بينما يموج الوطن العربي بالحروب الطائفية في سوريا والعراق وتشتعل المنطقة بالتغيرات السياسية المفاجئة. يسعى الملك سلمان بن عبد العزيز البالغ من العمر (82 عاماً) لتوطيد ابنه الأمير الشاب محمد بن سلمان البالغ من العمر (32 عاماً) ودفعه إلى سدة الحكم على حساب بن نايف.

ولد محمد بن سلمان في 31 مارس 1985 بالرياض، وتلقى تعليمه العام بالرياض ثم حصل على بكالوريوس القانون من جامعة الملك سعود، ومن بعدها عمل مستشارًا متفرغًا بهيئة الخبراء بمجلس الوزراء في 10 أبريل/ نيسان 2007، وانتقل بعدها ليكون مستشاراً خاصاً لأمير منطقة الرياض في 16 ديسمبر 2009. وفي 3 مارس/آذار 2013 عين بأمر ملكي رئيساً لديوان ولي العهد ومستشاراً خاصاً له بمرتبة وزير، ثم صدر أمر ملكي في 23 يناير 2015 بتعيينه وزيراً للدفاع ورئيساً للديوان الملكي.


ملامح تحول النظام السياسي في المملكة

مر النظام السياسي للمملكة العربية السعودية بأكثر من تغيير منذ وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز، فجاء التغيير الأول في 23 يناير 2015 بعد وفاة الملك عبدالله بساعات وقبل إتمام البيعة الرسمية عندما أصدر الملك سلمان بن عبد العزيز 6 مراسم ملكية مكنت الجناح السديري من إحكام قبضته على السلطة.

فعين الأمير محمد بن نايف ولياً لولي العهد ووزيراً للداخلية، بينما عين محمد بن سلمان وزيراً للدفاع ورئيساً للديوان الملكي ومن بعدها تم تصعيده ليتولى منصب ولي ولي العهد. كما أُعفي خالد التويجري من مهامه وهو الذي كان يعتبر من أقوى رجال نظام الملك عبدالله بن عبد العزيز.

بينما جاء التغيير الثاني في 29 يناير 2015 حيث قام الملك سلمان بإجراء أكبر تغيير مر على المملكة بإصداره ثلاثين مرسوماً ملكياً، كان من بينها تشكيل مجلس للشئون السياسية والأمنية بقيادة محمد بن نايف، كما تم حل مجلس الأمن الوطني الذي يتولى أمانته الأمير بندر بن سلطان والذي تم إعفاؤه من منصبه كمبعوث للملك.

فأصبح هرم السلطة متمثلاً في محمد بن نايف البالع من العمر 56 عاماً في منصب ولي العهد، ومحمد بن سلمان البالغ من العمر 32 عاماً ولياً لولي العهد، وعادل الجبير حاليًا وزيراً للخارجية.


هل ينشأ صراع بين بن نايف وبن سلمان؟

جاءت افتتاحية صحيفة التايمز بعنوان «أمير غير محدود» لتقول «إن الإصلاحي الجديد في السعودية يستحق الكثير من الدعم الغربي»، لتعبر عن رضا أمريكا عن محمد بن نايف، كما كرمته وكالة الاستخبارات الأمريكية سلمته ميدالية (جورج تينيت)، والتي تقدمها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية للعمل الاستخباري المميز في مكافحة الإرهاب. وعقب تسلمه للجائزة وصف الأمير محمد بن نايف العلاقات الأمريكية السعودية بـ«الاستراتيجية»

وأضاف قائلاً:

بينما لم يحظ الأمير محمد بن سلمان بأي اهتمام من الإدارة الأمريكية في ذلك الحين.

