تتصفح فيسبوك كما اعتدت يوميًا، يقابلك منشور لأحد الأصدقاء يعلن فيه عن تأسيس شركته الجديدة، ووصف المؤسس والمدير التنفيذي يظهر في صفحته وهو يضيء، الأمر الذي يجعلك تتساءل: لماذا لا أكون مثله؟ تقرر التفكير في مشروعك أنت أيضًا، تجلس لتضع مخططًا كاملًا له، الأمر يبدو واعدًا، تغني: «مليونير مليونير، بكرة هبقى مليونير» معتقدًا أنّك وجدت طريقك لتكون رائد أعمال جديد.

تأخذ خطوة فعلية للتنفيذ وبدء الشركة، وفي ذهنك صورة ستيف جوبز ومارك زوكربيرغ وإيلون ماسك، لكنّ افتراضاتك والأساطير التي دارت في مخيلتك تصطدم بالواقع الأليم، وتكتشف أنّ هناك العديد من الحقائق التي لم يخبرك بها أحد عن ريادة الأعمال.

حياة رائد الأعمال.. أن تحاط بالسعادة والمال من كل جانب

1- كل ما تحتاج إليه هو الشغف

ريادة الأعمال ليست سباقًا قصيرًا، وإنّما ماراثون. للأسف، يعتقد الكثير من روّاد الأعمال أن الأمر ليس إلا سباقًا قصيرًا؛ يظنون أنهم سيعدون لمسافة 100 ميل ليجدوا بعدها الأرض الموعودة. لكن الواقع أن الأرض الموعودة أبعد من ذلك بكثير.
عمر سدودي، شريك مؤسس لشركة بايفورت ورئيسها التنفيذي.

بالطبع الشغف بالفكرة يمثل أحد أهم الدوافع لإنشاء شركة ناشئة، لكن هذا لا يكفي للنجاح، فبينما الشغف يمنحك الدافع للبدء، هناك عوامل أخرى لا بد من وجودها للاستمرارية.

يجب أن يكون لديك خطة للتنفيذ والمرونة للتعامل مع المواقف، مع تقبل احتمالات الفشل في الكثير من الأحيان، ولا تنسَ مسئوليتك عن العاملين معك، فبالتالي احتياجك لوجود المال للإبقاء على رواتبهم بشكل مستمر.

2- رائد الأعمال هو رئيس نفسه

ثمة مفهوم خطأ يحدثني به كثير من رواد الأعمال الطموحين؛ وهو رغبتهم في تأسيس شركاتهم الخاصة حتى يكونوا هم من يديرون أنفسهم. ودائمًا ما أضحك لدى سماع ذلك، لأنه أحد أسوأ الأسباب التي تجعلك رائد أعمال.
إدريس الرفاعي، مؤسس شركة فيتشر ورئيسها التنفيذي.

هذه الأسطورة وإن لم تكن خطأ كليًا، فهي مضللة في الوقت ذاته لروّاد الأعمال، فبينما يكون لديك السلطة داخل الشركة التي تؤسسها، لكن دائمًا سيكون هناك أشياء أخرى لتفعلها، وعوامل خارجية تتحكم بك.

أ- عملك هو رئيسك: أنت في حاجة إلى وضع الخطط باستمرار، وتنفيذ المهام المطلوبة في مواعيدها، وسيكون من الصعب عليك العمل في الوقت الذي تريده فقط، بل ستجد نفسك مجبرًا على العمل في كل الأوقات، لا سيّما في المراحل الأولى من المشروع.

في بداية تأسيس شركة مايكروسوفت اضطر بيل غيتس إلى العمل في إجازات نهاية الأسبوع، ولم يكن يحصل على أي إجازة، فهو قد آمن بأنّها تضحية يجب تقديمها من أجل تأسيس الشركة.

ب- عميلك هو رئيسك: تهدف الشركة إلى تحقيق الأرباح، من خلال المبيعات للعملاء عبر تقديم الفائدة لهم وإرضاء احتياجاتهم، وبالتالي فشعور العميل بالرضا يؤدي إلى استمرارية الشركة.

من أجل هذا يعتبر تطوير العملاء أحد المكونات الرئيسية للاستراتيجية المرنة للمشاريع الناشئة (Lean Startup).

