في الوقت الذي لم يكن يعرف فيه العالم شيئًا عن فيروس الكورونا المستجد «سارس 2» المسبب للمرض المعروف بـ «كوفيد 19» ، كان هناك فريق بحثي متخصص في دراسة فيروسات عائلة الكورونا منذ سنوات طويلة في جامعة «ايراسموس» في روتردام بهولندا.

هذا الفريق قام بنشر دراسة جديدة مؤخرًا في إحدى مجلات نيتشر المرموقة، والذي تناول إنتاج أجسام مضادة وحيدة النسيلة «Monoclonal Antibodies» لديها القدرة على معادلة أنواع من الفيروسات التاجية «الكورونا فيرس»، وبالتالي فتح الباب أمام إيجاد علاج لهذا النوع من الفيروسات، لا سيما وهذه من الدراسات الأولى من نوعها في ظل هذه الأزمة.

من بين أفراد هذا الفريق، تواجدت الصيدلانية المصرية، نسرين عقبة، الحاصلة على الدكتوراه من الجامعة الهولندية، وتعمل باحثة في قسم الفيروسات في نفس الجامعة؛ بعد تخرجها في كلية الصيدلة جامعة طنطا عام 2005، والتي تعود أصولها إلى محافظة كفر الشيخ بجمهورية مصر العربية.

وتواصلنا في «إضاءات»، مع الباحثة المصرية، للتعرف أكثر على فكرة البحث الأخير، وسؤالها عن احتمالية تحويله إلى علاج ملموس في السوق، بالإضافة إلى بدايتها مع مجال الفيروسات، ونصائحها لشباب الباحثين الراغبين في استكمال الدراسة بالخارج.

في البداية، نود الاطمئنان ، كيف تسير الأحوال في هولندا الآن؟

الحمد لله، أنا بخير. الأمور تسير بشكل جيد، عدد الحالات بدأ في الانخفاض تدريجي؛ وفي المقابل بدأت الحياة تعود بشكل تدريجي بعض الشيء، وأيضًا وفقًا للإجراءات الاحترازية المتبعة، فهناك أعمال مختلفة بدأت في العودة للعمل، وأخرى من المنتظر عودتها خلال الأشهر المقبلة.

بدايةً من الشهر الجاري مثلًا سيسمح بالتجمعات ذات الأعداد القليلة، والسماح بالتنقل عبر المواصلات العامة مع التأكيد على أهمية ارتداء الكمامات، في شهر يوليو ستزيد أعداد هذه التجمعات، وستزيد القطاعات العائدة للعمل، وهكذا.

لماذا وصلنا لهذه المرحلة مع فيروسات الكورونا مؤخرًا؟

هذه ليست المرة الأولى التي نتعرض فيها لمثل هذه الهجمات من عائلة فيروسات الكورونا، وهذا سابع نوع من هذه العائلة يسبب عدوى للإنسان، وعلى مدار السنوات الماضية حذر الكثير من المتخصصين في مجال الفيروسات من هذه العائلة، ولكن لم يلق أي اهتمام؛ لأننا لم نصل لمثل هذه المرحلة من قبل.

لو نتذكر ظهور «سارس»، في 2002/2003، ولكن وقتها الأمر انتهى في عام تقريبًا؛ لذا لم تهتم الشركات بالاستثمار والتمويل لإنتاج لقاحات وعلاجات لهذا النوع من الفيروسات، لأنه ببساطة لم يكن لها سوق وقتها، أيضًا ظهر نوع آخر من الكورونا في السعودية وهو «فيروس كورونا المرتبط بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية»، والتي تصل نسبة الوفيات به لأكثر من 35%، ولكن معدل انتشاره أقل، وتم التعامل معه بنفس الطريقة.

