محتوى مترجم
المصدر
the conversation
التاريخ
2017/11/20
الكاتب
دانييل هوغ

تواجه المستشارة الألمانية «آنجيلا ميركل» أزمة حقيقية على إثر الفشل الدرامي في مفاوضات تشكيل الحكومة القادمة. ويبدو أن خروج ميركل وألمانيا من هذا المأزق أمرًا بعيد المنال.لكن، لم يكن من المفترض أن تجري الأمور على هذا النحو. فرغم الأداء السيئ للحزب الديمقراطي المسيحي في الانتخابات الفيدرالية في 24 أيلول/سبتمبر الماضي -حصل الحزب على 32.9% فقط من أصوات الناخبين، إلا أن توقعات ما بعد الانتخابات كانت واضحة. ستدعو «ميركل» للمفاوضات نوابًا من حليفها حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي، بالإضافة إلى حزبين صغيرين وهما الحزب الديمقراطي الحر وحزب الخضر، وبمرور بعض الوقت سيعملون بجد ويشكلون «تحالف جامايكا» الأول في ألمانيا، وهو الاسم الذي أُطلق على التحالف بسبب تشابه ألوان الأحزاب الثلاثة مع علم دولة «جاميكا».بيد أن هذه التوقعات تلاشت، إذ انسحب «الحزب الديمقراطي الحر» من المفاوضات. وزعم «كريستيان ليندنر»، رئيس الحزب، أنه لم يكن هناك قاعدة مشتركة كافية بين الأحزاب للاتفاق على ائتلاف يُمكن أن يُشارك فيه الجميع. وصاغ موقفه بطريقة درامية قائلًا: «ألا تحكم مطلقًا أفضل من أن تحكم بشكل سيئ».


خيارات صعبة

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل

إلى أين تتجه ألمانيا الآن؟ يواجه السياسيون ثلاثة خيارات.يتعلق الأول بوجود أغلبية أخرى مقبولة داخل البرلمان. إذ يُمكن أن يحكم حزب «ميركل» بالاشتراك مع يسار الوسط ممثلًا في الحزب الديمقراطي الاجتماعي. يحظى الحزبان معًا بالأغلبية داخل البرلمان، ولديهما خبرة في العمل معًا. وقد فعلوا ذلك في الدورة البرلمانية التي امتدت لأربعة أعوام من 2013-2017.لكن الحزب الديمقراطي الاجتماعي عبّر عن موقفه بجلاء رافضًا هذا الخيار. وقد تعثر الحزب في الانتخابات الأخيرة حاصدًا 20.5% من الأصوات وهو ما كان تراجعًا تاريخيًا في نتائجه. ولم يستفد الحزب كثيرًا من الحكم إلى جوار «ميركل» كما يحتاج بشدة إلى تجديد دمائه، وهو ما أكده مؤخرًا نهاية الأسبوع الماضي رئيس الحزب «مارتن شولتز».وبالنظر إلى هذا الوضع، قد تحاول «ميركل» الحكم بدون أغلبية في «البوندستاج». ولا تُعد حكومات الأقلية أمرًا غير مألوف في أوروبا، وقد أظهرت دول شمال أوروبا عادة أنّ مثل هذه الإدارات يمكنها أن تنجح. إذ تسعى الحكومة ببساطة إلى الحصول على دعم الأغلبية لكل مشروع قانون تقدمه، وقد تحُث «ميركل» أحيانًا الحزب الديمقراطي الاجتماعي على دعمها، وفي أحيانٍ أخرى سوف تتوجه إلى حزبٍ أو أكثر من الأحزاب الصغيرة.ولكن هذه الفكرة تمثل لعنة بالنسبة إلى الكثيرين في ألمانيا. إذ أدت حكومات الأقلية الضعيفة المتعاقبة في جمهورية «فايمار»، التي زالت منذ 70 عامًا، إلى انهيار الجمهورية وقادت البلاد نحو التيار اليميني المتطرف والدخول في الحرب العالمية الثانية في نهاية المطاف. ولم تُشكَّل حكومة أقلية في ألمانيا منذ ذلك الحين. ولذلك، فإن تشكيل حكومة استنادًا إلى أغلبية متغيرة باستمرار داخل البرلمان، يتسبب في شعور عميق لدى الكثيرين بعدم الارتياح.

