للإسلام مكان كبير جدًا في حياتي سواء على الصعيد الروحي أو المهني. لقد منحني الإسلام نهجًا عقلانيًا، وصبرًا، ووعيًا حقيقيًا بما في أعماقي، وبالحقائق الموجودة في العالم الخارجي. الإسلام هو نظام أخلاقي شامل، وكل واحدٍ منا يمكنه أن يحيا على هداه بقدر استطاعته، وبحسب تطوره الروحاني. أنا أحاول أن أعيش إيماني بالطريقة الأكثر قربًا من الفطرة، ولا أتعامل معه على أنه أغلال!.

بهذه الكلمات عبّر إيريك جوفروا الباحث الفرنسي عن معنى الإسلام في حياته، ويذكر أشياء أخرى لعبت دورًا كبيرًا وهامًا في تحديد خياراته، منها: رحلاته الكثيرة في العديد من البلدان الإسلامية، ولقاءاته المتعددة ببعض الأشخاص المميزين مثل (إيفا دو فيتراي ميروفيتش) التي قامت بترجمة أعمال مولانا جلال الدين الرومي إلى الفرنسية، هذا بجانب قراءاته لمفكرين كبار لهم أهميتهم في الدرس الصوفي أمثال رونيه غينون وفريتجوف شيون وسيد حسين نصر وغيرهم.

«التصوفُ طريق الإسلام الجوانية» هو كتاب لإيريك جوفروا الذي دخل إلى الإسلام عبر بوابة التصوف كما دخل كثيرون غيره عبر هذا الباب المنفتح على اللانهائي الذي لا ينغلق ويقبل بالواحد والمتعدد. ينضم هذا الكتاب إلى سلسلة إصدارات خصصها جوفروا لدراسة التصوف الإسلامي، فحينما نطالع أسماء مؤلفاته نتأكد من إيمانه بأن الجوهر الروحاني هو القادر على أن يخرجنا من هذه الورطة؛ أي أن يحررنا من استغلال الدين كمجرد أداة سياسية ويتيح لنا في ذات الوقت أن نعيش بكل رصانة علاقتنا مع الحداثة!، كما يقول نصر أبو زيد. وجوفروا نفسه يعبّر عن ذلك بلغة مباشرة في كتابه المترجم الأخير: «الإسلام سيكون روحانيًّا أو لا يكون».

في كتابه هذا لا يعرف جوفروا القطع مع شيء أو مخاصمته، ويفيد من كل المواد التي تقع تحت يديه، فإذا تحدث عن الحقيقة المحمدية والنور الذي استمد وجوده من نور الأزل، يستفيد من ابن تيمية ولا ينعته بـ «عدو الرسول» كما نعت أحد المعاصرين من الصوفية ابن تيمية، وغيره من المعاصرين على منهج «السلفية»، وبلغة هادئة يخبرك أن ابن تيمية يقدّر هذه الفكرة ويؤمن بها، وإن لم يذهب معها إلى تطورها عند الصوفية لتصبح «الحقيقية المحمدية».

وحين يتحدث عن بعض الصوفية أتباع المذهب الحنبلي يخبرك بهدوء كـ(سلفي معاصر) أن وجود أمثال هؤلاءيضرب في الصميم مقولة أن المذهب الحنبلي يُعادي التصوف، ولا بد أن تراجع ما ورثته من مسلمات سببها الجهل والتضليل الثقافي الذي نعيشه اليوم.

ورغم أن الكتاب مدخلٌ للتصوف يقدّم وجبة سريعة وخفيفة في الآن نفسه (للقارئ الغربي) لا ينشغل في كتابه المدخلي بما لا يزال ينشغل به آلاف الكتبة في التصوف اليوم من بحث «مصدرية التصوف» أو «تعريفه» أو يفرد مساحة خاصة لـ رابعة أو الحلّاج؛ كأن التصوّف قد تلخّص في تلك الأسماء المشهورة دون غيرها، فينتقل من هذه الأمور التي تهتم بالهامش ولا تدخل في الفِكر الهامة، التي يودّ أن يعرف «القارئ الغربي» بها في هذا المدخل، الذي تتجاوز صفحاته في الأصل الفرنسي الـ300 صفحة.

