تختلف ظروفهم من بلد لآخر، تتنوع ثقافتهم وجنسياتهم، ولكنهم يتشاركون بعيش الطقوس الرمضانية. هذا هو حال مسلمي الغرب خلال رمضان، مازالوا حريصين على إحياء شعائر رمضان. ورغم افتقاد الكثير منهم لتلك الأجواء الاحتفالية، فإنهم يحاولون تعويضها بطريقتهم الخاصة.


فرنسا: حيث تتأقلم الأسواق

لم يعد رمضان أمرًا غريبًا في المجتمع الفرنسي، فالكثير يعرف بقدوم هذا الشهر، إذ وصل عدد المسلمين بها إلى ما يقارب 6 ملايين، معظمهم من المهاجرين من تونس والمغرب والجزائر.

ورغم افتقادهم الأجواء الرمضانية في بلادهم، فإنهم دائمًا ما يسعون لخلق أجواء مماثلة في أحيائهم الفرنسية، حيث تُنظّم موائد الإفطار في غالبية المساجد، وتكون أبوابها مفتوحة للمتطوعين. وكما هو الحال في المناطق العربية، يُقبل المسلمون على شراء السلع الرمضانية بشكل كثيف، فيشكلون بذلك قوة استهلاكية هائلة.

لم تغب هذه القوة عن إدراك المجتمع الأوروبي، خاصة أصحاب المحال التجارية، فبادروا إلى عرض تلك السلع بحجم كبير نافس المتاجر الإسلامية ذاتها. وأصبح من النادر الدخول إلى أحد المحال التجارية في الأحياء الشعبية، دون إيجاد التمور الآتية من تونس والجزائر. وقد انعكس ذلك بالطبع على الاقتصاد المحلي. إذ أشارت دراسة فرنسية إلى أن هذا الشهر يحمل للاقتصاد أكثر من 350 مليون يورو نتيجة زيادة حجم الإنفاق بين المسلمين.


بريطانيا: تمسك بالشعائر رغم الاختلاف

الوضع في بريطانيا مختلف إلى حد ما، خاصة أن بها أكثر من جالية مسلمة، ولكل جالية طباعها المختلفة، وغالباً ما يكون الاحتفال بهذا الشهر غير معلن.

ومع هذا تحرص الجاليات الإسلامية على إحياء الطقوس الرمضانية في أحيائها، فيشعر الصائم وكأنه في بلد عربي أو إسلامي. فالشوارع تكاد تخلو من المارة خلال ساعات النهار إلى ما قبل الإفطار، حتى تبدأ الحياة فيها من جديد. ويخرج المفطرون وعائلاتهم للتجول والاستمتاع بالسهرات الرمضانية التي تقيمها المطاعم والمحال العربية.

كما تفتح المدارس الإسلامية مساجدها وقاعاتها لإحياء ليالي رمضان، ويزداد عدد المرتادين المساجد بشكل كبير من مختلف الجنسيات. فيما تتنافس هذه المساجد لخدمتهم عبر استقدام أئمة من خارج بريطانيا لإقامة صلاة التراويح، وتنظيم الإفطار الجماعي.

كذلك أصبح ما يعرف بـ «راديو رمضان» من السمات المميزة لهذا الشهر ببريطانيا، حيث يتم البث من قبل بعض الشباب المسلم باللغات الإنجليزية والعربية والأردية، وتُوجه البرامج للمسلمين خاصة، ولأفراد المجتمع البريطاني بصفة عامة.


ألمانيا: غياب الأجواء الرمضانية

بالرغم من محاولات الكثير من المسلمين إيجاد الأجواء الرمضانية بهذا البلد، فإن الأمر يظل مقتصرًا على بعض المظاهر المتواضعة في أماكن التجمعات أو متاجر الجاليات العربية أو المسلمة بشكل عام. فمظاهر الحياة لا يطرأ عليها أي تغير ملحوظ، ولا تتغير مواعيد العمل، فيمارس المسلمون أعمالهم بشكل اعتيادي. ولا تختلف الوجبات الرمضانية عن غيرها إلا في مواقيت الإفطار والسحور.

المراكز الإسلامية والمساجد كذلك لا تُسجل نشاطًا واضحًا في هذا الشهر، إذ تستمر على عادتها في إقامة درس أسبوعي كباقي الأيام، وذلك نظرًا للطبيعة العملية لهذا البلد من جانب، وقلة المساجد والمراكز الإسلامية من جانب آخر، فألمانيا بأكملها لا يوجد بها سوى 150 مسجدًا، وتلك نسبة 10% من المساجد في فرنسا.