فبينما لم يحدد الغرب أي الطرفين سيدعمه لتولي المملكة، هل سينشأ صراع على السلطة بين المحمدين؟ وهل يعتبر بن نايف الأقرب للسلطة كونه الأكبر سناً والأكثر خبرة والأكثر جماهيرية أم محمد بن سلمان باعتباره المتحكم في الوقت الحالي في جميع شئون المملكة، خصوصاً مع تدهور الحالة الصحية للملك سلمان بن عبد العزيز، خصوصاً وأنه يجري جولات خارجية لتسويق نفسه؟

عاصفة الحزم

بدأ محمد بن سلمان يسطع في سماء السياسة منذ أن قاد أولى الضربات الجوية في عاصفة الحزم ضد أهداف الحوثي في اليمن. كما وصفته صحيفة فايننشيال تايمز البريطانية بكونه:

رجل إدارة، لا يكلّ ولا يملّ خلال تعامله مع المجالس التي يقوم فيها المدنيون بتقديم التظلمات والطلبات، لافتة إلى أنه يظهر حاليًّا باعتباره تجسيدًا شبابيًّا للاستراتيجية السعودية الجديدة، في وقت قد تمثل فيه الحرب باليمن لحظة حاسمة ومهمة بالنسبة له.

سلمان ورموز غربية

يتمثل جهد وزير الدفاع في الالتقاء برموز غربية سواء وزراء خارجية أو رؤساء دول كبرى وسواء ذلك داخل المملكة أو خارجها، مما يتيح له الفرصة بشكل أكبر في الحصول على دعم تلك الدول من خلال ممثليها.

فالتقت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل كلاً من ولي العهد محمد بن نايف وولي ولي العهد محمد بن سلمان في اجتماعين منفصلين، حيث كان التعاون الثنائي وخصوصاً في مجال مكافحة الإرهاب هو صلب المحادثات كما تركزت المحادثات على المستجدات الإقليمية والدولة، والاجتماع المقبل لمجموعة الدول العشرين في مدينة هامبورج الألمانية

كما قام بن سلمان بزيارة موسكو في 31 مايو/آيار الماضي تلبية لدعوة الرئيس فلاديمير بوتين وجاءت تلك الزيارة عقب زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمملكة العربية السعودية. وأكد محمد بن سلمان حينها أن هناك الكثير من الملفات المشتركة بين البلدين ومن أبرز الملفات التي تناولها اللقاء ملف الأزمة السورية، و الملف الروسي الإيراني.

ترامب وما بعد الزيارة

كانت الزيارة الأولي لولي ولي العهد محمد بن سلمان للرياض عقب تولي ترامب إدارة الرئاسة الأمريكية في 14 مارس/آذار الماضي في البيت الأبيض، واتفقا على أن إيران تمثل تهديدًا أمنيًا على المنطقة، كما وُصفت المحادثات بأنها «نقطة تحول تاريخية» في العلاقات بين البلدين.

ومن بعدها استقبلت المملكة العربية السعودية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يومي 20 و21 مايو/آيار الماضي، حيث ترى السعودية تلك الزيارة بالاستراتيجية حيث أُعلن في «صحيفة الرياض السعودية»في افتتاحيتها أن:

الرئيس ترامب بزيارته للمملكة وعقده ثلاث قمم غاية في الأهمية على المستوى الاستراتيجي إنما يؤسس لمرحلة جديدة من التعاون السعودي الأمريكي والعربي الإسلامي الأمريكي، مرحلة نتوقع أن تكون حافلة بالإنجاز المؤدي إلى استقرار المنطقة وبدء مرحلة من التحالف القادر على الإنجاز باتجاه الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة التي تريدها شعوب المنطقة وتتطلع إليها

ونتج عن تلك الزيارة صفقة تجاوزت 400 مليار دولار منها 110 مليارات دولار مبيعات دفاعية للسعودية متمثلة في أمن الحدود ومكافحة الإرهاب، والأمن البحري والساحلي، وتحديث القوات الجوية، والدفاع الجوي والصاروخي، وتحديث الأمن السيبراني وأمن الاتصالات.

