توالت التصريحات الحكومية والدولية حول تحسن مؤشرات أداء الاقتصاد المصري خلال عام 2018، أبرزها تصريح محافظ البنك المركزي بأن ارتفاع الأسعار انتهى والتضخم ينخفض، كما جاء مشروع الموازنة العامة للعام المالي 2018/2019، مستهدفًا وضع حلول لمشكلات ارتفاع التضخم والبطالة والدين العام. في المقابل ارتفعت مخاوف المواطنين من موجة جديدة لارتفاع الأسعار بالتوازي مع تخفيض الدعم لاسيما وأن تصريحات الغرف التجارية أكدت الارتفاعات القادمة. وما بين النقيضين نرصد في هذا المقال أبرز المخاطر الاقتصادية التي من المرجح أن يواجهها المواطنون خلال عام 2018.


زيادة سعرية جديدة

توالت تصريحات مقدمي الخدمات ومنتجي السلع تفيد زيادة سعرية جديدة بداية من شهر يناير/كانون الثاني 2018، فصرّح نائب رئيس شعبة البقالة والسلع الغذاية بغرفة تجارة الجيزة، بأن أسعار السلع الغذائية غير الأساسية ستشهد ارتفاعاً بنسبة 10%، طبقاً للأسعار الجديدة التي أرسلتها الشركات للتجار، في حين ستبقى السلع الأساسية كالسكر والأرز وبعض أنواع الزيوت دون زيادة.

وعلى جانب الخدمات، فإن أسعار الكهرباء والمياه ومنتجات الطاقة ستبقى دون زيادة حتى يونيو/حزيران 2018، ولكن مع بداية العام المالي الجديد في يوليو/تموز 2018، سيتم فرض زيادات جديدة على أسعار هذه الخدمات، وإن كانت الحكومة لم توضح هذه الزيادات بعد، لكن أكدت وزارة المالية في منشورها عن مشروع الموازنة العامة للعام المالي 2018/2019 على استكمالها لإجراءات الإصلاح الاقتصادي وتخفيض الدعم، وذكرت عبارة «إزالة التشوهات السعرية في السوق» والتي تعني بشكل مباشر «إخضاع أسعار الخدمات الأساسية لسعر السوق الحر الذي يحدده قانون العرض والطلب دون توفير دعم من الدولة».

أي أنه من المرجح، طبقاً للتصريحات الحكومية، أن الزيادات السعرية في الخدمات ستكون تدريجياً حتى عام 2021.

ومن المرجح أن تثمر الزيادات السعرية في يوليو/تموز 2018 عن زيادة أسعار خدمات أخرى مرتبطة بالوقود والكهرباء والمياه، أولها، بلا شك قطاع النقل والمواصلات، الذي سيرفع رسوم النقل العام، وأيضًا تعريفة التاكسي والسوبر جيت والقطارات. كذلك سترتفع رسوم شحن ونقل السلع والبضائع داخل الجمهورية، مما يؤدي إلى رفع أسعارها، بالإضافة إلى ارتفاع رسوم قطاع المطاعم والفندقة التي ستزيد أسعار خدماتها فور زيادة تكلفة الكهرباء والمياه والطاقة.

وكانت قد صدرت تصريحات سابقة بزيادة في أسعار تذاكر المترو إلى 6 جنيهات، إلا أنه تصريح لا يُعول عليه، خاصة وأن الزيادة الأخيرة في سعر التذكرة المترو (من 1 إلى 2 جنيه) لم يمر عليها أكثر من عام. بينما صرّح المتحدث الرسمي باسم وزارة النقل بأنه سيتم ربط سعر تذكرة المترو بعدد المحطات المستخدمة بالتوازي مع دخول محطات جديدة إلى الخدمة، وذلك خلال الربع الأخير من العام المقبل.

في مقابل تخفيض الدعم على الخدمات، تبقى الضرائب عند معدلاتها المعتمدة خلال عام 2017/2018، وكانت آخر زيادة ضريبية هي رفع ضريبة القيمة المضافة من 13% إلى 14% في يوليو/تموز 2017.


لا وظائف حكومية

يبدو أنه لن تحدث تعيينات جديدة داخل الوظائف الحكومية، فقد كانت آخر الوظائف تلك التي شُغلت في أكتوبر/تشرين الأول 2017. فطبقًا لما نص عليه منشور الموازنة العامة للعام المالي 2018/2019، فإنه لن يتم تعيين أو شغل أي وظيفة حكومية جديدة إلا في حالات الاحتياجات القصوى، وبشرط الحصول على موافقة من مجلس الوزراء.