ج- المستثمرون هم رئيسك: الاحتياج للمستثمرين قد لا يكون ضروريًا لشركتك، لكن إذا حدث هذا، فإنّك ستكون على تواصل دائم معهم، ترسل لهم التقارير وتسعى للحفاظ عليهم.

شركة أوبر حتى هذه اللحظة ما زالت لا تحقق أرباحًا، بل تعتمد على الاستثمارات في متابعة عملها حتى الآن، مع توقع الربح في نهاية العام الجاري، هذا الأمر قبل أزمة كورونا وبالتالي فمن المحتمل أن يحدث تغيير، وهذا يبيّن أهمية وأثر المستثمرين على الشركة.

3- إذا لم يكن لك حلم.. ستضطر للعيش في أحلام الآخرين!

هذه الجملة قد تسمعها في واحدة من محاضرات التنمية البشرية، أو على منصات التواصل الاجتماعي، حيث الدعوات للجميع ليصيروا روّاد أعمال، وأن يتركوا وظائفهم الحالية للبدء في مشاريعهم الخاصة.

ليس ضروريًا أن نكون جميعًا روّاد أعمال، وإذا حدث هذا فلن تجد من يعمل معك في شركتك، فهذا التصور الخطأ يضع الناس في حيرة من أمرهم فيما يجب فعله. في الواقع عملية الاختيار ما بين الوظيفة في شركة أو بدء مشروع خاص، تعتمد على رغبات وأهداف كل شخص لحياته، فهو ليس منهجًا يجب علينا جميعًا اتّباعه، وإنّما يختار كلٌ منّا ما يناسبه.

فالوظيفة العادية تمنحك الاستقرار، حيث راتبك محدد من البداية وكذلك مواعيد عملك، فبالانتهاء من دوامك تغادر دون التفكير في أي مسئوليات إضافية، في حين رائد الأعمال لا يحصل على الربح من البداية، فهو يعرف أن الأمر مؤجل قليلًا، لكّنه يملك الرغبة في بناء عمل خاص به، ولذلك فغالبًا ما يبدأ رائد الأعمال كموظف في شركة، ثم بعد ذلك حين يملك فكرة يمكنه أن يبدأ في شركته.

4- يمكنك أن تبدأ دون خبرات

يتضمن قرار تأسيس شركة ناشئة العديد من العوامل، من أهمها التفكير في أثر الخبرات على نجاح المشروع، ومراجعة الاعتقاد بإمكانية البدء دون أي خبرة، سواءً في الإدارة أو في مجال العمل المتوقع للشركة.

مدثر شيخة الشريك المؤسس لشركة كريم حاصل على ماجستير في علوم الكومبيوتر، وقبل أربع سنوات من تأسيس كريم عمل في شركة ماكينزي للاستشارات الإدارية، تعلّم فيها الكثير عن الإدارة، وكذلك شريكه السويدي ماجنوس حاصل على درجة في علوم الكومبيوتر، وكان الاثنان في ماكينزي مسئولين عن أي شيء له علاقة بالتكنولوجيا.

أمير برسوم مؤسس فيزيتا حاصل على بكالوريوس صيدلة وماجستير إدارة أعمال، وفي عمله كمستشار إداري في شركة ماكينزي أند كومباني خدم العديد من الهيئات المعنية بالرعاية الصحية، بجانب خبرات أخرى في المجال الطبي.

لذلك ستجد أغلب مؤسسي الشركات الناشئة يجمعون بين الدراسة الأكاديمية والتطبيق الفعلي لمجال عمل الشركة، أو إحداهما على أقل تقدير، فهذه الخبرات يتم توظيفها لزيادة فرص نجاح المشروع.

5- يجب أن تخترع شيئًا من الصفر

من الأشياء التي تعيق البعض عن بدء مشروعه، تصور أنّه يجب اختراع شيئًا من الصفر للنجاح! في عالم اليوم حيث توجد الملايين من الشركات، يصبح العثور على فكرة جديدة كليًا تحد معقد تمامًا.

إذا نظرنا إلى الأفكار الموجودة حاليًا، سنجد أن سويفل لم تكن هي أول شركة للنقل الجماعي في مصر، وأوبر سبقت كريم للعمل بأربع سنوات، وجوجل لم يكن محرك البحث الأول، فالمهم عند اختيار فكرة المشروع أن تقدم إضافة لمستخدميها وترضي احتياجاتهم، فكلّما كان مشروعك قادرًا على ذلك، ازدادت فرص نجاحه.