نحن الآن أمام نوع ثالث يمكن أن يسبب الوفاة للإنسان، وبمعدل انتشار كبير للغاية، أما باقي الأنواع الأربعة فهي تسبب أعراض الأنفلونزا الموسمية العادية والتي لا تعد مقلقة مقارنة بالأنواع الثلاثة التي ذكرتها، ما يحدث الآن هو متوقع لأن هذا النوع من الفيروسات يتواجد في الحيوانات بشكل أكبر؛ فدائمًا هناك خطر لانتقاله إلى الإنسان متى سنحت له الظروف بالتحور، وبشكل عام الفيروس الحالي لن يكون الأخير من هذه العائلة، ومن هنا بدأ التعامل باهتمام أكبر من أجل البحث عن أدوية وعلاجات لهذا النوع تحديدًا.

بشكل مبسط، ما فكرة بحثكم الأخير الذي نُشر في دورية نيتشر؟

الأمر ببساطة في ظل الجائحة التي يعاني منها العالم، فالعلاج يمكن أن يكون من خلال مجموعة من المركبات مثل: مضادات الفيروسات، أو عن طريق الأجسام المضادة، وهناك تجارب تعمل على ذلك في عدة دول، عن طريق نقل بلازما من الأشخاص التي سُبق لها الإصابة بالفيروس إلى المصابين، ولكن هذه العملية مرتبطة بعوامل أخرى مثل: مدى سلامة الشخص المعافى وخلوه من الأمراض المختلفة؛ وبالتالي فإن الأجسام المضادة المستخدمة عادة تكون قليلة نسبية، ومن ظهرت أهمية الأجسام المضادة وحيدة النسيلة «Monoclonal Antibodies» ، التي توفر كميات مناسبة نستطيع العمل عليها، والتي كانت محل دراستنا الأخيرة، وأظهرت النتائج إيجابية على نوعين من فيروسات الكورونا هما: «سارس 1» و «سارس 2».

هل يمكن الاستفادة منها في علاج أنواع أخرى من الفيروسات؟

فكرة العلاج بالأجسام المضادة عمومًا ليست وليدة الأزمة الحالية، فهناك علاجات موجودة بالفعل ضد الإيبولا على سبيل المثال، أيضًا يتم العمل على علاجات ممتدة المفعول ضد أنواع الأنفلونزا، وغيرها من الفيروسات حسب تواجد الفيروس في الجسم، وطبيعة انتشاره، وتكوينه، وغيرها من العوامل التي تحدد فاعلية الأجسام المضادة في العلاج.

ولكن في هذه الدراسة، نحن من أنتجنا هذه الأجسام المضادة، وقمنا بفصل أجسام مضادة لفيروسات كورونا ، وتحديدًا «سارس 1» و «سارس 2»؛ لذا فهذه الأنواع هي محور تركيزنا في الدراسة المنشورة مؤخرًا.

متى نستطيع ترجمة تلك الدراسة إلى دواء ملموس في الأسواق؟

يوجد عدة مراحل للوصول لتلك الخطوة، بالفعل نحن نجحنا في الاختبارات المعملية «In vitro»، الآن نعمل على الاختبارات على الحيوان «In vivo»، والنتائج مبشرة حتى الآن، الخطوة التالية من المفترض أن تكون اختبارات قبل السريرية «Preclinical»، ثم السريرية على المرضى «Clinical»، وقتها يمكن الإتفاق مع شركة مصنعة من أجل إنتاج الدواء في السوق، وفقًا لمعايير الجودة المتفق عليها وقتها.

حتى الآن النتائج مبشرة كما ذكرت، لا أستطيع الجزم بموعد محدد، ولكن هناك شركات أعلنت استعدادها للتعاون بالفعل، ونأمل أن تسير الأمور بشكل ناجح، ونستطيع الحصول على منتج ملموس خلال شهور من الآن.