أما عن الوظائف المشغولة بالفعل، فإن زيادات الأجور والمكافآت ستكون محدودة، حيث أبقت الموازنة الجديدة اعتماد العلاوات، لكنها قيّدت وحجمت المكافآت. كما طلبت وزارة المالية من كافة الهيئات والمؤسسات الحكومية إعداد «موازنة الموظف» التي تُبين عدد الموظفين ومهامهم ومصادر التمويل لأجورهم، لتبين مدى تناسب مستوى العمالة مع طاقة الهيئة أو المؤسسة والعاملين بها.


انخفاض الأجور الحقيقية

من غير المُرجح أن يتم اعتماد أو إقرار أي زيادة في أجور العاملين سواء داخل القطاع العام أو الخاص.

فيما يخص القطاع العام، فإنه يُحدد الحد الادنى الأجور بـ 1200 جنيه، وتم تداول تصريحات بأن وزارتي المالية والتخطيط يبحثان زيادته إلى 1500 جنيه. أما القطاع الخاص، ورغم أنه لا يوجد قانون يُلزمه بتحديد حد أدنى للأجور إلا أن هناك مشاروات بين الوزارتين والشعب التجارية وجمعيات رجال الأعمال لتحديده بـ 2000 جنيه.

في مقابل الارتفاع الضعيف للأجور النقدية أو ثباتها، يبقى معدل التضخم أو مستوى الأسعار مرتفعًا، وهو ما يعني انخفاض الأجر الحقيقي (قيمة الأجر النقدي مقسومة على معدل التضخم) بمعنى آخر فإن ارتفاع الأسعار يمكنه أن يمتص أي زيادة في الدخل بل ويحوله إلى قيمة سالبة. وطبقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن الزيادة السنوية للأجور في مصر تبلغ حوالي 7%، بينما توضح بيانات البنك الدولي أن معدل التضخم في مصر عام 2017 بلغ 23.3%، ومن المتوقع أن يصل إلى 22.1% عام 2018. بما يعني أن الاجور الحقيقية للمصريين ستستمر في الانخفاض عام 2018.


تذبذب سعر الصرف

يبدو أن سعر صرف الجنيه مقابل الدولار الأمريكي، ما زال مُتذبذباً بين الارتفاع والانخفاض، وإن كانت التغييرات بسيطة وليست حادة، إلا أنه يظل غير ثابت أو مستقر، بما يعني مزيدًا من اللايقين حول سعر العملة. وهو ما يؤدي إلى تذبذب في تكلفة وأسعار المعاملات الخارجية كالتصدير والاستيراد ودفع فوائد الدين. كما أن البنك المركزي لم يعلن عن ربط جديد ثابت لسعر الصرف، بما يعني أن السوق الحر سيكون المحدد الوحيد لسعر الصرف.

وفي حالة استمرار ارتفاع سعر الصرف – وهو الأكثر ترجيحاً – فإن تكلفة خدمة الدين العام، وتكلفة الجمارك، والواردات ستتجه إلى الارتفاع. بينما سيستمر نجاح الحكومة في تحجيم السوق السوداء، حيث إن عرض النقد الأجنبي بالمصارف أصبح أكثر إتاحة مقارنة بالسنوات السابقة. وعليه، فلن تقابل المواطن مشكلة في أماكن شراء العملات الأجنبية، ولكنه ربما يواجه تكلفة مرتفعة قريبة من تكلفة عام 2017.


الدين العام

كان عام 2017 هو العام الأعلى مديونية، حيث حصلت الحكومة المصرية على الدفعة الثانية من قرض صندوق النقد الدولي، والتي تُقدر بحوالي 6 مليارات دولار، كما حصلت على 18 مليار دولار من جهات خاصة استثمرت في أذون الخزانة المصرية، فضلاً عن 7 مليارات دولار من الديون الأجنبية.

وطبقاً لآخر بيانات البنك المصري، فإن نسبة الدين الخارجي وصلت إلى 33%. كما صرّح طارق عامر بأن مصر تلقت 80 مليار دولار منذ التعويم في نوفمبر/تشرين الثاني 2016. ومع بداية عام 2018 قررت الحكومة المصرية توقيع صفقة تمويل جديدة مع بنوك أجنبية بقيمة 3.1 مليار دولار.

وطبقاً لآخر بيانات وزارة المالية المصرية فإن نسبة الدين العام بلغت 105.7% في مارس/آذار 2017، بينما صرح البنك المركزي بأن حصة المواطن المصري من الديون الخارجية ارتفعت من 759.4 دولار في (يناير/كانون الثاني – مارس/آذار 2017) إلى 812.3 دولار (في يونيو/حزيران 2017). أي بنسبة 7% خلال ثلاثة أشهر. بينما سيشهد عام 2018 تسديد مصر حوالي 14 مليار دولار من الديون الخارجية، أبرزها للإمارات والسعودية، وهي ديون تم استلامها عام 2015.

وبناء على ما سبق، فإنه من المرجح أن ترتفع تكلفة خدمة الدين العام، وترتفع حصة المواطن من الدين العام خلال عام 2018.