بعد وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم، تصاعدت إلى السطح أسئلة كثيرة حول تواجد أبناء المؤسسة العسكرية بما يمثلونه من قيم وأفكار في الحياة المدنية، إذ حدث انفجار كبير في عدد أبناء المؤسسة العسكرية الذي يتولون مناصب مدنية، محافظين ومستشارين ووزراء ووكلاء وزارات. لكن هذه التساؤلات لم تصل إلى المجال الرياضي المصري كما وصلت إلى غيره، حيث أن المجال الرياضي المصري وعلى مدى عقود طويلة ظل يتمتع بخصوصية عن باقي هذه القطاعات، حيث أن وجود الكابتن اللواء كان جزءًا لا يتجزأ من أي مؤسسة رياضية مصرية منذ زمن طويل. فماذا عن تواجد العسكريين والشرطيين في مجال الرياضة؟


مدحت شلبي: جنرال الإعلام المصري

وُلِد مدحت شلبي في مدينة أبو كبير بالشرقية عام 1944. ولد لأب يعمل في وزارة التربية والتعليم وكان يتنقّل من مدينة لأخرى ومن محافظة لأخرى بسبب ظروف عمل والده. لكن شلبي استطاع الالتحاق بكلية الشرطة حيث تخرج منها وعمل ضابطًا، ثم تدرّج في السلم الوظيفي حتى أصبح مساعد رئيس قطاع متقاعد.

أما عن علاقته بالرياضة، فقد بدأت عندما كان لاعبًا مع فريق الأحوال المدنية داخل وزارة الداخلية، إلا أن مهاراته المحدودة وعدم امتلاك الموهبة منعته من أن يذيع صيته وأن يصبح لاعبًا معروفًا. وأنهى شلبي مشواره في الشرطة لواءً يدير فريق الشرطة.

https://www.youtube.com/watch?v=A7MEOHB-eD4

لكن مع بداية التسعينات بدأت تختلف الأمور، فاتجه شلبي إلى الإعلام عبر شاشات التلفاز من خلال التلفزيون المصري، حيث عمل مقدمًا لبرامج مسابقات، وهناك تعرف على المهندس محمد عبد المنعم صلاح، عضو مجلس إدارة نادي الشمس حينها. وتوطدت العلاقة بينهما بشكل كبير وبالفعل استعان به مدربًا لفريق نادي الشمس. لكن مسيرة شلبي لم تستمر طويلًا مع الفريق؛ حيث تمت إقالته بعد تدهور النتائج. ثم درّب شلبي بعد ذلك عدة أندية في درجات الدوري الأدنى، إلى أن اعتزل التدريب في عام 1999. ثم تم تعيينه بعد ذلك مديرًا للعلاقات العامة والإعلام في اتحاد الكرة، وهو المنصب الذي استمر فيه لمدة عشر سنوات كاملة وهو ما مكنه من صنع شبكة علاقات عملاقة جعلته أحد أكثر المؤثرين في الرياضة المصرية. وفعلًا بدأ في استغلال هذه العلاقات وحصل على فرصة للظهور على الشاشة حيث تعاقدت معه قناة أوربيت لتقديم برنامج استوديو تحليلي للدوري المصري في عام 2007. لكن هذه التجربة لم تستمر طويلًا. حيث انتقل بعدها إلى قنوات مودرن سبورت مع قدوم رجل الأعمال وليد دعبس ليقدم البرنامج الشهير «مساء الأنوار» كبرنامج رئيسي إلى جانب برامج أخرى مثل «ستاد أفريقيا».

ويبقى أحد أكبر الأحداث في مسيرة شلبي، الأزمة المصرية – الجزائرية أثناء تصفيات كأس العالم 2010، حيث كان شلبي أحد مشعلي نار الفتنة والمحرضين على القطيعة مع الشعب الجزائري واستند آنذاك على أحداث اتضح بعدها أنها محض كذب. لكن ذلك لم يمنعه من الاستمرار في عمله حتى الآن.


