رغم أن العلاقة بين الإسلام والرسالات الإبراهيمية التي سبقته هي علاقة تواصل وترابط لا ينفصم على الرغم من الفوارق العقائدية الجوهرية والظاهرة بينهم بطبيعة الحال، فإن التمثل التاريخي لدى المسلمين لتك الصلة والعلاقة ظل ضعيفًا للغاية منذ القرن الهجري الأول حتى يومنا هذا. حيث عوضًا عن فهم تلك العلاقة، تم اختزال تلك المسألة عادةً في السجالات والمناظرات العقائدية المعروفة في هذا السياق، بين المسلمين وغيرهم، حول هذه القضية أو تلك.

تفيد في المقابل قراءة الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد كثيرًا في فهم استخدامات المجاز وتوظيفه، بما في ذلك فهمنا للمجاز خلال القرآن ذاته، لتواصل المعاني واستخدامات المجاز المتشابهة، وهو ما سنحاول أن نقدم مقاربة تأويلية تطبيقية من خلال سورة «التين» في القرآن الكريم، ستمدنا بمعانٍ ربما لم يكن يتوقعها أحد من قبل، كما سنرى في السطور المقبلة.


القَسَم والأحجية

قبل أن نشرع في تناول موضوعنا، نود التأكيد على أن أحد المفاهيم التفسيرية المفتاحية والمهمة لآيات القرآن الكريم، يكمن في فهمنا لأن النص القرآني يسعى لحث المؤمن على التفكير والتدبر العميق، بصورة يمكن فيها لعقل المسلم أن يتفوق على ذاته ويجتاز حدود البداهة والبساطة الأولى، ليكتسب قدراً من العمق وبعد النظر.

أحد النماذج على الآيات في هذا الإطار، هو آيات القَسم في القرآن الكريم، ولاسيما في مفتتح السور، كآيات سورة الفجر وسورة التين، على سبيل المثال تبدأ آيات سورة الفجر بقوله تعالى:

وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5)

على كثرة التأويلات التي قُدمت في تفسير هذه الآيات، تظل التفاسير الشهيرة في هذا السياق تغفل ضمنياً إلحاق القسم بمفتتح هذه السورة بالتساؤل تحديداً عن إدراك معنى هذا القسم ودلالته، بقوله تعالى: «هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ»؟ وهو ما يشير إلى أن المعنى هنا بعيد عن البداهة ويحتاج إلى قدر من التأمل.

فهناك مجاز على الأرجح في الآيات السابقة، حيث لا الفجر على ما يبدو المقصود به هو ساعات الصباح الأولى، ولا الليل هو ذلك المساء الذي نعرفه، والشفع والوتر ليس المقصود به العدد وإنما دلالة ما وراء العدد.

غني هنا عن الذكر أن معظم التفاسير هنا تربط معنى الليالي العشر في الآيات السابقة بالعشر الأيام من أوائل ذي الحجة، وهو المعني الذي لن نبتعد عنه كثيراً في مقاربتنا هذه، ولكن فقط سنطرح تساؤلاً فقط، عن لماذا تم القسم بالليالي وليس الأيام (اليوم: يبدأ من طلوع الفجر وينتهي بغروب الشمس)؟ إن كان مقصود بها العشر الأوائل من ذي الحجة، التي يُؤدي خلالها نهارها مناسك فريضة الحج في الإسلام.

إحدى القرائن الدالة على المعنى الذي سيتضح لنا هنا بعد قليل، هو السرديات الشفهية القديمة المتداولة لدى العرب، عن قصة آدم وحواء، التي بحسب ما جاء فيها، قد تمني آدم حواء في منى، وازدلف – أي اقترب – منها في مزدلفة، حتى تعارفا بعرفة، حيث من هنا جاءت أسماء تلك الأماكن الثلاثة الشهيرة في مكة، التي وصفها القرآن بأنها أم القرى، ووصف بيتها الحرام بأنه أول بيت للعبادة وضع للناس، في إشارة لعلها تشير ضمنياً إلى أن مكة كانت أيضاً هي المهد الأول للناس أنفسهم.

بالتأمل على ضوء الخلفيات السابقة، لعلنا نفهم في الأخير الفجر المقسم به في مطلع السورة بأنه مجاز عن البداية أي بداية قصة بني الإنسان، والليال العشر هي الليالي الأولى من بداية تلك القصة، التي انتهت بلقاء الزوجين آدم وحواء، اللذين بلقائهما صارا شفعًا في مقابل الوتر الخالق الواحد الأحد. وتفسير الشفع بهذا المعنى – أي زوجية الخلق ووحدانية الخالق – قد ورد بالفعل في تفاسير شهيرة كالقرطبي وابن كثير.

