محتوى مترجم
المصدر
Middle East Eye
التاريخ
2017/09/04
الكاتب
ريتشارد سيلفرشتاين

استكمل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو زيارة رسمية غير مسبوقة لروسيا في أواخر آب/أغسطس الماضي، وهي الرابعة خلال العام الماضي. وكان الموضوع الرئيسي على جدول الأعمال؛ وفقًا لتقارير وسائل الإعلام، هو إيران ودورها في سوريا. ومع تزايد احتمالية أن بشار الأسد وحلفاءه الروس والإيرانيين وحزب الله هزموا قوات الدولة الإسلامية في سوريا، فإن اهتمام إسرائيل يتزايد حول تداعيات هذا الأمر.

وعلى الرغم من أن إسرائيل قد أعلنت الحياد في الصراع السوري، فإنها في الواقع قد تدخلت بشكل متكرر ضد الأسد وحلفائه. وقصفت بانتظام قوافل الأسلحة الإيرانية وتلك التابعة لحزب الله، التي تنقل أنظمة الأسلحة الحديثة عبر سوريا إلى لبنان. كما تم اغتيال كبار القادة السوريين والإيرانيين وقادة من حزب الله من قبل أجهزة المخابرات الإسرائيلية.

لم تكن هذه الهجمات موجهة ضد الأسد تحديدًا، بل ضد إيران وحزب الله، عدو إسرائيل في الصراع من أجل السلطة والنفوذ الإقليمي. والآن بما أن قوتهما تتزايد، تفكر إسرائيل في ما سيبدو عليه العالم ما بعد سيطرة داعش على المنطقة.


وقت إشاعة الخوف

خاضت إسرائيل حربًا ضد حزب الله في العام 2006، والتي انتهت بانسحاب الطرفين وتعادلهما مجازيًا. ومنذ ذلك الحين، عززت الجماعة الشيعية اللبنانية قوة أسلحتها النارية بشكل كبير. ولديها الآن أكثر من 100 ألف صاروخ في ترسانتها. وقد قاتلت قواتها البرية بشكل مكثف في سوريا واكتسبت خبرة قتالية لا تُقدر بثمن. وقد لا يكون حزب الله مجابهًا للجيش الإسرائيلي، ولكن إسرائيل تعرف أنه سيكون خصمًا قويًا في أي نزاع مستقبلي. ولهذا السبب سعى الجيش الإسرائيلي إلى تحطيم ترسانتهم من الأسلحة الحديثة.

كما لعبت إيران -وهي الحليف الرئيسي لحزب الله- دورًا كبيرًا على الجبهة الشمالية لإسرائيل. وبغض النظر عن نشاط طهران المزعوم للحصول على سلاح نووي، تم تكريس القوات والأسلحة التقليدية الإيرانية لإنقاذ نظام الأسد، وتمكينه من استعادة الأراضي التي تقع تحت سيطرة داعش والجماعات المتمردة السنية الأخرى، وتعزيز القوة العسكرية لحزب الله. إن أحد السيناريوهات الحقيقية المتصورة من كل من إسرائيل والقوتين الشيعيتين هي مواجهة مستقبلية محتملة مع إسرائيل.

هذا هو السبب في أن الجيش الإسرائيلي روّج بقوة لزيارة الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريس»، الذي زار إسرائيل الأسبوع الماضي. وأثناء مؤتمر صحفي، عرضوا صورًا ملتقطة بواسطة الأقمار الصناعية، يزعمون أنها تكشف عن مصنع للصواريخ الإيرانية يجري بناؤه داخل لبنان.

ولكن وسط كل التغطية الإعلامية لهذه الزيارة، لم يزعج أي مراسل نفسه بالتحاور مع محللين استخباراتيين مستقلين للتأكد من الصور التي توضح ما ادعاه الجيش الإسرائيلي. كما لم يقدم جيش الدفاع الإسرائيلي أي أدلة داعمة أخرى.

وأفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن مصادر معارضة سورية مجهولة قالت إنها شاهدت بطاريات روسية من طراز S-400 المضادة للطائرات يجري تركيبها بجوار مرافق تصنيع الصواريخ الإيرانية الحديثة التي يجري تشييدها على مشارف مدينة طرطوس الساحلية. ويبدو أن هذه المقالة تستند إلى تلك التغريدة من «إنتلينيوز»؛ وهي مدونة تحليل استخباراتي إسرائيلية.

لكن «شموئيل مئير» -هو مدون متخصص في الأمن القومي في صحيفة هآرتس- سرد شكوكه حول مصدر المعلومات، حيث قال: «في رأيي أن المدونة ليست واضحة كما تصريحات نتنياهو العلنية، ولا تزال هيئة المحلفين لم تتوصل لقرار بخصوص الوجود العسكري الإيراني في سوريا».

ولكن حقيقة أن السمات البارزة لمثل هذه القصة في وسائل الإعلام الإسرائيلية تشهد على لهجة هستيرية متصاعدة في تغطية هذه القضية. وهي تذكرنا بالخطاب الحاد، الذي كاد يكون مصطنعًا، والذي استخدم لتصوير ما يسمى بالخطر النووي الإيراني في السنوات التي سبقت توقيع اتفاق P5+1. وبمعجزة؛ وبعد دخول هذا الاتفاق حيز التنفيذ، لم نعد نسمع إلا القليل من هذا النوع من التغطية.

والآن؛ يبدو أن القيادة الإسرائيلية تعيد إشاعة الخوف، وهو تكتيك يستند إليه نجاح اليمين المتطرف الإسرائيلي.


ذهاب نتنياهو إلى موسكو صاغرًا

خلال زيارته الأخيرة لموسكو، سعى نتنياهو لإقناع «فلاديمير بوتين» بأنه يجب أن يوقف إيران أو يقاطعها تمامًا. وقد زعمت صحيفة «برافدا» أنه «وفقًا لما ذكره شهود عيان على الجزء العام من المحادثات أن رئيس الوزراء الإسرائيلي كان منفعلًا جدًا، بل أحيانا كان على وشك الإصابة بالفزع، ووصف رؤيته للرئيس الروسي بأن العالم قد يرى أنه إذا لم تبذل أي جهود لاحتواء إيران، فإنها -كما يعتقد نتنياهو- ستقرر تدمير إسرائيل».

بل إن إسرائيل هددت بأنه إذا لم تعتنِ روسيا بهذه المشكلة، فإن إسرائيل ستفعل. هذا يبدو أكثر تبجحًا من أي شيء آخر؛ لدى إسرائيل خيارات قليلة نسبيًا. حتى لو ذهبت للحرب مع حزب الله مرة أخرى، فإنها لن تكون قادرة إلا على إصابة قواته.

ومن ثم فإن هناك إيران، التي لا تستطيع إسرائيل أن تتحمل منها هجومًا مباشرًا على جيشها أو عليها نفسها. وللقيام بذلك، من المرجح أن تحتاج إسرائيل إلى دعم الولايات المتحدة، ضمنًا إن لم يكن صراحة. وبينما يشارك الرئيس دونالد ترامب إسرائيل كراهيتها لإيران، فمن غير المحتمل أن يتمكن من إقناع من يحب أن يسميهم «جنرالاته» ليصبحوا متورطين في أي حرب أخرى في الشرق الأوسط. قد يعطي ترامب الضوء الأخضر إسرائيل، ولكن من المرجح جدًا أن يسعى الجيش الإسرائيلي من تلقاء نفسه لمثل هذه المغامرة.

وكما كتب مراسل صحيفة الرأي «إيليا ماغنييه»، في مدونته، إن الخيارات الاستراتيجية لإسرائيل تضيق وتضيق على حدودها الشمالية مع سوريا. وإن انتصار الأسد المحتمل لن يؤدي إلا لتوحيد نظامه وتعزيز تماسك الدولة الإقليمي.

