محتوى مترجم
المصدر
موقع جريدة نيويورك تايمز
التاريخ
2016/06/04
الكاتب
روبرت ليبست
نحن نغفر لـ «محمد علي» تجاوزاته؛ لأننا نرى فيه الطفل الذي بداخلنا. إذا ما كان أحمق أو قاسيًا، إذا ما كان مغرورًا، أو إذا ما كان مغرمًا لدرجة شنيعة بصورته. نحن نسامحه لأننا لا نستطيع أن ندينه بأكثر مما ندين به قوس قزح على تبدده في الظلام. فأقواس قزح مولودة من قلب العواصف الرعدية، ومحمد علي هو كلاهما.
دايفيد كيندريك، كاتب سيرة محمد علي

تُوفي محمد علي، بطل العالم بالملاكمة فئة الوزن الثقيل لثلاث مرات، الذي ساهم في تعريف زمنه المضطرب، كواحد من أكثر الشخصيات الرياضية سحرًا وجدلاً بالقرن العشرين. تُوفي يوم الجمعة في أحد المستشفيات بمنطقة فينيكس، عن عمر يبلغ أربعة وسبعين عامًا. وأكّد خبر وفاته السيد بوب جنيلل، المتحدث باسم العائلة. والذي قال إن محمد علي، الذي عانى من مرض باركينسون على مدار أكثر من ثلاثين عاما، كان قد دخل المستشفى يوم الخميس 2 مايو لإصابته بمشكلة تنفسية، ولم يقدم جنيلل أية تفاصيل أخرى.

كان محمد علي أكثر مصارعي الوزن الثقيل إثارة، وربما يكون أفضلهم على الإطلاق. حيث جلب إلى الحلبة معزوفة غنائية جسدية، وطراز ملاكمة غير تقليدي، يجمع بين السرعة والرشاقة والقوة بسلاسة، كما لم يستطع أي ملاكم من قبله.

ولكنه كان أكثر من مجموع قدراته الرياضية، فهناك عناصر أخرى مثل عقله سريع البديهة، وشخصيته المرحة، وثقته العاصفة بالنفس، وقناعاته الشخصية دائمة التطور . عززت هذه العناصر جاذبيته التي لم تتكمن الحلبة من احتوائها. فقد كان فمه مصدرًا للترفيه مثل قبضتيه. وكثيرًا ما أرخ محمد علي، وروى أحداث حياته الحافلة باستخدام شعر هزلي من اختراعه هو.

كان محمد علي نجمًا مُستقطِبًا للاهتمام كما لم يعرف عالم الرياضة من قبله. فمثلما كان مثار الإعجاب كان مكروهًا خلال الستينيات والسبعينيات بسبب دينه، وآرائه السياسية والمجتمعية. فقد نُظر إلى رفضه للتجنيد خلال حرب فيتنام كتهديدات خطيرة من وجهة نظر المؤسسة المحافظة، وعلى النقيض كان موقفه هذا يمثل شكلاً نبيلاً للتحدي من وجهة نظر المعارضة الليبرالية. وكذلك كان رد الفعل حول مواقفه من الدمج العنصري خلال أوج حركة الحقوق الأهلية، وتحوله عن المسيحية إلى الإسلام، و تغييره لاسم «عبوديته» كاسيوس كلاي إلى اسم «محمد علي»؛ الاسم الذي اختاره له طائفة السود الانفصاليين، عُرفت بـ the Lost-Found Nation of Islam، والتي انضم إليها كلاي.

و بغض النظر عن إن أحببته أو كرهته، فلقد ظل لمدة خمسين عامًا واحدًا من أشهر الشخصيات على الأرض. كما أصبح محمد علي في سنوات حياته اللاحقة «قديسًا مجتمعيًا»، أسطورة. فقُوبِلت تضحيته بثلاث سنوات من ألمع سنوات حياته المهنية كملاكم، وبالتبعية تضحيته بربح لا يمكن تخيله من ملايين الدولارات، بالكثير من الاحترام. وكان لك لمبادئه المضادة للحرب، والتي كانت سببًا في طرده من حلبة الملاكمة. كما أعلت من شأنه بسالته، غير الخجلة، في مواجهة مرض غير قابل للعلاج، وكان محبوبًا للطفه مع العامة.

في عام 1996، ظهر علي مرتعشًا وشبه عاجز عن الكلام أثناء إشعاله للشعلة الأولومبية بمدينة أطلنطا. هذه الصورة البليدة مختلفة للغاية عن الشاب الضخم، الثرثار، الجذل، المُختال صاحب الاثنين و عشرين عاما القادم من لويزيفيل – كينتكي إلى المسرح العالمي عام 1964 لينتصر على سوني ليستون ويتوج بطلاً للعالم. أطلقت عليه الصحافة لقب «صوت لويزيفيل»، وأطلق هو على نفسه لقب «الأعظم». لقد أثبت محمد علي أنه شخصية قادرة على إعادة اختراع نفسها مرارًا.

