قد نعرف أشخاصاً في حياتنا الواقعية أو شخصيات في الدراما أصيبوا بمرض جسدي جراء التعرض لصدمة نفسية، كشخص غني فقد ثروته فجأة فأصيب بأزمة قلبية، أو سيدة استيقظت ليلاً على صوت اللصوص في منزلها ففقدت النطق إلى الأبد، فهل حقاً تؤثر الصدمات النفسية على الصحة الجسدية إلى هذا الحد أم أنها مجرد مصادفات؟

تاريخ الميتاهيلث

مما لا شك فيه أن تكامل عمل المنظومة النفسية مع المنظومة الحيوية في جسم الكائن البشري هو نوع من الإعجاز الإلهي في الخلق، وأن التأثير المتبادل بين النفس والجسد هو أساس علم يدعى علم الميتاهيلث، الذي يمكن تعريفه على أنه العلم الذي يسند أسباب الأمراض الجسدية إلى صدمات نفسية أو شعورية لم يتم التعامل معها وتفريغها بشكل صحي، وهذا لا يعني أن الإنسان قد تعرض لصدمة عنيفة، بل يكفي وجود شعور مفاجئ لم يدرك الإنسان كيفية التعامل معه بشكل صحي لأن يخلق مشكلة عضوية.

بحسب هذا العلم فإن إطلاق سراح المشاعر المحتبسة وتحرير الصدمات هو الطريق نحو شفاء السقم الجسدي الذي يرتبط كل نوع منه بنوع محدد من المشاعر أو الصدمات.

إن أول من فكر بهذه الطريقة هو الطبيب الألماني ريك جيرد هامر وتحديداً في سبعينيات القرن الماضي، هامر _الذي تلقى وزوجته اتصالاً فجائياً بعد منتصف الليل يبلغهما بإصابة ابنهما الوحيد ذي السبعة عشر عاماً برصاصة طائشة خلال عطلة يقضيها على شاطئ المتوسط برفقة أصدقائه، الذي توفي على إثر هذه الإصابة بعد ثلاثة أشهر_ وجد أن سبباً خفياً يربط بين موت ابنه الفجائي ووفاة زوجته بسرطان المبيض بعده بفترة قصيرة وإصابته هو بسرطان الخصية.

شرع هامر في الاستقصاء حول جذر مشكلة إصابة أعضائهما التناسلية تحديداً بعد فقد وليدهما، واستخدم موقعه كطبيب وباحث وأخصائي في الأمراض الباطنية في إجراء الأبحاث عن التاريخ الشخصي لمرضى السرطان، واستكشاف تعرضهم للصدمات أو مشاعر الضيق النفسي قبل إصابتهم بالسرطان.

بعد دراسات عديدة أجراها توصل إلى استنتاج مفاده أن المرض ينتج عن صدمة لم نكن مستعدين لها تماماً. ولقد حرص الطبيب على استبدال كلمة «المرض» في حديثه بعبارة «الاستجابة البيولوجية الخاصة لحالة غير عادية»، مفيداً بأن التعامل مع الصدمة وحلها هو السبيل إلى عودة الجسم إلى حالته الطبيعية المتوازنة والصحية.

وبحسب الميتاهيلث فإن كل منطقة في الدماغ مسؤولة عن نسيج محدد من أعضاء الجسم، وأن الألم مصدره الدماغ، وهذا ما يفسر الآلام الشبحية (استمرار الشعور بالألم في الأطراف المبتورة).

«الطب الألماني الجديد» هو الاسم الذي أطلقه الطبيب على هذا المنحى الطبي عام 1981، وتحت هذا العنوان خطّ الطبيب أبحاثه والنتائج التي توصل إليها، ترجمت كتبه إلى لغات عدة وهدفت إلى تغيير الوعي العالمي تجاه مفاهيم العلاج والمرض.