لكنه يلخص في فقرات بسيطة ما يبصّر الطالب بحقيقة هذه المسائل. فنظرة إلى المعجم الصوفي تكفي لتؤكد مصدرية التصوف واستنادها إلى القرآن وأقوال النبي الأكرم، ونظرة إلى المقامات والأحوال التي يعبر من خلالها المريد إلى الطريق تؤكد استمدادها من معين الكلام الإلهي، ويذكّرنا بما قدمه ماسنيون في هذا الباب من اهتمامه بالاصطلاحات الصوفية، وما قدمه تلميذه الأب بولس نويا، ونتذكر عندنا من أعلام الدرس الصوفي ما قدّمه في مصر محمّد كمال جعفر في هذا الباب، وما قدّمه في المغرب عبد العزيز بن عبد الله، وهو ما يجعلنا نكرر أن الكتاب موجّه للقارئ الغربي وليس للقارئ العربي، إذ العربي بعد مطالعة هذا الكتاب تعلو وجهه حمرة الخجل، إذا وقف على حجم معرفته الضئيلة بـ «قلب الإسلام»، رغم وفرة المصادر والمراجع التي يحيله عليها الكاتب الفرنسي ويؤسس معرفته على هذه الكبسولات المختصرة، فالكتاب بمثابة دليل لتصحيح صورة الإسلام في الغرب لا بمثابة وثيقة للدلالة على ثقافة القارئ ومعرفته.

يقدّم الكتاب درسًا للفرق المتخاصمة (إسلاميًا)، بدرسه لتصوف الفقيه وحديثية الصوفي، ورغم ذكره لنماذج تؤكد الصراع بين هذه الفرق وغيرها، كالصراع الذي امتد فترة بين الصوفية والشيعة، إلا أنه يذكّرنا باتصال هؤلاء واشتراكهم عبر سلاسل النسب والعقائد وكلهم ساعٍ إلى الوصول.

من موضوعات الكتاب:

1-تعريفات التصوف وأهدافه.

2-التصوف وكيمياء الباطن.

3-التصوّف والتشيّع.

4-التأنيث الدائم في الزهد.

5-المثال القرآني والمثال المحمدي.

6-مدخل تاريخي للتصوف في الثقافة الإسلامية.

7-مدرسة التصوف البغدادية.

8-التنظّم المادي للتصوف.

9-التصوفّ كما يُعاش.

10-تصوف الأمس وتصوف اليوم.


مؤلفات إيريك يونس جوفروا

1- Un éblouissement sans fin – La poésie dans le soufisme, Le Seuil (Paris) 2014, 368p.

2- Le soufisme, Eyrolles (Paris), 2013, 188p.

3- L’Islam sera spirituel ou ne sera plus, Le Seeuil, Paris, 2009, 217p.

4- Le soufisme : voie intérieure de l’Islam, Le seuil, (points-sagesses), Paris, 2009, 335p.

5- Initiation au soufisme, Fayard, Paris, 2003, 322p.

6- Jihad et contemplation : vie et enseignement d’un soufi au temps des croisades, Albouraq, paris 2003, 156p.

7- L’instant soufi, Actes du Sud, collection « le souffle de l’esprit », Paris, 2000, 46p

8- La sagesse des maîtres soufis, Grasset, Paris, 1998, 314p.

9- Le soufisme en Egypte et en Syrie sous les derniers Mamlouks et les premiers Ottomans : orientations spirituelles et enjeux culturels, IFEAD, Damas, 1995, 595p.

1- الشعر الصوفي: انبهار لا متناه.

2- التصوف.

3- الإسلام سيكون روحانيا أو لن يكون. (تُرجم للعربية، ونُشر في مصر).

4- التصوف: الطريق الجوانية للإسلام (تُرجم للعربية، ونُشر في الإمارات).

5- مقدمة في التصوف.

6- جهاد وتأمل: حياة وتعاليم صوفي في عهد الحروب الصليبية.

7- اللحظة الصوفية.

8- حكمةُ الشيوخ الصوفية.

9- التصوف في مصر وسوريا في عهد آخر المماليك وأول العثمانيين: توجهات روحية وقضايا ثقافية.