في 2013 كنا في المركز 148 من 148 في جودة التعليم، ومعندناش حاجة نخسرها، وسنة 2018 إحنا في المركز 133 من 137 في جودة التعليم الأساسي. مصر ارتفعت من 137 إلى 100 في التصنيف العالمي لمجرد أن لدينا رؤية.
طارق شوقي – وزير التربية والتعليم المصري
مصر في المركز الأخير على مستوى العالم في جودة التعليم، ومعندناش حاجة نبكي عليها.
المتحدث الرسمي لوزارة التعليم

ما قرأته هو عينة من التصريحات التي تدل على عشوائية تصريحات المسئولين عن التعليم في مصر، وعشوائية التخطيط والتنفيذ، وعدم الاهتمام بالدقة عند الإعلان عن الإحصائيات الدولية، والاستدلال على الارتقاء التعليمي بمجرد وجود خطة دون تنفيذها، ليكون الضمان الوحيد لخطط السيد الوزير هو المثل الشعبي الشهير: «قالوا: هايسخطوك يا قرد، قال: هايعملوا فيا إيه تاني»، أو كما صرح الرئيس: «كده خربانة وكده خربانة».


لا ضمانات.. فقط تصريحات

منذ أن عُيِّن طارق شوقي وزيرًا للتعليم وهو لا يمل من التصريحات التي تعد بمستقبل تعليمي باهر، وخطة وزارية لتخريج تلاميذ مؤهلين للتنافس عالميًّا في 2030، من خلال كتب ذات جودة مرتفعة، وتدريب للمعلمين، وتحسين لجودة التعليم، لكن كل ذلك يظل تصريحات بلا ضمانات حقيقية، وهو ما يجعله محط انتقاد شديد، أو كما يراه السيد الوزير تجاوزات وهجومًا غير مبررين، في ظل أن الوزارة «صنعت معجزة بكل المقاييس، بدليل الإنتاج»، بحسب تصريحاته، والتي لم يقدم لنا فيها أي علامات لهذه المعجزة وذلك الإنجاز.

ويبقى استنكاره للهجوم عليه استنكارًا غير مبرر، خاصةً في ظل تصريحاته الإعلامية التي ترى أن «الجميع في الداخل والخارج ينتظرون رؤية مصر لتطوير التعليم، في ظل هذه المرحلة التاريخية التي ستمثل نقطة فارقة في حياة الشعب المصري، والتي تحملت الدولة تكلفتها لبناء الإنسان المصري، بعد إعداد خطط تطوير التعليم مع الشركاء الدوليين، ومنهم البنك الدولي».

وهو ما قد يعني أن تطوير التعليم يعد بندًا من بنود قرض صندوق النقد الدولي لمصر، فالأمر ليس خطة، إنما هو فرض لاستكمال استحقاقات القرض، وهو أمر يُثار حوله العديد من التساؤلات والتشككات والشبهات، التي يبددها الوزير بتصريحاته:

إن اختيار عام 2019 عامًا للتعليم يؤكد بناء مستقبل أفضل للطلاب، ومن المفترض أن يسعد المصريون؛ لأن القيادة السياسية في الـ 50 عامًا الماضية لم تضع التعليم ضمن أولوياتها، وأولياء الأمور في حاجة إلى تغيير ثقافتهم عن التعليم والاهتمام بما سيتعلمه الطفل، وليس بدرجة الامتحان.

وكلها تصريحات رنانة بلا ضمانات أو آليات حقيقية أو منطقية في اتخاذ القرارات بناء على الواقع، مثلما حدث مع القرار الأخير بحظر استخدام الهاتف المحمول داخل المدارس، وهو ما لا يمكن تحقيقه واقعيًّا في ظل اعتماد الطلاب والمعلمين على هواتفهم المحمولة في كثير من الأمور اليومية.


تأجيل الدراسة

بدأت استعدادات الوزارة للعام الدراسي بتخبط إداري، حيث نفى مجلس الوزراء تأجيل الدراسة، مؤكدًا على بدئها في موعدها المُعلن طبقًا للخريطة الزمنية التي اعتمدها المجلس الأعلى للتعليم، لتبدأ في 1 سبتمبر/أيلول 2018، لرياض الأطفال، والصف الأول الابتدائي، و 22 سبتمبر/أيلول، لبقية الصفوف، مع التأكيد على أنه لا يوجد أي مبرر لتأجيل بدء الدراسة، في ظل أن مديريات التربية والتعليم جميعها على أتم استعداد لبدء العام الدراسي الجديد.