والليل إذا يسر لعلنا نفهمه كذلك في الأخير بأنه النهاية التي سوف تحل لهذه القصة، عبر مجاز ثانٍ يتسق مع مجاز البداية الأول وهو الفجر، يشير ضمناً إلى الموت والآخرة وقيام الساعة.

يمثل ذلك التأويل السابق مقدمة ضرورية لفهم مقاربتنا التأويلية في سورة التين، التي بدأت آياتها كذلك بقسم أقل إلغازاً بطبيعة الحال، إلا أنه لا يظل لا يخلو من غموض بنهاية المطاف، ولاسيما فيما يتعلق بمعنى التين اسم الشجرة التي سميت السورة باسمها.


الشجرة المباركة والشجرة الملعونة

وَجَدْتُ إِسْرَائِيلَ كَعِنَبٍ فِي الْبَرِّيَّةِ. رَأَيْتُ آبَاءَكُمْ كَبَاكُورَةٍ عَلَى تِينَةٍ فِي أَوَّلِهَا. أَمَّا هُمْ فَجَاءُوا إِلَى بَعْلِ فَغُورَ، وَنَذَرُوا أَنْفُسَهُمْ لِلْخِزْيِ، وَصَارُوا رِجْسًا كَمَا أَحَبُّوا.
(هوشع 9: 10)
وَلَمَّا دَخَلَ أُورُشَلِيمَ ارْتَجَّتِ الْمَدِينَةُ كُلُّهَا قَائِلَةً: «مَنْ هذَا؟» فَقَالَتِ الْجُمُوعُ: «هذَا يَسُوعُ النَّبِيُّ الَّذِي مِنْ نَاصِرَةِ الْجَلِيلِ». وَدَخَلَ يَسُوعُ إِلَى هَيْكَلِ اللهِ وَأَخْرَجَ جَمِيعَ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِي الْهَيْكَلِ، وَقَلَبَ مَوَائِدَ الصَّيَارِفَةِ وَكَرَاسِيَّ بَاعَةِ الْحَمَامِ وَقَالَ لَهُمْ: «مَكْتُوبٌ: بَيْتِي بَيْتَ الصَّلاَةِ يُدْعَى. وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ!» وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ عُمْيٌ وَعُرْجٌ فِي الْهَيْكَلِ فَشَفَاهُمْ. فَلَمَّا رَأَى رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ الْعَجَائِبَ الَّتِي صَنَعَ، وَالأَوْلاَدَ يَصْرَخُونَ فِي الْهَيْكَلِ وَيَقُولُونَ: «أُوصَنَّا لابْنِ دَاوُدَ!»، غَضِبُوا وَقَالُوا لَهُ: «أَتَسْمَعُ مَا يَقُولُ هؤُلاَءِ؟» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «نَعَمْ! أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ: مِنْ أَفْوَاهِ الأَطْفَالِ وَالرُّضَّعِ هَيَّأْتَ تَسْبِيحًا؟». ثُمَّ تَرَكَهُمْ وَخَرَجَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا وَبَاتَ هُنَاكَ. وَفِي الصُّبْحِ إِذْ كَانَ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ جَاعَ، فَنَظَرَ شَجَرَةَ تِينٍ عَلَى الطَّرِيقِ، وَجَاءَ إِلَيْهَا فَلَمْ يَجِدْ فِيهَا شَيْئًا إِلاَّ وَرَقًا فَقَطْ. فَقَالَ لَهَا: «لاَ يَكُنْ مِنْكِ ثَمَرٌ بَعْدُ إِلَى الأَبَدِ!». فَيَبِسَتِ التِّينَةُ فِي الْحَالِ. فَلَمَّا رَأَى التَّلاَمِيذُ ذلِكَ تَعَجَّبُوا قَائِلِينَ: «كَيْفَ يَبِسَتِ التِّينَةُ فِي الْحَالِ؟
(متى 20: 10-20)
نَزْعًا أَنْزِعُهُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ. لاَ عِنَبَ فِي الْجَفْنَةِ، وَلاَ تِينَ فِي التِّينَةِ، وَالْوَرَقُ ذَبُلَ، وَأُعْطِيهِمْ مَا يَزُولُ عَنْهُمْ.
(إرميا 8: 13)
وَالآنَ قَدْ وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ، فَكُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ.
(لوقا 3: 9)

أشار معظم المفسرين المسلمين في تفسير التين الذي ورد به القسم في مطلع سورة (التين) إلى أنه إما شجرة التين أو ثمار التين التي تؤكل، أو أنه جبل بدمشق. في كل الأحوال القسم هنا بطبيعة الحال يبدو أنه يفيد ضمناً ببركة هذا الشيء المقسوم به.