6- ريادة الأعمال طريق المتعة والثراء

مع جائحة كورونا، أصبحت متابعة الأخبار عادة يومية، وبالطبع لا بد وأنّك قرأت عن زيادة أرباح منصة زووم خلال الأزمة، تفكّر مع أصدقائك: لماذا لا نقوم بعمل منصة شبيهة؟ حسنًا لقد تمكنّا من اختيار فكرة مشروعنا، لنبدأ وستكون ريادة الأعمال هي طريقنا للمتعة والثراء الفاحش.

يظن البعض أنّ البدء في تنفيذ أي مشروع يتكون من خطوتين فقط، وجود الفكرة ثم تنفيذها وجمع الأرباح، لكن في الواقع هناك العديد من المراحل التي تمر بها الشركات الناشئة، حيث تبدأ باستكشاف المشاكل والحلول الممكنة، وتحليل جدوى الحل الذي تراه مناسبًا، ثم تطوير منتج بالحد الأدنى من الخصائص لاختباره (MVP)، ثم بعد ذلك تقييم النتائج حتى يمكن تنفيذ المشروع بالفعل والربح منه في المراحل التالية.

فطريق ريادة الأعمال لا يمتلئ بالمتعة دائمًا، بل يحتوي على العديد من التحديات والاختبارات الواجب التعامل معها، والربح لا يأتي مباشرةً بل يمكن قضاء فترة من الوقت في الإنفاق على المشروع، لذلك يجب إدراك هذه الأشياء قبل الدخول إلى عالم ريادة الأعمال.

شركتك الناشئة: من الفكرة إلى الانطلاق

1- الفكرة هي كل شيء!

يؤمن الكثير أن مجرد وجود فكرة يعتبر كافيًا للبدء في مشروع جديد، بالطبع الفكرة هي المحور الرئيسي، لكن يجب التأكد قبل تنفيذها من ملاءمتها للسوق المستهدف لضمان إمكانية نجاحها، بجانب أنّ هناك العديد من الأشياء التي يجب تقييمها لدى رائد الأعمال، لأنّها ستؤثر على نجاح الشركة.

أ- التسويق: هل يوجد تصور عن كيفية التسويق للمشروع؟

ب- العلاقات: هل هناك علاقات يمكن الاستفادة منها في تنفيذ المشروع؟

ج- التخطيط المالي: هل يمكن للمؤسس عمل الموازنة الخاصة بالمشروع للبدء؟

د- مصادر الدخل: هل من المحتمل الوصول إلى مصادر أخرى لزيادة الدخل في المشروع؟

هـ- آلية التنفيذ: ما خطة العمل المتوقعة لتنفيذ المشروع؟

2- المخاطرة هي صديقتك

«والهدف الكلي لإدارة المخاطر، هو التأكد من أن الشركة لا تأخذ المخاطرة سوى في الأشياء التي من شأنها أن تساعدها في تحقيق أهدافها الأساسية، مع الاحتفاظ بجميع المخاطر الأخرى تحت السيطرة».

من النمط الشائع عن روّاد الأعمال أنّهم يحبون المخاطرة، ويعاملونها على أنّها صديقتهم في المشاريع، فهم يخاطرون بكل شيء في شركاتهم، وهذا سر تميزهم واختلافهم عن رجال الأعمال التقليديين.

لا أحد يحب المخاطرة لذاتها، وهي إن كانت جزءًا من حياة رائد الأعمال، فلا بد وأن تكون محسوبة النتائج، وهذه أهمية وجود إدارة للمخاطر في شركتك، للتعامل مع التقلّبات الدائمة في السوق والتغيّرات في الأوضاع الاقتصادية، أو للاستفادة من الفرص المختلفة.

3- لا بد من وجود مستثمر في المشروع

من أهم الأساطير عن بدء المشاريع الناشئة هي ضرورة وجود مستثمر في المشروع لتمويله، لكن هذا ليس الخيار الوحيد للاعتماد عليه، حيث تتنوع مصادر التمويل المتاحة لاستخدامها.

