العبودية ليست شيئًا من الماضي، وعلينا أن ندرك ذلك. إن طبيعة العبودية الحديثة تجعلها سرية ومخفية عن الأنظار، ولكن هذا لا يعني أنها لا تحدث في كل مكان، وأن كل بلد في العالم يتأثر بها.
مؤسسة «ووك فري» لـ CNN

مرض عضال لم تتخلص منه البشرية يومًا. تجارة يقع في براثنها آلاف الأبرياء من الأطفال والنساء والرجال. استغلال غير آدمي لأشخاص حُرموا من حقهم في عيش حياة سوية كريمة. أبى تجار البشر إلا أن ينتهكوا آدميتهم بكل الطرق وشتى الوسائل. مليارات الدولارات يجنيها هؤلاء من وراء تلك التجارة بأي وسيلة كانت. سواء بالخطف أو القسر أو الاستدراج لممارسة أعمال مُهينة في ظروف قاسية لا تليق بكونهم بشر.

لم تفلح الاتفاقيات والمواثيق الدولية في التخلص من تلك التجارة. فعلى الرغم من اعتماد الجمعية العامة لاتفاقية الأمم المتحدة لقمع الاتجار بالبشر في الثاني من ديسمبر/كانون الأول عام 1949. إلا أن العبودية الحديثة لا تزال جذورها متأصلة في العالم أجمع باختلاف صورها وأشكالها المتعددة. ومع اتخاذ الثاني من ديسمبر/كانون الأول من كل عام يومًا دوليًا لإلغاء الرق كوسيلة لتذكير العالم بحق الإنسان في أن يعيش حرًا، إلا أن الوضع يزداد سوءًا عامًا بعد عام. فوفقًا لتقدير منظمة العمل الدولية، فإن أكثر من 40 مليون شخص في جميع أنحاء العالم يقعون ضحايا للرق الحديث.

ووفق الأرقام والإحصائيات، فإن القارة السمراء تعاني بشكل كبير من جميع أشكال العبودية الحديثة، وباتت تحظى باهتمام دولي لا بأس به، وخاصة بعد التقارير التي ضج بها العالم عن تجارة العبيد في ليبيا.


أرقام وإحصائيات

وفقًا للتقرير السنوي لـ «مؤشر العبودية العالمى» الذي أعدته مؤسسة «ووك فري» لعام 2016، فإن مجموع المُستعبدين في أفريقيا جنوب الصحراء يمثل نحو 13.6% من مجموع المستعبدين في العالم. ويأخذ هذا الرق شكل العمل الجبري والزواج القسري. ففي غانا على سبيل المثال يعاني حوالي 103 إلى 300 شخص هناك من الاستعباد، 85% منهم يعملون بالسخرة في أعمال الزراعة وصيد الأسماك والعمل اليدوي، و15% ضحية للزواج القسري.

وفي جنوب أفريقيا، فإن مؤشر الرق العالمي يقدر عدد ضحايا الاستعباد بحوالي 250 ألف شخص. وأن 103 آلاف منهم يتعرضون للاستغلال الجنسي. فضلا عن العمل الجبري الذي تنتهجه الشركات المنتجة للنبيذ هناك.

بينما في موريتانيا، يشير مؤشر الرق العالمي لعام 2016 إلى أن عدد العبيد في البلاد وصل إلى 43 ألفا، الأمر الذي يجعل موريتانيا واحدة من أعلى الدول في معدلات العبودية للفرد في العالم. ووفقًا لتقرير المؤسسة فإن الرق في موريتانيا مُتجذر بعمق في النظام الاجتماعي للدولة إذ يتوارثونه جيلا بعد جيل.

فيما رصد صحفيون حوادث تجارة العبيد وسوء معاملة المهاجرين القادمين من الدول الأفريقية. إذ ذكّر رئيس المفوضية أن حوالي 3800 مهاجر أفريقي في ليبيا في حاجة للانتقال – فورًا – من هذا البلد، وأن العدد الإجمالي للمهاجرين الأفارقة الموجودين في ليبيا يتراوح بين 400 ألف و700 ألف شخص، يقيمون في 42 مخيمًا.


أشكال الاستعباد الحديث

للاستعباد الحديث صوره وأشكاله المتعددة أبرزها:

1. الاتجار بالأعضاء البشرية

تضج السوق السوداء بعصابات الاتجار بالأعضاء البشرية. إذ تتولى المافيات الإجرامية – التي تضم في تكوينها أساتذة جامعات وأطباء وأصحاب مراكز ومختبرات طبية وسماسرة – جلب آلاف الأشخاص من بعض دول الإقليم كمصر والسودان وليبيا والمغرب والجزائر واليمن لتبيعها في السوق السوداء. ووفقًا للتقديرات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية لعام 2015، فإن أكثر من 10 آلاف عملية بيع وشراء للأعضاء البشرية تحدث سنويًا بالسوق السوداء.

وأنه بفضل عمليات الاتجار والتهريب، تتم ما بين 5 – 10% من عمليات زراعة الكلى على مستوى العالم. وتُدرّ هذه التجارة أرباحًا سنوية تتراوح بين 600 مليون دولار إلى 1,2 مليار دولار. وفي دراسة نشرتها مجلة علوم الإجرام البريطانبة حول تجارة الأعضاء البشرية في مصر، أشارت إلى أن التجارة انتشرت بصورة ملحوظة منذ عام 2010. وأن اللاجئين السودانيين وخاصة غير الشرعيين يمثلون القسم الأكبر من الضحايا. لأن أغلبهم إذا أصابهم سوء بعد العملية فلن يتمكنوا من الإبلاغ بسبب عدم الاعتراف بوجودهم في مصر.

