًا في أنحاء فلسطين في النصف الثاني من 1948م، ساعد المحال كما ذكرنا سابقًا في عمليات الإبادة الجماعية والفصل العنصري والتهجير القسري للفلسطينيين منذ بدايات الهجرة الأولى «الييشوف» حتى إقامة الدولة وواصلوا تقديم المساعدات بعد ذلك أيضًا، في النكسة وحرب أكتوبر حتى اتفاقية السلام.

يذكر موقع المحال الفرعي أنه أقيم نصب محال التذكاري، تخليدًا لذكرى 119 متطوعًا أجنبيًا في إسرائيل للذين فقدوا أرواحهم في -نضال إسرائيل من أجل الاستقلال-، في شعار هاجاناه، وإلى اليوم، يواصل المرتزقة -المتطوعون- التوافد إلى إسرائيل سعيًا للمساهمة والتجنيد في قوات الدفاع الإسرائيلية.

الشعب أم المرتزقة: أيهما أفضل لإسرائيل؟

في بحث لحاخام يهودي إسرائيلي والنقيب (احتياط) الحاخام العازار غولدشتاين، وهو حاخام عسكري في كتيبة الهندسة مركز المشاريع، بعنوان «צבא העם או צבא השכירים?» «جيش شعبي أم جيش مرتزقة؟»[4]، يتساءل به هل الأفضل أن يكون الجيش من شعب إسرائيل أم من عناصر المرتزقة.

وعرض أيضًا وجهة النظر الرافضة لجيش المرتزقة ويعللها: جيش المرتزقة سيرتكز بشكل رئيس على من ليس لديهم خيارات أخرى، أي بشكل رئيس على الأشخاص الضعفاء، كما هو الحال في الدول الأخرى التي لديها جيش مرتزقة، الذين يحتاجون التعويض المالي الذي يقدمه الجيش فقط هم الذين سيخاطرون بحياتهم، هو تشويه أخلاقي لا يجوز التسامح معه.

علاوة على ذلك لا تملك إسرائيل الموارد الكافية لجيش يعتمد بالكامل على المرتزقة، فقط الدول الكبيرة والغنية، مثل: الولايات المتحدة الأمريكية، يمكنها أن تمتلك جيشًا كبيرًا وقويًا، وفي جيش المرتزقة تقل الرغبة في المخاطرة والتضحية بكل شيء من أجل الوطن، كما هو مطلوب في أوقات الحرب.

ثم يعرض بعد ذلك موقف التوراة من تجنيد المرتزقة، فيذكر حكاية القاضي جدعون في فترة القضاة، فبنى جدعون «جيشًا صغيرًا وذكيًا» -على حد قوله- فهو يختار 300 رجل من مجموعة كبيرة من المتطوعين، ثم يعرض جيش أول ملك للمملكة الموحدة على أرض فلسطين، وهو جيش شاؤول فاعتمد ذات الفكرة جيش صغير قوي ومتطوع، ثم الأهم هو جيش داود فكان عكس ذلك، فورد في سفر أخبار الأيام الأول (27: 1):

وَبَنُو إِسْرَائِيلَ حَسَبَ عَدَدِهِمْ مِنْ رُؤُوسِ الآبَاءِ وَرُؤَسَاءِ الأُلُوفِ وَالْمِئَاتِ وَعُرَفَائهُمُ الَّذِينَ يَخْدِمُونَ الْمَلِكَ فِي كُلِّ أُمُورِ الْفِرَقِ الدَّاخِلِينَ وَالْخَارِجِينَ شَهْرًا فَشَهْرًا لِكُلِّ شُهُورِ السَّنَةِ، كُلُّ فِرْقَةٍ كَانَتْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا. يمكن رؤية نظرة مثيرة للاهتمام حول نظام فحص التوظيف

فسر «راشي» (هو أحد أهم مفسري العهد القديم في العصور الوسطى) لهذا النموذج، أن داود لم يختر إلا ذوي البأس وأغنياء بني إسرائيل الذين يتركون أعمالهم ويعملون بأعمال الملك، وأما فقراء الناس الذين كان عليهم إعالة أنفسهم لم يأخذهم داود، وبحسب راشي فإن الإعفاء من التجنيد في الجيش يعطى خصيصًا لمن لا يستطيع تحمل العبء الاقتصادي، أي أن اعتبار الإعفاء من الجيش هو مراعاة السكان الأضعف، لتخفيف العبء العسكري عن الأضعف، الطبقات وإجبار السكان الأقوى على تحمل العبء، وهو في الواقع نموذج معاكس لجيش المرتزقة، حيث يكون المجندون معظمهم جنودًا يأتون بشكل رئيس من الطبقات الضعيفة والفقيرة، لذلك علا صوت الموجة الرافضة لوجود المرتزقة في جيش الاحتلال.

