على خلفية قرار وزارة الأوقاف المصرية منع الداعية السلفي الشهير «محمد سعيد رسلان» من الخطابة، تصاعد الحديث في الإعلام والصحافة المصرية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي عن الشيخ صاحب المواقف المعروفة والمثيرة للجدل.

في ظل هذا التناول الكثيف لمواقف الرجل في هذه الأثناء يُتداول العديد من المصطلحات القادمة من الفضاء الفكري السلفي كالمدخلية والجامية، وتظهر على السطح تباينات بين التيار السلفي ومدارسه المختلفة، ربما لا يستوعبها الكثير من غير المختصين.

العودة قليلًا إلى الوراء لعرض سيرة الرجل ومسيرته، ومسيرة التيار الذي يُنسب إليه ونشأته في العالم العربي والإسلامي، قد تضيء أمامنا بعض الجوانب من هذا الركن المظلم من عالم الحركات والتيارات الإسلامية المعاصرة، والاستثنائي في علاقته بالسلطة.


من هو محمد سعيد رسلان؟

ولد محمد سعيد أحمد رسلان في قرية سبك الأحد بمركز أشمون بمحافظة المنوفية في مصر في 23 نوفمبر/كانون الأول من عام 1955م، وكما جاء في السيرة الذاتية في الموقع الشخصي للرجل على شبكة الإنترنت فهو حاصل على بكالوريوس الطب والجراحة من جامعة الأزهر.

كما حصل أيضًا على ليسانس الآداب قسم اللغة العربية شعبة الدراسات الإسلامية، وعلى درجة الماجستير في علم الحديث، وعلى درجة الدكتوراه في علم الحديث في بحث عن: «الرواة المُبدَّعون من رجال الكتب الستة».

لرسلان العديد من المؤلفات في مجال العلم الشرعي ونقد حركات «الإسلام السياسي» والحركات «الجهادية»، منها: (ضوابط التبديع، سلسلة: وقفات مع سيد قطب، صفات الفرقة الناجية، شرح عقيدة أهل السنة والجماعة لابن عثيمين، مصر والفوضى الخلاقة).

لتقاطع منهج رسلان مع تصورات الشيخ السلفي السعودي ربيع بن هادي المدخلي والشيخ السلفي محمد بن أمان الجامي أيضًا، يعد الرجل، وخصوصًا كما يصنفه خصومه الفكريون من التيارات الإسلامية، أحد أبرز دعاة تيار السلفية الجامية والمدخلية في مصر.

وتتمحور إلى حد بعيد الأفكار المحددة للخطاب الدعوي لرسلان خارج إطار التناحر المستمر مع التيارات والمذاهب الإسلامية الأخرى كالشيعة والصوفية، حول مسألة تأييده للسلطة والحكام في مصر والعالم العربي، ومناوءته دعوات التغيير والإصلاح السياسي التي تنادي بها حركات المعارضة ومعظم الإسلاميين.


ما هي المدخلية والجامية؟

ينسب هذا التيار كما هو واضح من اسمه للشيخين محمد بن أمان الجامي والشيخ ربيع بن هادي المدخلي، والأخير هو تلميذ للأول المتوفى منذ عدة سنوات، والذي كان يعمل مدرسًا لعلم العقيدة في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.

وتعود أصول الجامي إلى إثيوبيا، حيث ولد هناك في قرية تدعى طغا طاب بمنطقة هرر في شرق إثيوبيا، ومن هناك ارتحل إلى الصومال، ثم إلى اليمن، ثم إلى المملكة العربية السعودية، حيث تتلمذ هناك على يد العديد من علماء السلفية الوهابية، كالشيخ عبد العزيز بن باز المفتي السابق للمملكة.

برزت الجامية كاتجاه له ملامحه الخاصة والمستقلة داخل الفضاء السلفي على إثر حرب الخليج الثانية، حيث سعت المملكة العربية السعودية للاستعانة بقوات أجنبية في صد هجوم الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بعد احتلاله للكويت وتهديده للحدود الخارجية للمملكة، وهو الأمر الذي عارضه الكثير من علماء الصحوة الإسلامية ودعاتها في السعودية في ذلك الوقت.

وفي حين أباح العلماء السعوديون الرسميون كالشيخ عبد العزيز بن باز ومحمد بن صالح العثيمين الاستعانة بتلك القوات من باب الضرورة، تبنى محمد بن أمان الجامي وتلاميذه اتجاهًا أكثر التصاقًا بالسلطة من علماء المؤسسة الرسمية أنفسهم، حيث تصدوا بعنف وحدة لكل من سولت له نفسه انتقاد سياسة السلطة في هذا الإطار آنذاك، ورموهم بتهمة الخروج عن طاعة ولي الأمر.

الكثير من السمات التي تبدو من الخارج هي سمات للمدرسة السلفية بوجه عام هي في الحقيقة سمات تعود للتيار الجامي والمدخلي بالأساس، كالطاعة التعبدية للحكام، والتشدد الفقهي المبالغ فيه في الأحكام الفرعية، والمنابزة اللفظية، والإسراف في الاهتمام بتصنيف مخالفيهم تحت أسماء عقائدية شتى. وانتهاج مسلك الطعن والتجريح في الأشخاص المخالفين، وهو مسلك معلن من جانب منتسبي ذلك التيار بغرض تنفير الناس وتحذيرهم مما يرونه مخالفات وأخطاء يتبناها مخالفوهم.