وبعد ذلك بأيام أعلنت الوزارة تأجيل بدء الدراسة لرياض الأطفال والصف الأول الابتدائي إلى 22 سبتمبر، مع إضافة الأسابيع الثلاثة المؤجلة إلى نهاية العام الدراسي، ليكون قرار الوزارة تعديل موعد الدراسة وليس تأجيلها، وهو تصريح لم يفهمه أولياء الأمور، فالتعديل هنا شمل التأجيل، وهو ما يعني أن المسميين غير مختلفين، وعلّلت الوزارة ذلك التعديل بأنه جاء استجابة لمطالب أولياء الأمور، لكن ما لمسه أولياء الأمور من عدم جاهزية المدارس والمعلمين، وعدم طباعة المناهج الجديدة، جعلهم يوقنون أن الوزارة غير مستعدة للعام الدراسي، لذا قامت بالتأجيل أو التعديل، لا فرق.


النظام الجديد والمدارس اليابانية

كل هذه الكليشيهات لم تكن كافية للتأكيد على جاهزية الوزارة لتطبيق النظام الجديد للتعليم، فقد أعلنت الوزارة عن تدريب ما لا يزيد على 120 ألف معلم على المناهج الجديدة، بما لا يتخطى 2% من أعداد المعلمين، مما ينذر بعجز كبير تدّعي الوزارة بأنه سيتحسن تدريجيًّا بزيادة أعداد المعلمين المتدربين، وهو ما يدفعنا للتساؤل: كيف يُعمم المنهج الجديد على المدارس جميعها في ظل هذه النسبة الضئيلة من المعلمين المدربين؟

واستكمالاً للتخبط أكدت الوزارة تطبيق النظام التعليمي الجديد غير الواضح فيما يخص المناهج والتقييم، وفي ظل عدم وجود اختبارات حتى الصف الثالث الابتدائي، إلى جانب حرمان طلاب النظام القديم من أي امتيازات خاصة بالنظام الجديد والاكتفاء بـ «ترميم» النظام التعليمي القائم، وهو ما لم تحدده الوزارة، بعدم تفسيرها لهذا الترميم.

كما أعلنت الوزارة تطبيق منظومة التعليم الجديدة على الطلاب المصريين في الخارج، دون تسليم «التابلت» لطلاب الصف الأول الثانوي منهم، ودون إرسال الكتب مطبوعة، بل تكليف المدارس بالخارج بطباعتها، وهو ما يعني حرمان هؤلاء الطلاب من المساواة بنظرائهم داخل مصر دون مبرر، ودون بديل.

وبعد أن أعلنت الوزارة بدء الدراسة بالمدارس اليابانية العام الماضي، ثم أعلنت توقف الدراسة بعد البدء بأسبوع فقط، عادت الوزارة لتعلن بدء العمل بالمدارس اليابانية هذا العام، بدخول 34 مدرسة مصرية يابانية الخدمة في 19 محافظة، لتكون تحت إدارة «شركة تابعة للوزارة»، وتحت إشراف خبراء يابانيين لتدريب المعلمين على أنشطة «التوكاتسو»، التي تَعِد تصريحات الوزير بأن تجعل الطالب المصري ينافس نظيره الياباني، وهو ما لا توجد ضمانة لتحقيقه في ظل التخبط الذي حدث العام الماضي.


الكتب الخارجية والمستوى الرفيع

أعلن الوزير وقف منح التراخيص لدور النشر لطبع الكتب الخارجية في النظام الجديد، وهو ما يعني عدم توفر البديل الذي كان يساعد الطالب والمعلم على التحصيل والدراسة. وفي ظل عدم وجود بديل مدرسي فالأمر يبدو كأن الوزارة تعاقب الطالب لا دور النشر.

كما قررت الوزارة إلغاء كتب المستوى الرفيع، على الرغم من أن تكلفتها يتحملها الطالب، وعللت الوزارة ذلك بأنها مصاريف بلا فائدة أكاديمية، فقد تم دمج محتوى المستوى الرفيع في الكتاب الجديد، وبحسب تصريح الوزير: «هيدرس الطالب إنجليزى محترم جدًّا»، دون إيضاح لهذا «الإنجليزي المحترم»، في ظل تكتم الوزارة على المناهج الجديدة، مع الاكتفاء بالتأكيد على جودتها، وخبرة مُعدّيها، الذين هم خبراء مركز تطوير المناهج بالوزارة، والمسئولون عن إعداد المناهج القديمة التي أدت إلى تدهور التعليم، فكيف يكون هؤلاء هم مُعدّو المناهج الجديدة أيضًا؟


زيادة المصروفات

رغم تحديد الوزارة لشرائح الزيادات في مصروفات المدارس الخاصة، قامت بعض المدارس بزيادة المصروفات عن الشرائح المحددة، بنسب تتراوح بين 20 و40%، وبزيادة تجاوزت 7 آلاف جنيه في بعض المدارس، فضلاً عن زيادة رسوم «الباص» بنسب أعلى مما حددته الوزارة أيضًا، والتي تراوحت بين 30 و45%.

