خلال الصراع الدائم بين المتعلمين منزليًا والمتعلمين في المدرسة، تظهر مجموعة من المقولات التي تتحدث عن ضرورة الالتحاق بالمدرسة، لأن المدرسة تعلمنا ما لا يمكن أن تتعلمه خارج المدرسة. ولكن هل هذا حقيقي؟

في هذا المقال نستعرض مجموعة من المهارات التي لن تتعلمها بشكل حقيقي إلا خارج المدرسة.


1. العلاقات الاجتماعية

يظن الناس أن الطريقة «الأفضل والأوحد» لتعلم تكوين العلاقات الاجتماعية هي بالالتحاق بالمدرسة ولكن الحقيقة أن المكان الأفضل لتعلم العلاقات الاجتماعية واكتساب خبرات حقيقة هو الشارع أو المجتمع الحقيقي وليس المدرسة، في المدرسة يلتقي «30 طفلًا على الأقل» في نفس الحيز المكاني، في الأغلب يكون الأطفال من نفس العمر بل وأحيانًا نفس المستوى الثقافي/ الاجتماعي.

السؤال الآن ما هي الخبرات الاجتماعية المكتسبة لدى أطفال في عمر خمس سنوات، متشابهين لحد بعيد في الظروف والخبرات والتي يمكن نقلها للأطفال الآخرين؟ وهل تستحق أن نضع أطفالنا في المدارس فقط لأجل هذه الخبرات؟

برأيي أن الإجابة لا، الخبرات الاجتماعية تكتسب بالتقليد وتنتقل تلقائيا من الكبار للصغار، فكم شاهدنا طفلة صغيرة تتحدث كأمها تماما، أو طفلًا صغيرًا يتعامل مع إخوته كما يتعامل والده معه، ولعلنا جميعًا نذكر ما قاله سهل بن سعد رضي الله عنه:

قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ
صلى الله عليه وسلم -، بِقَدَحٍ، فَشَرِبَ مِنْهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ، أَصْغَرُ الْقَوْمِ، وَالأَشْيَاخُ عَنْ يَسَارِهِ، فَقَالَ: يَا غُلاَمُ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ الأَشْيَاخَ قَالَ: مَا كُنْتُ لأُوثِرَ بِفَضْلِي مِنْكَ أَحَدا، يَا رَسُول اللهِ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ.

احترام الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الطفل، وجلوس الطفل في مجلس الرجال، والاستئذان، بل وقبول رفض الطفل لأن يتجاوزه الدور لصالح الأشياخ، ودعونا نقارن بين هذا الطفل وأطفال اليوم، المكدسين وسط الفصول، والذين لا نحتمل حضورهم مجلس الكبار، بل نطردهم ونجنبهم ونمطرهم بالنظرات والتأنيب في حال نطق الطفل أو تدخله في كلام الكبار، ثم نسأل أنفسنا لماذا لا يتطور أطفالنا اجتماعيًا بسرعة؟ لماذا لا يكتسبون المهارات الاجتماعية الضرورية والحقيقية؟

السبب الحقيقي أننا نعزلهم من مجتمعاتنا لصالح وضعهم في مجتمع «أبيض» غير مكتسب للخبرات ولا مقدم لها، ثم نلومهم.

أفكر في ابني المتعلم منزليا، وأقول ما الذي يمنع أن ينتظم مع نجار مثلا، فيرى أحوال الناس ويكتسب خبرة حقيقية بالمعاشرة والنظر والتقليد؟

أؤمن تماما أن خبراتنا الاجتماعية الحقيقية لا تكتسب في المدرسة، بل في المجتمع، في الحياة الحقيقية وعلى أرض الواقع. وكما قال عمرو بن العاص رضي الله عنه، وقد مر على حلقة من قريش فقال:


2. طريقة التنافس الصحي

في الفصول يعتمد التنافس على النتائج النهائية، بمعنى أن الطفل يدخل المنافسة الشرسة، ويتحدد موقعه ومركزه في هذه المنافسة على النتيجة النهائية، هل حصل على ١٠/١٠ وبالتالي يحوز المركز الأول، الاحترام، التقدير، القبول… وهو أسوأ شيء يمكن أن يتعلمه الطفل في المدرسة، ما يجب أن يتعلمه الطفل ليس التنافس على النتيجة بل التنافس على المجهود، هل يجب أن يحصل الطفل على نتيجة ١٠/١٠ في أي امتحان يخوضه؟ أم يجب عليه أن يبذل ١٠/١٠ من المجهود الذي يقدر عليه؟

إذا تعلم الطفل أن بذل المجهود هو المطلوب فإنه يصبح أقل تطلعًا للآخرين، وأكثر التفاتا لنفسه ولمجهوده ولتعامله مع الأمور، مما يعني أن بذل المجهود سيتوجه لتطوير النفس والتعلم وليس التنافس على النتيجة والإحباط الشديد بعد التنافس على اختبارات قد لا تقيس القدرات بشكل حقيقي مناسب.


3. المعرفة

ما لكم قد طرحتم هذه الأغيلمة؟ لا تفعلوا! أوسعوا لهم في المجلس، وأسمعوهم الحديث، وأفهموهم إياه؛ فإنهم صغار قوم أوشك أن يكونوا كبار قوم، وقد كنتم صغار قوم فأنتم اليوم كبار قوم.

في المدرسة تقدم المعارف بشكل مجرد ومنفصل عن الحياة الحقيقة، يتعلم الأطفال نظريات وأدوات وأشياء عديدة توضع في حقائبهم، ولكنهم لا يتعلمون كيف يخرجون هذه الأشياء ويستخدمونها بشكل مناسب للحياة والتي يفترض أن يتخرج من المدرسة بشكل يؤهله لاستخدامها في الحياة العملية، لكن كيف يكون نظرته الكلية عن الحياة؟ كيف يربطها بدينه؟ كيف يفكر؟ لا تشكل المدارس ولا تكون معرفة كلية حقيقة بل أدوات منفصلة لا تستخدم ولا تطور لاستخدامها في الحياة العملية.

تتكون المعرفة بالقراءة الطويلة المتعمقة، وبنقد ما تمت قراءته، تدريجيًا يتم تكوين حافظة معرفية لدى الطفل تمتلئ وتتشكل تدريجيًا على مرور السنوات، لا ليس بالمدرسة، بل بالقراءة، بالانخراط في تجارب حقيقة حية.

من هنا نرى أن التعليم محيط واسع، لا تحده المدرسة ولا البيت، ينطلق الطفل بفطرته التي خلقه الله عليها منذ يومه الأول، يتعلم بشغف، ودورنا ألا نطفئ الشغف بل نرعاه وننميه، أن نفتح السبيل لأطفالنا للمتاح وليس الممكن، فكثيرًا ما نضع لأنفسنا حدودًا نظن أنها إمكانياتنا، دورنا أن نغير وجهة نظرنا عن التعليم، عن سبل التعلم ووجهتنا أثناء الرحلة وأن التعلم وطرقه لا حدود لها، وأننا نجتهد لنصل بأولادنا للأفضل وعلى الله التوفيق.