ما بين المعلومات الخاطئة التي يتداولها الجمهور، والمعلومات الزائفة التي ينشرها المتخصصون نتحدث اليوم، فالقارئ العربي لا يجد محتوى عربيًا يعتني بمصداقية المعلومة، فقط في المواقع الأجنبية الموثوقة التي تضع شروطًا حاسمة للنشر فيها بما لا يسمح للمعلومة الكاذبة بالتسرب إليها، لكن في مجتمعنا العربي تصبح المعلومة الخاطئة فردًا مُرحبًا به من أفراد الأسرة الواحدة، فأنت تقابل المعلومة الخاطئة أكثر مما تقابل الصحيحة، وفي علم التربية بالأخص تصبح المعلومة الخاطئة أمرًا قاتلاً، فهي ليست معلومة خاطئة عن تعداد سكان دولة كذا أو التاريخ الذي تولى فيه فلان حكم دولة كذا، بل هذه (معلومة) ستكون في القريب العاجل مسئولة عن تنشئة الطفل بشكل خاطئ، لذلك يصبح الوقوف في وجه المعلومة الزائفة ومحاولة تصحيحها أمرًا تتوقف عليه سلامة الطفل النفسية وبالتالي مستقبله كله.

بالتأكيد لا أريد بعد عشر سنوات أن أجد طفلاً فاسدًا أمامي لأكتشف أن المعلومة (كذا) التي قرأتها في السابق كانت خاطئة!، فما هي أشهر المعلومات الزائفة في التربية؟.


1. معلومة زائفة: «طفلك لا يعرف الملكية»

«طفلك يتصور أن كل شيء في العالم ملكه أن (ماما بتاعته) وأن (موبايلك بتاعه)، وأن (لعبة صديقه) لعبته، وأن (الحلوى الممنوع منها) ملكه، وهذا لأنه لا يعرف الملكية حتى العام الثالث أو الرابع، لذلك يجب التماس العذر للطفل عندما يبكي ويملأ المنزل صراخًا لأنه يريد (لعبة أخيه) أو (موبايل بابا)، لا تحاول توجيهه لأنه لن يستوعب ما تقول، فقط قم بإلهائه».

الصواب:

«الأطفال يدركون الملكية في بداية العام الثاني، فالطفل البالغ عامين يستطيع تحديد لأي من الأشخاص تنتمي الأشياء، وحتى الأطفال الأصغر من عامين، لديهم فرصة كبيرة لمعرفة الملكية عندما يدربهم الآباء بشكل جيد…».

بهذا تحدثت المعاهد الصحية الوطنية الأمريكية (NIH)، وهي الوكالة الرئيسية لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية المسئولة عن أبحاث الصحة، وكذلك نشرت المكتبة الوطنية الأمريكية للطب (NLH)، أكبر مكتبة طبية في العالم، بحثًا بعنوان: «لي أم لك؟ تطوير المُشاركة في الرُضّع وعلاقتها بفهم الملكية»، وكذلك أيدت عشرات الأبحاثوالدراسات[1] [2] [3]، منها دراسة جامعة هارفارد التي تقول:

لذلك بالاهتمام والتدريب طفلك سيُدرك الملكية جيدًا ويبدأ في سن صغيرة باحترام (موبايلك) و(لعبة أخيه) و(أشياء أمّه) التي يُمنع عنها.

كيف أعلم طفلي الملكية واحترام أشياء الآخرين؟

أولاً: احترم ملكية الطفل كي يحترم ملكيتك، لا يمكنك أن تنتزع من يده ما تريد ثم تطالبه بألا ينتزع منك بدوره ما يريد.

ثانيًا: ابدأ بتدريب طفلك قبل بلوغه العام الأول عن طريق استخدام الأسماء الواضحة لمالكي الأشياء ومطابقتها مع الأشياء؛ هذا: (هاتف بابا) وتلك: (عُلبة ماما)، فعندما يمسك الطفل شيئًا لا يجب إمساكه، لا تبادر بخطفه منه وانتهاك حدوده الشخصية، مد يدك طالبًا منه الشيء بلغة حاسمه تَذكُر فيها بوضوح اسم مالك الشيء، مثلاً أخذ طفلك هاتفك، قل له: «لا» ومد يدك أمامه طالبًا الهاتف وكرر اسم المالك: «هاتف بابا»، لن تُكرر هذا كثيرًا فعدة مرات وسيُدرك الطفل أن هذا الهاتف خاص بأبيه وسيعطيه لك ببساطة، ربما فيما بعد يحاول الحصول عليه لكن لأغراض أخرى (كمحاولة اكتشاف هل يمكنه كسر القواعد) أو (كأن يحاول بمكر الحصول على ما ليس له)، لا تخف، سيعطيه لك بسهولة عندما تطلبه، فهو بات يعرف أن الهاتف ملك أبيه وليس له.

