يعد كتاب «التاريخ العسكري للشرق الأوسط الحديث»[1] طرحًا جديدًا قدمه «جيمس بريان مكناب»، وهو أستاذ مساعد في جامعة تروي، في برنامج ماجستير العلاقات الدولية. يحمل درجة الماجستير في دراسات الأمن القومي من جامعة ولاية كاليفورنيا (سان برناردينو)، ودرجة الدكتوراه في العلوم السياسية (السياسة الدولية) من جامعة كليرمونت للدراسات العليا.

لدى مكناب خلفية ثقافية مهمة وعابرة للبحار، اكتسبها من خلال عمله بالتدريس في كازاخستان واليابان وكوريا الجنوبية والعراق، كما أجرى بحوثًا في تركيا والأردن والعراق. واستنادًا إلى هذه الخبرة التعليمية والمهنية، يقدم الدكتور مكناب تحليلًا متعمقًا للتاريخ والعمليات العسكرية في الشرق الأوسط منذ نهاية الإمبراطورية العثمانية المضطربة. فهو يُبحر بالقارئ عبر الأحداث التي وقعت في المنطقة؛ بدايةً من حملة نابليون عام 1798 وصولاً إلى وقتنا الحاضر، من خلال تأريخ الأحداث العسكرية التي شكّلت السياسات الشرق أوسطية.

قدم مكناب بحثًا وتحليلًا واسع النطاق للتاريخ الغني للمناطق، متبنيًا منظورًا أطلق عليه «الصراع الشامل»، استنادًا لمصطلح صامويل هنتنغتون «صراع الحضارات». والفرضية الرئيسية للكتاب هي أنه على مدى تاريخ الشرق الأوسط حاولت الإمبراطوريات والأنظمة على السواء تعظيم قوتها واستغلال الأيديولوجيات واستعراض قوة عملياتها العسكرية. وقد صاغ هؤلاء البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، ولكنهم أيضًا شكلوا طبيعة الشئون العسكرية بها.

ومن الناحية الشكلية، يتألف الكتاب من مقدمة وعشرة فصول وقسم من الحواشي وبيبليوغرافيا مختارة وفهرس، إضافةً إلى الاستخدام المتكرر للخرائط في جميع أنحاء الفصول، من أجل فهم الوضع الجغرافي للحوادث العسكرية بشكل أفضل.


حملة نابليون على مصر واضمحلال الدولة العثمانية

يبدأ الفصل الأول (حملة نابليون على مصر واضمحلال الدولة العثمانية) بشرح استراتيجية نابليون في دخول مصر عام 1798. ويستعرض مكناب المعارك الرئيسية وأهداف نابليون –حيث كان يهدف إلى تأسيس قاعدة له في مصر، والسيطرة على المجتمع المصري لتحرير الشعب، وإعادة بناء الحكومة بعد تفكيك النخبوية في البلاد- ثم يسرد عملية انسحاب القوات الفرنسية في نهاية المطاف عام 1801.

ثم تحدث عن محمد علي، وهو القائد الذي سبق عصره في تحديث المجتمع المصري والاقتصاد والجيش، مستعينًا في ذلك بالنموذج الأوروبي. ففي الجيش، وظَّف مستشارين فرنسيين وأرسل المصريين إلى أوروبا لتعلم اللغة الفرنسية حتى يتمكنوا من ترجمة الفرنسية إلى العربية.

ثم مهّد مكناب للحديث عن صعود الإسلام في المنطقة. ففي الجزيرة العربية في بداية القرن التاسع عشر، ظهر «الوهابيون» الذين تحالفوا وعملوا مع آل سعود. هذه المجموعة الأصولية استهدفت الإمبراطورية العثمانية في شبه الجزيرة العربية، وفي عام 1802 تمكنوا من الاستيلاء على مكة.

ردًّا على ذلك، أرسل محمد علي ولديه -طوسون وإبراهيم وهما شخصيتان عسكريتان بارزتان- للقتال مع الإمبراطورية العثمانية. ومن خلال نجاحاتهما العسكرية لم ينشر محمد علي نفوذه فقط في الجزيرة العربية، ولكن أيضًا في أفريقيا. كما نمت قوته أكثر حينما ساعد السلطان «محمود الثاني» في القسطنطينية على استرداد سلطته في البلقان واليونان ومقدونيا.

وفي مقابل هذا الدعم العسكري منحه السلطان مزيدًا من أراضي الإمبراطورية العثمانية. ثم يستعرض مكناب المعركة، بما في ذلك العنف، التي أدت في نهاية المطاف إلى معاهدة لندن عام 1927[2] حيث فُرضت الهدنة على الإمبراطورية من قبل بريطانيا وفرنسا وروسيا.