مستقبل ميركل على المحك

أنجيلا ميركل، ألمانيا
أنجيلا ميركل، ألمانيا
أما الخيار الثالث فهو إجراء انتخابات جديدة. ولكن هذا الخيار ليس سهلًا كما قد يبدو لبعض المراقبين خارجيًا. بإمكان المستشار الألماني بالفعل إجراء تصويت بحجب الثقة عن البرلمان وهو ما سيؤدي إلى انتخابات جديدة، إلا أن البرلمان الفيدرالي لم ينتخب «ميركل» رسميًا مستشارة للبلاد بعد، وإلى أن ينتخبها البرلمان لن تتمكن ميركل من اللجوء لهذا الخيار.وقد يُقرر الرئيس الفيدرالي «فرانك فالتر شتاينماير»، أنّ انتخابات جديدة هي الطريق الأفضل للخروج من المأزق. وحتى في هذه الحالة، ثمة بعض المشاكل الدستورية؛ إذ يجب حينها أن يجتمع السياسيون الألمان في البرلمان لتصوت الأغلبية (مرتين) بعدم دعم «ميركل». وبعد ذلك ستُجرى جولة تصويت ثالثة ويُفترض أن تحصل «ميركل» حينها على دعم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي، في حين لن تدعمها بعض الأحزاب الأخرى.عند هذه النقطة سوف يتدخل الرئيس، ويُسمي ميركل رسميًا رئيسًا لحكومة أقلية أو يقرر أن هذه الحكومة لن تكون قوية ومستقرة كافية فيدعو إلى انتخابات جديدة في غضون 60 يومًا. وفي كلتا الحالتين، دور «شتاينماير» مهم في حل هذه الفوضى.ويبدو أن خيار إجراء انتخابات أخرى هو الطريق الأكثر منطقية (وإن كان مشكلة دستورية) لمتابعة إجراءات تشكيل الحكومة. ولكن هناك مشكلة أخرى، إذ لا يبدو واضحًا على الإطلاق أن أي انتخابات جديدة ستؤدي إلى نتيجة تختلف كثيرًا عن نتائج انتخابات 24 أيلول/سبتمبر الماضي. ويمكن لألمانيا أن تنتهي فعليًا إما في نفس الوضع مرة أخرى، أو يصبح اليمين المتطرف ممثلًا في حزب «البديل من أجل ألمانيا» هو المستفيد الرئيس من هذه الإجراءات وهو ما يخشاه الكثيرون.وعلاوة على ذلك، وجه «شتاينماير» رسالة للأحزاب قائلًا: «إن عليهم التصرف كرجال دولة ويصلون ببساطة إلى اتفاق». فليس من المعقول أن يتوجه إليهم بوضوح قائلاً عودوا أدراجكم واجلسوا على طاولة المفاوضات من جديد. لن يحصل الألمان على الحكومة التي يتوقعونها ولا يبدو واضحًا على الإطلاق ماذا يجب أن يحدث وما الذي سيسفر عنه المستقبل. تبدو السيناريوهات الثلاثة المبينة أعلاه غير مستساغة، ولن تستطيع ألمانيا البقاء في هذا الوضع إلى أجل غير مسمى. ومما لا شك فيه أن فرص إجراء انتخابات جديدة قد زادت، ولكنها مع ذلك ليست نتيجة محتومة.هل يكمن الحل في حكومة أقلية تجمع حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي وحزب الخضر، ويدعمها ضمنيًا حزب الحزب الديمقراطي الاجتماعي؟ قبل 48 ساعة لن يجيب أحد على السؤال بالموافقة. ولكن الآن يبدو الأمر معقولًا إن لم يكن مرجحًا. هل تقود ميركل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في حال أجريت انتخابات جديدة؟ ربما، ولكن ذلك ليس مؤكدًا على الإطلاق. لقد تحولت ألمانيا من بلد ملل سياسيًا إلى بلد حيث أخذت في السياسية منحنًى دراميًا.