أ- الأموال الشخصية: في هذا الخيار يتم الاعتماد على المدخرات الشخصية أو المساهمات من مؤسسي المشروع. هذا الخيار يسهّل إدارة المشروع ويمنح فرص أكبر للتجربة والتعلّم من الأخطاء، حيث لا يوجد ضغط من المستثمرين الذين ينتظرون نتائج معينة، كما أنّه يجعل ملكية الشركة بالكامل لأصحابها.

اعتمد ستيف جوبز وشريكه ستيف ووزينياك على خيار التمويل الشخصي في بداية شركة آبل.

ب- الأصدقاء والعائلة: يمكن الاعتماد على تمويل المشروع بواسطة الأصدقاء أو العائلة، وهو خيار جيد، لأنّك ستحصل على دعم لفكرتك يمكن الاستفادة منه مستقبلًا في إقناع المستثمرين بوجود أشخاص سابقين اقتنعوا بالفكرة وقبلوا تمويلها.

ج- الحواضن والمسرعات: من أهم الخيارات التي تناسب المشاريع الناشئة الاعتماد على حواضن الأعمال ومسرعات الأعمال، والدعم الذي تقدمه هذه المنصات للمشاريع الناشئة من خلال البرامج المختلفة.

د- الاقتراض من البنك: الحصول على قرض من البنك لتنفيذ المشروع.

هـ- مصدر للاستثمار: اللجوء إلى مصدر معين كالمستثمر الملائكي أو رأس المال المخاطر.

اختيار المصدر المناسب للتمويل، يعتمد على حجم واحتياجات المشروع لا على التفضيلات الشخصية، فحتى مع الرغبة في عدم وجود مستثمرين، فإنّ التوسع والنمو قد يتطلب وجودهم في المستقبل، لكن الأكيد أنّه يمكنك في كثير من الأحيان أن تبدأ مشروعك بدون الحاجة إلى مستثمرين.

4- يمكنك أن تفعل كل شيء بمفردك

أحد الأساطير التي يجب دحضها تمامًا في ريادة الأعمال، أنّ مؤسس أي مشروع هو تنين مجنح يمكنه أن يفعل كل شيء، وبالتالي يمكنه أن يتولى مسئولية جميع المهام في الشركة.

يوجه مدثر شيخة الشريك المؤسس لكريم نصيحته الأولى لروّاد الأعمال أن يبحثوا عن الشريك المناسب عند تأسيس شركاتهم، وأن يختاروه بناءً على تشابه أهدافه وقيمه معهم، وكذلك لديه ما يعوّض النقص عندهم، فيكون هذا التكامل سببًا في النجاح.

ويؤكد معاذ شيخ الشرك المؤسس لشركة ستارز بلاي على أهمية فريق العمل حيث يقول: «فلسنا جميعًا أصحاب رؤى، وخبراء تقنيين، وخبراء في المنتج، ومطورين، ومتخصصين في المبيعات وجمع الأموال. فعلى هذا النحو، لن يكون معظم روّاد الأعمال مؤهلين للقيام بأي شيء، بمن فيهم أنا؛ بل من المهم أن يكون لديك فريق عمل مناسب يمكنه تعويض أوجه قصورك».

لذلك من المهم عند البدء في مشروعك أن تفكر في اختيار أنسب الأفراد للعمل معك، سواءً كشركاء مؤسسين للشركة، أو تعيين أشخاص لأداء وظائف معينة، ليتم تقسيم المهام بالشكل الأمثل لتنفيذ المشروع.

تأسيس شركة ناشئة قد يكون الحلم الذي تتمنى تحقيقه في حياتك، فكّر جيدًا قبل تنفيذه، ولا تفعل هذا مدفوعًا بأساطير خطأ عن عالم ريادة الأعمال، فهناك العديد من المشاريع التي تبدأ ثم سرعان ما تفشل بسبب أفكار أصحابها أو افتراضاتهم الخاطئة. ادرس هذا القرار جيدًا، وحاول تفهّم كل مخاطره، وأنّك قد تفني عمرك ومالك في القيام به، تأكد من امتلاكك للمقومات اللازمة للبدء، وأن تنفيذ هذا المشروع هو ما تريده حقًا، لا أن يُقال فقط إنّك رائد أعمال.