في يوم 18 نوفمبر 2023

صرحت قناة الكنيست: بتشريع قانون منح الجنسية الإسرائيلية الفخرية لقتلى الجيش الإسرائيلي لمن غير الإسرائيليين، وجاء هذا إثر احتجاج من أهل المجند «إيلي فالنتين» في حربهم على غزة، فكان من مقاتلي لواء المظليين في الفوج 890، وسقط أثناء محاولته لإنقاذ سكان كيبوتس باري، وجاء إلى إسرائيل بمفرده بقرار منه من مدينة مانوفليا في فرنسا، وقرر إيلي التجنيد في خدمة قتالية ذات معنى في جيش الدفاع الإسرائيلي.

بينما يؤكد لنا الكاتب الإسرائيلي «سي ليفي» في موقع جريدة «ماكو» الإسرائيلية، في مقال تحت عنوان «الحرب تؤتي ثمارها: المرتزقة يسيطرون على العالم»، أنه في السنوات الأخيرة في دولة -إسرائيل-، تمت خصخصة عدد لا بأس به من المناصب التي كانت مخصصة سابقًا لقوات الأمن الإسرائيلي، فهناك عدد لا بأس به من الشركات الزرقاء والبيضاء التي تجني الكثير من المال وتشبه إلى حد كبير ما نسميه بالجيش الخاص، يبدأ الأمر بشركات الأمن الخاصة التي تشمل مجال مسؤوليتها الحماية الكاملة لوسائل النقل الجوي والبحري وحتى البري، وكما يبدو، فإن الجيوش الخاصة ليست في الواقع وسيلة للتحايل العابرة، هي قوة اجتاز فيها المقاتلون تدريبهم في أفضل وحدات النخبة في جيوش العالم، ولديهم مهارات إدارية احترافية مثيرة للإعجاب، ولكن يجب القول إن هذه شوكة في خاصرة إيليا (مَثل)، فهم موجودون من أجل المال وليس من أجلنا فقط، فهم ليس لديهم أي التزام أخلاقي بالهدف، ويبدو أنهم حتى في المستقبل سوف يشاركون في معظم الصراعات التي ستتطور، وسوف يضعون أنفسهم تحت تصرف صاحب أكبر محفظة.

وهذا ما يؤكد ما ورد في صحيفة «إلموندو» الإسبانية الكبرى فأجرت مقابلة مع «بيدرو دياز فلوريس»، وهو مرتزق إسباني سيء السمعة، قال: إن «العديد» من مجموعات المرتزقة انضمت إلى الجيش الإسرائيلي الذي يدفع لهم مالًا وفيرًا فصرح للجريدة «لذلك جئت من أجل الثروة والمال»، إنهم يدفعون 3900 يورو (4187 دولارًا) في الأسبوع، بغض النظر عن المهام المكلف بها»، ومهمته هي حماية الحدود الإسرائيلية اللبنانية، وأصدقاؤه الآخرون على الحدود الإسرائيلية الأردنية، كما صرح أنه قاتل سابقًا إلى جانب النازيين الجدد في أوكرانيا، بعد أن بدأت روسيا عملية عسكرية خاصة في منطقة دونباس العام الماضي.

المراجع
  1. كتبت بواسطة د. يعقوب ماركو فيتسكي، وترجم من العبرية إلى الإنجليزية على يد «موشيه كوهين».
  2. الهاجاناه: عصابات مسلحة من اليهود عملت على إرهاب القرى الفلسطينية واخراجهم من منازلهم وبيوتهم بالقتل والسلب والسرقة، وكانت هي بداية تكوين جيش لدولة الاحتلال الصهيونية فيما بعد النكبة.
  3. الثلاثة اشتركوا في سلاح الجو الإسرائيلي وأصبحوا مؤرخين لتلك الفترة من الحروب التي اشتركوا بها ولهم العديد من الكتب في هذا المجال
  4. ما ورد من البحث في الموضوعـ من ترجمة كاتب المقال، من اللغة العبرية إلى العربية.