اللواء الدهشوري حرب: صفر المونديال

ربما يعتقد كثيرون أن المذيع ومقدم البرامج مدحت شلبي هو النموذج الأوضح لدخول العسكريين للمجال الرياضي، لكن هناك مثالًا أكثر وضوحًا من شلبي، وهو اللواء الدهشوري حرب،الذي ولد في السابع يوليو عام 1941 بالقاهرة. بدأ الدهشوري حياته الكروية في نادي الترسانة في جيل الستينات، إضافة إلى أنه كان لاعبًا دوليًا في صفوف المنتخب الوطني موسم 1965-1966. لم يكن الدهشوري ذلك اللاعب الموهوب أو صاحب المجهود الخارق الذي تتهافت على توقيعه الأندية بل كان مجرد لاعب متوسط المستوى.

في الوقت ذاته وداخل وزارة الداخلية، كان الدهشوري يخطو خطواته الأولى تحت مظلة الدولة ويترقى داخل الوزارة، حتى حصل على رتبة لواء وشغل منصب مساعد وزير الداخلية ورئيس شئون الضباط. ورغم وضعه المتميز داخل الوزارة إلا أنه كان غير معروف لجمهور الكرة المصري. فحتى نهاية تواجده في الوزارة كانت حياة الدهشوري لا تشغل بال متابعي الكرة المصرية إلى أن تقاعد وتم تعيينه من قبل الحكومة كعضو مجلس إدارة اتحاد الكرة في المرة الأولى ثم كوكيل للمجلس في مرة أخرى.

واتضح بعد ذلك أن هذه التعيينات كانت بمثابة إعداد للواء ليحمل هو المشعل بعد ذلك ويرأس اتحاد الكرة. وحينما خاض انتخابات اتحاد الكرة على منصب الرئيس عام 2000، فاز بأغلبية ساحقة، ليصبح رئيسًا للاتحاد لمدة أربع سنوات. في ذلك الوقت، كانت الدولة تعلن دائمًا أن الدهشوري حرب هو «رجل المهام الصعبة»، القادر على انتشال الكرة المصرية من الوحل وإعادتها إلى الصورة الأفريقية والساحات العالمية. لكن الرياح لم تجرِ بما يشتهي الدهشوري والدولة معًا، حيث دخلت مصر في فترة إدارته سباق تنظيم مونديال 2010 ولم تحصل مصر على أي صوت لتخرج بخفي حنين من المنافسة فيما عرف بــ «فضيحة صفر المونديال» حينها. منع ذلك الفشل الذريع السيد حرب من الاستمرار في منصبه بعد انتهاء فترته.


علي زيوار: رجل عبد الحكيم عامر

رجلنا الثالث هو اللواء لاعب النادي الأهلي السابق محمد علي زيوار، المقرب من مجلس قيادة الثورة حينها وتحديدًا من عبد الحكيم عامر. ولد زيوار في الثاني والعشرون من مارس عام 1922 . ويعتبر زيوار أحد أبناء القوات المسلحة المصرية، حيث كان يحتل منصب سكرتير عام «اتحاد الجيش للألعاب الرياضية» ثم انتدبه عبد الحكيم عامر، الذي كان رئيسًا لاتحاد الكرة بجانب عمله كوزيرًا للحربية، ليعمل مديرًا للكرة داخل النادي الأهلي الذي كان يعاني حينها، وكان هناك اعتقاد سائد داخل الشارع المصري أن عبد الحكيم عامر الذي اشتهر بانتمائه لنادي الزمالك هو من وراء هذا الهبوط الحاد في نتائج المارد الأحمر. فبعث بزيوار إلى النادي الأهلي ليعمل مديرًا للكرة وبالفعل نهض النادي الأهلي من كبوته بعد عودة زيوار، واستطاع الأهلي تحقيق الثنائية حينها للمرة الأولى في التاريخ الكروي المصري.