هل هناك دراسات بحثية أخرى يتم العمل عليها حاليًا ؟

بالطبع، أنا هنا في هولندا ضمن فريق عمل كامل متخصص في أبحاث  فيروسات عائلة الكورونا؛ ونحاول فهمها ونقوم بتغطية كل ما يتعلق بها من أنواع، وتأثيرات مختلفة على الإنسان والحيوان، والعدوى التي تسببها لكل منها، كما يتضمن عملنا أيضًا التشخيص وبالتالي العمل على إيجاد علاجات وتطعيمات فعالة.

في ظل الأزمة الحالية نشرنا عددًا كبيرًا من الأبحاث في مجالات متنوعة، سواء كنت مشاركة فيها أو لا، ومن المتوقع أن نقوم بنشر عدد من الدراسات أيضًا، الآن أنا متواجدة بشكل أساسي في عملية اختبار البلازما والأجسام المضادة كما ذكرت، ولكن لدينا فرق أخرى تابعة لنا تعمل بالتوازي في اتجاهات أخرى في ظل الأزمة أيضًا.

في ظل الأزمة الحالية، هل تتوقعين أن تقوم المعامل البحثية وشركات الأدوية بتجاوز خطوات البحث الطبيعية لإنتاج دواء والتي قد تستغرق سنوات في الظروف الطبيعية، من أجل إيقاف الوباء الحالي؟

الأمر يكمن في تسريع الخطوات المعتادة، والتغلب على الإجراءات والموافقات التي كانت تستهلك وقتًا طويلًا في السابق؛ وذلك لا يعني أنها ستتخلى عن الإجراءات المتعلقة باختبار ضمان الأمان وفاعلية العلاج والتطعيمات، خاصة ونحن نتحدث عن منتج سيستخدم على المدى البعيد لفترة ليست بالقصيرة، وبالتالي لن تقدر أي شركة على المخاطرة بحياة ملايين البشر حول العالم.

بالعودة إلى الوراء قليلًا، كيف بدأت قصتك مع الصيدلة؟

قبل دخولي الجامعة، فضلت دراسة الصيدلة عن الطب؛ لأني كنت أرغب في علم تطبيقي أكثر، والتحقت بجامعة القاهرة، ثم تحولت منها إلى جامعة طنطا؛ لدراسة الصيدلة السريرية «Clinical Pharmacy»،  بعد انتهاء مرحلة البكالوريوس، بدأت في تحضير الماجستير في «الميكروبيولوجي»، لأني كنت مهتمة بمجال «البايو تكنولوجي» عامة.

 عقب تخرجي مباشرة عملت في وزارة الصحة المصرية، ثم انتدبت إلى كلية الصيدلة بجامعة الأزهر فرع البنات في فترة الماجستير، بعد انتهاء الماجستير فكرت في دراسة الدكتوراه، وكانت رغبتي تعلم شيء يمكن تعليمه للآخرين بعد ذلك، في هذا الوقت قابلت د.علي ذكي، أستاذ بجامعة عين شمس، عند عودته من السعودية، وهو أول من اكتشف «فيروس كورونا المرتبط بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية»، والذي ما زال موجودًا حتى الآن، ومن هنا بدأت القصة.

كيف وصلتي إلى مكانك الحالي في جامعة «ايراسموس» في روتردام الهولندية؟

بناء على نصيحة د.علي قررت العمل على فيروسات الكورونا، وبالفعل بدأت التواصل مع جامعة عين شمس من أجل تسجيلي للبدء في الدكتوراه، ثم عرض عليّ استكمال جزء من بحثي في هولندا؛ نظرًا لتوافر الإمكانيات هناك، فقررت السفر لإنهاء هذا الجزء في مدة تتراوح بين 6 أشهر وعام، والعودة مجددًا لإنهاء الدكتوراه في مصر؛ لأني لم أكن أحبذ السفر حقيقةً.