الأدوية والعلاجات الجسدية بنظر الميتاهيلث ليست سوى علاج لنتائج المشكلة وأعراضها، أما العلاج الحقيقي بحسب وجهة نظرهم يجب أن يكون للصدمة الشعورية التي تسببت بإحداث هذا الخلل البيولوجي وهي التي تعتبر هي جذر المشكلة.

الميتاهيلث إلى العالم العربي

في عام 2012 انضم الطبيب المصري أحمد الدملاوي إلى الجمعية العالمية للميتاميدسن في الولايات المتحدة الأمريكية IMMA التي أسسها طلبة الدكتور هامر كعضو ممارس، تدرج بعدها في المناصب حتى وصل إلى منصب رئيس الجمعية العالمية للميتاميدسن عام 2018، وكانت له بصمات واضحة في تطوير هذا العلم وربطه بعلم النفس التصنيفي، مما أثمر بعد سنوات بحث عديدة في تطوير هذا العلم وتحديداً آليات التشخيص والعلاج وفقه، وبعد انفصال الدكتور الدملاوي عن الجمعية قام بتأسيس جمعية الطب الشعوري التصنيفي عام 2019 في مقر عيادته بالقاهرة.

آية وهبة والتوعية بالميتاهيلث

عبر حسابها على انستغرام تأخذ الصيدلانية آية وهبة على عاتقها مهمة نشر الوعي المتعلق بعلم الميتاهيلث، العلم الذي اختارت الغوص في تفاصيله بعد بحث تخرج قامت بإجرائه عن البلاسيبو، المحلول الملحي غير العلاجي الذي يسرب وريدياً للمريض على أنه مسكن، فيسهم في تحسين علاماته الحيوية كما لو أنه مستحضر طبي حقاً، وهذا ما وضح لها الدور الكبير الذي يلعبه العامل النفسي في التأثير على الحالة الجسدية.

انتقلت وهبة لدراسة الصحة النفسية في جامعة عين شمس، ومن ثم الكوتشينغ والسايكودراما، لتجد ضالتها في علم الميتاهيلث بوصفه العلم الذي يربط بين العقل والجسد.

وبحسب الميتاهيلث فإن رحلة التشافي تبدأ بالوعي للشعور الإنساني المتولد عن كل صدمة والاعتراف به وبمشروعية وجوده وتقبله، ومن ثم اتباع أساليب التفريغ الشعوري الأنجع من كتابة أو فضفضة أو بكاء أو تنفس أو تأمل لتتماثل المنظومة الجسدية في ما بعد إلى الشفاء.

مشاكل الجلد = مشاعر افتقاد

 تحدثت آية عن تجربة شخصية لمست من خلالها فعالية علم الميتاهيلث في التشافي، فتذكر إصابتها بالتهاب مفاجئ مترافق بحكة في الجلد فوق عينيها، التهاب نجم عنه تطبق لجلد الجفنين كأنهما يريدان إثقال العين وإغلاقهما عن رؤية شيء ما، فشرعت في البحث عن الصدمة الشعورية التي تلقتها وتسببت لها بهذه الإصابة.

بحسب الميتاهيلث فإن الإصابة في الجلد تعني وجود مشاعر افتقاد، أما إصابة العينين ومحاولة إغلاقهما فهي طريقة الجسد لتجنب رؤية شيء ما، وإصابة جلد العين كان دلالة على افتقاد رؤية شيء ما.

بالفعل فإن الصيدلانية قد مرت بصدمة شعورية كبيرة عندما تحدثت عبر مكالمة فيديو مع شخص عزيز أصيب بمرض خطير فتبدل شكله واستبد التعب في ملامحه، آية افتقدت صورة هذا الشخص المفعمة بالشباب والمرح التي تحتفظ بها في ذاكرتها، ولم ترغب أبداً برؤيته في مثل هذه الحالة المتعبة، فجاءت استجابة جسدها على هيئة مرض جلدي في منطقة العين.