وقد قامت المدارس بزيادة المصروفات قبل أن تقرر الوزارة نسب الزيادة، ورفضت إدارات المدارس رد المبالغ الزائدة عن النسب المقررة، مما دفع أولياء الأمور إلى المطالبة بتسديد المصروفات عن طريق حساب بنكي تشرف عليه الوزارة؛ منعًا للتلاعب، إلا أن بعض المدارس أعلنت رفضها لذلك، وطلبت الدفع «كاش»، فيما أعلنت الوزارة –كالمعتاد- تشكيل لجان للتحقيق في هذا الأمر، دون أن تصل –كالمعتاد– إلى أي حل.

ويقوم أصحاب المدارس باستغلال الطلبات القانونية بإعادة تقييم المصروفات لمدارسهم، والتي تأخذ شكلًا قانونيًّا بإعداد لائحة تتضمن مصروفات المدرسة ومواردها لتقرر الوزارة نسبة الزيادة، فيقدر أصحاب المدارس مصروفات جزافية للرواتب والتكاليف؛ لتبرير زيادة المصروفات، وهو ما لا تجد الوزارة أمامه إلا «الفِصال» مع صاحب المدرسة لتقليل الزيادة، ثم تُعلن بعد ذلك أن أولياء الأمور هم الذين يشجعون أصحاب المدارس على رفع المصروفات في ظل قيامهم بالدفع، وهو ما لا يجد ولي الأمر مهربًا منه في ظل سوء مستوى المدارس الحكومية.


«التابلت» والثانوية الجديدة

الاستعدادات لبداية الدراسة تجري على قدم وساق، ووزارة التعليم تجري الاستعدادات النهائية لعام دراسي مميز.

«الثانوية الجديدة» أمر آخر مبهم للسيد الوزير الذي أعلن أن «التابلت» سيُسلَّم مجانًا لطلاب الصف الأول الثانوي، على أن يستمر معهم حتى الصف الثالث الثانوي، ضمن تغيير شامل للثانوية العامة، وذلك رغم ضعف البنية التحتية للمدارس، وسوء مستوى البنية التكنولوجية والاتصالاتية، وعدم تغيير محتوى المناهج، وعدم استكمال تدريب المعلمين على التعامل مع النظام الجديد.

كل ذلك يحول دون تحقيق ما يعلنه الوزير من توفير محتوى ينقل الطالب من التلقين إلى الفهم، في ظل عدم تغيير طرق التقييم في النظام الجديد، والاكتفاء بأن يكون العام الأول بمثابة تجربة لتدريب الطلاب على «التابلت» والمحتوى، مع تغيير شكل الامتحانات فقط في النظام الجديد، بتحويل «البوكلت» الورقي إلى «تابلت»، كما أنه «سيخفض من الغش والدروس الخصوصية بما لا يقل عن 75%»، دون أن يوضح الوزير مصدر تلك الإحصائية أو مدى صدقها وضمان تحققها، لكنها عادة السيد الوزير الذي لا يقدم ضمانًا إلا تصريحاته، التي قال فيها:

لا بد أن نطمئن جميعًا، فالرئيس لن يقول حاجة ويسمح بألا تعمل.

إلى جانب ذلك، فما أعلنته الوزارة من تفاصيل لنظام الدراسة والتقييم لطلاب الصف الأول الثانوي تشمل أمورًا وأنشطة غير متوفرة بالمدارس، مثل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتربية الرياضية، والأنشطة التربوية المختلفة: التربية الفنية والموسيقية، والنشاط العلمي المهني، والاقتصاد المنزلي، والكشافة، والإرشاد، والمسرح والتمثيل، والصحافة والإعلام، وخدمة المجتمع وتنمية البيئة، والنشاط العلمي والإبداعي، والمكتبات، وكلها أنشطة لا تتوفر لها أمكنة أو أدوات أو معلمون بالمدارس، ويُتَعَامل معها على أنها «حصص ألعاب» أو «حصص احتياطية»، في ظل عجز المدارس الحكومية عن توفير متطلباتها.

كما أن نظام الامتحانات المُعلن لا يزال مبهمًا، حيث تُجرى 4 امتحانات خلال العام الدراسي، بمعدل امتحانين في نهاية كل فصل دراسي، على أن يُحسب للطالب أعلى درجة منهما.

ما نعرفش لسه… ما جالناش منشور رسمي… لحد دلوقتي هو ده اللي هايحصل

هذه هي الإجابات التي تحصل عليها حاليًا عند سؤالك لإدارات المدارس عن النظام التعليمي أو المناهج، فالإداريون والمعلمون لا يعلمون شيئًا بسبب عدم وضوح رؤية الوزارة في كثير من الأمو، إلا في تصريحات طارق شوقي، التي اتسمت بـ «الشو الإعلامي» بلا أي ضمانات أو خطط واقعية واضحة، وهو أمر لا يستقيم مع إطلاق الدولة على عام 2019 (عام التعليم)، فالواقع الحالي يبرز مدى تدني استعدادات الوزارة، وعدم جاهزية الإداريين والمعلمين، فما بالك بأولياء الأمور والطلاب.

الأمر ينذر بخطر، والوزارة لم تستعد جيدًا، والوزير لا يمل من التصريح، فقط التصريح.