وفي ختام الفصل، يوضح مكناب أن تراجع الإمبراطورية لم يكن بالضرورة بسبب نقص القوة، ولكن لأسباب مالية. فالإمبراطورية العثمانية تُركت تعاني في الغبار بينما مضى العالم إلى الأمام.


الحرب العالمية الأولى والتركة العثمانية

يستهل مكناب الفصل الثاني (الحرب العالمية الأولى والتركة العثمانية) بالحديث عن الرجل الذي أصبح وزير الحرب العثماني «إساد باشا»، والذي كان مسئولًا إلى حد ما عن تحالف إسطنبول مع ألمانيا خلال الحرب العالمية الأولى. ثم يتحدث عن «مصطفى كمال»، وهو قائد عسكري بارز شارك في حملة الدردنيل، وتلقى تدريبات عسكرية ألمانية مكثفة. ويشير ماكناب إلى أن هذا التعليم كان مؤثرًا في عملية تجديد الجيش العثماني.

وخلال الحرب تمكن العثمانيون من السيطرة على المضايق الرئيسية في المنطقة، ويشرح مكناب التفاصيل العسكرية للحرب، ويشير إلى أن معركة جاليبولي، والتي كانت الإنجاز الأبرز للعثمانيين، لأن الحلفاء لم يستطيعوا السيطرة على مضيق الدردنيل. ولكن في نهاية الأمر حُيِّدت روسيا وتغيرت ديناميكيات الحرب.

ثم ينتقل مكناب إلى عام 1917، حيث وصول الجنرال «السير إدموند أللنبي» إلى مصر، الذي ساعد في دفع العثمانيين والقوات الألمانية خارج بلاد الشام، ووضع الأساس لتطوير الأراضي اليهودية؛ وبالتالي كانت اللبنة الأولى لدولة إسرائيل.


الحرب العالمية الثانية و«إقامة إسرائيل»

الفصل الثالث (الحرب العالمية الثانية) والرابع (الحرب الباردة وإقامة إسرائيل) يرسمان ملامح التدهور النهائي للإمبراطورية العثمانية. ويقوم مكناب بعمل ممتاز في تزويد القارئ بالأوصاف الواضحة للعمليات الرئيسية وأهميتها.

فخلال فترة الحرب الباردة، يناقش مكناب استراتيجية الاحتواء، وإنشاء منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وإنشاء حلف جنوب شرق آسيا (سياتو)، ومنظمة الحلف المركزي عام 1955 (أو حلف بغداد)، وهي التحالفات التي يعيد الحديث عنها تفصيلًا في الفصول اللاحقة.

والأهم من ذلك، كما يشير مكناب، أن ما حدث بعد نهاية الحرب العالمية الثانية في الشرق الأوسط قد أثر على الظروف المتدهورة التي بدأت معها الحرب الباردة. حيث فرضت الولايات المتحدة وبريطانيا ضغطًا سياسيًّا واقتصاديًّا على روسيا للالتزام بالاتفاق الأنجلو-سوفيتي لعام 1942 وسحب قواتها من إيران، وهو الأمر الذي حُلَّ عام 1946. وأخيرًا يروي مكناب تفاصيل معركة الاستقلال الإسرائيلي وتأسيس دولة يهودية[3] ففي عام 1948، أعلن بن غوريون إسرائيل دولة يهودية مستقلة، وأنشأ على الفور قوات الدفاع الإسرائيلية.[4]

وبعد فترة قصيرة من قيام الثورة المصرية عام 1951[5] والتي أشارت إلى تراجع مصر، وفي نفس العام[6] يتناول مكناب عزل حاكم إيران «محمد مصدق» واستبدال «الشاه رضا بهلوي» به. وفي حين أن الرئيس ترومان كان يعتقد أن مصدق هو حائط صد ضد الشيوعية في إيران، فإن الرئيس أيزنهاور آمن بخلاف ذلك.

يسرد مكناب تفاصيل عملية «أجاكس» المشتركة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، والتي كانت عبارة عن أمر رئاسي أمريكي تسبب في سقوط حكومة مصدق؛ وإعادة عرش البلاد للشاه صاحب السياسات البناءة، وليحل محل الرجل الذي حل محل والده.

