ضربات عدة يتلقاها المواطن المصري يومًا يلو الآخر، فمع كل قرار بزيادة الأسعار تتراجع قدرة المواطن على تلبية احتياجاته. ويزداد الوضع سوءًا مع المتقاعدين، فبعد أكثر من 30 عامًا من العمل الحكومي، يتقاضى نحو 70% من أصحاب المعاشات ما يقل عن الألف جنيه أو يزيد قليلًا!

وبينما تزداد أسعار مختلف السلع والخدمات منذ انطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادي في 2014 وتعويم الجنيه في 2016، يجد أصحاب المعاشات أنفسهم مطالبين بأن يواجهوا بذلك المبلغ كافة متطلبات المعيشة. فكيف يمكنهم العيش بهذا المبلغ شهريًا ولديهم التزامات أسرية؟ هو مبلغ لا يكفي الفرد الواحد شهريًا! ماذا فعلت الحكومة في المقابل لتخفيف تبعات ذلك الإصلاح، في ظل تفاخرها شبه اليومي بإنجازاتها التي تحققت على صعيد مؤشرات الاقتصاد الكلي؟


زيادة الحكومة: لا تسمن ولا تغني من جوع

هكذا امتلأت صفحات الجرائد بذلك النبأ،وتداولته الصحف وكأنه مفاجأة سارة لأصحاب المعاشات. لم يتوقف الاحتفاء به عند حد الصحف. إذ كانت الحكومة ممثلة في وزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي أول من احتفت به، مؤكدة أن الدولة وضعت في اعتبارها أصحاب المعاشات عند بدء تنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي. وأنها قامت برفع الحد الأدنى لهم إلى 750 جنيهًا العام الجاري، لحمايتهم من ارتفاع الأسعار.

وبالفعل جاءت موافقة مجلس النواب على القرار في 4 من يونيو/حزيران الجاري، ليرتفع الحد الأدنى لقيمة المعاش بنحو 50% من 500 جنيه شهريًا إلى 750 جنيهًا، ويصبح الحد الأقصى للزيادة 626 جنيهًا شهريًا.

من المفترض أن تعمل تلك الزيادة -وفقًا لوجهة النظر الحكومية – على حماية أصحاب المعاشات من الارتفاع المستمر في الأسعار. ولكن الواقع العملي يشير إلى أنها زيادة لا تسمن ولا تغني من جوع. فنسبة الزيادة في قيمة المعاش (15%) لم تكمل سوى ربع قيمة ارتفاع الأسعار.

فمقارنة رقم الزيادة في حدود الـ 150 جنيهًا تُبرِز ظاهرية الإجراء وعدم جدواه، وتؤكد أنه لا يعني شيئًا، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار خفض الدعم الحكومي لأسعار الطاقة والتي تُقَدَر نتائجه بارتفاع الأسعار بما يقارب 70%.

فقد خفضت الحكومة مخصصات دعم المواد البترولية في موازنة العام المالي المقبل بنسبة 26%، وفي أقل من شهر رفعت أسعار 12 خدمة وسلعة أساسية، آخرها البنزين والسولار بنسب تتراوح من 40% إلى 66%.

وكانت هذه هي المرة الرابعة التي تزداد فيها أسعار الوقود منذ البدء في خطة تحرير أسعاره في يوليو/تموز 2014. وأتت الزيادات اللاحقة بعد التزام الحكومة في اتفاقها مع صندوق النقد الدولي المُبرم، في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، بتحرير أسعار الوقود واتباع سياسة تقشفية صارمة تقود إلى رفع الدعم لأسعار السلع الأساسية والخدمات العامة، وهو الاتفاق الذي بموجبه اقترضت مصر 12 مليار دولار.

وقد سبق هذه الموجة رفع أسعار تذاكر مترو الأنفاق 250 %،ومياه الشرب 46 %، والكهرباء 26 %، وهي التي سيتحملها المواطن مرتين، مرة من الزيادة المباشرة عليه في المنزل، وثانية في تحمل تكلفة زيادة أسعار السلع والمنتجات التي يُقرها التجار بعد تطبيق الأسعار الجديدة عليهم.


مزيد من الغلاء

لن يتوقف الأمر عند هذا الحد، فمن المرتقب أن تحدث موجة غلاء جديدة نتيجة هذه الزيادات، وفي إطار استكمال الدولة لإجراءات برنامج الإصلاح الاقتصادي، خلال يوليو/تموز المقبل، مع بدء تطبيق الموازنة العامة الجديدة 2018/ 2019.

وبدأت مقدمات تلك الموجة مع لجوء أصحاب شركات الأدوية العاملة في السوق المحلية إلى طرح خيار رفع تسعيرة الدواء، على خلفية ما وصفوه برفع سعر تكلفة الإنتاج على المصانع والشركات، بعد رفع أسعار الوقود والكهرباء والغاز والمياه.

