ما أستطيع قولَه هو أن فرصنا قد زادت في الرحلات المستقبلية في أن نعثر على أثر للحياة، إن وُجِدَت على المريخ يومًا.

البروفيسور أشوين فازافادا.. من طاقم العلماء المشرف على مشروع المسبار كيوريوسيتي، معلقًا على الاكتشافات الأخيرة في المريخ.

لا يكف الكوكب الأحمر عن إثارة فضولنا، ولا تملُّ فكرة الحياة خارج الأرض من مداعبة خيالنا. وما بين هذا وذاك، هناك مساحة كبيرة للمبالغات. مؤتمر صحفي ضخم تعلن فيه وكالة الفضاء الأمريكية ناسا اكتشافًا جديدًا في إطار مشروع المسبار كيوريوسيتي، الرابض الآن على سطح كوكب المريخ، ليبحث ويحلل، طلبًا للأدلة العلمية على وجود حياة على الكوكب الأحمر.

تم العثور على بقايا مواد عضوية تحتوي عنصر الكربون الأساسي في كل الخلايا الحية، داخل إحدى صخور المريخ التي يرجع عمرها إلى 3.5 بليون سنة، والتي عثر عليها المسبار بالحفر في أعماق إحدى مناطق الكوكب، والتي يظن العلماء أنها كانت بحيرة قديمة، ولذا ركزوا المسبار فيها منذ عام 2012م. كذلك أثبتت تحليلات كيوريوسيتي وجود تذبذبات في تركيز غاز الميثان في أجواء المريخ على مدار فصول العام. والميثان على كوكب الأرض يعني وجود حياة. وقد تمكن المسبار من الوصول لهذه النتائج باستخدام المعمل الكيميائي الصغير المزود به، والذي يحتوي على فرن، يمكنه من تسخين بعض المواد من سطح المريخ، لاستخراج مكنوناتها. وقد تمَ نشر النتيجتيْن الجديدتيْن يوم الخميس 7-6-2018 في ورقتيْن علميَّتيْن على دورية science الشهيرة.


6 أعوام أرضية لكيوريوسيتي على سطح الكوكب الأحمر

ليست هذه هي المرة الأولى التي تتحفنا ناسا فيها بخبر مثير يخص رحلة المسبار كيوريوسيتي، منذ أن حطَّ رحاله على سطح الكوكب الأحمر عام 2012م. كانت البداية في نفس عام الوصول عندما عثر على أثر للمياه في إحدى مناطق المريخ. أظهرت الأبحاث حينها على أجسام الصخور التي وجدَها، ويظن أنها كانت في قاع بحيرة قديمة، أنه في يومٍ من الأيام كان يعلوها تيار من الماء سرعته حوالي 3 أقدام في الثانية، بارتفاع أقل من متر. في عام 2014م، عثر كيوريوسيتي على تركيزات من غاز الميثان في جو المريخ أعلى 10 أضعاف من الأرقام المسجلة سابقًا، ومن المعروف أن المصدر الأشهر لغاز الميثان على كوكب الأرض هو الكائنات الحية، لكن ذكر العلماء أن ميثان المريخ نتيجة التفاعل بين الماء والصخور في جوه البارد. في 2017م، عثر المسبار على آثار لعنصر البورون، وهو العنصر الخامس في الجدول الدوري، والذي يعتقد أنه كان موجودًا على سطح تجمعات مائية قديمة على المريخ.

فتح الاكتشاف الأخير شهية علماء الفضاء حول العالم للمزيد، خاصة مع اقتراب عام 2020م، حيث سيصل المسبار الأوروبي إكسومارس إلى سطح المريخ، وسيمتاز عن كيوريوسيتي بقدراتٍ أكبر على الحفر العميق، مما فتح سوق التوقعات لما يمكن أن يصل إليه من اكتشافاتٍ جديدة أكبر من قدرات كيوريوسيتي. كذلك أطلقت ناسا الشهر الماضي – مايو 2018 – الحفار الفضائي إنسايت نحو المريخ، والمتوقع وصوله أواخر نوفمبر 2018، ليقوم بالحفر إلى أعماق أكبر، بتكلفة إجمالية تتخطى مليار دولار.


هل يستحق الاكتشاف الأخير كل هذا الاحتفاء؟

الإجابة نعم ولا، لكنها أقرب إلى لا. بالطبع كل اكتشاف جديد، بُذِل فيه ما بُذِل من جهد للعلماء، ومن إنفاق سخي، يستحق الاحتفاء، حتى لو كان ما يزال أمامَنا طريق طويل للغاية قبل الوصول للهدف صعب المنال، في التوصل لحياة ملموسة خارج كوكب الأرض. لكن يهمنا للغاية استخراج الحقيقة الواضحة الصريحة من غبار المبالغات حتى نعرف موقع البشرية الفعلي من مسارها المطلوب. في السطور القادمة سنعرض أبرز التفنيدات لقيمة الاكتشافات الأخيرة لناسا.

أولًا: لا يعني الاكتشاف الجديد أنه أصبح بأيدينا دليلٌ قويٌّ يثبت أنه يومًا ما كانت هناك حياة على المريخ، أو أنه يومًا ما يمكن أن ندير حياة على سطحه. هو فقط نقلة صغيرة قد تقربنا – أو لا تقربنا – من هذا.

ثانيًا: رغم أن مصدر أكثر من 90% من غاز الميثان على الأرض هو الكائنات الحية، فإنه يمكن أن ينتج غاز الميثان من تفاعلات غير عضوية لا علاقة لها من قريبٍ أو بعيد بالكائنات الحية. إذ يمكن أن يكون مصدره التفاعلات بين المواد الكربونية الوافدة من المذنبات، وصخور المريخ الساخنة في الصيف المريخي، والذي وجدت التحاليل وجود أعلى تركيزات من الميثان فيه.

ثالثُا: ليس العثور على مواد عضوية تحتوي على عنصر الكربون على سطح المريخ، بالخبر الجديد، بل كان هناك بعض الأخبار غير السارة بخصوص هذا الأمر في السابق. في عام 1976م، وصل المسبار المزدوج فايكينج إلى سطح المريخ، وأرسل نتيجة صادمة ومحبطة في حينها.. يحتوي سطح المريخ على تركيزات من المواد الكربونية أقل من تلك الموجودة على سطح القمر الخالي من الحياة. تسببت هذه النتائج في تأخير بعض المشروعات المتعلقة باستكشاف المريخ في حينها.

رابعُا: ليس كل المواد العضوية الكربونية التي يُعثَر عليها على سطح المريخ من محتوياتِه الأصلية. إذ يمكن أن تصل إليه من خلال المذنبات التي تنهمر عليه من الفضاء، أو من خلال الغبار الكوني.

خامسًا: اكتشف العلماء المسئولون عن مشروع كيوريوسيتي أن بعض المواد الكربونية التي عثر عليها المسبار لم تكن سوى تلوث للبيئة المحيطة من تسرب بعض المواد الكربونية التي يحملها المسبار نفسه، خاصة عند قيامه بالتسخين إلى درجات حرارة مرتفعة للغاية.

الخلاصة، من الواضح أنه ما زال أمامنا الكثير من الوقت، ومهمة فضائية مريخية بعد أخرى، حتى نصل إلى نتائج ملموسة بخصوص وجود حياة على الكوكب الأحمر. وحتى يأتي ذلك الوقت، سنظل نتابع جيدًا، ونصفق لكل خطوة جديدة في هذا المسار المثير، لكن بالطبع دون مبالغات.