وفي ختام هذه الفصول، يتناول مكناب إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية (PLO) عام 1964، وهي مجموعة رفضت ولا تزال ترفض قبول إسرائيل كدولة شرعية.[7]


الصراع العربي الإسرائيلي وتوابع الثورة الإيرانية 1979

الفصل الخامس (العمليات التقليدية العربية الإسرائيلية) والفصل السادس (الانسحاب العسكري البريطاني والثورة الإيرانية والحرب الإيرانية العراقية) مُهِّد لهما بشكل مناسب في الفصول السابقة، وذلك ليشرحا تفاصيل الصراع العربي الإسرائيلي، والثورة الإيرانية عام 1979، والأحداث العسكرية التي تلت ذلك في المنطقة.

يبدأ مكناب بسرد تفاصيل دور «موشيه ديان» في الحروب العربية الإسرائيلية عام 1956 و1967. وهناك أيضًا مناقشة مفصلة حول حرب الأيام الستة[8] وكيف سارت المعارك من الناحية العملياتية، وكيف انتهت.

ويُميّز مكناب مراحل تطور جيش الدفاع الإسرائيلي، ولا سيما الطريقة التي استخدمها أرئيل شارون أثناء الحرب؛ من خلال تكتيك الهجوم الجوي الأمريكي واستخدام المدرعات والدبابات. كما يناقش العمليات العسكرية التي تخللت حرب الاستنزاف وحرب الغفران.[9]

وفيما يتعلق بإيران، يشرح مكناب التحول العسكري الإيراني. بدءًا من مبدأ نيكسون، حيث يُزوَّد القارئ بتفاصيل مهمة حول كيفية مدّ إيران بالأسلحة وخبراء الأمن الأمريكيين، ضمن تفاصيل أخرى. بعد ذلك، يتقدم مكناب إلى الأمام بسرعة، إلى عام 1978، وكيف شلّت المظاهرات إيران وأضعفت الشاه.

فالشاه سعى إلى تحديث البلاد من خلال الصناعة والتعليم وإعمال مبدأ تكافؤ الفرص للمرأة؛ ومع ذلك، فإن القوة الدينية التي وقفت وراء المظاهرات لم تشاركه نفس المشاعر. ونتيجة لذلك، غادر الشاه وأسرته إيران في يناير/كانون الثاني 1979، وعاد «آية الله روح الله الخميني» من المنفى، الذي دام 14 عامًا، في فبراير/شباط من نفس العام.

يناقش مكناب أيضًا أزمة الرهائن في نوفمبر/تشرين الثاني 1979 في السفارة الأمريكية في طهران، والتي استمرت حتى يناير/كانون الثاني 1981. خلال هذا الوقت، وفقًا للكاتب، كان هناك نقص في التعاون بين الوكالات، ولا سيما بين وزارة الخارجية ووزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات المركزية (CIA).

كما يقدم مكناب مناقشة مطولة حول الحرب بين إيران والعراق، والتي شملت «حرب ناقلات النفط». ويتناول كذلك عملية «مخلب النسر»[10]

تحول مكناب بعد ذلك إلى سوريا، وتناول ما عُرفت بـ «مذبحة حماة» في فبراير/شباط 1982. كما كرّس انتباهه لشرح ملابسات صعود حزب الله والبيئة الفوضوية المحيطة بإسرائيل في لبنان بسبب حزب الله ومنظمة التحرير الفلسطينية، التي كثيرًا ما كانت تستهدف الدولة اليهودية.

قام مكناب بعمل ممتاز من خلال تبسيط «الأعمال الإرهابية» التي قام بها حزب الله[11] بما في ذلك تفجير السفارة الأمريكية في بيروت وتفجير مقر قوات المارينز، وعلاقة النظام الإيراني بذلك. ثم ينتقل مكناب للحديث عن الغزو السوفيتي لأفغانستان، وهو الأمر الذي مهّد إلى اضطراب أكبر في المنطقة.


غزو الكويت والجهاد الأفغاني

في الفصل السابع (تأسيس القيادة المركزية الأمريكية وغزو العراق للكويت وعملية عاصفة الصحراء) والفصل الثامن (احتواء صدام والجهاد في أفغانستان والهجمات الإرهابية على أراضي الولايات المتحدة)، يركز مكناب اهتمامه على أفغانستان والعراق والهجمات التي وقعت في 11 سبتمبر/أيلول 2001.

يزود مكناب القارئ بشرح واضح حول كيفية وأسباب تأسيس إدارة ريجان لـ «القيادة المركزية الأمريكية» USCENTCOM، في الأول من يناير/كانون الثاني 1983. وذكر أن هدفها الأول كان «ردع»، وإذا لزم الأمر، هزيمة الهجوم السوفيتي، الذي كان يستهدف الانخراط في التطورات المضطربة التي اجتاحت إيران.

