محتوى مترجم
المصدر
Open Democracy
التاريخ
2018/09/07
الكاتب
بول روجرز

تحدثنا خلال المقال السابق حول مخاوف الحكومة الإسرائيلية حول خطر فوز زعيم حزب العمال البريطاني «جيريمي كوربين» والمؤيد للفلسطينيين بالانتخابات العامة وأن يصبح رئيساً للوزراء. ويتعارض خوف إسرائيل مع البيئة الدولية الأكثر ملاءمة، والتي يتمثل العنصر الأكثر طمأنة خلالها بالنسبة لإسرائيل، في الدعم القوي المقدم لها من الرئيس دونالد ترامب ونائبه مايك بينس.

كما أن أنصار إسرائيل داخل الولايات المتحدة، المدعومين بالحماس الصهيوني المسيحي، يعملون بجد لمواجهة حركة مقاطعة إسرائيل. إن التركيز على ذلك يأتي محاولة لإعلان عدم قانونية أنشطة تلك الحركة.

ويقول جوزيف ليفين وهو أستاذ بمنظمة «الصوت اليهودي من أجل السلام»:

إن معارضة حركة مقاطعة إسرائيل واسعة الانتشار وتتصف بالقوة. إن المثير للقلق، هو أن دعم للحركة، داخل الولايات المتحدة، لا يزال في طور التجريم. وحتى الآن، سنّت 24 ولاية تشريعات تسمح بمعاقبة أولئك الذين ينخرطون بشكل معلن أو يؤيدون حركة مقاطعة إسرائيل، كما أن تشريعاً مماثلاً ينتظر تطبيقه في 12 ولاية أخرى.

على المستوى الفيدرالي، من شأن مشروع قانون أطُلِق عليه «قانون مكافحة مقاطعة إسرائيل»، أن يُجرَّم أي التزام بمقاطعة إسرائيل تدعو إليه وكالات دولية (مثل الأمم المتحدة). وحظي مشروع القانون برعاية 57 نائباً في مجلس الشيوخ و290 نائباً في مجلس النواب، وربما يتم طرحه للتصويت عليه قريباً.

في هذا السياق، من المفيد الترويج لفكرة حصانة إسرائيل ضد انعدام الأمن. إن التوازن الحالي في السلطة، مع وجود ترامب داخل البيت الأبيض والفعالية والقوة التي تتصف بها المعارضة تجاه حركة مقاطعة إسرائيل، يشيران إلى أن إسرائيل في وضعية «حصينة».

إن الدعم الخارجي الذي تحصل عليه إسرائيل، على الرغم من ذلك، ليس سوى جزء من التقييم العام للوضع. إن التطور الداخلي للتفكير الأمني الإسرائيلي على مدار عدة عقود يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتغيرات الداخلية للدولة. وبعيداً عن بروز ولعه بالقتال في الواجهة، ينبغي أن يكون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على دراية بالتحديات التي تواجهها الدولة.


قوس التغيير

من المفيد للغاية أن نقارن التجربة الحالية مع الرأي العام الإسرائيلي أوائل ثمانينيات القرن الماضي، أي قبل حوالي 35 عاماً من الآن. ففي أوائل العام 1982، كان الحال مثل هو الآن حيث كانت الحكومة يقودها حزب الليكود، وكان مناحم بيجين رئيساً للوزراء وآرييل شارون (المتهور العنيد) وزيراً للدفاع.

وكانت منظمة التحرير الفلسطينية منفية عملياً في لبنان، وكان مقرها غرب العاصمة بيروت. لكنها كانت تمتلك قوات شبه عسكرية متمركزة بالقرب من الحدود الإسرائيلية، كما تأكد تهديدها من خلال قدرتها على إطلاق صواريخ كاتيوشا قصيرة المدى على الجليل شمالي إسرائيل.

وفي الثالث من يونيو/حزيران عام 1982 في لندن، كانت هناك محاولة لاغتيال «شلومو أرجوف»، سفير إسرائيل ببريطانيا. وبعد 3 أيام، شنت القوات العسكرية حملة عسكرية عرِفت باسم «عملية السلام من أجل الجليل» والتي كانت تهدف لتطهير مناطق جنوب لبنان القريبة من الحدود مع إسرائيل، من القوات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية.