في المقابل تمت الإشارة إلى إحدى شجرات التين في العهد الجديد من الكتاب المقدس بأنها شجرة ملعونة، وهو ما يجعلنا في ظاهر الأمر أمام تضاد واضح في استخدام المجاز هنا بين العهد الجديد والقرآن، قد يصرفنا عن الالتفات إلى المضمون الحقيقي لذلك المجاز.

غني عن الذكر ألا معنى لأن يلعن المسيح شجرة تين غير مثمرة بحد ذاتها كما ورد في القصة الإنجيلية المعروفة، حيث استقر المفسرون اللاهوتيون في هذا الإطار على تفسير شهير لتلك الحادثة، فسروا خلاله حادثة اللعن تلك التي حدثت بعد خروج المسيح من الهيكل، بأنه لعن يراد إسقاطه من خلال المجاز على بني إسرائيل، كشجرة كانت ذات مظهر مورق خادع، إلا أنها لم تعد تأتي بالثمار، حيث كانت شجرة التين هي أحد أكثر استخدامات المجاز في التعبير عن الأمة اليهودية في العهدين القديم والجديد، كما نجد في العديد من المواضع ومنها على سبيل المثال تحذير المسيح إلى بني إسرائيل في أنجيل لوقا الأصحاح الثالث عشر:

كَلاَّ! أَقُولُ لَكُمْ: بَلْ إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذلِكَ تَهْلِكُونَ». وَقَالَ هذَا الْمَثَلَ: «كَانَتْ لِوَاحِدٍ شَجَرَةُ تِينٍ مَغْرُوسَةٌ فِي كَرْمِهِ، فَأَتَى يَطْلُبُ فِيهَا ثَمَرًا وَلَمْ يَجِدْ. فَقَالَ لِلْكَرَّامِ: هُوَذَا ثَلاَثُ سِنِينَ آتِي أَطْلُبُ ثَمَرًا فِي هذِهِ التِّينَةِ وَلَمْ أَجِدْ. اِقْطَعْهَا! لِمَاذَا تُبَطِّلُ الأَرْضَ أَيْضًا؟ فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُ: يَا سَيِّدُ، اتْرُكْهَا هذِهِ السَّنَةَ أَيْضًا، حَتَّى أَنْقُبَ حَوْلَهَا وَأَضَعَ زِبْلاً. فَإِنْ صَنَعَتْ ثَمَرًا، وَإِلاَّ فَفِيمَا بَعْدُ تَقْطَعُهَا».
(لوقا 13: 6-9)

والمجاز ذاته نجده في العهد القديم في وصف حال بني إسرائيل بعد الأسر البابلي والخراب الأول للهيكل:

جَعَلَتْ كَرْمَتِي خَرِبَةً وَتِينَتِي مُتَهَشَّمَةً. قَدْ قَشَرَتْهَا وَطَرَحَتْهَا فَابْيَضَّتْ قُضْبَانُهَا.
( يوئيل 1: 7)

يتصل كذلك هذا المعنى اللإنجيلي بتفسير قرآني متأخر لعالم التفسير الفلسطيني الشهير بسام جرار لآية: «وإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا»، حيث فسر الأخير الشجرة الملعونة في القرآن بأنها غير المؤمنين من بني إسرائيل، من خلال تأويل واجتهاد معمق ومطول، كما جاء في هذه المحاضرة.

جدير بالذكر أن اللعن المباشر قد ورد نصياً وبشكل حرفي لغير المؤمنين من بني إسرائيل في سورة المائدة القرآن الكريم في قوله تعالى: «لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ».

كما يجدر بالذكر أيضاً أن سورة الإسراء التي وردت بها هذه الآية اسمها كذلك هو سورة بني اسرائيل، حيث اشتهرت تسميتها بهذا الاسم في عهد الصحابة، فالكثير من الخطاب الموجه في آيات السورة هو موجه بالأساس إلى بني إسرائيل، وكما نلاحظ هنا فإن الآية ذاتها التي تناولت تلك «الشجرة الملعونة» قد أردفت ذكرها، بتحذير إلى طرف بعينه: «وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا».

وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) حديث في هذا السياق نقلاً عن حذيفة بن اليمان أورده ابن كثير، عن حادث الإسراء نقلا عن الْإِمَام أَحْمَد عن حُذَيْفَة بْن الْيَمَان، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رأى في ليلة الإسراء (وعد الآخرة أجمع) أي جميع أحداثه، ولا يخفى هنا أن وعد الآخرة بالمعنى الذي جاءت به آيات سورة الإسراء بعيدًا عن المعنى المباشر الذي قد يتبادر إلى الأذهان، هو الوعد اللاحق الذي يجيء بعد الوعد الأول، والذي سيتحقق على إثر نبوءة الفساد الثاني لبني إسرائيل في الأرض المقدسة.