وبحلول عام 1989 قيّمت القيادة المركزية الأمريكية أن صدام حسين كان أكبر تهديد لها في المنطقة. ومن هنا ينطلق مكناب في سرد غزو صدام حسين للكويت عام 1990، بشرح تفصيلي لمعارك هذه الحرب، بما في ذلك عملية «درع الصحراء»، التي كانت لحماية المملكة العربية السعودية، ثم عملية «عاصفة الصحراء» عام 1991، والتي يشرح فيها مكناب استراتيجية الولايات المتحدة وتوقيت الحملات العسكرية الرئيسية وتنفيذها، وكذلك كل التفاصيل التكتيكية للعملية.

بعد انتهاء الصراعات العراقية حوّل مكناب تركيزه إلى حركة طالبان الأفغانية، التي كانت قد احتلت كابول بحلول سبتمبر/أيلول 1996، وبالتالي سيطرت على ما يقرب من 80% من أفغانستان.

ما يلي هو لمحة عامة عن أسامة بن لادن وصعود القاعدة في البلاد. ثم تفاصيل تفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك عام 1993، والحديث عن المُخطِط «خالد الشيخ محمد»، بما في ذلك صلته بعملية «بوجينكا»، وهي مؤامرة إرهابية خُطط لها عام 1994، وكان من المقرر تنفيذها عام 1995.

تمثلت الخطة في تفجير قنابل في 11 طائرة متجهة من آسيا إلى الولايات المتحدة، واغتيال البابا «يوحنا بولس الثاني»، وفي النهاية تحطيم طائرة في مقر وكالة الاستخبارات المركزية. ويختتم مكناب الفصل بالحديث عن هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، و«عملية الحرية الدائمة» عام 2001[12] ثم عملية تحرير العراق عام 2003.


حرب العراق وصعود داعش

يبدأ الفصل التاسع (حرب العراق وصعود الدولة الإسلامية في الشرق الأوسط) بالحديث عن حرب العراق، وتحديدًا المفهومين اللذين كانا قوة دافعة وراء قرار الحرب؛ المفهوم الأول هو «الحرب الاستباقية»، الذي يشرحه مكناب بأنه «فعل مشروع بموجب القانون الدولي في الحالات التي يقرر فيها خصم أو عدو القيام بعمل عسكري، ويكون الهجوم إما جاريًا وإما وشيكًا للغاية». في هذه الحالة، فإن الدولة التي على وشك التعرض للهجوم تكون في موضع الدفاع عن النفس.

المفهوم الثاني هو «الحرب الوقائية»، حيث «يضع العدو نفسه في وضع الهجوم، لكنه لا يقوم بهجوم فعلي»، حيث يكون لدى الدولة معلومات استخباراتية كافية تفيد بأن العدو سيتخذ قرارًا بالهجوم عندما تكون الظروف مناسبة. وبناءً على حالة عدم اليقين تلك، تُبادر الدولة بالهجوم أولًا. يعاني هذا المفهوم من الالتباس، ومع ذلك يوضح مكناب أن الغزو الأمريكي للعراق لم يكن مبنيًا على هذا المفهوم بشكل فعلي، إنما تأسس على انتهاك صدام حسين لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

يوفر مكناب للقارئ تفاصيل حول الحملات العسكرية في العراق، مع التركيز على أهمية «معركة الناصرية». والتي واجه خلالها الجيش الأمريكي مجموعة شبه عسكرية غير نظامية، ولم تكن القوات مستعدة لها بشكل كافٍ. كانت هذه المجموعة مُشكلة بالأساس من فدائيي صدام، الذين كانوا بملابس مدنية، ونصبوا الكمائن، واستخدموا الأسلحة الصغيرة وقذائف الآر بي جي.

الأمر لم يتعلق بانتصار هذه المجموعة، بحسب مكناب، لكن المعنويات العراقية تلقت دفعة قوية لأن هذه المعركة أظهرت ضعف الولايات المتحدة.

بالإضافة إلى ذلك يناقش مكناب «معركة بغداد» واثنين من المداهمات المُلقبة بـ (البرق-الرعد)، يليها حل الجيش العراقي وعملية اجتثاث البعثيين من الحكومة العراقية. علاوة على ذلك، يشرح مكناب التوتر في العراق، والذي ساهم الإيرانيون في إثارته في محاولة لتمكين «نوري المالكي»، ومواصلة حرمان السكان السنة من حقوقهم.

ويختتم مكناب هذا الفصل بالحديث عن بعث تنظيم القاعدة على يد الزرقاوي في العراق عام 2004، وزيادة نشاط المتمردين في جميع أنحاء المنطقة، ثم انسحاب الولايات المتحدة من العراق عام 2011، وصعود الدولة الإسلامية.