في حقيقة الأمر، وبناء على طلب شارون، تحول ذلك ليصبح بداية عملية ضخمة لإلحاق الهزيمة بمنظمة التحرير الفلسطينية. وامتد ذلك الهجوم ليصل إلى بيروت، حيث حاصرت القوات الإسرائيلية الجزء الغربي من المدينة خلال شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب، وأسفر ذلك الحصار عن مقتل أكثر من 10 آلاف مدني.

وأدى اتفاق في النهاية إلى انسحاب قوات منظمة التحرير الفلسطينية. ولكن في أعقاب الصراع، قامت ميليشيات الكتائب المسيحية، إلى جانب المساعدة الفعالة من القوات الإسرائيلية، باقتحام مخيمين فلسطينيين في بيروت الغربية «صبرا وشاتيلا» حيث قتلوا عدة مئات وربما الآلاف من سكانهما.

ولم يكن التأثير البشري لهذا الحدث مختلفاً عن تأثير الهجوم على غزة عام 2014 خلال العملية التي عُرِفت باسم «الجرف الصامد» حيث قُتل أكثر من 1400 مدنيا. لكن الأحداث التي وقعت في أعقاب مجزرة صابرا وشاتيلا لا تزال تحظى بأهمية حتى يومنا هذا. حيث كان هناك غضب شعبي عارم في إسرائيل، وكان هدفه الرئيسي آرييل شارون، وبلغ ذروته في تجمع حوالي 400 ألف شخص في ساحة مدينة تل أبيب للمطالبة بتحقيق حكومي، وانضم رئيس الوزراء وقتها مناحم بيجين إلى ذلك المطلب.

وحمّل تقرير لجنة كاهان عام 1983 المسئولية لشارون بشكل شخصي لفشله في تجنب إراقة الدماء، وآل في نهاية المطالف لإقالته من وزارة الدفاع.

كنت أعمل في القدس في ذلك الوقت وذهبت لأكون شاهداً على المسيرة. وخلال سيري في أنحاء تل أبيب، لاحظت أن الشوارع الجانبية حول ساحة ميدان تل أبيب كانت ممتلئة بالحافلات الصغيرة المركونة، والتي تُظهر الأصول المحلية للمحتجين، وكان غالبيتهم من الكيبوتس والموشاف من شتى أنحاء إسرائيل.

في هذه الظروف وفي ذلك الوقت، كانت هذه الحشود تمثل قوة كبيرة في المجتمع المدني الإسرائيلي. وكان الكثيرون منهم اجتماعيين أكثر من الصهاينة المتدينيين الذين كانوا غاضبين مما كان يحدث باسمهم.

بعد مرور 3 عقود ونصف عِقد، لايزال هناك قدر كبير من التفكير الليبرالي داخل البلاد فضلاً عن وجود حركة سلام صغيرة مستمرة. لكن احتمالية تكرار ذلك الحشد في يومنا هذا تُعد بعيدة.

ثمة عامل واضح لهذا التغيير هو النمو الذي حققته إسرائيل على صعيد القوة العسكرية والثقة على مدار العقدين الأخيرين، وساعد على ذلك العلاقات الأمنية الوثيقة مع الولايات المتحدة. إن تأثير أحداث 11 سبتمبر والرئيس الأمريكي جورج بوش الابن أسهما بشكل كبير في ترسيخ ذلك لأمر، لاسيما بعد السنوات الأكثر صعوبة مع سلفه بيل كلينتون كما أن حرب العراق أسهمت في ذلك الأمر.

عندما وصلت الحملة ضد المسلحين العراقيين إلى نقطة الأزمة أواخر العام 2003، توجه الجيش الأمريكي إلى القوات الإسرائيلية للمشورة والحصول على العتاد، وهي الخطوة التي عملت على توسيع التعاون بين الجانبين خلال خريف ذلك العام.