وبالفعل خاطبت الشركات وزير الصحة بزيادة الأسعار بنسب تتراوح ما بين 20% و45%، مؤكدة أن تحريك أسعار الأدوية من جديد أصبح أمرًا ملحًا، نتيجة تعرضها للخسائر بعد زيادة التكلفة الإنتاجية عليهم.

وستؤثر تلك الخطوة – حال تنفيذها – على أصحاب المعاشات الذين ينفق أغلبهم جزءًا كبيرًا من المعاش على شراء الأدوية. خاصة أنها المرة الثالثة لرفع أسعارها بعد قرارات حكومية سابقة برفع أسعار ثلاثة آلاف صنف من الدواء، بنسب تصل إلى 50%، نتيجة ارتفاع كلفة الإنتاج واستيراد المواد التي تدخل في صناعة الدواء من الخارج، بعد تعويم سعر صرف الجنيه المصري وتهاوي قيمته بشكل غير مسبوق أمام العملات الأجنبية الاخرى.

ومن غير المتوقع أن يقتصر ارتفاع الأسعار على الأدوية فقط، إذ سيمتد ليشمل مختلف السلع الغذائية، لارتباط الصناعات الغذائية بالكهرباء، حيث تستخدمها في عوامل التبريد والتجميد والتجفيف.


إصلاح اقتصادي ولكن..

بصفة عامة، يمكن القول إن فاتورة الإصلاح الاقتصادي وتعويم الجنيه شكلت كارثة مزدوجة لأصحاب المعاشات. فمن ناحية شهدت الفترة التالية لتعويم الجنيه في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 2016 انخفاضًا ملحوظًا في دخول المواطنين وقيمة المعاشات. إذ انخفضت قيمة الجنيه بحوالي الثلث، وتحولت فئة كبيرة من أصحاب المعاشات من الطبقة الوسطى إلى الفقيرة.

فالموظف يخرج إلى المعاش ليتقاضى ألف جنيه شهريًا أو ما يزيد قليلًا، في الوقت نفسه الذي تتزايد فيه أسعار الطاقة (كهرباء وغاز وبنزين وسولار) بالإضافة إلى المياه؛ حتى ستصل إلى الأسعار العالمية كما أعلنت الحكومة من قبل، ما يلتهم أي زيادات أو علاوات يتم إقرارها.

ومن ناحية أخرى، نجد أنه بعد التعويم كانت قرارات البنك المركزي برفع سعر الفائدة على الجنيه إلى 20%، بمثابة القشة التي تعلق بها أصحاب المعاشات. فكثير منهم يعيشون على فوائد ودائعهم ومدخراتهم بالبنوك، والتي تمثل مكافأة نهاية الخدمة لكل منهم، وكانت هذه الزيادة في سعر الفائدة أداة يواجهون بها جزءًا من ارتفاع الأسعار.

أما الآن وبعد انحسار موجة التضخم وتراجعها من 33% إلى نحو 11% طبقاً لما هو معلن، اتجه البنك المركزي إلى خفض سعر الفائدة من 20% إلى 17% ومن 16.5% إلى 15%، الأمر الذي ضاعف من معاناتهم.


مصير مجهول

مفاجأة سارة لأصحاب المعاشات: الحكومة تقرر رفع نسبة المعاشات بـ 15 % هذا العام بحد أدنى 150 جنيهًا.

أخيرًا، يمكن القول إنه بالرغم مما تعلنه الحكومة دائمًا من مراعاة أصحاب المعاشات وسعيها لتخفيف العبء عنهم، فإن الممارسة العملية تسير في العكس مما هو معلن. فلم تكتف الحكومة بتلك الفجوة بين آخر راتب وأول معاش، وعدم قدرة أصحاب المعاشات على تلبية نفقات المعيشة، بل عملت على مضاعفتها عبر سد أي محاولة لتقليل تلك الفجوة.

وقد ظهر هذا جليًا حينما طعنت الحكومة ممثلة في هيئة التأمينات الاجتماعية ووزارة التضامن الاجتماعي على حكم القضاء الإداري الذي ألزمها بإضافة 80% من قيمة آخر 5 علاوات صدرت خلال وجود أصحاب المعاشات في الخدمة إلى قيمة ما يتقاضونه حالياً.

وقد شكّل هذا الطعن صدمة لنحو 9.5 مليون شخص وأسرهم في وقت هم فيه في أمس الحاجة إلى تلك العلاوات الجديدة. ومنذ ذلك الحين وهم ينتظرون مصيرهم المجهول وحكم المحكمة الإدارية العليا بشأن هذا الطعن. وفي الوقت ذاته، تُطالعنا الأخبار بزيادات جديدة في رواتب ومعاشات الوزراء والمحافظين والنواب. مما يثير العديد من التساؤلات حول هوية الضحايا الحقيقيين للإصلاح الاقتصادي.