بني إسرائيل والبشرية

إذا استخدمنا المجاز الإنجيلي، واستفدنا بأفق المعنى خلاله في سورة التين سنجد أن السياق المحدد للمعنى في هذه السورة، يتحدث عن كون الإنسان قد خُلق في أحسن تقويم، ثم عن انتكاسته بعد ذلك وسقوطه بعد ذلك في الهاوية إلى أسفل سافلين.

وهو ما ربما يضاهي تضاد المعنى في تأويل شجرة التين مجازياً، كشجرة مباركة يقسم بها في القرآن، وشجرة ملعونة في الإنجيل، حيث كانت تلك الشجرة المصطفاة من النسب الإنساني مزهرة مثمرة ذات يوم كما جاء في قول الله تعالى: «يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ» (البقرة: 47)، ثم جفت بعد ذلك ولم تعد تطرح الثمر أي الرسالات والنبوة.

اللافت هنا أن قصة لعن شجرة التين حدثت، قد دارت أثناء سير المسيح وحوارييه في طريقهم إلى القدس، وتحديداً أثناء مرورهم بجبل الزيتون، كما جاء في إنجيل مرقس:

(مرقس ١١:‏٢١‏)

واللافت هنا أن جبل الزيتون هو الجبل نفسه الذي ذكر المفسرون المسلمون أنه المعني المقصود به الزيتون في آية: «وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ»، حيث ينقل الطبري في تفسيره عن بشر عن يزيد عن سعيد، عن قتادة أن الزيتون المقسم به في الآية هو الجبل ذاته الذي في بيت المقدس.

ولعل العلاقة بين التين والزيتون والمقابل المجازي لهما بنهاية المطاف، تبدو في أتم الوضوح، حيث علاقة بني إسرائيل ببيت المقدس، كموطن تاريخي قبل الاجتثاث والشتات ثم العودة الثانية التي تنبأ بها القرآن، هي علاقة لا تخفى بطبيعة الحال.


لماذا تم القَسَم بتلك الأماكن الثلاث؟

وفِيمَا هُمْ مُتَوَجِّهُونَ مِنْ بَيْتَ عَنْيَا إِلَى أُورُشَلِيمَ مُرُورًا بِجَبَلِ ٱلزَّيْتُونِ،‏ يَقَعُ نَظَرُ بُطْرُسَ عَلَى ٱلشَّجَرَةِ ٱلَّتِي لَعَنَهَا مُعَلِّمُهُ صَبَاحَ ٱلْيَوْمِ ٱلْفَائِتِ.‏ فَيَقُولُ:‏ «رَابِّي،‏ ٱنْظُرْ!‏ إِنَّ شَجَرَةَ ٱلتِّينِ ٱلَّتِي لَعَنْتَهَا قَدْ يَبِسَتْ.‏

بعد التين والزيتون، يتتالى قسم الله تعالى في سورة التين إثر ذلك بالقسم كذلك بـ«طُورِ سِينِينَ . وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ»، وهنا يطرح التساؤل نفسه، لماذا أقسم الله تعالى بهذه الأماكن الثلاثة، وما العلاقة بينها؟

وتأتي الإجابة بعد التأمل في قصة كل مكان من هذه الأماكن الثلاث، بأن هذه الأماكن هي ذاتها الأماكن التي شهدت أهم المحطات الرئيسية في علاقة الإنسان بالله عبر التاريخ، ففي الوادي المقدس بطور سيناء كان تكليم الله لموسى ونشوء حوار بينهما، هو الحوار الأول بين الله والإنسان مباشرة دون وحي بالغيب.

ولسنا بحاجة هنا إلى أن نوضح المعنى أيضاً فيما يتصل ببيت المقدس أو بمكة المكرمة، حيث كانت المحطات التالية في علاقة الله بالبشرية ومهد الرسالات اللاحقة والأخيرة، بعد جفاف شجرة النسب التي أثمرت قبل ذلك النبوة والرسالات.

وسنختتم حديثنا هاهنا بنص في الكتاب المقدس يتناول ويتنبأ بتلك المحطات الثلاثة نفسها التي عبر عنها القسم مجازاً وظاهراً في سورة التين، من خلال تشبيه رسالات الله بأطوار الشمس في رحلة إشراقها، ورد في سفر التثنية بالعهد القديم، سنترك معه القارئ للتأمل، يقول:

جَاءَ الرَّبُّ مِنْ سِينَاءَ، وَأَشْرَقَ لَهُمْ مِنْ سَعِيرَ، وَتَلأْلأَ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ.
(التثنية 33: 2)

جدير بالذكر أن سعير هو جبل ببلاد الشام بجانب بيت لحم، وهي القرية التي ولد فيها السيد المسيح عليه السلام، وبرية فاران هي الصحراء التي ترك فيها إبراهيم هاجر زوجته وابنه اسماعيل كما جاء في العهد القديم.