وهنا تجدر الإشارة إلى نموذجين من ذلك التعاون:

  1. الرادار المضاد للصواريخ على جبل كيرين بصحراء النقب، وهو جزء مركزي في شبكة الدفاع الجوي والصاروخي لإسرائيل، والتي يديرها 100 جندي أمريكي.
  2. محاكاة لبلدة عربية تم بناؤها للقوات الإسرائيلية من قبل مهندسي الجيش الأمريكي في النقب أيضا منتصف العام 2000، وتستخدمها إسرائيل وأمريكا للتدريب العسكري على مجابهة التمرد في المناطق الحضرية.

وتستمر نماذج التعاون العسكري بين الجانبين إلى جانب العديد من برامج التعاون المشتركة الخاصة بالأسلحة. هناك عامل آخر وراء الثقة الكبرى لدى إسرائيل هو اعتمادها طويل الأمد على ترسانتها النووية كضامن أخير لأمنها.

عادة ما ينظر معظم الخبراء الإستراتيجيين إلى ذلك فقط على أنه رادع، إلا أنه يجدر الذكر إلى أنه خلال وقت مبكر من العام 1967، كان يبدو أن إسرائيل مستعدة لإطلاق سلاح نووي في حال فشل حرب الأيام الست التي بدأتها.

لكن إذا كانت علاقة إسرائيل بأمريكا ومخزونات الأسلحة النووية التي بحوزتها قد أسهمت في تعزيز قدرتها العسكرية في المنطقة، فإن مزيداً من النزاعات قد عملت على تقويض ثقتها.

فالحرب في لبنان عام 2006 لم تسِر على ما يرام حيث وجدت القوات الإسرائيلية هجومها على حزب الله اللبناني أكثر صعوبة مما كان متوقعاً، في حين فقدت القوات الإسرائيلية أثناء هجومها على غزة عام 2014 قرابة 66 جندياً، العديد منهم من قوات المشاة، لكن ما لا يظهر على السطح هو أن هناك شعوراً بفكرة إسرائيل «التي لا تُقهر» باتت أقل يقيناً.

بالنسبة للقادة السياسيين والعسكريين ومن بينهم بنيامين نتنياهو، فإن وضع حد لانعدام الأمن داخل إسرائيل يعد حاضراً بقوة.

الأكثر من ذلك، فهناك قلق دائم من أن يقترب إجمالي التعداد السكاني للفلسطينيين (في إسرائيل بالإضافة إلى المناطق التي تخضع لسيطرتها بما في ذلك قطاع غزة) من إجمالي التعداد السكاني للإسرائيليين أو يزيد ليتجاوزه في الأعوام المقبلة.


تطور بطيء

هنا تتدخل قضايا أوسع نطاقاً، وهي التي تتعلق بالتحول الديموغرافي غير المعترف به إلى حد كبير في التركيبة السكانية لليهود إسرائيل. وغالباً ما يتم تناسي أن إحدى النتائج الملحوظة لنهاية الحرب الباردة وحل حلف وارسو، هو أن الهجرة باتت أكثر سهولة على اليهود في الاتحاد السوفيتي السابق.

ولقد قام الكثير من اليهود بذلك، لاسيما من روسيا وأوكرانيا. وذهبت الغالبية، والتي تناهز المليون شخص، إلى إسرائيل مصطحبين معهم تجارب من التهميش وانعدام الأمن الشخصي، كما تقبل عدد كبير منهم بشكل خاص فكرة الانضمام للجيش الإسرائيلي.

وقد أسهم ذلك التدفق في زيادة التعداد السكاني لليهود بنسبة الخمس، وأصبحت ثقافة إسرائيل الأمنية ومكانتها أكثر تشدداً وصرامة نتيجة لذلك، مما أدى بدوره لخروج المزيد من اليهود الإسرائيليين الليبراليين من البلاد.

باختصار، تُعد الديناميات الداخلية والخارجية لإسرائيل حيوية بالنسبة لحسابات القيادة السياسية للدولة، وربما لا يقدم ذلك حلولاً سهلة لواحدة من أكثر الصراعات العالمية استعصاء. ولكن بالنسبة لأولئك الذين يبحثون عن نتيجة عادلة وسلمية، فإن وضع هذه الديناميات في الحسبان يجب أن يجعل الدفاع عنها أكثر واقعية مما قد يكون عليه الحال خلاف ذلك.