وهذا يتناقض مع أمل إسرائيل في أن تنقسم سوريا إلى مقاطعات إقليمية، مما يسمح لها بالسيطرة على الجولان وشراء السلام هناك. فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، كانت تقوم بذلك من خلال تزويد قوات النصرة التي تقاتل ضد الأسد وحزب الله بالأسلحة والمعدات والتعاون الاستخباراتي. وأملت إسرائيل في إقامة منطقة عازلة تفصل سوريا عن الجولان الذي تحتله إسرائيل، وبذلك تضمن السلام فيها.

وبدلًا من ذلك، تجد إسرائيل إيران وحزب الله منتصرين ومستعدين لمواجهتها في لبنان وسوريا. وتبعًا لملاحظات «ماغنييه»، فإن سوريا أيضًا ستكون أكثر استعدادًا لمواجهة إسرائيل على جبهة الجولان من أجل استعادة الأراضي المحتلة منذ عام 1967:

«تدرك إسرائيل اليوم أن الأسد لن يتخلى عن الجولان، وأن الخبرات العسكرية الفريدة والمكثفة التي اكتسبها هو وحلفاؤه خلال أكثر من 6 سنوات من الحرب يمكنها أن تسبب إزعاجًا حقيقيًا لإسرائيل، يجبرها على الرد وتتخلى في نهاية المطاف عن مرتفعات الجولان، والهدف الوحيد الذي يحاول نتنياهو الوصول إليه مع بوتين هو أن يفرض سيطرته على الجولان، وهو الأمر الذي لا يستطيع الكرملين طمأنته حياله. كما أن هذا هو السبب في رفض إسرائيل لاتفاق نزع السلاح بين روسيا والولايات المتحدة في الجنوب؛ حيث لا يقدم أي ضمان لإسرائيل للحفاظ على مرتفعات الجولان ولا يمكن أن تكون روسيا جزءًا من النزاع بين إسرائيل وحزب الله»

ربما لم يدرك نتنياهو ذلك؛ ولكن إسرائيل مقيدة جدًا فيما يمكن أن تفعله في ظل تلك الظروف.

وهذا هو السبب الذي دفع نتنياهو إلى استمالة بوتين. فقد كانت خطوة يائسة. حيث يجلس بوتين على منصة المنتصر في سوريا، محققًا هدفه الاستراتيجي المتمثل في عرض قوته في الشرق الأوسط، تمامًا كما فعل الاتحاد السوفيتي السابق من قبل. وقد فعلت روسيا ذلك بالتنسيق مع حليفيها القويين.

كما أن إيران ليست مجرد حليف عسكري، بل أيضًا مشترٍ كبير لنظم الأسلحة الروسية الحديثة والمهارة الهندسية. كما أسس المهندسون والعلماء الروس منشأة «بوشهر» النووية.

يقدر «تشاتام هاوس» أن صادرات روسيا من الأسلحة إلى الشرق الأوسط تتراوح بين 1.2 مليار دولار و 5.6 مليار دولار سنويًا من إجمالي سوق تصدير الأسلحة السنوية البالغ 14.5 مليار دولار. وفي عام 2016، أعلنت الدولتان عن اتفاق لشراء دبابات وطائرات روسية بقيمة 10 مليارات دولار.

كيف اعتقد نتنياهو أن بوتين سوف يتخلى عن حليفه ويسقط في أحضان إسرائيل امتنانًا؟ ما الذي سيعود على بوتين من هذا، وهو المنتصر في حرب طويلة؟

يبدو أن الفرضية التي قامت عليها رحلة نتنياهو ارتكزت على ما هو أكثر من الغطرسة، أنه يمكنه بطريقة ما إقناع الرئيس الروسي بنفسه بالموقف الإسرائيلي. بيد أن رئيس الوزراء الإسرائيلى ارتكب خطأً أساسيًا في تقدير الموقف، وسخرت وسائل الإعلام العالمية من نتائج المحادثات ووصفتها على مستوى شبه عالمي بأنها فاشلة.

استمع بوتين باحترام ولم يلتزم بأي شيء. وغادر نتنياهو البلدة خالي الوفاض.