2. العمل الجبري

العمل الجبري هو مشكلة عالمية وفقًا لبحوث أجرتها منظمة العمل الدولية. إذ لا تمتلك أي دولة حصانة ضدها. سواء كان هذا العمل القسري على سبيل السخرة أو سدادًا للدين أو استغلالاً للعمال المهاجرين الذين لا ملجأ لهم.

ويبرز هذا النوع من الاستعباد بشكل واضح في أفريقيا، ففي موزمبيق على سبيل المثال، أثارت حمى الياقوت التي ظهرت في مناجم مدينة «مونتيبويز» الموزمبيقية المطامع وأعمال العنف، وبعد أن كانت تلك المناجم ملكًا لسكانها الأصليين، سيطرت شركة «جيمفيلدز» البريطانية على إدارة الشركة المحلية المسئولة عن استغلال المناجم هناك. وقامت بجلب عمال غير قانونيين للعمل في تلك المناجم واستغلالهم. وجراء ذلك برزت أعمال العنف والاقتتال بين العمال.وكانت الشرطة في موزمبيق تلجأ إلى عقابهم بالتعنيف والإيذاء النفسي والبدني – كأن يضربوا أنفسهم – كوسيلة للعقاب والإذلال.

وفي الجنوب الغربي لنيجيريا، كان يعمل الكثير من السكان في الزراعة وكانوا يتقاضون مقابل ذلك أجرًا، إلا أن الحال تبدل وحُرم العمال من حقوقهم الأساسية وباتوا محاصرين في المزارع، لا يُسمح لهم بالمغادرة إلا بعد تفتيشهم،ولا يُسمح لهم بالاحتفاظ بهواتفهم الخلوية. ينامون على الأرض في غرف متكدسة، وفي كثير من الأحيان يُحرمون من الوصول إلى المراحيض.

3. عمالة الأطفال والاستغلال الجنسي للنساء

بوجه عام، أشارت بيانات صادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونسيف)، أن واحدًا من أصل ستة أطفال يُستغل في العمل لصالح الغير. وهو ما يخالف صراحةً اتفاقية حقوق الطفل. التي تُقر المادة 32 منها (بحق الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصادي، ومن أداء أي عمل يُرجَّح أن يكون خطيرًا أو أن يُمثل إعاقة لتعليم الطفل، أو أن يكون ضارًا بصحة الطفل أو بنموه البدني، أو العقلي، أو الروحي، أو المعنوي، أو الاجتماعي).

وقد كشفت وزارة الخارجية الأمريكية أن نحو مليون طفل من أطفال الشوارع في شمال أفريقيا من البنين والبنات يُستغلون في البغاء والتسول القسري. كما أشارت إلى أن مصر هي مصدر ومقصد للأطفال والنساء المُتاجر بهم لأغراض العمل الجبري والاستغلال الجنسي، وأن شبه جزيرة سيناء باتت ملجأ لعناصر القاعدة والبدو المُهربين. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 50 عصابة للاتجار بالبشر تعمل حاليًا في سيناء.

وفي نيجيريا، بحسب تقدير المنظمة الدولية للهجرة في عام 2016، فإن عدد المهاجرين الأفارقة فيها بلغ 37,500. وقد لاحظت منظمة الهجرة أن عدد النساء المهاجرات تضاعف عدة مرات، وأن عدد القاصرات اللواتي يسهل التلاعب بهن في ازدياد أيضًا. وأنه يتم توجيه الأغلبية الساحقة من بينهن للاستغلال الجنسي والعمل في الدعارة. إذ تكثر في «بنين سيتي» النيجيرية عصابات الاتجار بالبشر.


مساعٍ دولية

في إطار المساعي الدولية للقضاء على الرق الحديث اعتمدت منظمة العمل الدولية بروتوكولاً جديدًا يهدف إلى تعزيز الجهود العالمية للقضاء على العمل الجبري. إذ دخل حيز النفاذ في نوفمبر/تشرين الثاني 2016. كما هدفت حملة «50 للحرية» إلى إقناع 50 دولة بالتصديق على بروتوكول العمل الجبري بحلول 2018.

وفي أعقاب قضية «مزاد العبيد» في ليبيا، شهدت العاصمة الفرنسية فعاليات حقوقية ومظاهرات مُندِدة بتجارة العبيد التي يقع ضحيتها المهاجرون الأفارقة في ليبيا. وأكدت الحكومة الفرنسية دعمها لتشكيل قوة عسكرية أفريقية للمساعدة في محاربة تجار البشر، إلى جانب تقديم الدول الأوروبية للدعم اللوجيستي والاستخباراتي لتلك القوة لضمان نجاحها في مهامها.

كما أشار رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فقيه محمد، خلال مؤتمر صحفي في ختام القمة الأفريقية الأوروبية إلى ضرورة تدمير الشبكات الإجرامية باستخدام آليات التعاون القضائية والأمنية.مُنددًا بهذه الأعمال الشنيعة. وتحت شعار «السلم والأمن الدوليين» عقد مجلس الأمن جلسة حول الاتجار بالبشر، ناقشوا فيها الأوضاع المثيرة للقلق في ليبيا.

وفي يوم الأربعاء السادس من ديسمبر/كانون الأول 2017، انطلق أول أعمال مؤتمر الإنتربول العالمي الخامس لمكافحة الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين الذي تنظمه المنظمة الدولية للشرطة الجنائية بالتعاون مع اللجنة القطرية لمكافحة الاتجار بالبشر، ودارت حلقات النقاش حول أهمية التعاون الدولي في سبيل مكافحة الاتجار بالبشر ودور الإنتربول في ذلك.