محتوى مترجم
المصدر
the conversation
التاريخ
2018/09/24
الكاتب
نونو بينتو و آية بدوي

مصر، أحدث دولة تقوم ببناء عاصمةٍ جديدةٍ من الصفر، مع طموحاتٍ بنقل البرلمان من القاهرة بدايات صيف عام 2019، مع ما يقرب من 24 مليون شخص يعيشون في العاصمة الحالية، القاهرة الكبرى، حيث تعاني العاصمة المصرية الحالية من مشاكل الازدحام الشديد والاكتظاظ السكاني، تدّعي الحكومة حلها من خلال العاصمة الجديدة.تنضم مصر إلى أكثر من 30 دولة نقلت عواصمها إلى مدن جديدة من الصفر؛ من بين أشهر الأمثلة، البرازيل وأستراليا وكازاخستان ونيجيريا. تُبنى المدينة على بعد 45 كم شرق القاهرة الكبرى، وتضم قصرًا رئاسيًّا جديدًا وبرلمانًا وبنكًا مركزيًا وحيًّا تجاريًّا ومطارًا ومتنزهًا كبيرًا، إلى جانب تسكين 6.5 مليون شخص.لكن في حين يمكن للعواصم السياسية الجديدة أن تكون رمزًا للهوية الوطنية وأدوات للتنمية، دائمًا ما كانت نجاحات هذه المشاريع الضخمة و إخفاقاتها مثار جدل كبير، ولعل أشهر مثال على ذلك «برازيليا» التي صُممت لـ تجسيد المُثل العليا التقدمية والعدل في خمسينيات القرن الماضي في البرازيل، ويشوبها اليوم الفصل بين المناطق الحضرية واللا مساواة!


برازيليا مدينة مقسَّمة

تنقسم المنطقة الحضرية في برازيليا إلى منطقتين مميزتين؛الخطة التجريبية، التصميم الحضري المعروف للمعماري البرازيلي لوسيو كوستا. ومدن الأطراف التي حلت محل العديد من المستوطنات العشوائية التي بناها عمال البناء الذين عملوا في الخطة التجريبية.يعيش أقل من 10% من سكان برازيليا في الخطة التجريبية، التي خُطِّطت بعناية لاستضافة الحكومة الفيدرالية وموظفيها المدنيين والنخب المثقفة. حَلم كوستا بخلق مدينة عادلة، تضم الفئات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة للمجتمع البرازيلي، وتتقاسم الحياة بعدل في المدينة، لكن فشلت الخطة في الالتزام بـ رؤية كوستا، وأُجبرت الأسر الفقيرة على الخروج منها في وقت مبكر من أواخر الخمسينيات. وضعت الحكومة خطط إعادة الإسكان باستخدام أساليب بيئية وصحية، حتى في مجال البناء، كمبررات تقنية لتحديد مواقع مدن الأطراف الجديدة بعيدًا عن الخطة التجريبية، مع إظهار القليل من الاهتمام بالمتضررين.على سبيل المثال، أقام سكان مستوطنة أموري منازلهم في الموقع المخطط لحفر بحيرة بارانا الاصطناعية، مع علمهم بحاجتهم ذات يوم للانتقال. لكن بدلًا من أن تقوم الحكومة بنقلهم بطريقة مناسبة ومنظّمة، اضطر السكان إلى الفرار من ديارهم بعد تحذيرهم ببضعة أيام فقط، وذلك حين بدأت البحيرة في الامتلاء. حتى يومنا هذا، يمكن رؤية أدوات المطبخ والأدوات المنزلية الأخرى بين الأنقاض تحت البحيرة، دليلًا على هروب السكان!نُقل السكان إلى مدن الأطراف مثل سيلانديا، والتي تبعد أكثر من ساعة ونصف من الخطة التجريبية باستخدام وسائل النقل العام، وواجهت العائلات ذات الدخل المنخفض صعوبة في العثور على عمل والمشاركة في الحياة المدنية، ولم يُنفذ اقتراح كوستا الذي قدمه عام 1987 بالكامل لتنفيذ الخطة التجريبية بمناطق قليلة التكلفة.كان ولا يزال صعوبة الوصول إلى البنية التحتية العامة الأساسية والفصل المكاني – الذي فرضته أولًا برامج إعادة التوطين، ولاحقًا أسواق الإسكان والوظائف الخاصة – هما المحركان الرئيسيان لـ عدم المساواة في المدينة.


التاريخ يعيد نفسه

يُقصد بعاصمة مصر الجديدة التي لم يكشف عن اسمها بعد أن تكون لها استخدامات مختلفة للأراضي. تركز المرحلة الأولى على المناطق الحكومية والسكنية، مع توفير إمدادات كبيرة من المرافق العامة والبنية التحتية الخضراء ووسائل النقل، وعلى الرغم من تضمن الخطط للإسكان قليل التكلفة، فإن متوسط الأسعار بعيد عن متناول العامل متوسط الدخل.سيزيد الطابع الجذاب للتطورات في العاصمة الجديدة من عدم إتاحة التطوير السكني بالقرب من المدينة الجديدة، ولدى الحكومة سياسة مطبّقة للتحكم في سعر الأرض كل ستة أشهر، وحتى الآن، يرتفع سعر الأرض فقط. ليس هذا النهج وسيلة فعالة لضمان بقاء الإسكان في العاصمة الجديدة في متناول المواطنين ذوي الدخل المنخفض. هناك خطر حقيقي من أن تكرر المدينة الجديدة الاتجاه التاريخي للفصل المكاني، والذي ما زال يمكن ملاحظته في القاهرة اليوم.نتيجة لذلك ستبحث الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط عن سكن على أطراف العاصمة الجديدة، ما يؤدي إلى تطوير مستوطنات سيئة التخطيط والمرافق، ما قد يعزز من عدم المساواة الحضرية.


تصميم مختلف

يجب ألا يغطي الانبهار بالعاصمة الجديدة وصورتها كمدينة نظيفة ومنظمة وذكية ومستدامة، الحاجة إلى مجتمع متوازن ومتنوع وعادل.ينبغي على المخططين والسلطات المشاركة في العاصمة المصرية الجديدة تأمّل برازيليا، فمن الواضح أن سياساتها الساعية إلى توفير إسكان بأسعار مناسبة وتسهيل فرص العمل داخل العاصمة الجديدة لو تم كان من الممكن أن يحول دون انتقال الفقراء إلى مدن الأطراف المحيطة.إذا نجحت، يجب على العاصمة المصرية الجديدة الالتزام بمبادئ المدينة الشاملة، حيث يمكن لجميع المواطنين أن يجتمعوا ويتشاركوا المدينة وفرصها. كان هذا هو المبدأ الأكثر أهمية لكوستا، لكن بدون سياسات هادفة لدعم المواطنين ذوي الدخل المنخفض، لم يطبق في برازيليا التي أنشأها بشكل جميل.