ويحلل «ماغنييه» الأسباب التي جعلت روسيا لا تستوعب مطالب الزعيم الإسرائيلي:


حماس وإيران إقبال وتصالح

تريد إسرائيل إنهاء الوجود الإيراني على حدودها، ولا تستطيع موسكو استيعاب إسرائيل بسبب العلاقة الاستراتيجية الروسية الإيرانية وتعاونهم في مجال الطاقة. وعلاوة على ذلك، كان التدخل الروسي في الحرب السورية حاسمًا في انتصار الأسد، ولكن لم يكن لينجح دون احتلال القوات البرية الإيرانية (والحلفاء) الأراضي وقتالهم في الحرب الأهلية. [سعت إسرائيل] إلى إقناع روسيا بوقف الإمداد الإيراني لحزب الله بالأسلحة، إلا أنه من المستحيل تحقيق ذلك لأن إيران استثمرت بكثافة في سوريا لدعم الأسد وكذلك للحفاظ على تدفق خط الإمداد لحزب الله. وعلاوة على ذلك، فإن روسيا لا تتدخل في التدمير الإسرائيلي لأسلحة حزب الله ولا في توريد الأسلحة الإيرانية.

وكأن هذا لم يكن سيئًا كفاية لإسرائيل، فأعلن القائد العام لحماس «يحيى السنوار» الأسبوع الماضي أن مجموعته قد تصالحت مع إيران بعد قطيعة دامت خمس سنوات.

وكان العدید من الفلسطینیین معادين للقمع الوحشي الذي يمارسه الأسد بحق المعارضين لنظامه، والذين كان بعضھم من الفلسطینیین. وهو ما أدى إلى وقيعة بين الفلسطينيين وإيران، التي دعمت دمشق.

لكن الآن يقول «السنوار» إن إيران هي «أكبر داعم مالي وعسكري» لحركة حماس. وهذه أخبار سيئة بالنسبة للإسرائيليين الذين تلذذوا بالانعزال المتزايد للحركة في غزة والضغط الذي مارسه «محمود عباس» والسلطة الفلسطينية عليها من خلال قطع الكهرباء ووقف رواتب الموظفين.

لدى إسرائيل بطاقة واحدة قوية، وهي «دونالد ترامب». فالرئيس الأمريكي الذي يتفق في الرأي مع نتنياهو في كل قضية رئيسية فعليًا، بما في ذلك إيران. فهل بإمكانهما التسبب بالمشاكل في المنطقة؟

وفي حين أن هذا ممكن، لكنه يبدو غير محتمل، باعتبار أن واحدة فقط من مجموعة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس أمن الأمم المتحدة على استعداد للتخلي عن الاتفاق النووي. بينما يؤيد الموقعون الأوروبيون الاتفاق ويقولون إن إيران تمتثل لشروطهم. كما وقعت إيران صفقات تجارية مربحة مع العديد من الشركات الأجنبية لتوفير كل شيء، بدايةً من معدات حفر النفط إلى طائرات الركاب. وعدد قليل من القادة الأجانب مستعدون للتخلي عن هذا المنفذ التجاري الجديد لأسواق التصدير الخاصة بهم.

قد تضطر إسرائيل للتكيف مع تناقص دورها في المنطقة، وهو ما يعني أنها لن تتمكن الآن من ممارسة نفوذها في أي مكان ترغب فيه، سواء في غزة أو الضفة الغربية أو سوريا أو لبنان. فهي تواجه قوة إقليمية متصاعدة في إيران، والتي لديها -كما إسرائيل- الكثير من المحترفين ذوي التعليم العالي من المهندسين والعلماء ورجال الأعمال.

هؤلاء الإيرانيون طموحون للغاية كما كان نظراؤهم الإسرائيليون في بداية طفرتهم التكنولوجية. والسؤال هو: هل ستفسح إسرائيل المجال لمثل هكذا خصم، أم ستقاتل حتى الموت لوقف المنافسة الجديدة؟

مجمل ما يقوله ماغنييه: «يجب على إسرائيل أن تعد نفسها للتكيف والعيش مع واقع جديد، حيث القوتان العظميتان الآن على حدودها، وحتى السماء في سوريا ولبنان لم تعد ملكها، وأنها اللحظة المناسبة لقبول الوضع الجديد والقوات على حدودها: (محور المقاومة) ومعها روسيا».