خطوات التشخيص كانت عبارة عن تقبل إصابة عينيها والاعتراف بحقهما في التعب والمرض لفرط روعة ما شاهدتاه، ثم جاءت الخطوة التالية على شكل تقبل لوجود المرض الجلدي العيني وإمكانية دوامه فترة طويلة، ومن ثم الغوص في المشاعر التي راودتها بسبب ما رأت، وتحديداً مشاعر العجز التي راودتها عندما رأت شخصاً تحبه يعاني ولا تستطيع فعل شيء.

تطلب الأمر غوصاً عميقاً في النفس حرصت الأخصائية على ملاحظة تأثيره على جلد العين بشكل مباشر لذا فإنها قد تجنبت استخدام أي مراهم أو كريمات، وبعد التنقل بين طبقات مشاعر عديدة واستكشافها، وبعد رحلة دامت أشهراً ثلاثة عادت المنظومة الجلدية العينية إلى وضعها الطبيعي.

تكيّس المبيض = الافتقار إلى الرجل السند

ويشير علم الميتاهيلث إلى كون الخلل في التعامل مع الهوية الأنثوية ومحاولة موجهة الحياة بقناع ذكوري بسبب فقد الأنثى الرجل السند من حياتها (غالباً الأب) بشكل مبكر أو بسبب انسحابه من أداء دوره، هو ما يسبب تكيّس المبايض عند السيدات.

في هذه الحالة يفرز المبيض كميات أكبر من الطبيعية من الأندروجينات (الهرمونات الذكورية) فتتشكل تكيسات المبايض. هذا المرض يختفي مؤقتاً باستخدام العلاج الدوائي أو التدخل الجراحي، إلا أنه ظهوره مرة أخرى أمر محتم ما لم يتم التعامل مع الجذر الشعوري للمشكلة.

وفي هذا السياق نستعرض حالة تشافٍ أخرى على يد الطبيبة آية، وهي حالة لسيدة عانت في طفولتها من تنصّل والدها من مهامه الأبوية، وبحكم كونها الأكبر سناً بين أخواتها تحتّم عليها بمساعدة أمها سد الفراغ الذكوري في العائلة والقيام بالمهام التي يقوم بها الرجال عادة، وحصدت نتيجة التخلي عن هويتها الأنثوية على شكل تكيسات في العضوين الأنثويين الرئيسيين أعاقت عملية الحمل بعد زواجها.

بعدما لجأت للعلاج العضوي الذي نجح في معالجة التكيسات مؤقتاً إلا أنها تعود للتشكل لاحقاً كل مرة بعد انتهاء العلاج، إلى أن لجأت إلى الميتاهيلث وبدأت بتطبيق التوصيات المتعلقة باسترجاع هويتها الأنثوية التي أصبح التخلي عنها والقيام بمهام الرجل جزءاً من عاداتها، فاختفت نهائياً.

بخلاف هاتين الحالتين هناك العشرات الذين زعموا أن شفاء النفس كان طريقهم الأمثل للنجاة من أمراض الجسد، رغم هذا فإن أخصائيي الميتاهيلث يؤكدون أنه علم تصنيفي تشخيصي وليس علاجياً فقط، وغالباً ما يلجأ المتشافون إلى المعالجين النفسيين لتحرير المشاعر بعد تشخيصها.

لسنا في صدد القول إن علم الميتاهيلث أداة سحرية في العلاج ولا مسحة رسول كما تقول المصطلحات الدارجة، فمعظم الحالات تتطلب وقتاً نوعياً للشفاء.

وحتى الآن تنكر منظمة الصحة العالمية لهذا العلم، ومن اتخاذ إجراءات صارمة بحق الطبيب المؤسس هامر وسجنه وإغلاق معاهده، ومن غياب وجود معاهد أو مراكز تمنح شهادات معتمدة في هذا المجال لممارسته بشكل قانوني، إلا أن استعانة الأطباء العضويين والنفسيين بما استطاع طلبة الدكتور هامر نشره تضيف دقة إلى عملية التشخيص، وتسرع في عملية العلاج بعد اللجوء إلى المعالج النفسي المختص حتى لتدفعنا إلى الاعتقاد بأنه قد يُصبح علماً معترفاً به في يومٍ من الأيام.