وبصفة عامة، أبرز المظاهر المميزة لهذا الشهر ما يُسمى بمهرجان رمضان. إذ يشهد العديد من الفعاليات من قبل الإفطار وحتى السحور، ويتيح للمغتربين فرصة عيش تجربة شهر رمضان، وفيه تُقدم الوجبات والخدمات على مساحة تتسع لعشرة آلاف شخص لتناول وجبة الإفطار.


الولايات المتحدة: رمضان في عهد ترامب

جاء رمضان هذا العام على مسلمي أمريكا كعادته كل عام، مقيمين شعائر الشهر الكريم في مساجدهم والمراكز الإسلامية الكبرى، دون اعتداءات عليهم، كالتي نالتهم في أوقات سابقة. ونظرًا لحجم الجالية الإسلامية التي تتخطى 10 ملايين نسمة، وبقوة شرائية تصل إلى 100 مليار دولار، اهتمت الشركات الأمريكية بهذه الشريحة، ومن بينها سلسلة متاجر «Party City» صاحبة الـ 870 متجرًا في الولايات المتحدة، التي قدمت منتجات وعروضًا خاصة بالمسلمين في رمضان.

إلا أن حال مسلمي أمريكا على المستوى الرسمي، منذ دخول دونالد ترامب البيت الأبيض، الأسوأ منذ عقود، نتيجة لقراراته التي زادت من حالة العنصرية ضدهم. ولم يكن رمضان بعيدًا عن هذه العنصرية، حيث ألغى ترامب العام الماضي حفل إفطار سنوي ينظمه البيت الأبيض منذ عام 1805، ولم يعلن حتى الآن عقد إفطار لهذا الشهر، وبهذا يكون ترامب أول رئيسي أمريكي أوقف هذا التقليد منذ قرنين من الزمان.


تصاعد الإسلاموفوبيا

رغم أن المسلمين فقط من يمارسون شعائر رمضان، فإن الصيام يؤثر على جميع المجتمع الدنماركي.. أدعو المسلمين إلى أخذ إجازة من العمل خلال الشهر لتفادي التداعيات السلبية على بقية المجتمع.

بهذه الكلمات دعت «إنغر ستويبرغ» وزيرة الهجرة والاندماج الدنماركية، في مقال لها نشرته عبر صفحتها على فيسبوك، المسلمين إلى أخذ إجازة طيلة هذا الشهر، وعلّلت ذلك بأن الصيام يؤثر على تركيز الصائم وقدرته على أداء عمله، كما ضربت مثالًا على ذلك بسائق حافلة «لم يأكل أو يشرب منذ أكثر من عشر ساعات»، قائلة: «إن ذلك قد يُشكل خطرًا علينا جميعًا». وواصلت: «أعتقد أن على المرء كمسلم يعيش في مجتمع حديث كالمجتمع الدنماركي أن يفكر في التداعيات الممكن حدوثها بالنسبة للمجتمع في حال التزامه بصيام رمضان».

تسبّب ذلك بموجة من الغضب والتنديد من قبل كثيرين اعتبروا أن هذا نوعًا من العنصرية تجاه مسلمي الدنمارك. إلا أنه من الواضح أن تلك التصريحات لم تكن الفريدة من نوعها. فكل عام في رمضان يعايش المسلمون في المجتمعات الأوروبية ضغوطًا متجددة، وتخرج الأوساط السياسية بتصريحات وتقارير تتحدث عن تحديات شهر رمضان بالنسبة للصائم وللمجتمعات الأوروبية.

وكان آخر ما ورد في هذا السياق مطالبة «مارتن سيكرت» السياسي الألماني بحزب البديل من أجل ألمانيا، المناهض للمهاجرين، بمنع الأطباء والطيارين وسائقي الحافلات والقطارات المسلمين من العمل إذا كانوا صائمين.

فبمنطق ستويبرغ، تساءل السياسي عضو لجنة الشئون العمالية بالبرلمان: «لماذا ينبغي لمريض أن يخضع لعملية على أيدي جراح لم يتناول شيئاً لمدة 12 ساعة؟».

أما في بلجيكا فقد احتج «فيليب ديوينتر» أحد قادة حزب «المصلحة الفلمنكي»، الشهير بسياساته العنصرية واليمينية، على توزيع بلدية مدينة «أنتويرب» وجبات سحور على المسلمين، وقال في منشوره مُحرضًا على إهانة الصيام: «شواء في رمضان، والقائمة تضم خنزيرًا ومشروبات كحولية».

ختامًا، ليس المقلق تلك الخطابات العنصرية أو التعديات الفردية تجاه بعض الجاليات المسلمة، إنما تلك السياسات والتصريحات التي يطلقها المسئولون وقادة الأحزاب، الآخذة في التزايد يومًا بعد الآخر، والتي ستساهم بلا شك في ارتفاع وتيرة العنصرية بشكل ممنهج، ليتعدى الأمر التضييق على بعض الشعائر والرموز الدينية.