وذلك يعود إلى الصعود البارز لهذا التيار داخل الأوساط السلفية منذ أواخر ثمانينيات القرن العشرين، حيث أصبح هؤلاء يقدمون أنفسهم على أنهم الأكثر ولاءً وإخلاصًا للنظام السياسي، ولاسيما في المملكة العربية السعودية، فضلًا عن انتشار خطابه وقاعدته الاجتماعية داخل قطاع واسع من الشرائح المهمشة في المجتمعات العربية.

في كتابه زمن الصحوة يوضح ستيفان لاكروا الطريقة التي توصل من خلالها المداخلة من إيجاد موطئ قدم لهم في الساحة الإسلامية وداخل المجتمع السعودي،حيث وضعت السلطات هناك بمساعدة وزير الداخلية محمد بن نايف – بحسب لاكروا – تحت تصرفهم أموالًا ونفوذًا إداريًا بشكل ساعد ذلك التيار على اجتذاب المُهمَّشين. وبهذا سار الانتساب إليهم هو سلم سريع للصعود داخل الفضاءين الاجتماعي والديني داخل المملكة العربية والسعودية وخارجها في بعض الأحيان. (زمن الصحوة، ص 285)

تلا هذا الصعود اللافت لذلك التيار في السعودية نقد هؤلاء وهجومهم على شخصيات دينية كانت مقربة في السابق من دوائر السلطة العليا هناك، حيث تمكن ممثلو هذا التيار في هذا السياق من الإطاحة بعدد من أساتذة الجامعات وإقصائهم عن مجال التدريس وإحالة آخرين إلى التقاعد وتهميش مجموعة كبيرة من الدعاة والأكاديميين والإداريين الإسلاميين، في حين سادت حالة من التسامح الخطابي والمجتمعي بينهم وبين الليبراليين في الوقت ذاته.

وقد عرفت الجامية والمدخلية بوجه عام في أي بلد كان بقربها الشديد من السلطة، وببعدها عن الخوض في النقاش السياسي، بشكل أدى إلى تحولها تقريبًا إلى تيار مضاد للتيارات الإسلامية الأخرى يتمحور خطابه حول نقد ممارساتهم وخطابهم، بل أحيانًا نقد أي شكل من أشكال المشاركة السياسية في المجال العام بدعوى رفضهم مبدأ التحزب السياسي.


السلفية المدخلية في مصر

يعد من أبرز رموز تيار السلفية المدخلية في مصر: «محمد سعيد رسلان، أسامة القوصي، محمود لطفي عامر، طلعت زهران»، فضلًا عن عدد من الدعاة آخرين، وحتى بين هؤلاء تسود الاتهامات التي يخرج من خلالها كل منهم الآخر عن عباءة السلفية التي يقصرها كل فريق محدود منهم على بعض رموزه وبعض أتباعه.

يتمحور خطاب التيار المدخلي في مصر خصوصًا حول نقد جماعة الإخوان المسلمين التي يصفها أسامة القوصي على سبيل المثال بأنها «أخطر جماعة في مصر» وبأنها «فكرة شيطانية» خرج من تحت ردائها جماعة التكفير والهجرة وحزب التحرير والجماعة الإسلامية، كما دعا إلى استئصالها واقتلاعها من جذورها.

ويتجاوز كما أشرنا نقد المدخليين جماعة الإخوان المسلمين والإسلاميين بوجه عام، ليمتد إلى إدانتهم أي شكل من أشكال الحراك الاجتماعي والسياسي، بل حتى المطلبي، فعلى إثر عقد الصيادلة المصريين إضرابًا اعتراضًا منهم على تشريع قانون جديد يمس بحقوقهم،هاجم محمد سعيد رسلان الصيادلة الذين وصفهم بأنهم ينعمون بالمال والرفاهية بسبب تجارة الدواء التي تدر – بحسبه – ربحًا هائلًا بعد تجارة السلاح كما ذكر.

كما اتهمهم رسلان بأنهم يتاجرون في الأدوية المحروقة، وفي الأدوية المخدرة، وباستخدام أجهزة قياس الضغط والسكر في صيدلياتهم بما يخالف القانون، وبتغييرهم لتاريخ صلاحية الأدوية بعد انتهائها، وأنهم يمنعون دواء الأنسولين عن مرضى السكري الذين قد يموتون بسبب ذلك، وهو ما اعتبره بمثابة قتل شبه عمد.

ولا يفوّت المدخليون المصريون فرصة الهجوم على المقاومة الفلسطينية، لاسيما حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، التي يهاجمها محمد سعيد رسلان بشدة ويصف أبناءها بأنهم من خوارج العصر؛ لأنهم انقلبوا على السلطة الفلسطينية في غزة وأسالوا الدماء، وذلك تعليقًا على ما جرى من أحداث خلال ما عرف بـ «الحسم العسكري» في غزة من جانب حركة حماس في عام 2007.