وفي القريب العاجل بعد إتمام الطفل عامه الأول، لن يكتفي باحترام أشيائك فقط بل ستراه يُبدع ليس فقط في تحديد المالك، بل في إيصال الأشياء لأصحابها، جرّب في سبيل تطويره أن تعطيه شيئًا من أشياء والدته وقل له: (اعطه لماما)، نعم، سيذهب بالأداة لأمه ويعطيها لها، بل ستجد الطفل في أوقات الفراغ يتناول أشياءكما الخاصة من حول المنزل ويقوم بإعادة توزيعها عليكما، كلٌ منكما يأخذ حاجته الخاصة به فقط. كم يكون هذا جميلاً ومُطورًا للطفل!.

مثلاً ابنتي التي تبلغ عامًا و4 أشهر ترفض إعطاء محفظتي الشخصية لأمها وتصر على إعطائها لمالكها الوحيد (أنا)، كذلك هاتف والدتها ترفض إعطاءه لي وتصر على أنه (هاتف ماما)، لذلك يجب أن تأخذه ماما منها.

أيضًا في أي صراع مستقبلي لطفلك مع آخر حول لعبه ما، بمجرد أن تقول له (لعبة فلان) سيصمت لأنه نشأ على أن يحترم الآخرون أشياءَه؛ فسيحترم هو بالتالي ملكيات الآخرين.


2. معلومة زائفة: «لا يجب أن نسمح للأطفال بمشاهدة الشاشة قبل 4 سنوات»

– الصواب:

الشاشة مُفيدة للطفل لو تم استخدامها بشكل جيد ولوقت محدد، بل لا غنى عنها كأداة لتقديم المحتوى التربوي المرئي للطفل، لكن بالتقنين والتنظيم. الإسراف في وقت الشاشة يقلب الأمر للنقيض تمامًا، فتصبح الشاشة مُضرة وقاتلة لوعي الطفل وتفاعله بشكل كبير.

و رأي الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال في استخدام الشاشة أنها توصي بعدم تعرض الأطفال تحت 18 شهرًا للشاشة نهائيًا، بينما الأطفال بين عام ونصف وعامين، فيمكنهم مشاهدة (محتوى مرئي تربوي يختاره الأهل بعناية) لمدة لا تزيد عن (ساعة واحدة) يوميًا، كذلك الأطفال بعد عامين وحتى خمسة أعوام، ساعة واحدة يوميًا مع مراعاة جودة المحتوى.

ما معنى محتوى مناسب؟

(البرامج التليفزيونية) المُعدّة جيدًا للأطفال، تلك التي يمكنها تحسين المعرفة وزرع الصفات الفاضلة وتعليم الطفل المشاركة المُجتمعية وتوعيته الصحية باحتياجات النمو، والوسائط المرئية التي تعلمه مهارات كالقراءة والكتابة والتحدّث لمرحلة ما قبل المدرسة، هذه البرامج يُمكن للطفل مشاهدتها، لكن تظل مهارات مثل الصبر وتعلُّم السيطرة على الانفعالات والإبداعية والتفكير المنطقي، لا يتعلمها الطفل أمام الشاشة، بل بتفاعله في المُجتمع والحياة الواقعية وسط الآخرين.

بهذه الشروط يمكن للأطفال متابعة هذه البرامج حتى نهاية السنة الخامسة.

وبدءًا من السنة السادسة، يُصبح الطفل حُرًا من القيود، فيترك للأهل بعد ذلك تحديد وقت الشاشة فيما يتبقى من وقت الطفل، شرط إتمامه لمهامه اليومية كالتعلم والتواصل الاجتماعي وممارسة الأنشطة الرياضية و… و…

بشكل شخصي، أنا أفرق بين (التلفاز) و(الشاشة).