حروب الغزو والهيمنة النفسية

يُلخص مكناب في الفصل العاشر (الملخص) الفصول السابقة، ويعيد النظر في مفهوم «الصراع الشامل». فوفقًا لمكناب «شهد النصف الأول من القرن العشرين جهودًا غربية، وخاصة بريطانية وفرنسية، لملء (فراغ السلطة) الذي نشأ عن الانهيار العثماني، وكذلك توسيع نفوذهم. وفي النصف الثاني من القرن نفسه نشبت الحرب الباردة، واستُبدلت ببريطانيا الولايات المتحدة كقوة عسكرية أساسية في الشرق الأوسط، والتي واجهت الجهود السوفيتية في توسيع سيطرتها ونفوذها، وفي الوقت نفسه قُوّضت المصالح الغربية في المنطقة».

يُقر مكناب بأن «الغرب نجح في تحقيق التفوق العسكري في العمليات العسكرية التقليدية، ولكنه يفتقر إلى التفاهم والكفاءة فيما يتعلق بـ (حروب الغزو) المقترنة بعمليات (الهيمنة النفسية)، كما لم يستوعب مفهوم (الصراع الشامل) في مقارباته الاستراتيجية المتنافسة».

ثم يشرح مكناب مفهوم «حروب الغزو» على أنها مزيج من الحرب النظامية وغير النظامية، لذلك، فإن التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة اليوم، وبالتحديد الجهاد الإسلامي العنيف، تتطلب تفهمًا لوجود ما يُسمى «الهيمنة نفسية»، والتي هي «استراتيجية للسيطرة على العامة والموارد والأسواق وطرق التجارة لأغراض أمنية واقتصادية». ويذكر مكناب أن هناك جماعات مثل الدولة الإسلامية تستخدم الدين لتوطيد سلطتها، حيث تنتقل من «إرادة الله إلى مجال الجرائم المحتملة ضد الإنسانية».

بشكل عام، هذا كتاب رائع إذا كان المرء يسعى لفهم تاريخ الشئون العسكرية في الشرق الأوسط، والذي شكّل في نهاية المطاف سياسة المنطقة. فالمؤلف لا يدخر أي تفاصيل بشأن العمليات الرئيسية، ولديه أسلوب كتابة جذاب. فلم يتتبع مكناب فقط صعود وسقوط الإمبراطورية العثمانية، والعواقب والأحداث التي تلت ذلك، لكنه يجعل القارئ يفهم كيف أثّر التاريخ على شكل شئون الشرق الأوسط في العصر الحديث.

في الختام، يستحق التاريخ العسكري للشرق الأوسط الحديث مكانًا على رفوف كتب الباحثين الممارسين، بجانب الكتب الأخرى ذات الصلة بالتاريخ العسكري للمنطقة، مثل: كتاب «الجيوش وبناء الدولة في الشرق الأوسط الحديث» لستيفاني كرونين (آي بي توريس، 2014) ومجلد «التاريخ العسكري للشرق الأوسط الحديث»[13] الذي حرّره باري روبنز (روتلدج، 2015).


هوامش المُترجِم

[1] جيمس بريان مكناب، «التاريخ العسكري للشرق الأوسط الحديث». برايجر للنشر، 451 صفحة، 2017.
[2] معاهدة لنلدن كانت عام 1840.
[3] المقصود هنا نكبة 1948.
[4] ما قام به بن غوريون في حقيقة الأمر كان توحيد العصابات الصهيونية التي كانت نشطة في فلسطين قبل ذلك، ومارس كل أشكال الإرهاب تجاه الفلسطينيين، تحت اسم «جيش الدفاع الإسرائيلي».
[5] الثورة المصرية وقعت عام 1952.
[6] الانقلاب على مصدق كان عام 1953.
[7] نشأت منظمة التحرير الفلسطينية لتكون جزءًا من المقاومة الفلسطينية للمحتل الإسرائيلي.
[8] المقصود هنا نكسة يونيو/حزيران 1967.
[9] المقصود هنا حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.
[10] هي عملية عسكرية فاشلة نفذتها القوات المسلحة الأمريكية بجانب القوات الخاصة في 25 أبريل/نيسان 1980 لتحرير الرهائن الأمريكيين في السفارة الأمريكية بطهران.
[11] ما قام به حزب الله من عمليات عسكرية لم تكن إرهابية، ولكنها كانت أعمال في سبيل مقاومة المحتل الإسرائيلي.
[12] المقصود هنا الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001.
[13] وهو عبارة عن سلسلة من المفاهيم النقدية في الدراسات العسكرية والاستراتيجية والأمنية.