بعد ذهابي إلى هولندا، عُرض عليّ استكمال دراسة الدكتوراه بشكل كامل، فكان أمرًا يصعب رفضه؛ لأنها ليست من الفرص التي تتكرر، ولا من السهل الحصول على مثلها عادة، فقررت الموافقة، ومنذ ذلك الوقت وأنا هنا في جامعة «ايراسموس» في روتردام، في الوقت الحالي انتهيت من الدكتوراه في نوفمبر الماضي، ولكن تأخرت مناقشتي بسبب ظروف الأزمة الحالية، حتى الأبحاث الأخيرة في الكورونا هي أبحاث ما بعد الدكتوراه بالفعل.

 ما خطوتك المقبلة بعد الحصول على الدكتوراه؟

في الوقت الحالي أمتلك عروضًا مختلفة في عدة دول مثل: هولندا، وأمريكا، وبلجيكا، وإنجلترا، وسأبدأ الاختيار فيما بينها عقب الانتهاء من مناقشة الدكتوراه، بإذن الله.

 ما الفارق بين العمل البحثي في مصر والخارج؟

في مصر لا ينقصنا أي شيء سوى توافر الإمكانيات، نمتلك العقول والأفكار، التي لو توفر لها الإمكانيات المطلوبة، ستبدع وستنتج إنتاجًا هائلًا يضاهي نظيره في المجال البحثي في الخارج.

حتى في الدول العربية بدأت عدد من الدول مثل: الإمارات والسعودية وقطر في الاستثمار في البحث العلمي وأصبحوا يمتلكون عددًا من المراكز البحثية الكبيرة، وأعتقد أن الأزمة الحالية أثبتت أن القوة لمن يمتلك العلم والتكنولوجيا في محاربة مثل هذه الأزمات، والدول التي بدأت في البحث عن علاجات مختلفة للفيرس؛ قامت انطلاقًا من خبرتها السابقة واستثمارها على مدار سنوات طويلة، وليست وليدة الوقت الحالي.

 من واقع خبرتك، ما الدور الذي يمكن أن تلعبه المرأة المصرية والعربية عمومًا في المجال البحثي؟

حقيقةً لا أرى فارقًا بين الرجل والمرأة في مجال البحث العلمي، في النهاية هذا المجال خاضع لقواعد علمية معروفة وقائم على إعمال العقل، وأومن أننا نمتلك عقولًا كبيرة سواء رجالًا أو سيدات، ولكن كما قلت الأزمة لدينا في توفير الإمكانيات فقط.

  ما نصائحك للفتيات وشباب الباحثين عمومًا الذين يريدون استكمال دراستهم بالخارج؟

بالطبع الاجتهاد في الدراسة هي الخطوة الأولى؛ لأن التقدير الدراسي مهم للغاية، العمل على تحسين اللغة أيضًا من الأمور التي أصبحت إلزامية في كل المجالات وليس المجال البحثي فقط، ثم لو أتيحت لك الفرصة من أجل العمل، أو التدريب في معمل ما أو ضمن فريق بحثي، ستكون خطوة مميزة لك في مشوارك بعد التخرج.

  ما الرسالة التي تريد أن ترسليها إلى المواطن العربي في ظل هذه الأزمة؟

في الوقت الحالي لا بديل عن الالتزام بالإجراءات الاحترازية والإرشادية؛ حفاظًا منا على سلامتنا وسلامة من نحب، أعتقد أننا سيتوجب علينا التعايش مع الفيروس لفترة ليست بالقصيرة، ولا نقدر على توقع انتهاء الأزمة في الفترة المقبلة، لأنها المرة الأولى التي نتعرض لها لمثل هذا النوع من الكورونا، ويستمر معنا كل هذه المدة، من الممكن أن نتعرض في الخريف المقبل لهجمة أخرى من الفيروس إذا لم يتم الالتزام بمعايير السلامة والتدابير الاحترازية المقررة ، في واقع الأمر، نحن نتعلم كل يوم شيئًا جديدًا من هذا الفيروس.

  في النهاية، نشكرك على إجراء هذا الحوار معنا في «إضاءات».

الشكر لكم، وبالتوفيق دائمًا.