محتوى مترجم
المصدر
UniverseToday
التاريخ
2017/05/16
الكاتب
إيفان جوه

واجه «كارل ساجان» لغزًا عام 1993، عندما رصدت مركبة جاليليو بعض الومضات من الأرض، ولم يستطع أحد تفسيرها. أطلقوا عليها اسم «انعكاسات براقة»، وكانت تظهر فوق المحيطات فقط، ولا تظهر فوق اليابسة.

التقط مسبار جاليليو صور هذه الومضات خلال أحد تحليقاته حول الأرض أثناء استغلاله لدفع الجاذبية الأرضية. وكان جاليليو في طريقه إلى المشتري وتم تحويل كاميراته نحو الأرض من مسافة 2 مليون كم. وكان كل هذا جزءًا من تجربة تهدف للبحث عن الحياة في أماكن أخرى. فكيف يكون شكل العالم الحي من بعيد؟، لماذا لا نأخذ الأرض باعتبارها مثالًا؟.

وفي 2015، أطلقت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)مرصد مناخ الفضاء العميق (DSCOVR)، وكانت وظيفته الدوران حول الأرض على بعد مليون ميل والتحذير من مناخ الفضاء الخطير. تمتلك ناسا على متن المرصد أداة قوية جدًا اسمها كاميرا الأرض متعددة الألوان (EPIC).

تلتقط كاميرا EPIC كل ساعة صورًا للجزء المضاء من الأرض، ويمكن رؤيتها على موقع EPIC. وبدأ الناس يلاحظون نفس الومضات التي لاحظها ساجان؛ المئات منها في عام واحد. وبدأ العلماء المسئولون عن EPIC في ملاحظتها أيضًا.

أحد هؤلاء العلماء هو «أليكساندر مارشاك»، مندوب DSCOVR في مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا، في جرينبيلت، ميريلاند. في البداية، شاهد مارشاك الومضات على المحيطات فقط، كما فعل ساجان منذ 25 عامًا. ولم يدرك مارشاك أن ساجان لاحظهم إلا بعد أن بدأ في البحث.

وفي 1993، كتب ساجان وزملاؤه ورقة يناقشون فيها نتائج الفحص الذي قام به مسبار جاليليو للأرض. وقالوا عن الانعكاسات التي لاحظوها: «تظهر مساحات واسعة من المحيط الأزرق والخطوط الساحلية الواضحة، وبتفحص أقرب للصور تظهر منطقة انعكاس [كالمرآة] على المحيط فقط وليس اليابسة».

ظن مارشاك أن هناك تفسير بسيط لهذه الومضات. يصطدم ضوء الشمس بجزء أملس من محيط أو بحيرة، وينعكس مباشرة على جهاز الاستشعار، بالضبط كأخذ صورة باستخدام ومضة ضوئية Flash في مرآة. هل كان الأمر يستحق أن يسمى لغزًا إذن؟.

عندما نظر مارشاك وزملاؤه مرة أخرى على الصور التي التقطها جاليليو، لاحظوا شيئًا لم يره ساجان عام 1993م: لقد ظهرت الومضات على اليابسة أيضًا. وعندما نظروا في الصور التي التقطتها EPIC، وجدوا ومضات على اليابسة أيضًا. ولذلك لم يعد تفسيرٌ بسيط كانعكاس الضوء على المحيطات صالحًا.

وقال مارشاك:

لقد وجدنا ومضات قليلة لامعة جدًا على اليابسة أيضًا، وعندما رأيتها للمرة الأولى ظننت أنه من الممكن أن يكون هناك بحيرة أو بعض المياه التي ينعكس عليها ضوء الشمس، لكن اللمعان كان أكبر بكثير، لذلك لم يكن الأمر كذلك.

لقد كان هناك شيء يسبب الومضات؛ شيءٌ عاكس. وفكّر مارشاك وزملاؤه، «تاماس فارناي» من جامعة ميريلاند، و«بالتيمور كونتي»، و«أليكساندر كوستنسكي» من جامعة ميتشجن التقنية، في طرق أخرى قد تسبب المياه هذه الومضات.

كان المرشح الأقوى لذلك هو جسيمات الثلج الموجودة عاليًا في غلاف الأرض الجوي. حيث تحتوي مجموعات السحاب الرقيق الموجودة على ارتفاعات شاهقة جسيمات صغيرة من الثلج مصطفة أفقيًا بشكل كامل تقريبًا. قام العلماء الثلاثة ببعض التجارب لإيجاد سبب الومضات، ونشروا النتائج في ورقة جديدة في مجلة Geophysical Research Letters.

لا يهتم البريق بالشمس أو بمكان EPIC.
أليكساندر مارشاك، مندوب مشروع DSCOVR

كما تفصّل دراستهم، قاموا في البداية بفهرسة كل الومضات الانعكاسية التي وجدتها EPIC على اليابسة: 866 منها كان في فترة 14 شهرًا من يونيو 2015 حتى أغسطس 2016. إن كانت هذه الومضات ناشئة عن الانعكاس، لوجب أن تظهر فقط في الأماكن التي تكون فيها الزاوية بين الشمس والأرض مساويةً للزاوية بين مسبار DSCOVR والأرض. وفي الـ 866 ومضة، وجدوا الزاوية متطابقة بالفعل.

استبعد هذا الأمر فكرة البرق باعتباره سببًا لهذه الومضات، ولكنهم وصلوا إلى استنتاج آخر: كانت الومضات عبارة عن ضوء الشمس المنعكس من على بلورات الثلج الموجودة بشكل أفقي في الغلاف الجوي. وأكدت أدوات أخرى موجودة على متن DSCOVR أن الانعكاسات قادمة من ارتفاعات عالية في الغلاف الجوي، وليس من سطح الأرض.

لا يقع مصدر الومضات على الأرض بالتأكيد. إنه الثلج، ومن المرجح أنه انعكاس الشمس على الجسيمات الأفقية.
أليكساندر مارشاك، مندوب مشروع DSCOVR

لقد تم حل اللغز. ولكن كما هو العلم دائمًا؛ إجابة أحد الأسئلة يقود إلى أسئلة أخرى. فهل يمكن استخدام رصد هذه الومضات في دراسة الكواكب الخارجية بطريقة ما؟ وهذا أحد الأسئلة التي يجب على المجتمع العلمي الإجابة عليه.

وبالنسبة لمارشاك، هو عالم أرضي. فهو يبحث في مدى انتشار جسيمات الثلج الأفقية هذه، ومدى تأثيرها على ضوء الشمس. إن أصبح ممكنًا قياس هذا الأثر، لأصبح من الممكن استخدامه في بناء النماذج المناخية في محاولة فهم كيف تقوم الأرض بالاحتفاظ بالحرارة وإخراجها.