لكن دور زيوار داخل أروقة النادي الأحمر كانت تتعدى الحدود الإدارية والكروية داخل النادي الأهلي. حيث وضع زيوار حزمة من القوانين واللوائح تضبط الحياة داخل النادي، بدءًا من مواضيع الحديث داخل النادي وحتى القيام بندوات واجتماعات تعزز من أهمية الجيش وأهمية مجلس قيادة الثورة وتحديدًا عبد الحكيم عامر وجمال عبد الناصر.

وفي عام 1959 كان زيوار قد بدأ مشواره مع التعليق الرياضي حتى توقف عن ممارسة هوايته المفضلة بعد تدهور حالته الصحية في السنوات الأخيرة حتى وافته المنية عن عمر يناهز 83 عامًا.


مناصب عسكرية في الاتحادات الرياضية

في اتحاد كرة القدم المصري الحالي لا يوجد الكثير من لواءات الصف الأول، حيث أن اللواءات متواجدون بالتحديد في لجنة أندية القسم الأول، وهم اللواء محمد عبد السلام نائب اللجنة واللواء مجدي اللوزي النائب الثاني واللواء محمد سمير حلبية عضو اللجنة واللواء عاصم الدسوقي عضو اللجنة أيضًا. وفي وزارة الشباب والرياضة فإن الحال لا يختلف عن باقي الوزارات المصرية، حيث أن مسؤول الإدارة المركزية لمكتب الوزير هو اللواء إسماعيل الفار. ويكفي المسمى الوظيفي فقط لاستنباط كيف يستطيع هذا اللواء السيطرة على ما يعرض على الوزير وما لا يعرض وكيف يمكنه السيطرة على أجندة ومشاريع الوزارة. وبالفعل فإن الفار هو مركز القوة الأكبر داخل وزارة الشباب والرياضة المصرية وهو المتحكم الرئيسي في قراراتها لما يمتلكه من نفوذ وسطوة.

الأمر لا يتوقف فقط عند حدود اللعبة الشعبية الأولى، بل يتعدى ذلك إلى رياضات أخرى. فاتحاد المصارعة المصري الحالي على سبيل المثال يقبع بداخل مجلس إدارته ثلاث أعضاء سابقين بالقوات المسلحة المصرية، وهم: المقدم هاني محمد عبد الفتاح نائب رئيس الاتحاد، والعقيد محمد محمود، والمقدم إبراهيم عادل إبراهيم. وبالطبع لا أحد يستطيع أن يسأل عن دور ثلاثة أعضاء من القوات المسلحة في مجلس إدارة رياضة المصارعة! وما إسهامهم الحقيقي في تنمية اللعبة وتوسيع قاعدتها الشعبية وتدريب اللاعبين الحاليين ومساعدة اللاعبين الكبار في السن إلى آخر وظائف الاتحاد.

أما في اتحاد كرة السلة، سنجد العقيد وائل لطفي هو مسؤول العلاقات العامة والمنتخبات، وهو المنصب المعروف بأنه يتمتع بالكثير من الامتيازات بدءًا من السفر والمكافآت، وانتهاءً بشبكة علاقات واسعة.


منتخب مصر العسكري

منتخب مصر العسكري بدوره يختلف عن باقي نظرائه في العالم. فصحيح أنه منتخب مثله مثل باقي المنتخبات العسكرية في العالم، لكن في كل الدول المشاركة في البطولات العسكرية، فإن الفريق هو مجرد فريق تابع لمجالس الإدارة الكروية أو المنظومة الكروية بشكل عام، أما في مصر فإن المنتخب الذي تأسس عام 1946 يتبع وزارة الدفاع المصرية مباشرة ودونما عودة إلى اتحاد الكرة. ويستغل المنتخب العسكري كون التجنيد العسكري في مصر إجباريًا لاستخدام اللاعبين وجلبهم من الأندية للمشاركة معه، مثلما كان يحدث مع عصام الحضري أحيانًا ونجم الزمالك السابق أحمد عيد الملك وغيرهم من اللاعبين.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.