كما اتفق كل من ترامب وولي ولي العهد محمد بن سلمان على أن إيران تمثل تهديداً أمنياً على المنطقة فإن وزير الدفاع محمد بن سلمان خاطب إيران بلهجة حادة وعزم على نقل المعركة إلى طهران حيث قال «لن ننتظر حتى تصبح المعركة في السعودية بل سنعمل على أن تكون المعركة عندهم في إيران».


بن سلمان: ما بين الاقتصاد والحكم

لن ينجح من يحاول أن يزرع إسفيناً بين السعودية وأمريكا.

بينما شكل وزير الدفاع محمد بن سلمان دورًا محوريًا في سياسات مختلفة عبر السياسة الخارجية، أيضاً حاول جاهداً إبراز دوره في السياسة داخلياً، وبصفته رئيس مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية، فقد قرر أن يشرف على الإصلاحات التي تشهدها البلاد والمعروفة بـ«خطة 2030». وتكمن رؤية 2030 التي أطلقها بن سلمان في أبريل عام 2016 حول التمركز في تحديد الأهداف المالية، وسرد المسئوليات الإدارية الجديدة، واقتراح العديد من المبادرات وأساليب قياس الأداء. وتقوم على برنامجين؛ الأول: التحول الوطني، والثاني: التوازن المالي.

ومن ثم عشرة برامج جديدة يتم تنفيذها حتى 2020 والتي تكون بمثابة مساعد لتنفيذ برنامجي التحول الوطني والتوازن المالي، والتي سوف تكون ما بين اتفاق حكومي واتفاق من القطاع الخاص. ويرى محمد بن سلمان أن رؤية 2030 ستنفذ على ثلاث دفعات؛ دفعة 2020، ودفعة 2025، ودفعة 2030. ويهدف برنامج التحول الوطني لتطوير أداء الأجهزة الحكومية حيث يشمل 24 جهة حكومية، كما يسعى لإيصال نسبة البطالة في المملكة حتى تصل لـ7%. بينما يرى أن المملكة تستهدف في عام 2020 إيصال الدين العام إلى 30%.

فقام بن سلمان ببعض الإجراءات غير المسبوقة؛ حيث خفض الدعم على الطاقة، والرواتب لموظفي الدولة بنسبة 16%، ومناقشة خطط لخصخصة القطاعات الاقتصادية المختلفة مثل الرعاية الصحية والمياه والكهرباء، والأهم من ذلك أن الحكومة السعودية تدرس طرح جزء من شركة النفط أرامكو للخصخصة.

وبتمكين محمد بن سلمان يعود الجناح السديري لسابق عهده ونفوذه السياسي والسلطوي، الذي لا يتورع فيه عن القيام بأي شيء من أجل الحصول عليه، بينما سيكون محمد بن سلمان أكثر ديكتاتورية كونه متوغلاً في الدولة بشكل أكثر من محمد بن نايف سواء علي المستوى السياسي أو الاقتصادي. كما أن عزمه على نقل المعركة في قلب طهران سيجعل له شعبية كونه متسلحاً برداء الحرب وأمن المملكة.

ويعتبر البعض أزمة الخليج الحالية مع قطر هي فرص محمد بن نايف للوصول لسدة الحكم وإصلاح العلاقات السعودية القطرية وإحداث توازن خارجي، إلا أن الواقع يقول إن الصراع غير محسوم لأي الطرفين، وأن السلطة ستطلب دماءً كالتي سفكها بن سلمان في اليمن كي يتم الاستحواذ عليها، وأن المستقبل سيشهد صراعات ممتدة ليكون البقاء للأقوى.

المراجع
  1. الإنقلاب الناعم… كيف ستحدد السعودية ملكها القادم؟
  2. صراع المحمدين
  3. محمد بن سلمان يُصعّد.. وإيران ترد بدبلوماسية
  4. حصاد زيارة ميركل للسعودية