عندما كان محمد علي مراهقًا ثرثارًا حديث الفوز بالميدالية الذهبية بأولمبياد روما 1960، كثيرًا ما ردد شعارات الولايات المتحدة أثناء الحرب الباردة. حتى أنه أعطى صحفيا من الاتحاد السوفييتي محاضرة عن تفوق ورفعة الولايات المتحدة. ولكنه تحول إلى منتقدٍ لبلاده وسياستها وأصبح مستهدفًا من الحكومة عام 1966 بإعلانه «ليس لدي شيء ضد الفيتكونج».

ولكن أيضًا كان لعلي مواطن نفاقه، أو على الأقل بعض التناقضات. فكيف يمكن له أن يعتبر نفسه رجلاً فخورًا بعرقه بينما يتهكم على لون بشرة وشعر و ملامح أفريقيين أمريكيين آخرين؟، ربما أشهرهم جو فرايزر خصمه ومنافسه في ثلاث مباريات كلاسيكية. فقد أطلق عليه محمد علي لقب الغوريلا، و استمر فرايزر في التعبير عن استيائه ومرارته لفترة طويلة بعدها.

إذا كان هناك عنوان يمكنه تلخيص طريقة إدارة محمد علي لحياته العامة، فغالبًا سيكون: «ليس علي أن أكون من تريدني أن أكونه، أنا حر لأكون من أريده». ألقى علي بهذا التصريح في الصباح التالي لفوزه بأول ألقابه في ملاكمة الوزن الثقيل، وكان تلخيصًا لكل جوانب حياته، بما فيها طريقته بالملاكمة.

روّع أسلوبه في القتال جمهورَ الملاكمة التقليدي. فكما قال منتقدوه، كان علي دائمًا ما يُبقِي يديه منخفضة عما يجب أن تكون. وبدلًا من أن يسمح للكمات الخصم بأن تنزلق بجانب رأسه بإمالته لليمين واليسار بما يشابه حركات الحياكة، كان يتفاداها بأن يميل إلى الخلف. ولكنه انتصر بأسلوبه في النهاية، فقد فاز بستة وخمسين قتالا بينما خسر خمسة على مدار واحد وعشرين عاما. ربما تكون حركة «جرجرة القدمين» الشهيرة لـ علي هي حركة استعراضية بالأساس، لكن حركة «خداع الغبي بالحبل» Rope-a-Dope، حين يلقي بنفسه على حبال الحلبة و يترك منافسه ينهك نفسه من كيل اللكمات، كانت الإستراتيجية التي مكنته من الانتصار على جورج فورمان واستعادة لقبه بمباراة الملاكمة المشهورة باسم «صراع في الغابة». التي أُقيمت بزائير (جمهورية الكونغو الديموقراطية حاليًا) عام 1974.

حياة علي الخاصة أيضًا كانت مليئة بالمتناقضات. فقد انتمى إلى طائفة تحتفي بالأواصر العائلية القوية، وكثيراً ما تطرق في حديثه إلى هذا الموضوع. لكنه خاض العديد من العلاقات العاطفية العابرة، فزاوجه الأول قصير العمر من سونجي روي انتهى بالطلاق لرفضها أن ترتدي وأن تتصرف كما يُفترَض لزوجة شخصية عامة. وكان يسافر بشكل علني مع فيرونيكا بورش، التي تزوجها لاحقًا، أثناء زواجه من زوجته الثانية بيليندا بويد. هذا الزواج، أيضًا، انتهى بالطلاق.

كان علي أيضًا مشهورًا بتمييزه السياسي والاجتماعي. فعندما سأله المحاور التلفزيوني دايفيد فروست بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 إذا ما كان يعتبر تنظيم القاعدة وطالبان أشرارًا، رد علي بأنه يرى الإرهاب خاطئا، ولكنه استطرد بـ «أنه يتفادى الأسئلة من هذا النوع» لأن «لديه جمهور يحبه». كما قال إن «لديه أعمالاً ومصالح في كل أنحاء البلاد» و صورة عامة عليه أن يضعها في الاعتبار.

و على الرغم من كونه المتحدث باسم مركز محمد علي، وهو متحف يرفع شعار «لنحترم، نأمل، ونتفهم» مقام بمسقط رأسه بلويزيفيل عام 2005، فقد كان علي معروفًا بمقاطعته لاجتماعات جمع التبرعات، وإلقاء ِنكات عرقية. يقول في واحدة منها: «إذا ما كان يجلس رجل أسود، ورجل ميكسيكي، ورجل من أصل بورتريكي في مؤخرة السيارة، فمن يقودها؟، هل استسلمت؟، الشرطة».

ولكن بمرور الزمن كان محمد علي قد خلق حوله الكثير من النية الحسنة والمحبة، حتى لم يعد هناك ما قد يغير صورته في إدراك جمهوره و العامة، مهما قال أول فعل. وهو ما عبر عنه دايفيد كيندريك، كاتب سيرة محمد علي الذاتية، بقوله: «نحن نغفر لـ «محمد علي» تجاوزاته؛ لأننا نرى فيه الطفل الذي بداخلنا. إذا ما كان أحمق أو قاسيًا، إذا ما كان مغرورًا، أو إذا ما كان مغرمًا لدرجة شنيعة بصورته. نحن نسامحه لأننا لا نستطيع أن ندينه بأكثر مما ندين به قوس قزح على تبدده في الظلام. فأقواس قزح مولودة من قلب العواصف الرعدية، ومحمد علي هو كلاهما».

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.