في الدول الأجنبية لديهم برامج تليفزيونية وقنوات يصلح بثّها الدائم للأطفال، لذلك تتضمن توصياتهم السماح بالتلفاز بالشروط المُعينة، لكن لدينا في ظل المحتوى التليفزيوني العربي المتداعي، لا أعتمد هذه التوصيات على (التلفاز) ولا أنصح بمشاهدة الأطفال لمحتوى عشوائي غير متحكم فيه نهائيًا.

أنت لا تستطيع أن تجد محتوًى تليفزيونيا عربيًا صالحًا تبثه أي قناة تليفزيون متخصصة أو غير، وحتى لو وجدتَ، الفواصل الإعلانية، والفترات بين البرامج وبعضها، قادرة بكفاءة على تلويث عقل الطفل، لذلك أعتمد التوصيات الأمريكية على (الشاشة) فقط، هذه التي يمكنني التحكم في البث من خلالها بواسطة (فلاشة) أو جهاز كمبيوتر يتم توصيله بها، أعرض عليها ما يخضع لإشرافي الكامل، وشبكة الإنترنت عامرة بآلاف الوسائط النافعة، فما حاجتي للبث العشوائي إذن؟.

ما هي المواد المرئية التي أنصحُ بتحميلها من شبكة الإنترنت؟

بحلول العام الثاني، يستطيع الأطفال تحديد هوية مالكي الأشياء عندما يتم توجيههم، ويعرفون أيًّا من الألعاب مملوكة لإخوتهم فيمكن إزعاجهم بالحصول عليها، حتى أنهم في العام الثاني يستطيعون استخدام الضمائر وعبارات الملكية بشكل ملائم، ويستطيعون التعرف على ممتلكات الأشخاص الغائبين.
  • كل محتوى قنوات (ناشيونال جيوجرافيك) الموجه للأطفال هو من أجود ما يمكن تقديمه للطفل.
  • الوسائط القديمة (الخالية من الابتذال) والتي تُقدم محتوى أخلاقيًا جيدًا، كتلك التي كنا نشاهدها أثناء الصِغر: (أغاني أنا الفرخة واحنا الكتاكيت – إبريق الشاي – أوبريت الليلة الكبيرة – أوبريت اللعبة – أغاني ليلى نظمي …إلخ).
  • كرتون (دورا) والوسائط التي تُعلم الأطفال (الأشكال – الأحجام – الألوان – الأعداد – التحدث).

لاحظ: قد يكون المحتوى جيدًا لكنه لن يجذب طفلك في سنه الصغيرة، السر في تقنية الإخراج، الكاميرا التي تُركز focus على وجوه الشخصيات فتبرزها حتى تحتل مساحة كبيرة من الشاشة، هذه مادة ستجذب طفلك برؤيته التي لم تتطور كاملة بعد، أيضًا الأطفال يركزون على الوجوه أثناء تعاملاتهم معنا، فمن الجيد إبرازها له في الوسائط، كذلك الحركة البطيئة يتابعها الطفل بشكل أفضل من السريعة، لذلك هناك مواد جيدة لكنها لا تراعي هذه النقاط فلن تجذب طفلك في سنه الصغيرة، لكنها ستصلح له في سن متقدمة، ستكتشف هذا بنفسك.

وفي النهاية، ليُشاهد طفلك (الشاشة) بهذه التوصيات وتلك الشروط، لكن تذكّر: التلفاز لا يُنصح به.

نستكمل في مقالات قادمة سلسلة (تربية زائفة).

المراجع
  1. At age 2, and perhaps younger, children use verbal testimony to learn who owns what (e.g., Blake, Ganea, & Harris, 2012; Gelman et al., 2012; also see Saylor, Ganea, & Vasquez, 2011).
  2. From a young age, children exert ownership rights over their own property. At age 2, children defend their property by appealing to ownership rights (e.g., “It's mine”; Dunn & Munn, 1987; Hay & Ross, 1982; Ross, 1996, 2012)
  3. At age 2, children also protest when a puppet takes their property or threatens to throw it away, although they do not protest when the puppet threatens others' property (Rossano, Rakoczy, & Tomasello, 2011).
  4. Children’s understanding of ownership transfers
  5. Mine or Yours? Development of Sharing in Toddlers in Relation to Ownership Understanding
  6. Young Children's Understanding of Ownership
  7. Toddlers’ Understanding of Ownership: Implications for Self-Concept Development